أولها: قوله عليه السلام: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا ً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نَبَّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))(1).
وثانيها: قوله ً: (( أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت نجوم السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون))(2).
__________
(1) جاء في (الفلك الدوار) للسيد صارم الدين في تخريج المحقق محمد يحيى سالم عزان لهذا الحديث: أنه روي بألفاظ مختلفة. فممن أخرجه وفيه لفظة (العترة): الإمام زيد بن علي، والإمام علي بن موسى الرضى، والدولابي، والبزار، عن علي عليه السلام. وأخرجه مسلم، والترمذي، وابن خزيمه، والطحاوي، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وغيرهم كثيرون حرصنا على تجاوز المصادر وعدم الاسترسال في ذكر رواة الحديث ومؤلفاتهم التي أوردها المحقق في هذا الكتاب تجنباً للإطالة. راجع (الفلك الدوار ص9).
(2) أخرجه أحمد بن حنبل، عن علي وعمَّار، وأخرج معناه الطبراني، والحاكم، ورواه الهادي، والرضي، وأبو طالب، والمرشد بالله، وغيرهم من أئمة وعلماء أهل البيت. قال في (لوامع الأنوار): ورواه صاحب (جواهر العقدين) عن سلمه بن الأكوع، وقال: أخرجه: مسدد، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والطبري، في (ذخائر العقبى) عن سلمه أيضاً، وصاحب الجواهر أيضاً عن أنس قال: قال رسول اللّه ً ... الحديث ا.هـ ملخصاً (لوامع ج1/65 للعلامة مجدالدين المؤيدي).

وثالثها: قوله ً: (( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))(1).
ورابعها: قوله ً: (( أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ))(2).
وخامسها: قوله ً: (( أحبوا اللّه لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني لحب اللّه، وأحبوا أهل بيتي لحب ي))(3).
وسادسها: قوله ً: (( ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته أخرى حتى تنجيه ))(4).
وسابعها: قوله ً: (( أهل بيتي باب حطة، فادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة))(5).
__________
(1) أخرجه الإمام الهادي في الأحكام والإمام أبو طالب في (الأمالي) والإمام المرشد بالله في (الأمالي الخميسية) وابن المغازلي في (المناقب) والحموئي في (فرائد السمطين) والطبراني في الكبير والحاكم في (المستدرك) عن أبي ذر الغفاري. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية .ا.هـ ملخصاً من الفلك الدوار ص10.
(2) أورد في (لوامع الأنوار): ما روي في (الشافي)، عن علي عليه السلام، عن الرسول ً: ((مثل أهل بيتي مثل النجوم كلما مر نجم طلع نجم)). وهو مروي في عدة مصادر باختلاف قليل في اللفظ. قال: وفي (الأمالي): عن نصر بن مزاحم قال: سمعت شعبة يقول: قال رسول اللّه ً: ((مثل أهل بيتي..)).. الحديث.
(3) أخرجه الترمذي والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن ابن عباس. ا.هـ. (در السحابة 276، تحفة ج10/292، المستدرك ج2/150).
(4) أخرجه الهادي في الأحكام.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد وهو الحديث الثامن عشر من الأربعين والخامس والعشرون من الأربعين للنبهاني ص216. (المراجعات 44).

وثامنها: قوله ً: (( اللهم اجعل شرائف صلواتك على محمد وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد))(1).
وتاسعها: قوله عليه السلام: (( من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله ، وكف غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لأهل بيتي. فقد استكمل حقائق الإيمان))(2).
وعاشرها: قوله ً: (( لا يبغض أحد أهل بيتي إلا كبه اللّه على وجهه في النار ))(3).
وحادي عشرها: قوله ً: (( نحن أهل بيت شجرة النبوة، ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري))(4).
وثاني عشرها: قوله عليه السلام: (( احفظوني في عترتي أهل بيتي ))(5).
وثالث عشرها: قوله ً: (( أُعْطيت الكوثر. قيل يا رسول اللّه وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ، ولا يتوضأ منه أحد فيسغب، لا يشرب منه إنسان خفر ذمتي وقتل(6) أهل بيتي))(7).
__________
(1) أورده في (الاعتصام) وفي (أمالي أبي طالب) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: حدثتني أم سلمة (رضي اللّه عنها): أن النبي ً قال لفاطمة (عليها السلام): ((ائتيني بزوجك وابنيكِ)). قال: فجاءت بهم فألقى عليهم كساءً فدكياً ثم قال: ((اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل شرائف صلواتك..)).. الحديث.
(2) أخرجه الناصر في البساط وابن المغازلي في (المناقب) ومحمد بن محمد بن الأشعث الكوفي في الأشعثيات.
(3) أخرجه الحاكم في (المستدرك) ج4/352، والهيثمي في (مجمع الزوائد) ج7/296.
(4) أخرجه الملاَّ والطبري عن أنس، وأخرجه الديلمي .ا.هـ ج1/73 لوامع.
(5) وروى نحوه محمد بن سليمان الكوفي في (المناقب) عن أبي سعيد الخدري بلفظ: ((احفظوني في قرابتي)).
(6) في الأصل ولا قتل. وهو خطأ من الناسخ.
(7) رواه أحمد في مسنده ج3/153، 247، وفي (مجمع الزوائد) ج10/366.

