---
خاتمة
نكتفي بهذا العرض السريع لمؤلفات الإمام يحيى بن حمزة؛ إذ ليس هذا مقام الوقوف عندها أكثر للبحث والفحص، فذلك مقام بحث خاص بمؤلفاته، يصل إلى أدق المعلومات عنها وعن أماكنها وعناوينها وموضوعاتها إلى آخره، وقد حرصنا أن نضمن هذه المقدمة ما أمكن مما هو متناسب مع موضوعها وغايتها وطبيعتها، آملين أن يكون ذلك مقارباً لحدود المطلوب منها.
ونعود إلى تضمين هذه الخاتمة إشارتين:
أولاهما: منهج تحقيق الكتاب.
وفي هذا الجانب فقد وضعنا منهج تحقيق (الانتصار) على الأسس العامة التالية:
1- المقدمة: بمحاورها الثلاثة السالفة.
2- ملاحق الكتاب المتعلقة بالفهارس والتراجم والتخريجات.
3- الهوامش الخاصة بالكتاب.
4- وضع التصحيح أو التصويب للأخطاء الإملائية أو اللغوية أو النقص، مما رأينا تركه كما هو بالمخطوطة الأصل، بين قوسين في (القلب)، عقب الكلمة المتغيا تصحيحها أو تصويبها في مكان النقص المحتمل.
أما ما عدا ذلك من توضيح أو تصويب أو إشارات إلى غرض المؤلف أو ما يضارعها، فإن مكانها الهامش.
ثانيتهما: رموز وألقاب الأعلام والأسماء الواردة في الكتاب.
في البداية لهذه الإشارة نود القول بأن مؤلفات الزيدية في اليمن، والفقهية منها خاصة، لها رموز مصطلح عليها من حرف أو حرفين أو ثلاثة، تمثل اختصاراً لأسماء بعض الأعلام والكتب، وبعض الفرق التي يكثر إيرادها، وترديدها، وكذا ألقاب مصطلح على تحديد المراد بها إذا أطلقت. ونورد هنا مجموعة هذه الرموز والألقاب الموجودة في هذا الكتاب فقط، موزعة ومتناثرة في أماكن ذكر كل منها، كما هي كذلك في مختلف كتب المخطوطات اليمنية الفقهية خاصة، وهي نوعان: الألقاب المطلقة، والرموز.
أولاً: ألقاب الأعلام:
1- الإمام الهادي، أو الهادي: يحيى بن الحسين.
2- القاسم، أو الإمام القاسم: القاسم بن إبراهيم.
3- الناصر، أو الإمام الناصر: الحسن بن علي الأطروش.
4- العبادلة الثلاثة: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر.
…والأربعة: يضاف إليهم عبدالله بن عمرو بن العاص.
5- السيدان، الأخوان: المؤيد باللّه وأبو طالب.
6- السادة الثلاثة: المؤيد بالله وأبو طالب وأبو العباس.
7- المؤيد بالله: أحمد بن الحسين الهاروني.
8- أبو طالب: يحيى بن الحسين الهاروني.
9- المنصور بالله: عبدالله بن حمزة.
10- أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن.
ثانياً: رموز الأعلام:
1- (ص) بالله: الإمام المنصور بالله.
2- (م) بالله: الإمام المؤيد بالله.
3- (ط): أبو طالب.
4- (ع): أبو العباس.
5- (ح): الإمام أبو حنيفة.
6- (ش): الإمام الشافعي.
7- (ك): الإمام مالك.
8- (ص ح): أصحاب أبي حنيفة.
9- (ص ش): أصحاب الشافعي.
10- (ف): الفقيه أبو يوسف.
11- (ث): سفيان الثوري.
(وقد نجز غرضنا من هذه المقدمة) بحسب مقولة المؤلف عليه السلام راجين أن نكون قد وفقنا في تقديم أقل ما يجب تجاه هذا الكتاب الموسوعة النادرة للفقه الإسلامي، ومؤلفه الإمام العالم المجتهد المجاهد المؤيد بالله يحيى بن حمزة، وحققنا شيئاً من الانتصار لكتاب (الانتصار) ليخرج من غياهب العزلة التي ظل فيها حبيس المخطوطات المشتتة قرابة سبعة قرون، بالشكل والأسلوب اللائقين به، ولو في أدنى حد ممكن، آملين من اللّه تعالى أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكفر عنا بحسنات حسنِةٍ سيئات سيئةٍ إنه جواد كريم وغفور رحيم، والرجاء من كل قارئ قادر على أن يسد خللاً أو يصحح خطأ تقع عليه عيناه، أن يفعل ذلك بقدر الإمكان، وأن يتجاوز عنا فيما تجاوزه السهو والخطأ منا، وحسبنا أنا قد تمسكنا فيه بمبدئنا بأن نبذل الجهد بما في وسعنا. وإن كان يسيراً وقليلاً، فإن اللّه يضاعف لمن يشاء. {ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}.
