---
المحور الأول: دوافع التحقيق وغايته
ننطلق في تحقيقنا لهذا الكتاب من فهمنا اللغوي لكلمة (التحقيق)، وهو أنه عمل مستقل يتغيا محاولة لإظهار حقائق يحددها الغرض منه، بصورة كلية أو جزئية، أو تقتصر على أبرزها أو في حدود ما يمكن إظهاره منها. سواء أكانت هذه الحقائق من متن الموضوع أم مترتبة على وضعه، مفهومة من سياقه أم مضافة إليه بحكم علاقته بما عداه من موضوعات مماثلة من جهة، وبغاياته من جهة موازية.
وهذا الفهم يتيح لنا المضي في تحقيق الكتاب (.. في حدود ما يمكن إظهاره منها..) وهو حد أدنى لا حد لأقله. كما أن اعتبارنا هذا الفهم بهذا الحد في التحقيق يجعل التحقيق ممكناً وأكثر إمكاناً من انتهاج التحقيق، إما باعتبار الحَدّ الاصطلاحي له، وإما باعتبار الحد الموضوعي الذي يبرز القيمة العلمية للكتاب، وتميز أسلوبه ومنهجه. بينما الحد أو الفهم الأول قد يزيح شبح التَّهيب، ويتيح الإقدام على العمل في حدود ما يمكن أن يكون (أضعف الإيمان) وننطلق في تحقيق هذا الكتاب من دوافع أو أسباب أربعة:
أولها: قيمة الكتاب التراثية والفكرية في إطار الفقه الإسلامي، وهي قيمة لا يحددها موضوعه مجرداً.. بل أيضاً، ميزات قلما تتوافر مجتمعة في غيره بمثل ما هي فيه. ومنها مثلاً:
1- حجم الكتاب. حيث يقع في ثمانية عشر جزءاً.
2- منهجه الذي يجعل منه موسوعة إسلامية رائعة، سواء في أعلام الفكر الإسلامي ومدارسه ومؤلفاته، أم في تقرير آراء كل علم وفريق ومدرسة في كل مسألة، وإيراد أدلة واجتهادات وأقوال كل منهم منقحة معللة.. مما يجعل من الكتاب بحثاً شاملاً في إطار أصبح يسمى، بالفقه المقارن.
3- أسلوبه في تبويب وترتيب الموضوعات والمسائل في تصنيف وتسلسل يحدد ويحقق استقلال الموضوع من جهة، ويحافظ على الاتساق العام والترابط الموضوعي من جهة أخرى وبقدر متساوٍ ومتناسب وبارز. وسنتحدث عن الكتاب بصورة أوسع عند الحديث عن موضوعه.

ثانيها: نشر الكتاب، وهذا الدافع يمثل في ذات الوقت الغاية الأولى من التحقيق، ولكن نشر الكتاب يأتي دافعاً قوياً في الحالين؛ إذ أن إهمال كتاب بهذا الحجم والقيمة العلمية من التراث الإسلامي اليمني، يعد أكثر من إهمال لأهميته، وإهدار لقيمته إلى ما قد يصل به إلى حد يقرب فيه التساوي بين وجوده وعدمه، ثم لا يلبث هذا الإهمال أن يجعل منه نسياً منسياً. وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار:
1- أن عصر المطابع الذي نعيشه يختلف كثيراً عن عصر المخطوطات، حيث أصبح الاعتماد في عصرنا على الكتاب المطبوع المتداول المتوافر بكثرة، سواء في المدارس والمعاهد والكليات العامة والمتخصصة، أم في مراكز البحوث والدراسات. عدا القلة من الباحثين. ناهيك عن اهتمام الأفراد خارج هذه المؤسسات ممن ينحصر اهتمامهم في الغالب في جانب الاطلاع.. ومن هنا فإن الاهتمام عموماً بالكتاب المخطوط، يكاد في هذا العصر، ينحصر في غايتين:
أولاهما: في هواية اقتناء الكتاب التراثي المخطوط. وهذه الغاية ترجح جانب القيمة الأثرية التراثية التاريخية فيه على القيمة العلمية.
وثانيتهما: وفي القيمة المرجعية له.. وهذه الغاية يؤمها الباحث الحصيف. وقد أصبحت نادرة، وخصوصاً إذا استثنينا الباحثين المتخصصين في كتب التراث أو الاختصاصيين بها.
بينما -بطبيعة الحال- كان الكتاب المخطوط قبل ثلاثين عاماً في اليمن بالذات، كتاباً مقروءاً ومتداولاً، يستتنسخه الناس ويشترونه، ويتوارثونه ويحافظون عليه، لغرض القراءة، ولقيمته العلمية قبل كل شيء. ومن هذه المقارنة البسيطة بين عصر المخطوطات وعصر المطابع، تتضح أهمية النشر دافعاً وغاية وحرصاً على قيمته العلمية من النسيان وعدم الفائدة.