ورابع عشرها: قوله ً: (( ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم حين اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه))(1).
وخامس عشرها: قوله ً: (( حرمات من حفظهن حفظ اللّه له أمر دينه، ومن ضيعهن لم يحفظ اللّه له شيئاً. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي))(2).
وسادس عشرها: قوله ً: (( حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، وعلى المعين عليهم ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم اللّه ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))(3).
وسابع عشرها: قوله ً: (( لا تزول قدما العبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله ممن اكتسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت))(4).
__________
(1) أخرجه أبو طالب في الأمالي، وعلي بن موسى الرضى.
(2) رواه المنصور بالله عبدالله بن حمزة، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم عن أبي سعيد. أفاده في تفريج الكروب. ا.هـ ج1/73 لوامع.
(3) أخرجه الإمام علي الرضا في الصحيفة بسنده، وأخرجه عنه الإمام أبو طالب في الأمالي، وأخرجه ابن عساكر وابن النجار عن علي عليه السلام وأخرجه بلفظ آخر أبو سعيد عن علي.. رواه المحب الطبري انتهى من التفريج. ا.هـ. لوامع ج2/611.
(4) أخرجه الإمام أبو طالب عن علي، وابن المغازلي والطبراني عن ابن عباس، والكنجي عن أبي ذر والخوارزمي عن بريدة. ا.هـ. لوامع ج1/72.

وثامن عشرها: قوله ً: (( من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي فليتولَّ علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة))(1).
وتاسع عشرها: قوله ً: (( لما أسري بي رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب لا بماء الذهب: لا إله إلا اللّه محمد حبيب الله، علي ولي الله، فاطمة أمة اللّه، الحسن والحسين صفوة الله، على باغضهم لعنة الله))(2).
العشرون: عنه ً أنه قال: (( إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني قد تركت فيكم الثقلين ، كتاب اللّه ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا ما تخلفوني فيهما))(3).
__________
(1) أخرجه الطبراني في الصغير عن أبي سعيد الخدري، ورواه الهيثمي في (مجمع الزوائد). ا.هـ فلك ص10. وجاء في الاعتصام: وأخرجه أبو يعلى في مسنده، والطبراني في الصغير والأوسط من غير طريق، والفقيمي وأبو نعيم كذلك وأبو يعلى عن أبي ذر. ا.هـ ملخصاً ج1/159 اعتصام.
(2) أخرجه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب وابن المغازلي، ورواه أبو سعيد الخدري عن أم سلمة ضمن حديث الكساء وقد سبق.
(3) روي من عدة طرق وبعدة ألفاظ، وهو إحدى روايات حديث الثقلين المشهور وقد تقدم.

