أحدهما: أن في المسألة أشبه، وهذا هو المحكي عن أصحاب أبي حنيفة: محمد بن الحسن ) وأبي الحسن الكرخي، ويحكى عن قاضي القضاة ) والشافعي والمروزي ) وغيرهم من الفقهاء.
ومعنى الأشبه: أن اللّه لو نص لما نص إلا عليه.
__________
(1) أبو عبدالله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء الفقيه الحنفي صاحب المؤلفات الكثيرة. أصله من قرية بغوطة دمشق. ولد بواسط سنة 135هـ، ونشأ بالكوفة، وحضر مجلس أبي حنيفة لعدة سنين، ثم تفقه على أبي يوسف. ومن مصنفاته (الجامع الكبير والصغير). وجمع موطأ مالك، عده المنصور بالله من رجال العدلية، قال: وهو الذي غضب لله في أمر يحيى بن عبدالله لما أراد الرشيد أن ينقض أمانه، فقال: هذا لا ينقض ومن نقضه فعليه لعنة اللّه، فرماه الرشيد بالدواة فشجه. وكان يقول: أنا على مذهب زيد بن علي مهما أمنت على نفسي فإن خفت فإني على مذهب أبي حنيفة. توفي بالري سنة 189هـ في اليوم الذي مات فيه الكسائي، فكان يقول الرشيد: دفن الفقه والعربية في يوم واحد. (مقدمة الأزهار).
(2) قاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد بن عبدالجبار أبو الحسن الأستراباذي، شافعي المذهب، وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، ولي قضاء الري حتى وفاته، له مصنفات كثيرة في علم الكلام وأصول الفقه. قال ابن كثير في طبقاته: ومن أجل مصنفاته (دلائل النبوة) في مجلدين، مات في ذي القعدة سنة 415هـ.. (طبقات الشافعية ج1/187).
(3) أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم التميمي الحنظلي المروزي الإمام الحافظ عالم نيسابور. قال عنه أحمد: لا أعلم لإسحاق في العراق نظيراً، وقال أبو داود: أملى علينا إسحاق من حفظه أحد عشر ألف حديث، ثم قرأها علينا فما زاد حرفاً ولا نقص حرفاً. ولد سنة 166هـ، وقيل: سنة 161هـ، ومات ليلة نصف شعبان سنة 238هـ. روى عنه أحمد وابن معين والستة سوى ابن ماجة.

وثانيهما: إبطال الأشبه، وهذا هو المحكي عن أكابر الشيوخ من المعتزلة: الشيخين أبي علي ) وأبي هاشم، وأبي الهذيل ) وقاضي القضاة، وهو قول بعض أئمة الزيدية، ورأي أبي حامد العزالي، وهو رأي أكثر المصوبة.
الفريق الثاني: أن في الواقعة حكماً لله تعالى معيناً، وما عداه من الأقوال فهو باطل، ثم اختلفوا بعد ذلك، فمنهم من قال: إنه لا دلالة عليه قطعاً ولا ظناً، وإنما هو كدفين يعثر عليه.
ومنهم من قال: عليه دلالة ظنية.
ومنهم من غلا، وقال: إن عليه دلالة قاطعة.
__________
(1) محمد بن عبدالوهاب بن سلام بن خالد بن حمزة أبو علي المشهور في علم الكلام، أخذ العلم عن أبي يوسف يعقوب بن عبدالله الشحام البصري. وابنه أبي هاشم. قال الحاكم: هو الذي سهل علم الكلام وذلله. وله مؤلفات كثيرة منها: شرح على مسند ابن أبي شيبة. وتفسير القرآن في مائة جزء، وقيل: جملة مصنفاته مائة ألف وخمسين ألف ورقة، الورقة نصف كراس، وله مناظرات طويلة في الرد على الفلاسفة والملاحدة وتقرير العدل والتوحيد. ولد سنة 235هـ، وتوفي في شعبان سنة 302هـ، والجبائي نسبة إلى مدينة جُبَّى في خوزستان. (مقدمة الأزهار).
(2) أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبدالله بن مكحول البغدادي العلاف شيخ البصرة من أشهر علماء المعتزلة، سمي بالعلاف لقرب داره من سوق العلف بالبصرة. ولد سنة 131هـ، أخذ علم الكلام عن عثمان الطويل، عن واصل، وروى الحديث عن محمد بن طلحة، وأخذ عنه علم الكلام أبو يعقوب الشحام. قال ابن خلكان: له مجالس ومناظرات وهو من موالي عبدالقيس، حسن الجدل، قوي الحجة، كثير الاستعمال للأدلة الإلزامية، قال الحاكم: أسلم على يديه سبعة آلاف نفس. توفي بسر من رأى سنة 235هـ. (مقدمة الأزهار - وفيات الأعيان).

