والمختار: ما قاله أصحابنا وأبوحنيفة، وهو رواية المزني؛ لأن أصل الماء باق على التطهير فهو الأصل فيه وما عرض فيه غير مغير لهذا الحكم وما علق به في حكم المزايل له، فلهذا قضينا بكونه طاهراً مطهراً.
قال السيد المؤيد بالله: والقمقم إذا سُخِّن فيه الماء فوجدت فيه رائحته فإنه لا يضره؛ لأنه ليس مما يخالط أجزاءه الماء، وكذلك الكوز الذي توجد فيه رائحة المثلث، فإنه لا يضر الماء بعدما غسل ولا بأس به لأن ذلك للمجاورة لا للمخالطة.
وإن تغيرت رائحة الماء برائحة ميتة بقربه، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه مطهراً عند أئمة العترة وهو قول الفقهاء: أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه، ولا يعرف فيه خلاف، لأن تلك الرائحة إنما كانت على جهة المجاورة دون المخالطة؛ لأنها غير متصلة به على جهة المخالطة فتكون مانعة عن تطهيره.
مسألة: وإذا أخذ الطحلب وجُفف ثم دُق ووضع في الماء فتغير به، وهكذا حال الزرنيخ والشب والكحل، فإن هذا الأشياء إذا خالطت الماء وغيرته فإنه لا يجوز التطهر به عند أئمة العترة وجميع الفقهاء؛ لأن تغييرها إنما يكون مغتفراً إذا كانت حاصلة في المنابع بحيث لا يمكن الاحتراز منها، وهكذا يكون حال الطحلب فإنه يغتفر تغير الماء به إذا كان نابتاً فيه، وأما إذا كانت منفصلة عنه ثم خالطته، فإنما يصير كالزعفران والعصفر(1) في تغير الماء وانفصالها عنه، بخلاف التراب فإنه سواء كان في مقره أو ممره أو حمل إليه فتغير به فإنه لا يضر التطهر عند أئمة العترة وفقهاء الأمة.
__________
(1) الزعفران: مسحوق أحمر كان يخلط به الماء ليزيل منه السموم ويطيب رائحته. جاء في القاموس: الزعفران: م (مُعَرَّب) وإذا كان في البيت لا يدخله سام أبرص، ومن الحديد صدؤه، جمعه: زعافر. وزعفره: صبغه به. ا.هـ.
والعصفر: بالضم نبت يهرئ اللحم الغليظ وبزرة القرطم. وعصفر ثوبه: صبغه به فتعصفر. ا.هـ. قاموس.
والحجة على ذلك: هو أن المعلوم من حال السلف أنهم كانوا لا يحترزون عن الأمواء التي يختلط بها التراب ولا يتصونون عنها.
وقد حكي عن بعض الفقهاء أنه إذا حمل على الماء على جهة القصد فتغير به أنه لا يجوز التطهر به، وهذا لا وجه له لما ذكرناه من عادة السلف؛ ولأن اتصاله إنما يكون على جهة المجاورة دون المخالطة ولهذا فإنه يرسب في القرار ويصفو الماء عليه.
والمختار: هو الأول من قول العترة وفقهاء الأمة؛ لأن التراب طهور في نفسه، لقوله ً: (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1). فاتصاله بالماء إن لم يزدهُ قوة في التطهير لم يزدهُ ضعفاً.
وإن تغير الماء بطول المكث فهو طاهر مطهر، هذا هو قول أئمة العترة وفقهاء الأمة ، ولا يعرف فيه خلاف.
ووجهه: هو أن الماء باق على أصل التطهير والطهارة في نفسه ولم يعترض له ما يخرجه عن ذلك بمخالطة ولا ممازجة يغير حكمه، فلهذا وجب الحكم عليه بما ذكرناه من الطهارة.
مسألة: وإن تناثرت أوراق الشجر في الماء فتغير بها بعض أوصافه، ففيه مذاهب ثلاثة:
__________
(1) والحديث: عن جابر قال: قال رسول اللّه ً: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )) رواه البخاري ومسلم. وجاء الحديث في مجموع الإمام زيد عن علي عن النبي ً: ((أعطيت ثلاثاً لم يعطهن نبي قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا..إلخ )).
أحدها: أنه تصح الطهارة به، وهذا هو الذي رواه الفقيه محمد بن منصور الكوفي ) عن السلف، وارتضاه الإمام أبوطالب وهو أحد أقوال الشافعي.
والحجة على هذا: أن الأوراق [هي] مما لا يمكن صون الماء عنها ويتعذر الاحتراز منها، فجرت مجرى أصول الأشجار والطحلب وغيره مما لا يمكن صون الماء عنه، ومما يكون في مقره وممره.