فهاتان الآيتان اللتان تلوناهما والأخبار التي أوردنا، كلها دالة على فضلهم وعلو درجتهم عند اللّه تعالى، وعلى كونهم أحق بالمتابعة لما ورد من الثناء من اللّه تعالى، ومن جهة رسوله عليهم، وعلى التحذير عن مخالفتهم، وكما هي دالة على ما ذكرناه، فهي دالة على كون إجماعهم حجة في الأحكام الشرعية. وقد قررناه في الكتب الأصولية، فإذا تقرر هذا فوجه الاستدلال بما ذكرناه من الآيات والأخبار هو ورود الثناء من جهة اللّه تعالى ومن جهة رسوله عليهم وإبانة فضلهم، وفي هذا دلالة على تزكيتهم وإظهار عدالتهم، ولا تزكية أعظم من تزكية اللّه تعالى، وتزكية رسوله، وأدنى الدرجات مما ذكرناه، كونهم أحق بالمتابعة وأولى بالتقليد في أمور الدين من غيرهم من سائر الفرق بما ذكرناه من هذه الشواهد الشرعية والأمور النقلية.
الطريقة الثانية: النظر في الخصال العالية والسير المحمودة وإحراز الشيم الظاهرة في العلم والدين والورع، ولا شك أن ما هذا حاله من الخصال الدينية يدور عليها معظم الترجيح لمن ينبغي تقليده من العلماء، ونحن نبين أنها في حقهم حاصلة على الكمال والتمام أكمل منها في حق غيرهم من علماء الأمة. وجملة ما نشير إليه من ذلك ضروب ثلاثة:
الضرب الأول منها: الفضل بإحراز العلم، وليس يخفى على منصف غوصهم في العلوم الشرعية وتبحرهم في أسرارها واطلاعهم على حقائقها وإحاطتهم بأسرارها ودقائقها، وينكشف غرضنا من هذه القاعدة بإيضاح مسلكين:
المسلك الأول منهما: على جهة الإجمال، وذلك من أوجه خمسة:
أما أولاً: فلأن الآية واردة بالثناء عليهم في التطهير، وهي عامة في النزاهة لهم عن كل ما يسوء، ولا مساءة أعظم من الجهل وعدم البصيرة في الدين فيجب تنزيههم عن ذلك، وهذا هو الغاية في إحراز العلم النافع في الآخرة والسعادة الأبدية.

وأما ثانياً: فلأن الرسول ً، قرنهم بالكتاب حيث قال: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ))، وأعظم الهداية في الدين، والنفع مأخود من كتاب اللّه تعالى، وهكذا يكون حال العترة ومن كان حاله على حد كتاب اللّه في النور والشفاء من العمى والبيان وإيضاح كل ملتبس، فلا علم أنفع منه ولا شرف فوقه ولا مرتبة أعلى منه.
وأما ثالثاً: فقوله ً: (( مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)). فاستعار لهم أسم السفينة وشبههم بها فصاروا لذلك أماناً من الغرق في بحر الجهالات، كما أن سفينة نوح أمان من الغرق في بحر الماء، ولن يكونوا كذلك إلا بإحراز العلم الشافي من الجهل وهذا هو المراد.
وأما رابعاً: فقوله ً: (( إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي ، إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)). وظاهر الخبر دال على أنهما متفقان غير مفترقين فيما يدلان عليه، فإذا كان القرآن صحيحاً دالاً على كل العلوم الدينية والدنيوية فيجب ذلك في حق العترة.

وأما خامساً: فقوله: (( هم كالكهف وهم باب حطة )). وغير ذلك من الأحاديث التي تدل من جهة ظاهرها على كونهم أئمة الخلق دعاة إلى اللّه هداة لخلقه، فهي بعينها دالة على علو درجاتهم في العلم وإحرازه، وأقوى دلالة على جهة الإجمال، على علمهم، قوله ً: (( الأئمة من قريش ))(1). فما هذا حاله يكفي في الدلالة على إحرازهم للعلم من طريق الإجمال.
المسلك الثاني: من طريق التفصيل، وهذا إنما يكون بالوقوف على موضوعاتهم والاطلاع على مصنفاتهم في علوم الشريعة والفتاوى النقلية والمضطربات الاجتهادية، فالناظر متى وقف على ما ذكرنا، لاح له على القرب أنهم قد أحاطوا بعلوم الشريعة وقادوها بأزمتها ودُعوا بأهلها وأصحابها، وكانوا سادة لأئمتها، ويشهد لذلك تصرفهم في المسائل الاجتهادية ومكالمة الخصوم في المضطربات الفقهية مع ما شُغلوا [به] من عداوة أهل البغي في أزمانهم وإقصاء أخدان الظلم في أوانهم، وإظهار حجة اللّه وإعلاء كلمته بالسيف، لأجل تقلدهم للأمانة ونهوضهم بأحكام الزعامة، فكانوا لهم في غاية الطرد والإبعاد عن الشغل بالتدريس وإظهار العلم خوفاً على دنياهم ومحاذرة عن انثلام ظلمهم للخلق، وإكبابهم على البغي وأنواع الفسوق، فهذا ما يتعلق بجانب العلم.
__________
(1) جاء في الروض النضير ج5/18: وفي (الجامع الكافي) قال محمد: بلغنا عن النبي ً أنه قال: ((الأئمة من قريش ما إذا حكموا عدلوا وإذا أقسموا أقسطوا وإذا استرحموا رحموا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين )). وأورده بزيادة في بعض الروايات من حديث أبي موسى. وقال في (الروض): رواه أحمد، قال الحافظ عبدالعظيم: ورواته ثقات. ورواه البزار والطبراني.