فهذه أقوال المخطئة على ما ترى ، وهذه نبذة من الخلاف في الآراء في المسائل الخلافية قد أشرنا إليها على جهة التنبيه والإجمال، وتفاصيلها تحال على الكتب الأصولية. فلنذكر المختار في التصويب ثم نردفه بذكر المختار في حكم الأشبه، فهذان تقريران نذكر ما يتوجه في كل واحد منهما بمعونة اللّه تعالى:
التقرير الأول: في بيان المختار في التصويب للآراء في الاجتهاد.
والذي نرتضيه هو ما قاله أصحابنا والمعتزلة وذهب إليه محققو الأشعرية والفقهاء، وهو أن الواقعة ليس فيها لله حكم معين وإنما هو يكون على نظر المجتهد ورأيه، فإذا نزلت به الحادثة وأعمل فيها نظره وأتعب فيها فكره وسأل من اللّه تعالى توفيقاً وتسديداً لإصابة الحق، وكان جامعاً لعلوم الاجتهاد محرزاً لها على شروطها المعتبرة التي فصلناها في الكتب الأصولية، فإنه متى أدى نظره إلى حكم من الأحكام من تحليل أو تحريم أو غيرهما من سائر الأحكام الشرعية العملية، فإن ما هذا حاله يكون حقاً وصواباً عند اللّه تعالى.
والبرهان على ما قلنا يتضح بمسلكين:
المسلك الأول منهما: أنا نقول لمن زعم أن في الواقعة حكماً معيناً هو مقصودٌ لِله ومطلوب. لو كان الأمر كما زعموه من تعينه لكان لا يخلو الحال فيه، إما أن ينصب اللّه عليه دلالة أو لا ينصب، والقسمان باطلان، فيجب القضاء ببطلان كونه معيناً.
وإنما قلنا: إنه لا يخلو من الوجهين، فلأنها قسمة دائرة بين النفي والإثبات فلا واسطة بينهما، وهي من العلوم العقلية التي لا يجوز خلافها، فإثبات متوسط باطل بالضرورة.
وإنما قلنا: إنه يستحيل أن عليه من اللّه دلالة منصوبة؛ فلأنها لو نصبها لكانت ظاهرة لكل من قصدها كسائر الأدلة الظاهرة العقلية والنقلية، والمعلوم باطراد العادة وجريانها، أن مثل ذلك لم ينقل ولا له أثر، وفي هذا دلالة على أنه ما كان، ولو كان لنقل كما نقل ما هو أخفى منه وأدق.

وإنما قلنا: إنه يستحيل ألا ينصب اللّه عليه دلالة؛ فلأنه لو كلف به من غير أن ينصب عليه دلالة، لكان تكليفاً بما لا يعلم وهو قبيح.
فتقرر بما ذكرناه فساد القسمين اللذين فصلناهما، وهما نصب الأدلة عليها وعدم نصبها، ويلزم من بطلانهما بطلان أن يكون هناك حكم معين في الحادثة وهو المطلوب.
المسلك الثاني: أن الصحابة (رضي اللّه عنهم) ما زالوا مجتهدين في الحوادث التي ليس عليها دلالة من جهة الكتاب، ولا من ظواهر السنة في الفتاوى والأقضية، والوقائع غضة طرية على ممر الأزمنة وتكرر الأعصار، وما برحوا مختلفين في الفتاوى والأحكام التي يصدرونها عن أنظارهم، وتفترق بهم المجالس عن المخالفة في الآراء، وكل واحد منهم مصوب لما قاله الآخر غير منكر عليه في رأيه واجتهاده، ولو كان في الواقعة حكم معين لطلبوه ولجدوا في طلبه وتحصيله، وما سمع عن واحد منهم أنه قال لصاحبه: هذا خلاف حكم اللّه، وحكم اللّه شيء آخر غير ما ذهبت إليه، بل من حكم بقضية وأبرمها فلا اعتراض عليه بحال، ويتشددون في التحرز عن بعض القضايا الصادرة عن الأحكام مع مخالفة الآراء، بل وربما يصدر من جهتهم التصريح بالتصويب في الأراء، وفي هذا دلالة قاطعة من إجماعهم على أنه ليس هناك حكم معين، هو شوف(1) المجتهد ومقصده ومقصد نظره، وإنما هي كلها آراء صائبة وظنون صادقة على تحصيل مراد اللّه في الحادثة، وهذا المسلك يدريه من مارس طرفاً من سير الصحابة رضي اللّه عنهم وما كان منهم من الفتاوى في التحليل والتحريم وإصدار القضايا عن الآراء الصائبة، فعند ذلك نعلم قطعاً ويقيناً صحة ما ادعيناه من تصويب الآراء الاجتهادية في جميع الحوادث التي لا نص فيها. ولنقتصر على هذا القدر من الدلالة ففيه مقنع وكفاية.
التقرير الثاني: في بيان المختار في الأشبه من الاجتهاد.
__________
(1) الشوف هو: الجَلْوُ والنظر والتطلع، كما لخصناه من اللسان. وهو هنا، بمعنى: النظر والاختيار.