{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}.
(وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)
…… عبد الوهاب بن علي بن محمد بن إبراهيم حورية المؤيد
……………صنعاء - أكتوبر 2000م.
---
مقدمات المؤلف
الحمد لله وصلاة على سيدنا محمد وآله، اللهم أعن يا كريم.
الحمد لله القيوم الذي لا تستولي على كنه جلاله عميقات مذاهب الفكر والأفهام، المتعالي بكبريائه عن أن ترتقي إليه متاهات الظنون والأوهام، المنزه في ذاته عن مشاكلة المكونات من الأعراض والأجسام، البعيد عن الحصول في الأماكن والجهات على حد تَحَيُّز الأجرام، المقدس بالصفات الإلهية الشريفة العظام، المسبَّح بالأسماء على ألسنة الملائكة الكرام، المنعم الذي ضرب علينا من فضله سرادقات نعمه الجسام، وأرخى علينا من جوده سرابيل المنن والإنعام، بما ألهمنا من معرفة معالم الدين والإسلام، وخصنا بما عرَّفَنا من حقائق الشرائع والأحكام، وتمييز الحلال من الحرام.. وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، شهادة تكون سبباً لإحراز عفوه وغفرانه، وذريعة إلى الفوز بثوابه وعظيم رضوانه. والصلاة على رسوله المؤيد بالواضحات من الأعلام، الهادي إلى الرشد الداعي إلى دار السلام، محمد المحمود في طرائقه وآثاره، وإمام من اهتدى بهديه وعلم مناره، وعلى آله الطيبين الذين أشرق بضياء علومهم عن الدين كل ظلام، وانحسر بنور أنظارهم عنه كُدُورة كل قتام، حتى رسخت عروقه وتقررت منه مواضع الأقدام، فتجلَّت أنواره عن حقائقها وأسرارها، وطلعت شموسه واضحة فأسفر وجه نهارها. فجزاهم اللّه عن حميد سعيهم في دينه أعظم رضوانه، وأحلهم أعلى الدرجات من فضله ومزيد إحسانه.
أما بعد: فإن أفضل ما شغل الإنسان به نفسه وأفنى فيه عمره، هو طلب العلم وإعطاؤه، فإنه أفضل الأعمال وأشرفها، سواء وفق لإحرازه طالبه أو أخطأه. ثم إن الباعث على هذا الإملاء غرضان:
فالغرض الأول منهما هو: أن العلم لما كان من أعلى المراتب وأسناها وأشرف المناقب وأرفعها وأحظاها، وأنفس الأعمال وأزكاها، وأشرف ما يخلفه الإنسان بعد الموت، لشرفه وعلو فائدته في الدين .. فأحببت أن يكون لي بعد الموت ما عسى أن يبقى ثوابه ولا ينفد أجره، تصديقاً لقوله تعالى: {إنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ }[يس:12]. وفي الحديث عن صاحب الشريعة صلوات اللّه عليه: (( إذا مات ابن آدم انقطع عنه سائر عمله إلا ثلاثة : علم ينتفع به، أو صدقة تجري، أو ولد صالح يدعو له ))(1).
والغرض الثاني: أن اللّه تعالى لما وفقني لإتمام كتاب (العمدة في المباحث الفقهية)(2) وكنت قد اقتصرت فيه على ذكر المذهب ودليله، وذكر من خالف مذهبنا أو وافق من علماء الأمة وفقهاء العامة، وألغيت ذكر أدلة المخالفين، وذكر المختار من الأقاويل في المسألة، وتقرير الحجة عليه، ووعدت في صدر الكتاب أن اللّه تعالى إن نفس لي في المهلة وتراخى الأجل ضممت إليه كتاباً، فلما أنجز اللّه العِدَةَ، وصدق الرجاء بتنفيس المدة، ابتدأت بتأليف هذا الكتاب فأجعله كتباً، ثم أضمن الكتب أبواباً، ثم أحشو الأبواب فصولاً، والفصول مسائل، فأذكر في كل مسألة من خالف فيها، وأورد لكل مجتهد حجته من الأدلة، ولم آل جهداً في تقرير كل مذهب من تلك المذاهب بدليله وإيراد أحسن ما أجده في نصرته وتقرير مقالته، حتى إذا أكملت المذاهب بأدلتها في المسألة، ذكرت المختار من تلك المذاهب وقررته بحجته، وأوردت الانتصار بإبطال ما خالفه، فصار في سياقه مرتباً على مراتب ثلاث:
__________
(1) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي.