الضرب الثاني: ما يتعلق بجانب الدين، وذلك أن كل من اطلع على أحوالهم وعرف طرفاً من سيرهم، عرف قطعاً ويقيناً مراقبتهم لله تعالى في الإقدام والإحجام، وشدة تحرزهم في الأخذ والإعطاء، ووقوفهم على حدود الشريعة في التحليل والتحريم، والجري على مراسمها والمحاذرة عن مخالفة شيء من أدلتها القاطعة، وحصروا نفوسهم على التدوار في مواردها ومصادرها، ولم يطمح لأحد منهم نظر إلى مخالفتها، ولا تشوقت قلوبهم إلى غيرها، شددوا على أنفسهم بأخذ العزائم وأخذوا الخلق بما فهموا من اللّه رخصة فيه لخلقه، واقتحموا موارد الموت في نصرة دين اللّه تعالى وإعلاء كلمة الحق بين مقتول ومصلوب ومأسور ومطرود، لا يزيدهم ما يرون في أنفسهم وأهليهم من القتل والطرد إلا صبراً لله تعالى واحتساباً في إعزاز دينه وعلو(1) كلمته وتصلباً على من خالف أمر اللّه وحكمه، ومن كانت هذه حاله فقد تمسك بالدين بالعروة الوثقى التي ليس لها انفصام ولا يخاف عليها نقض ولا يخشى لجانبها إهضام.
الضرب الثالث: الورع، ومن أراد الاطلاع على رفضهم للدنيا وإعراضهم عنها وحرصهم على إيثار الآخرة وسلوكهم لجانب الحيطة في الأخذ والترك، وبعدهم عن المآثم وازورارهم عن الوقوع في المحرمات والمكروهات، فليطالع سيرهم وأخبارهم، فإنه يتحقق لا محالة أن تعويلهم ما كان إلا على رفض الدنيا وإيثار رضوان اللّه، وإحراز طاعته، والعمل لوجهه وتحصيل مرضاته، فإن حصلت الدنيا آثروا بها وإن زويت عنهم صبروا على ما أصابهم من مشقة لأْوَائها، علماً بما لهم عند اللّه من عظيم الزلفة، ورفيع الدرجة، فيزيدهم رغبة فيما عند اللّه وشوقاً إلى لقائه، وهذه هي حقيقة الورع وغاية أمره وقصارى حاله وسره.
__________
(1) لعل الصواب: (إعلاء) تناسباً مع العطف على المصدر المتعدي في: (إعزاز).

الطريقة الثالثة: تشتمل على نظر كلي بالإضافة إلى صحة العقائد في أمور الديانة، وفيه سلامة عن الزلل، وعصمة عن الخطأ في مجاري الأنظار الاجتهادية في أحكام الشريعة.
واعلم أن الذين نصبوا أنفسهم للفتوى، واقتعدوا درس العلماء، واشتهروا بالاجتهاد وطبقت مذاهبهم طبق الأرض ذات الطول والعرض، هم هؤلاء العلماء الثلاثة: مالك وأبو حنيفة والشافعي، فأما أحمد بن حنبل ) وسفيان الثوري ) فهما وإن بلغا درجة الاجتهاد، لكنهما لم يشتهرا كشهرة هؤلاء ولم يختصا بكثرة الأتباع مثلهم، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة قد نأى عن الصواب نظره، وانمحى عن رسم الحق أثره، إما في عقيدته وإما في أثناء تصرفه في المسائل الاجتهادية.
__________
(1) أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، أحد الأئمة الأربعة اشتغل بجمع الأحاديث وروايتها، وهو في رأي الفقهاء من علماء الرواية، وله مسند يعرف باسمه (مسند أحمد).ا.هـ. (طبقات الفقهاء). قال عنه الشافعي: خرجت من بغداد فما خلَّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل، أفرد البيهقي جزءاً خاصاً لمناقبه.
(2) أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أحد الأعلام والعلماء قيل: إنه روى وحفظ ثلاثين ألف حديث، كان زيدياً مشدداً على أئمة الجور. توفي بالبصرة سنة 161هـ. عده السيد صارم الدين في ثقات محدثي الشيعة. وقال الواقدي: كان سفيان زيدياً، ذكره الإمام أبو طالب.

21 / 279
ع
En
A+
A-