اعلم أن جماعة من المصوبة زعموا مع القول بكون الآراء صائبة في الاجتهاد، أن فيها أشبه على معنى أن اللّه تعالى لو نص على الحادثة لما نَصَّ إلا عليه، وعلى معنى أنه الأجزل ثواباً عند الله تعالى، وهو محكي عن جماعة من الحنفية، منهم: أبو الحسن الكرخي، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومروي عن الشافعي.
والمختار عندنا: أنه لا معنى للأشبه وأن جميع الآراء في تلك الحادثة كلها أشبه إلى قائله، وأنها كلها مقصودة لله، وإنما تقوى وتضعف بحسب قوة الأمارة وضعفها، وهذا هو رأي أهل التحقيق من المصوبة، أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة: أبي علي وأبي هاشم وأبي الهذيل. وإلى بطلان الأشبه ذهب المحققون من الأشعرية، كالباقلاني، وأبي حامد العزالي، وشيخه عبدالملك الجويني، فأما الشيخ من المعتزلة، فليس له فيه تصريح بإثبات ولا نفي، وكلامه فيه احتمال.
والبرهان على ما اخترناه يظهر بتقرير حجتين:

الحجة الأولى: هو أنا نقول: إن الشبه والأشبه سِيَّان في تعليق الحكم بهما، فيجب أن لا يكون للأشبه مزية على الشبه، وفي هذا ما نريده من بطلان القول بالأشبه. وبيان ذلك: أنا نفرض الكلام في مسألة تعليل الربا في الفضل، فالكيل على رأي أصحابنا وأبي حنيفة شبه وهو طرد عند القائلين بصحة الطرد، والطعم شبه على رأي الشافعي وهو طرد عند من يقبل الطرد، فمن قبل الوصف الذي لا يناسب الحكم، فهو شبه، ومن رده فهو طرد، فمن قبل الطرد قال: بأنه طرد، ومن رد الطرد قال: بأنه شبه، ومن رد الشبه فقال إنه أشبه، فالطرد والشبه والأشبه في مسألة كلها تعليلات وأوصاف غير مناسبة. لكنها تختلف الألقاب عليها بالإضافة إلى ردها وقبولها من غير أن يكون هناك بينها تفرقة من جهة الذات لعدم المناسبة فيها، وأن التعويل فيها إنما هو على أمر غير مخيل من جهة المشابهة الخاصة، فإذا كان لا تفرقة بينها من جهة الذات دل ذلك على أن الطرد والشبه والأشبه في حكم واحد، وأن الشبه في حق القائلين هو الأشبه في قول آخرين، وأنهما جميعاً طردان عند القائلين بالطرد.. فإذاً لا وجه لما قاله هؤلاء في تقرير الأشبه بحال.
الحجة الثانية: في بطلان الأشبه، أن نقول للقائلين ونستنطقهم عما يرون من إثباته فنقول:
ليس يخلو حال الأشبه عندكم إما أن يكون مكلفاً به أو لا يكون مكلفاً به.
فإن قالوا: إنه غير مكلف به.