الثاني: أنه لا يصح التطهر به، وهذا هو الذي ذكره السيد المؤيد بالله وعول عليه الأكثر من أصحابنا، وأحد أقوال الشافعي.
والحجة على هذا: هو أن ما هذا حاله مانع طاهر اختلط به فمنع كونه طهوراً كما لو خالطه الأشنان والصابون، وهذا إذا كانت مما ينعصر في الماء لرطوبتها، فإنها تكون مانعة، فإن كانت مما لا ينعصر كاليابسة لم يمنع التطهر به.
المذهب الثالث: التفصيل، وهو أنه يُنْظَر، فإن كانت من أوراق الربيع فإنه لا يجوز التطهر به؛ لأنه قليل يمكن صون الماء عنه، وإن كان من ورق الخريف فلا بأس؛ لأنه يكثر ويتعذر صون الماء عنه، وهذا ذكره بعض أصحاب الشافعي.
__________
(1) محمد بن منصور بن يزيد المرادي الكوفي أبو جعفر مؤرخ محدث مفسر، من فقهاء الزيدية وهو جامع أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد المعروف، وله كتاب (الذكر) تحت التحقيق، وله التفسير الكبير والتفسير الصغير، وهو أحد الأئمة الخمسة في الحديث عند الزيدية. تعمر طويلاً قيل: 150سنة، ومات سنة 290هـ. (انظر طبقات الزيدية (خ)، الجداول (خ)، لوامع الأنوار، فهرست ابن النديم ص244. وغيرها).
والمختار في ذلك: أنه ينظر، فإن كان المتغير من الماء بمخالطة الأوراق هو لونه وطعمه لم يجز التطهر به؛ لأن ما هذا حاله يكون مخالطاً ممازجاً للماء، وإن تغير بالرائحة فما هذا حاله يكون مجاوراً فيجوز التطهر به، فتغيره باللون والطعم ينزل منزلة تغيره بالخل واللبن في المخالطة، وتغيره بالرائحة بمنزلة تغيره بالعنبر والمسك في المجاورة دون المخالطة، وإلى ما اخترناه يشير كلام المؤيد بالله حيث قال: إذا تغير لون الماء بعمى البيت(1) من الدخان ونحوه فإنه لا يتطهر به، لأنه تغير باختلاط؛ لأن تغير اللون يبعد أن يكون من غير اختلاط، ولأن أصل الماء على الطهارة والتطهير فلا يمكن قطع كونه مطهراً إلا بخروجه عن كونه ماء، وهذا لا يمكن إلا لأجل المخالطة، فلا جرم كانت التفرقة هي الوجه المختار.
مسألة: والملح إذا طُرِحَ في الماء فتغير به أحد أوصافه، ففيه احتمالات ثلاثة:
أحدها: أنه يصح التطهر به، والحجة أن كل ملح فهو منعقد من الماء في الأصل، فلهذا لم يفترق الحال فيه بين أن يكون بحرياً أو جبلياً في أنه غير مغير للماء.
وثانيها: أن كل واحد من المِلْحَين مغير للماء؛ لأنه قد خرج عن صفة الماء فصار كالزعفران والأشنان، فلهذا كان مغيراً بالمخالطة.
__________
(1) هكذا في الأصل.
وثالثها: التفرقة بين الملحين، فإن كان بحرياً لم يمنع التطهر به، وإن كان جبلياً فهو مانع للتطهر به، وهذا هو المختار كما مر تقريره؛ لأن ما كان بحرياً فهو ماء في الأصل فينزل منزلة الثلج إذا ذاب(1)، وإن كان جبلياً منع من التطهر، لأنه بمنزلة الأشياء الطاهرة إذا كان الماء متغيراً بها في منع التطهر به، وقال الشافعي في (الأم): والقطران(2) يجوز التطهر به، ثم قال بعد ذلك: إنه مانع من التطهر به.
والمختار فيه: تفصيل نشير إليه وهو أن ما كان اتصاله بالماء على جهة المخالطة فإنه مانع من التطهير، وما كان اتصاله بالماء على جهة المجاورة فإنه غير مانع للطهارة.
ووجه التفرقة التي ذكرناها: تكون إما باعتبار حالين: وهو أن القطران جنس واحد خلا أنه ربما اشتد اتصاله بالماء حتى صار مخالطاً فلهذا منع التطهر به، وربما لم تشتد مخالطته فكان مجاوراً فجاز التطهر به.
وإما باعتبار جنسين، وهو أن من القطران ما يرق فيخالط وربما غلظ فكان مجاوراً.
__________
(1) لا يظهر وجود تشابه بين الملح البحري والثلج من حيث أن أصلهما من الماء؛ لأن الملح يتكون من عدة عناصر توجد في ملوحة الماء تحولت بتفاعلها إلى مادة صلبة لا تذوب بذاتها منفصلة عن الماء، بينما الثلج ماء تجمد يعود إلى السيولة بمجرد ارتفاع درجة الحراة في محيطه، فافترقا.