(2) كتاب (العمدة) في الفقه، ستة مجلدات كما جاء في مصادر الحبشي عن (أئمة اليمن) للعلامة زبارة.
المرتبة الأولى: أن تكون المسألة قد وقع فيها خوض من أئمة العترة وفقهاء الأمة، وتكرر فيها النظر، وطالت فيها الخصومة، وحصل فيها النزاع بينهم. وهذا هو الأكثر المطرد من جهة أن معظم المسائل قد خاضوا فيه، وأفتى كل واحد منهم على حسب ما يعن له من النظر ويقوى من الدليل الشرعي، وما هذا حاله من المسائل، أذكر لكل واحدٍ منهم دليله وأوضحه، ثم أشفعه بذكر المختار من تلك المذاهب، وأذكر ترجيحه على غيره من تلك المذاهب المذكورة.
المرتبة الثانية: أن لا يكون لأئمة العترة فيها قول وللفقهاء فيها خوض.. وما هذا حاله فهو مغفور قليل ولا يُعثر عليه إلا على جهة الندرة، بالإضافة إلى ما قد خاضوا فيه، فأذكر المسألة وأوضحها ببراهينها الشرعية لكل واحد من المخالفين، ثم أذكر المختار من تلك الأقاويل، وما أراه صالحاً للمذهب منها بمعونة اللّه، فأما ما كان مجمعاً عليه فأذكره، ثم أوضحه بحجته من غير زيادة.
المرتبة الثالثة: ما لا يكون لأئمة العترة ولا لعلماء الأمة فيها قول، وما هذا حاله فإنما يُعثر عليه في الندرة ويوجد على جهة القلة، وهو أدخل في الندور من الذي قبله. وما هذه صفته، فأذكر المسألة وأوضحها بالحجة الشرعية على حد ما أجده وأعثر عليه، فلما نزلته على هذه الهيئة، ورتبته على هذا الترتيب، وصار معتمداً في معرفة المذاهب وحجج التأويل، ووسيلة إلى تمييز الصحيح المختار من الأقاويل.. سميته بكتاب:
(الانتصار على علماء الأمصار في تقرير المختار من مذاهب الأئمة وأقاويل علماء الأمة)
وأنا أسأل اللّه بجلاله وعلو شأنه وجبروت ملكوته وقاهر سلطانه، أن يوفق فيه القصد ويخلص فيه النية، ويحقق فيه الأمل ويصدق الأمنية، ويجعله خالصاً لوجهه، مطابقاً لرضاه بمنه وطوله، إنه قريب مجيب.
---
تمهيد
واعلم أنّا قبل الخوض فيما نريده من مقاصد الكتاب، نذكر تمهيداً يشتمل على مقدمات خمس تكون قاعدة لمهادِه، وعوناً على إحراز أسراره ومراده، ولا غنى عنها لمن خاض في المسائل الفقهية، وتكرر نظره في المذاهب الخلافية، وأكثَر الكتب الفقهية خالية عنها، ونحن نوردها ونشرحها بمعونة اللّه تعالى.
وكتابي هذا متميز عن سائر الكتب المصنفة في هذا الفن بخصال لا تخفى على الناقد البصير، ويدري بمواقعها كل ألمعي نحرير.
---
المقدمة الأولى: في بيان ماهية الحكم وصحة نقل الأسماء
اعلم أنه يتعذر أنا نتكلم في الأحكام الشرعية، كالقبح والحسن والوجوب والندب والإباحة والكراهة، وتحصيلها بأدلتها الشرعية، ولم نفهم ماهية الحكم وحقيقته؛ لأن الكلام على ثبوت الشيء ووجوده، فرع على الكلام على تصور ماهيته وبيان معناه. ويتعذر أن نتكلم في أن الصلاة مقولة على هذه الأفعال وغيرها من الأسماء الشرعية، ولم نقدم صحة نقل الأسماء، فهذان(1) مطلبان تشتمل عليهما هذه المقدمة. والعجب من نظار الفقهاء حيث تكلموا على هذه الأحكام ولم يظهروا هذه الأسرار، ولا أبرزوا خفاياها مع شدة الحاجة إليها.