قلنا: فإذا كان غير مكلف به فلا حاجة إلى طلبه؛ لأنه على هذا لا يتناوله التَّعَبُّد ولا يعد في الأمور العملية، وإن كان مكلفاً به فليس يخلو حاله إما أن ينصب اللّه عليه دلالة أو لا، فإن لم ينصب عليه دلالة كان التكليف به تكليفاً بما لا يعلم وهو محال لا يجوز على اللّه تعالى لأجل حكمته، وإن نصب عليه دلالة، فليس يخلو حالها، إما أن تكون علمية أو ظنية، ومحال أن تكون علمية؛ لأنه كان يلزم أن يكون أمراً معيناً وأنتم لا تقولون به، ويلزم أن يكون مخالفه مخطئاً وهو خلاف مذهبكم.
وإن كانت ظنية فهذا جيد، لكن نقول: إن كل واحد من المجتهدين يدعي فيما قاله وغلب على ظنه أنه علة الحكم وَوَصَفه أنه أشبه، فليت شعري بم يكون التمييز بين وصف ووصف وأمارة وأمارة، وفي ذلك بطلان الأشبه، وأنه لا حقيقة له ولا وجود.
فهذا ما أردنا تقريره في حكم الآراء في المسائل الاجتهادية، وأن المذهب تصويبها لا محالة.

---
المقدمة الرابعة: في بيان ما يعرف به مذهب المجتهد وبيان الطريق إليه
اعلم أن هذه المقدمة تمس إليها حاجة الخائض في الأبواب الفقهية؛ لأنه لا يزال يردد نظره ويكرره في مذاهب المجتهدين ومعرفة مستنداتهم فيها.
وقبل الخوض فيما نريدهُ من ذلك نذكر ماهية المذهب وحقيقته، وهو: كل اعتقاد صادر عن دلالة أو أمارة أو شبهة أو تقليد، فمتى كان الاعتقاد صادراً عما ذكرناه فهو مذهب لصاحبه، ولهذا فإن اعتقاد حدوث العالم وإثبات صانعه، مذهب الموحدة من أهل الإسلام، واعتقاد من خالفهم في ذلك مذهب الملاحدة والدهرية وغيرهم من الفرق الكفرية لما كان صادراً عن شبهة فاعتقدوهُ لأجلها، واعتقادات المجتهدين لما ذهبوا إليه من مذاهبهم في التحليل والتحريم، تصير مذاهب لهم لما كانوا محصلين لها عن الأمارات. وهكذا حال المقلدة فإنها مذاهب لكونها صادرة عن اعتقاد التقليد، فصار المذهب لا يكون مذهباً إلا بما ذكرناه من الاعتقاد، ولهذا [فـ]إن ما كان صادراً عن العلوم الضرورية لا يكون مذهباً، وإن كان من جملة الاعتقادات لما لم يكن العلم الضروري من فعله، فصار المذهب يكون مذهباً لاستناده إلى الاعتقاد من فعله، فلا بد من اعتبار هذين الوصفين في كونه مذهباً.
فإذا عرفت هذا، فلنذكر الطريق إلى معرفة مذهب المجتهد، ثم نردفه بكيفية التخريج على مذهبه، وحكم القولين في المسألة، فهذه مباحث ثلاثة تختص ما نحن فيه وبعدها تفاصيل يليق ذكرها بالكتب الأصولية، ولكنا نورد ما يكون عوناً للفقيه على إحراز مذاهب المجتهدين وأقاويلهم وكيفية إحرازه لها بمعونة اللّه تعالى.