2- ثم إن أقصى ما يمكن أن يلاقيه الكتاب المخطوط من عناية، لا يتجاوز توثيقه في بعض المكتبات العامة ومراكز البحوث. وفي هذه الحال فإن وجوده لا يتجاوز كثيراً مساحة العنوان في أدلة وقوائم هذه المكتبات والمراكز.
ثالثها: ندرة الكتاب، وندرة الكتاب مخطوطاً بمعنى قلته وندرته في أيدي الناس، هي حالة تعم كل كتاب مخطوط؛ إذ أن نسخ أي مخطوطة مهما تكن نسخاً كثيرة، فإنها في الحد الأقصى لعدد نسخها لن تتجاوز العشرات. ولكن هذا الكتاب (الانتصار) هو وقليل من أمثاله، تظل فيه ندرة الكثرة أو كثرة الندرة حالة أخص به وأظهر فيه.. لسبب واحد كاف ناهيك بغيره. وهو حجم كتاب (الانتصار) الذي يبلغ ثمانية عشر جزءاً. وهذا ما جعل منه مخطوطة نادرة حيث توجد، من حيث أنها لا تكاد توجد منه نسخة كاملة بأجزائها الثمانية عشر في مكان واحد. فكل مكان بحثنا فيه عن هذا الكتاب أثناء القيام بجمع نسخ منه لغرض تحقيقه، لم نجد فيه نسخة كاملة من الانتصار، سواء في المكتبات العامة أو الخاصة. وظل السؤال عنه والبحث قائمين طيلة فترة التحقيق وحتى بداية الطبع ولا يزالان.
وقد يكون مثيراً للاستغراب القول، بأنا بدأنا في هذا المشروع بمقابلة النسختين الأوليين من حيث حصولنا عليهما، وليس بين أيدينا من كل نسخة منهما غير الأجزاء الثلاثة الأولى من الكتاب، ونحن في ذات الوقت لا نعرف من أين سنحصل على بقية الأجزاء لنسخة واحدة، فضلا عن بقية الأجزاء لكلتا النسختين ونسخ أخرى. وكان هذا تنفيذاً لمبدئنا الذي جعلناه رائدنا في هذا المشروع، وهو المبدأ الرباني الإنساني {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}.. أن نعمل بما في وسعنا، وبما يتوفر لدينا من أجزاء ونسخ، وحتى لو كان جزءاً واحداً أو نسخة واحدة. ولولا الإصرار على هذا المبدأ لما بدأنا.

وتقابل ندرة الكتاب هذه، ما سبقت الإشارة إليه من قيمة هذا الكتاب الموسوعة بحق، ولدرجة أنه من الكتب التي قلما أمكن لغيرها من نظائرها أن يغني عنها. ولا نريد أن نطلق حكماً يحتاج إلى كثير من التروي والنظر العلميين، فنقول باستحالة حلول أي كتاب آخر من كتب الفقه الإسلامي اليمني محله، على كثرتها واتساع مجالها.
وقيمة الكتاب لم يعد ممكناً ظهورها والإفادة منها مالم يطبع الكتاب وينشر، ويصبح في متناول العالم والمتعلم والباحث على حد سواء، وفي أي مكان وزمان، وإلا فلا نعتقد أنه يُفْرِطُ في الرأي من يقول بأن المخطوطات في هذا العصر حبيسة حبرها وجلودها، وعديمة الفائدة العامة والخاصة إلا للقلة من ملاكها، إن لم يشملها عصر النشر وزمن الطباعة والمطابع.
رابعها: غاية التحقيق.
كذلك تأتي غاية تحقيق الكتاب هنا، دافعاً لتحقيقه. وهنا، وفي كتاب (الانتصار) بصفة خاصة بالنسبة إلينا.. نعتقد أن التحقيق في مفهومه ومنهجه، أو في جانبيه النظري والعملي، يعني رأياً في هذين الجانبين نوضحه فيهما كما يلي:
أ - الجانب النظري.
نلخص الجانب النظري لنسخ المخطوطة، في فقرات ثلاث:
1- المخطوط بين عصرين:

نعرف أن طباعة المخطوطة من كتب التراث، تنقلها طفرة من عصرها الذي تم فيه تأليفها إلى العصر الحديث نقله واحدة لا تدرج فيها ولا تمهيد. وهذه النقلة لا يمكن أن نفهمها على أنها بسيطة وسهلة؛ لأن قضيتها هنا لا تنحصر في عملية التقنية الآلية التي يعبر عنها بأنها كتاب كانت كلماته مخطوطة باليراع والمحبرة، تم نسخه طباعة بواسطة آلة الكمبيوتر. إن القضية كما نعتقد، أعمق وأوسع وأكبر من هذا الفهم البسيط.. لأنها قضية اجتماعية تاريخية لغوية ثقافية، فليس من السهل والطبيعي تقديم هذه المخطوطة مطبوعة إلى القارئ المعاصر والعادي خصوصاً، ليتعامل معها تعاملاً طبيعياً كأي كتاب آخر، ويلغي عشرة أو ثمانية أو خمسة قرون من السنين تفصل بينه وبين تلك المخطوطة، إن فارق الزمن لا بد أن يظل مؤثراً في علاقة القارئ المعاصر بتلك المخطوطة أثراً ينعكس على مدى استفادته منها وإفادتها إياه، انخفاضاً وتدنيا وركاكة في أحسن الأحوال، إن لم ينصرف عنها انصرافاً كلياً. وهذا ما هو حاصل بالفعل وموجود، وحتى مع الاعتراف بأن هناك أسباباً أخرى تصرف الأجيال المعاصرة عن كتب التراث المطبوعة، برغم تميز هذه الفترة بالإقبال النسبي عليها، ومنها مثلاً سببان:
أولهما: تميز هذا العصر بالانتشار الكثير والواسع للعلوم والفنون والوسائل الحديثة في التعليم والتثقيف والمهن والترفيه.
ثانيهما: ارتباط العلوم الحديثة بالمعيشة ارتباطاً مباشراً.
ومع الاعتراف كذلك، بأن هذه المخطوطات بالنسبة إلى العربي ومن يتكلم العربية، هي مكتوبة بلغته، إلا أنه لا مجال من الاعتراف أيضاً، بأن الفارق الزمني يعني أشياء كثيرة ومؤثرة.. يعني الفوارق في المصطلحات والاستخدام اللغوي والتوظيف المعنوي والدلالي للمفردات واختلاف الأسلوب بصفة عامة. إضافة إلى أن لعلماء الفكر الإسلامي في كل نوع وفرع منه مصطلحات خاصة به، سواء في المسميات أو الاشتقاقات أو المجازات أو الجمل والتعابير الأخرى.

2- وظيفة التحقيق:
من ذلك.. نجد أن التحقيق لأي مخطوط يصل إلى ما يقارب الضرورة. ولكن على أساس أن يكون التحقيق كاملاً قدر الإمكان؛ لأن وظيفة التحقيق هنا تكون -بصفة عامة- مقربة للمسافة الفاصلة بين القارئ وحتى الباحث المعاصر من جهة، وبين الكتاب المخطوط من الجهة الأخرى. وتأكيد ضرورة التحقيق يظهر جلياً عند أن تكون وظيفته تقريب الكتاب كما سبق؛ لتتحقق الغاية من نشر الكتاب في أكبر قدر ممكن متاح، وهي إبراز قيمته العلمية وتسهيل الاستفادة منه لطالب العلم والباحث على حد سواء.
3- بين النشر والنسخ:
وقد سبقت الاشارة إلى المستوى المتدني الذي وصل إليه التحقيق للمخطوطات، وهذه الحال موضع شكوى لا في اليمن فحسب، بل في معظم الأقطار العربية والإسلامية التي توجد بها المخطوطات التراثية، بصورة تجعل من تحقيقها ونشرها عملاً متميزاً ومستقلا. والعجب ليس فقط من إقدام هؤلاء المحققين على نشر المخطوطات وهم غير مؤهلين لذلك العمل، ولكنه أيضاً يكون أكثر من حال القادرين على التحقيق ممن لديه اطلاع واسع، وتجربة سالفة، وفهم بأصول العمل. ثم نجدهم ينسخون المخطوطة طباعة دون أن يضيفوا إليها أي شيء مما هو ضروري ومهم في وجوده وسهل في إنجازه، مثل تبويب الموضوعات وفهرسها. وهؤلاء يصدق عليهم قول الشاعر: (1)
ولم أر في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام
…والذي نعرفه عن التحقيق، منذ أن فتحنا أعيننا على الكتب المطبوعة المحققة من كتب التراث عن طريق رواد التحقيق والنشر في اليمن، أمثال الأساتذة الأفاضل: القاضي عبدالواسع بن يحيى الواسعي، وعلي بن اسماعيل المؤيد رحمهما اللّه وغيرهما.
__________
(1) للمتنبي من قصيدة مطلعها:
ملومكما يجل عن الملام …ووقع فعاله فوق الخصام