المطلب الأول: في بيان ماهية الحكم ومعناه.
__________
(1) في الأصل: فهذه.
والذي ذهب إليه نظار الأشعرية(1) والمحققون منهم، كالجويني (2) والغَزالي ) وابن الخطيب الرازي ) أن المرجع لما(5) ذكرناه من هذه الأحكام ليس إلا مجرد إيصال الخطاب بالفعل من غير أمرٍ وراء هذا.
فالقبيح عندهم: ما قيل فيه: لا تفعلوه.
والواجب: ما قيل فيه: افعلوه، وحرام تركه.
والمندوب: ما قيل فيه: افعلوه، ولا حرج في تركه.
والمباح: ما قيل فيه: لا حرج عليكم في فعله ولا تركه.
والمكروه: ما قيل فيه: اتركوه، ولا حرج في فعله.
فهذه هي ماهية الحكم عندهم، ونفس معقوله من غير أمر وراءه(6).
__________
(1) الأشعرية: أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المتوفى سنة 324هـ. (راجع الملل والنحل للشهرستاني ج1/94).
(2) أبو المعالي، عبدالملك بن عبدالله الجويني الأشعري، المعروف بإمام الحرمين، شيخ الأشعرية ومتكلمهم، ولم يكن أشعرياً؛ لأنه يقول: فعل العبد بقدرة العبد مستقلة ولا كسب. له مصنفات مشهورة في الأصولين: (البرهان)، و(الورقات) و(المنتخب). وكان له عدد كبير من الطلبة. ا.هـ مقدمة الأزهار.
(3) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الأشعري الطوسي(450 - 505هـ). ولد في طوس سنة450هـ، قرأ على الجويني بطوس حتى توفي الجويني، فانتقل إلى العراق. وله مؤلفات مشهورة منها: (إحياء علوم الدين) و(المستصفى) و(المنتخب) وغيرها، وكان أشعري المذهب ثم انتقل إلى مذهب الزيدية، وصح رجوعه برواية الشيخ محيي الدين الجيلاني، ومثله قال الإمام الشرفي، ويشهد بذلك كتابه (سر العالمين)، واشتغل آخر عمره بالزهد والعبادة. وتوفي في جمادى الآخرة سنة 505هـ. (مقدمة الأزهار - طبقات الشافعية - تهذيب التهذيب).
(4) هو فخر الدين محمد بن عمر الرازي، أحد العلماء الذين جمعوا بين علمي الأصول والفروع والفلسفة، وله أكثر من ثلاثين مؤلفاً، توفي بمدينة هراة (بإيران) سنة 606هـ.
(5) في الأصل: بما.
(6) في الأصل: واراه.
والذي عليه الجماهير من المعتزلة من أصحاب الشيخ ) وعليه علماء الزيدية، أن هذه الأحكام أمور إضافية زائدة على ذات الأفعال، تتصف لها لأجل وقوعها على أوجه مخصوصة.
فقبح الظلم والكذب حكمان زائدان على هذين الفعلين مُؤثَرَان عن وقوع الفعل على صفة الظلمية والكذبية، وهكذا وجوب الصلاة والزكاة، فهي أمور إضافية إلى هذه الأفعال زائدة عليها، وهكذا غيرها من سائر الأحكام.
__________
(1) أبو هاشم، عبدالسلام بن محمد بن سلام (مخففاً) بن خالد بن أبان بن حمران الجبائي المعتزلي. قال ابن خلكان: هو الإمام في مذهب الاعتزال، المتكلم ابن المتكلم العالم ابن العالم. ولادته سنة246هـ، وتوفي يوم الأربعاء اثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة321هـ، ببغداد ودفن في مغار البستان، وهو من أشهر علماء المعتزلة ومتكلميهم. (مقدمة الأزهار، وفيات الأعيان). ويلحظ المطلع أن تاريخ مولد أبيه هو في العام (235 هـ) أي الفارق بين الأب والابن في الميلاد هو: 11 أو 12 سنة فقط، وهذا مثار شك في صحة التاريخ لميلاد أحدهما أو كليهما، إلا أن المراجع التي استندنا إليها أكدت هذا.