(2) القطران: سائل أسود معروف يستخرج من جذوع بعض الأشجار عند حرقها. وفي لسان العرب: وفي التنزيل العزيز: {سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ}. قيل والله أعلم: إنها جعلت من القطران، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود. وقرأها ابن عباس {مِن قِطْرٍ آنٍ}. والقطر: النحاس. والآني: الذي انتهى حرُّه. والقطران اسم لرجل سمي به، لقوله:
أنا القطران والشعراء جربى وفي القطران للجربى هناء
انتهى بلفظه.
والحجة في ذلك: هو أنه إذا صار مخالطاً فالمخالطة مخرجة له عن اسم الماء، و إذا صار مجاوراً فالمجاورة لا تخرجه عن صفة الماء، فلهذا كان الاعتبار في جواز التطهر وعدمه، إنما يكون بالمخالطة والمجاورة كما أوضحناه.
مسألة: كل ما جاز التطهر به من الأمواء جاز إزالة النجاسة به عندنا، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه، ودليله ما مر فلا نعيده. وكل ما تزال به النجاسة من المياه فإنه يجوز التطهر به عند أئمة العترة، وهو محكي عن الشافعي وأصحابه.
والحجة على ذلك: هو أن كل واحد منهما طهارة تراد للصلاة تعبدية لا يعقل معناها فكانت مقصورة على الماء لما حكيناه من الظواهر الشرعية خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه فإنهم زعموا إزالة النجاسة بغير الماء مما يكون قالعاً مزيلاً لها كالخل واللبن، والتطهر بنبيذ التمر ليس من جهة كون طهارة الحدث معقولة المعنى عندهم، كما زعموه في طهارة النجاسة، ولكنه جائز بتخصيص الخبر له، ولهذا قصروه على نبيذ التمر دون غيره من الأنبذة، فصارت الأمواء الطاهرة على ثلاثة أضرب نفصلها:
الضرب الأول منها: الماء القراح الباقي على أصل خلقته لم يشبه شائب ولا غيره مغير في عينه ولا حكمه، كالمياه النازلة من السماء وماء العيون والأنهار وأمواء البحار وغير ذلك مما يشاكلها في الصفاء والرقة، وقد قررنا أدلة كونها طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها فأغنى عن الإعادة.
الضرب الثاني: ما تغير وصفه عن أصل خلقته ولكنه يعد يسيراً لا يوجب إزالة اسم الماء المطلق عليه، فما هذا حاله فهو طاهر مطهر لغيره كالماء المتغير بطول المكث والمتغير بزعفران يسيرٍ أو صابون أو أشنان، بحيث لا يظهر أثره عليه، وهكذا حال ما تغير ريحه بالعود والعنبر والكافور، أو كان في مقره أو ممره كالزرنيخ والكحل كما مر تفصيله.
الضرب الثالث: ما تفاحش تغيره بمخالطة غيره من الأشياء الطاهرة بحيث لا يطلق اسم الماء عليه، فإن استجد إطلاق اسم الماء عليه لم يجز التطهر به، كالمرق والنيل والنقم(1) في طهارة الحدث ولا في طهارة النجس إجماعاً بين أئمة العترة وفقهاء الأمة لخروجه عن صفة المائية، وإن لم يستجد اسماً منفرداً يطلق عليه ولكنه خالطه وسواء غلب عليه أو لم يغلب، فلا يجوز التطهر به عند الأكثر من أئمة العترة و الشافعي، خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه، فقالوا: يجوز التطهر به إذا لم يكن غالباً عليه، وهو المختار كما أوضحناه من قبل، وقد فصلنا هذه الجملة وأوردنا ما تحتمله من المسائل المفصلة والله الموفق للصواب.
__________
(1) النقم: بضمتين على النون والقاف، شجر يظهر له ثمر كثمر الحنظل إلا أنه أصغر حجما منه.
---
القسم الثاني: في بيان الأمواء النجسة
إذا وقعت النجاسة في الماء فغيرت ريحه أو لونه أو طعمه، فإنه يكون نجساً قليلاً كان أو كثيراً، عند أئمة العترة، وهو قول الفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية.
والحجة على ذلك: ما روي عن الرسول ً أنه كان يتوضأ من بئر بضاعة (بضم الباء، فالضاد المعجمة والعين المهملة، بئر في المدينة)، فقيل: يا رسول اللّه إنك تتوضأ من بئر بضاعة وإنه يطرح فيها المحايض ولحوم الكلاب وعذر الناس. (والمحايض: خرق الحيض، والعذر: جمع عذرة، وهو ما يخرج من أدبار بني آدم). فقال رسول اللّه ً: (( خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء، إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه )). فنص عليها جميعاً فلا حاجة إلى القياس مع هذا.