نعرف أن التحقيق عمل متميز مستقل يضاف إلى المخطوطة يُعَرّفُ بها، مخطوطة وموضوعاً ومؤلفاً. ويسهل الاستفادة منها في فهارس وملاحق عدة. ولكن أن ينسخ الكتاب فقط.. فهذا لا يمكن أن يكون من التحقيق في شيء، وهو إلى العمل التجاري أقرب وألصق منه بالعمل الثقافي العلمي المسئول.
ب - الجانب العملي:
وهنا.. أجدني مضطراً لاستكمال الاستطراد الذي تجاوزت به بابه بحكم شدة الترابط بين هذين الجانبين. وفي هذا الجانب العملي من التحقيق، نركز موضوعه في فقرات أربع:
الأولى: النسخ والأمانة العلمية:
قلنا في الحد المبسط والعملي للتحقيق ما معناه: بأنه كشف وإضافة حقائق في الكتاب وإليه تبرز قيمته العلمية وتسهل استفادة القارئ المعاصر منه، بين أكثر قدر ممكن منها وأقل قدر لا بد منه.
ولعل في مثل هذا الحد قدراً جيداً من المرونة والتسامح عن بلوغ الحد الأعلى من ناحية، وقدراً من الحرص والتمسك بالحد الأدنى الذي يمثل أضعف الإيمان من ناحية أخرى، وفي ذلك إتاحة الفرصة لتحاشي الإفراط في شروط التحقيق التي تؤدي إلى الابتعاد عن تحقيق المطبوعة ونشرها، والسمّو عن التفريط في الاكتفاء بنسخها طباعة دون أن يلمس المطلع أي جهد للتحقيق. وبما أن حالة الإفراط المانعة من التحقيق، هي سالبة عدمية.. فإن حالة التفريط إيجابية تتمثل في عمل يحدد موضع وموضوع الحديث عنه.
ونمر به في مثالين:
أحدهما: النسخ المجرد:

وبين أيدينا عدد من المخطوطات النادرة التي تم طبعها دون أثر فيها للتحقيق، والغريب أن من تولوا نشرها، يصرون على أن يسموا هذا النشر تحقيقاً مكتوباً على صفحاتها الأولى ومحفوراً على أغلفتها. وكما سبق، فإن هذا الإخراج للمخطوطة يكون عدمه أفضل من وجوده؛ ذلك أنه يمنع في الغالب، إقدام شخص آخر على التحقيق مرة أخرى لذلك الكتاب. ثم إن فائدته تظل قليلة وحبيسة في داخله. وكان أقل قدر من أضعف الإيمان أن يضع الناشر تبويباً للموضوعات وفهارس لها.. ولكن الذي حدث أنه لم يضف شيئاً.. ولديَّ بعض من هذه الكتب لا أجدني قادراً على الاستفادة منها أبسط المعارف إلا بأن أتصفح الكتاب من غلافه إلى غلافه في كل حالة أبحث فيها عن عَلمٍ أو مفردة أو رأي لمؤلفه.
وثانيهما: الإخلال بالأمانة العلمية:
وهذه الحالة أو المثال أشد سوءاً و أكثر ظلماً وهضماً للكتاب ولمؤلفه. وقد ظهرت لدينا في فترات متباعدة من العشرين عاماً الأخيرة، بضعة كتب تراثية تم نشرها وإدخال إضافات إلى صميم موضوع الكتاب منها. وحذف كلمات وجمل، بل ومفردات من أماكن متفرقة فيها. وذلك لغرض التحريف المتعمد للمخطوطة الأصل، باسم إخضاع آراء وأسلوب ومصطلحات الكتاب لمفاهيم وآراء معينة حدثت أخيراً على الساحة الفكرية والثقافيه والسياسية. ومثل هذا العمل، يعتبر جريمة علمية وتاريخية وخلقية وجنائية في حق الكتاب ومؤلفه خاصة، وفي حق الفكر والتاريخ عامة.
وتمثل هاتان الحالتان قضية الأمانة العلمية والتاريخية، ولذا يجب على من يستطيع، وفي المقدمة العلماء والمثقفون.. الوقوف بحزم إلى جانبها ضد أي شخص عمل أو يحاول أن يعمل في اتجاهها والمس منها والإساءة إليها. ولا نريد أن نسمي أمثلة من هذه الكتب، حرصاً على ترك المسئولية لأصحابها المباشرين في مؤسساتها المختصة.. على أمل أن يتم تدارك القصور والخطأ في الطبعة القادمة لمثل هذه الكتب.
الثانية: العودة إلى التراث:

والملاحظ أن ظاهرة العودة إلى كتب التراث الإسلامي، أصبحت حقيقة تتصاعد من عام إلى آخر. وبصرف النظر عن أسبابها ودوافعها مما ليس هذا مكانها.. فإنها ظاهرة تزيد من دوافع الاهتمام بنشر كتب التراث الإسلامي من جهة، وبرفع مستوى التحقيق لهذه الكتب من جهة ثانية.
ففي كل محافظات ومدن الجمهورية في اليمن مثلاً.. تزايد الطلب على المخطوطات اليمنية في الفكر الإسلامي، بصورة أصبحت تمثل قضية لدى الجيل الشاب بصفة خاصة. ولندرة طباعة ونشر هذه المخطوطات، اعتمد الناس على تصويرها كما هي، في نسخ تتعدد وتتكاثر بين وقت وآخر، حتى أن مئات من المخطوطات أصبحت صورها المنسوخة منتشرة بشكل بارز ومميز في المكتبات الخاصة والمساجد وحلقات التدريس وغيرها، ولا يزال الإقبال يزداد ويتصاعد عليها حتى أصبحت آلات طبع المخطوطات عن طريق التصوير وآلات التجليد، مهناً وحرفاً رائجة يعيش منها ويتفرغ فيها كثير من الناس.
الثالثة: عزلة التراث اليمني:
وبالإضافة إلى ندرة الكتاب مخطوطاً كما أشرنا إلى هذا العامل بوصفه واحداً من الدوافع لتحقيق المخطوطات ونشرها، فإن موضوع عزلة التراث الفكري اليمني.. يمثل أيضاً واحداً من أبرز الدوافع لتحقيق ونشر أي مخطوطة.
ونتحدث عن هذا الموضوع من جوانب ثلاثة:
أولاً: مدى عزلة التراث اليمني في الداخل:
أعرف أن أشياخاً مطلعين وفتياناً متطلعين من أشياخنا وفتياننا العلماء والمتعلمين، قد يقدمون أكثر من اعتراض أو استدراك أو تحفظ على هذا الموضوع من حيث أن كتب التراث الإسلامي اليمنية لم تعد تعيش حالة توصف بالعزلة، بعد أن فُتح الباب على مصراعية للتحقيق والنشر، وبعد أن توفرت وسائل الطباعة ودور النشر والمهتمون بالتحقيق وخرج إلى النور مئات من المخطوطات.

وفي الحقيقة التي نعتقدها ونقتنع بها.. فإن هذا الاعتراض من وجهته العامة وارد ومقبول في جملته لا تفصيله؛ كونه لا يتعارض مع الحقيقة.. ولكنه لم يطرح الحقيقة كلها ومن كل جوانبها وطبقاً للأسس التي تقوم عليها والمعايير التي تقاس بها. وحقيقته بالتالي، تظل نسبية من جانب، ومنطلقة من مدى توفر الوسائل تشريعاً ومؤسسات نشر من جانب آخر.
وبطرح الحقيقة من جميع جوانبها وبأبرز أسسها ومعاييرها، يتضح صدق العزلة على الحال الذي تعيشه كتب التراث. وألخص ذلك في ملامح أربعة:

2 / 279
ع
En
A+
A-