---
البحث الأول: في بيان الطريق إلى معرفة مذهب المجتهد.
وقد يدرك من جهة النطق، وقد يدرك من جهة الضرورة، وقد يكون معلوماً من جهة الاستدلال، فهذه طرق ثلاث نذكر ما يتوجه في كل واحدة منها بمعونة اللّه تعالى:
الطريق الأول: ما يكون معلوماً من جهة النطق، وهذا كأن يصرح المجتهد بأن يقول: هذا مذهبي، أو هذا الذي أقول به وهو اعتقادي في المسألة، من تحليل أو تحريم أو غير ذلك، سواء كان في الاعتقادات الإلهية أو في المباحث الأصولية أو كان في المسائل الفقهية، وأقوى ما يعرف به مذهب القائل، هو تصريحه من لسانه؛ لأن ما عداه من الطرق لا يكاد يسلم عن الاحتمال. وقد يقول المؤيد بالله ): هذا هو الذي أذهب إليه، وكما قال الشافعي: إذا تعارض الخبر والقياس فمذهبي هو القول بالخبر، يعني أنه لا يذهب إلى القياس ولا يرى له وزناً عند وجود الخبر وثبوته، بخلاف غيره فإنه ربما قال بالقياس وأعرض عن الخبر. وحكي عن أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه أنه قال: اجتمع رأيي ورأي عمر في تحريم بيع أمهات الأولاد، وأنا أرى الآن بيعهن(2)
__________
(1) المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن محمد الحسني الآملي الإمام المؤيد بالله وهو المعني بهذا اللقب عند أن يطلق، يوصف بأنه بحر العلوم وهو إمام علم الكلام وإمام أئمة الفقه، روى عن أبي العباس، وقاضي القضاة، وروى عنه السيد مانكديم، والقاضي يوسف وغيرهما، من مؤلفاته: (شرح التجريد) من أبرز المراجع، وله كتب أخرى منها: (الإفادة) (وهو غير كتاب الإفادة في التاريخ لأخيه السيد أبي طالب) و(الزيادات) و(التفريعات) و(إعجاز القرآن) في الكلام و(الأمالي الصغرى). ولد بآمل طبرستان 333هـ، وبويع له بالخلافة سنة 380هـ. وتوفي يوم عرفة 411هـ..
(2) الظاهر من رأي أئمة وعلماء الزيدية، تحريم بيع أمهات الأولاد، وقد روي إجماعهم على تحريمه في (البحر) عن الإمام يحيى بن حمزة (المؤلف). وجاء ما نصه: فصل. ويحرم بيع الأمة دون ولدها والعكس. إذ يحرم التفريق بينهما في الملك (ي) إجماعا، حتى يستغني بنفسه.ا.هـ. ص 317. وجاء في هامش (البحر) ما نصه:
…وعن علي عليه السلام أنه قال: وهب لي رسول اللّه ً غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال لي رسول اللّه ً: ((ما صنع غلاماك))؟ فأخبرته. فقال: ((رُدَّه، رُدَّه)) أخرجه الترمذي. ا.هـ. وعن علي عليه السلام أنه فرق بين والدة وولدها، فنهاه رسول اللّه ً عن ذلك ورد البيع، أخرجه أبو داود.ا.هـ 318. وهذا كما تراه يناقض ما أورده المؤلف هنا من رأي الإمام علي بجواز بيع أمهات الأولاد، ولعله أورده للتمثيل فقط.

. وهذا تصريح منه بما يراه ويعمل به ويفتي، وهكذا القول في سائر المعتقدات.
الطريق الثاني: من جهة الضرورة.
وهذا ظاهر.. فإن كثيراً من المعتقدات [هو] مما يعلم بالضرورة، بالممارسة، ويعلم الحب والبغض والموالاة والمعاداة وغير ذلك من المقاصد الضرورية، ولهذا فإنا نعلم قطعاً بالضرورة، بغض العباسية للمروانية، وبغض الفريقين للفاطمية وعداوتهم، ونعلم أيضاً انقطاع الموالاة بينهم، وهكذا حال العدلية والجبرية في البغض وعدم الموالاة، ونضطر إلى قصودهم في الانقطاع وبطلان مذهب كل واحد من الفريقين لصاحبه(1) وهكذا القول في غيره فإنا نضطر إلى أن المجبرة يعتقدون تجوير اللّه ونسبته إلى فعل الظلم وسائر القبائح، كما نضطر إلى أن المشبهة يعتقدون مشابهة اللّه للأجسام وإن لم ينطقوا بذلك، ولكنا نضطر إلى مقاصدهم في الاعتقاد لذلك والعمل عليه وانطواء أفئدتهم على التصميم على ذلك ولا يزعهم عن ذلك وازع ولا يصدهم صاد. وهكذا القول في حال الإمامية من الشيعة فإنا نعلم بالضرورة إعظام أمير المؤمنين وموالاته، وتفسيق من خالفه في الإمامة وإكفاره، وإن لم يصرحوا بهذا الاعتقاد لما يظهر من أخلاقهم وشمائلهم، بل يصرحون بذلك ويدينون به.
الطريق الثالث: ما يُعلم من جهة الاستدلال.
اعلم أن الاستدلال على مذهب المجتهد ينبني على انسداد الاحتمالات، فإذا كان غير مصرح بمذهبه ولكنا نعلم من ضرورة قصده حكماً لها، وكانت الاحتمالات منسدة سوى احتمال واحد قوي على الظن، كون ذلك الاحتمال مذهباً له، وهذا يكون على أوجه ثلاثة:
__________
(1) لدى صاحبه.

18 / 279
ع
En
A+
A-