ووجه الدلالة: أن الرسول ً، أوجب للماء أنه خلق على الطهارة، وحصر نجاسته على تغير أحد هذه الأوصاف الثلاثة، فدل ذلك على أن النجاسة متعلقة بها.
فإن قال قائل: كيف يُطْرَحُ ذلك في بئر يتوضأ منها رسول اللّه ً وحرمته أجل وأعلى من أن يفعل ذلك في حقه؟
وجوابه: من أوجه ثلاثة:
أما أولاً: فيحمل [على] أن البئر كانت في موضع منخفض من الأرض، وكانت السيول تحملها إليها لقربها من مجراها.
وأما ثانياً: فيحتمل أن يكونوا طرحوها قبل أن يتوضأ منها ولم يعلموا منه نهياً في ذلك.
وأما ثالثاً: فيحتمل أن الذي فعل ذلك أهل النفاق من اليهود وغيرهم لما يحملون عليه من العداوة.
دقيقة: اعلم أن اللون والطعم والرائحة أعراض مدركة موجودة بمحالها على جهة الحلول، واتصالها بالماء لا يكون إلا على جهة المجاورة.. أجزاؤها لأجزاء الماء لاستحالة الانتقال على الأعراض، وإذا كان الأمر فيها كلها على ما ذكرناه من المجاورة ولا يعقل خلاف ذلك فيها، فلا معنى لكلام الفقهاء أن الرائحة إذا كانت مجاورة فإنها لا تنجس كغدير بجنبه ميتة عبق بمائه منها رائحة، بخلاف ما لو كانت فيه فإنها تنجسه لو كانت مخالطة له، وهكذا حال الزعفران إذا ذيف(1) في الماء فإنه ينجسه إذا كان نجساً لما كان مخالطاً، فإذاً لا تعقل في اتصالها بالماء إلا على جهة المجاورة، و إذا كان لا يعقل فيها إلا المجاورة فلا وجه لتقسيمها إلى ما يجاور فلا ينجس ما كان مجاوراً له، وإلى مخالط ممازج، فينجس ما اتصل به.
__________
(1) ذيف: خلط، في أحد معانيها كما في اللسان ملخصاً.
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن غرض الفقهاء بما قالوه مع التسليم في أنه لا يعقل في اتصاله بالماء إلا على جهة المجاورة ويستحيل عليها الانتقال، فعلى هذا تكون التفرقة بين المجاورة والمخالطة، هو أن المجاورة عبارة عن الاتصال بالماء مع حصول الخلل بين الأجزاء، ومن أجل ذلك قالوا: بأن اتصال النجاسة بالماء على جهة المجاورة لايوجب تنجيسه بخلاف المخالطة فإن اتصال أجزاء النجاسة بالماء على جهة المخالطة اتصال من غير أن يكون هناك خلل بينهما، بل هو جار على جهة الالتصاق. وعن هذا قالوا: بأن المخالطة توجب التنجيس، فإلى هذا يرجع وجه التفرقة عند الفقهاء بين المجاورة والمخالطة لا غير، مع كون المجاورة معتبرة فيهما لا محالة كما أوضحناه، فإذا حصلت المجاورة مع حصول الخلل اغتفر الشرع النجاسة في الماء، وإذا حصلت على جهة المخالطة من غير خلل لم يغتفرها، وكان محكوماً عليه بالتنجيس، فهذا هو سر التفرقة بين المجاورة والمخالطة في ألسنة الفقهاء، فأما ما يتعلق بالمباحث العقلية فلا يقع هناك تفرقة بين المتكلمين بين ما يكون مخالطاً ممازجاً وبين ما لا يكون كذلك في أنه كله مجاورة، وما قاله الفقهاء من التفرقة بين ما يكون من النجاسة مخالطاً و بين ما يكون مجاوراً لكونه مأخوذاً من جهة الظواهر الشرعية ومتفرعاً على الأقيسة المخيلة الظنية، فلهذا كان التعويل عليه وكان أحق وأقيس.
مسألة: فإن كان الماء كثيراً وتغير بعضه بوقوع النجاسة، فالمتغير يكون نجساً لا محالة لما ذكرناه في المسألة الأولى، عند أئمة العترة وفقهاء الأمة.
والحجة: ما رويناه من الخبر فإنه لم يفصل بين أن يكون متغيراً كله أو بعضه من جهة أن الموجب للتنجيس إنما هو التغير، وهذا حاصل ها هنا.
وهل ينجس ما يكون متصلاً به وإن لم يكن متغيراً؟ فيه مذهبان:
أحدهما: أنه لا يكون نجساً، وهذا هو قول أئمة العترة والفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية.