الكتاب :الإنتصار على علماء الأمصارج1
المؤلف : الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن إبراهيم بن علي الحسيني المتوفى سنة 749 هـ
المحقق :
الناشر :
الطبعة :
عدد الأجزاء :
مصدر الكتاب :
[ الكتاب ]

---
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي أرسله اللّه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً منيرا. محمد بن عبدالله، وعلى آله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وعلى أصحابه الذين كانوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من اللّه ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود.
وبعد:
فهذه مقدمة كتاب (الانتصار) التي كانت جهد المقل ولم تكن أقل الجهد. ولم يكن كذلك، تصدير هذا الكتاب الجليل بها لمجرد تقليد سار عليه المحققون والناشرون، بقدر ما رأينا فيها قبل كتابتها، وحرصنا عليه أثناء إعدادها.. مدخلاً يمهد لبدايته، ويوثق مصادره ومراجعه، ويعرّف به مخطوطة، ويروي ملامح عزلة قرون سبعة عاشها الكتاب، مشتتة أجزاؤه، ومتناثرة مجلداته في المكتبات العامة والخاصة داخل اليمن وخارجها. وهي في نفس الوقت، مقدمة لتحقيق الكتاب في حدود ما اقتضاه الحال وسمح به الإمكان، من أغراض التمهيد والتوثيق والتعريف هذه إلى جانب ما تضمنه وتناوله التحقيق من الملاحق والهوامش الخاصة بالكتاب، ليخرج في الصورة اللائقة به ولو في الحد الأدنى. ومن اللّه تعالى نستمد العون والتوفيق، واحتسابه عملاً خالصاً لوجه اللّه في خدمة التراث الفكري الإسلامي. إنه سميع مجيب وعلى كل شيء قدير.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً.

---
تمهيد
عندما كنا في المدرسة العلمية(1) طلاباً.. كنا نسمع عن كتاب (الانتصار) اسماً مجرداً وملخصاً في هذه الكلمة، مثل ما نسمع عن الإمام يحيى بن حمزة.. وذلك عند أن نسمع من أساتذة المدرسة (المشائخ)، أو فيما نقرؤه من كتب المنهج المقررة، في عبارات: (قال في الانتصار..)، (أورده صاحب الانتصار..)، (أوضحه يحيى بن حمزة)، (وخالفه يحيى بن حمزة)، (و هو ما قاله الإمام يحيى بن حمزة في الانتصار).
وقلما يرد فيما نقرؤه من هذه الكتب اسم كتاب (الانتصار) مقروناً باسم مؤلفه. ولذا فإن كثيراً من الطلاب حينها لم يكن يعرف أو يهتم بأن يعرف أن كتاب (الانتصار) هو من مؤلفات يحيى بن حمزة، أو أن يحيى بن حمزة هو مؤلف الكتاب.
وإذا اقتصر الطالب على الكتب المقررة في المدرسة العلمية، فإنه يقضي السنوات الخمس أو السبع أو التسع فيها، دون أن يعرف عن كتاب (الانتصار) أكثر من أنه كتاب في الفقه.. وعن يحيى بن حمزة أكثر من أنه واحد من كبار علماء اليمن. أما ما زاد عن ذلك من معلومات أخرى، مثلا: عن حجم (الانتصار) وأجزائه وحتى اسمه الكامل وتعليله، وعن عصر يحيى بن حمزة ومؤلفاته.. وما إلى ذلك.. فإنها أشياء لا يعرفها إلا العالمون، والسبب لا يعود إلى عدم توفر هذه المعلومات أو مصادرها فقط، بل يعود أولاً وقبل كل سبب، إلى عدم الاهتمام بشيء خارج نص الدروس المقررة.
وهذه الحال لا تخص كتاب (الانتصار) أو مؤلفه يحيى بن حمزة.. بل تعم كل الكتب والمؤلفين مما ليس مقرراً ضمن منهج المدرسة. وأكثر من هذا، أن الحال تعم أيضاً، الكتب المقررة فيما يتعلق بأسماء الكتب ومؤلفيها. حيث أن تداول أسمائها يأتي ملخصاً، ثم لا تتجاوز معارف الطلاب في الغالب، تلك الأسماء والألقاب والعناوين الملخصة.
__________
(1) في جامع الإمام الهادي بصعدة. إحدى المدارس العلمية التي كانت خاصة بتدريس علوم الفقه في اليمن.

وعلى سبيل المثال.. أسماء الكتب المقرونة ملخصة باسم المؤلف، كما كانت متداولة في المدرسة العلمية من الكتب المقررة مثل:
- كافل لقمان(1).
- متن ابن الحاجب. أو الحاجبية(2).
ولا نبالغ إذا قلنا بأن القليل أو النادر من طلاب المدرسة العلميه حينها، من كان يعرف أو يهتم بأن يعرف أن اسم الكتاب الأول كاملاً، هو: (الكاشف لذوي العقول عن معاني الكافل بنيل السؤول)، وأن اسم مؤلفه: أحمد بن محمد بن لقمان (أصول الفقه). وأن اسم الكتاب الثاني: (كافية ذوي الأرب في معرفة كلام العرب) (نحو). وهكذا معظم الكتب ومؤلفيها.
وهكذا ظللنا في المدرسة العلمية السنوات الثلاث الأولى من سنوات الدراسة بها(3) وتركنا المدرسة ونحن لا نعرف عن كتاب (الانتصار) أكثر من أنه كتاب في الفقه للإمام يحيى بن حمزة، ولا نعرف عن يحيى بن حمزة ما قد يتجاوز العلم بأنه مؤلف كتاب (الانتصار).
ونعتقد أن هذه الحال هي أكبر وأعمق من صورتها التي تظهر بها، وأنها ذات علاقات وآثار متعددة وواسعة في مجال التراث الفكري الإسلامي في اليمن. وأنها بالتالي.. جديرة بالبحث وما أكثر الجوانب والمجالات الجديرة بالبحث في تراثنا الإسلامي في اليمن. وهذا يلح علينا أن نمر بجانبين من هذه الحال التي كانت قائمة:
الأول: أسبابها.
ونعتقد أن من أوائل الأسباب:
1- أسلوب المؤلفين.. حيث درجوا على تداول عناوين وأسماء الكتب والمؤلفين بأساليب ملخصة، تعتمد:
أولاً: على الاقتصار في ذكر أي منها، ومنهم في حدود حاجة الاستدلال والتوضيح وذكر المرجع. فيكتفي الواحد منهم في مؤلفه بذكر ما لا بد منه في المسألة.
__________
(1) الكافل بنيل السؤول في علم الأصول) أصول الفقه لمؤلفه أحمد بن محمد لقمان المتوفى سنة 1039هـ.
(2) مختصر معروف في النحو، عليه أكثر من شرح مثل (الخبيصي) وحاشية السيد المفتي.
(3) اثنتى عشرة سنة.

ثانياً: استخدام أبرز وأقل الكلمات عند الإشارة إلى المرجع، فيقول مثلاً: ذكره صاحب (الغاية)(1) وقال في (الأزهار)، وهكذا.
2- كذلك فإن مؤلفي كتب التراث هذه -وبصفة عامة لا تكاد تجد فيها حالة استثناء- درجوا على قصر كل منها في نطاق موضوعه فقط، من بداية الكتاب بـ(أما بعد فإن علم (كذا)..) (وهذا ما دفع بي إلى تأليف هذا الكتاب الذي سميتة) (فأقول وبالله التوفيق..). وحتى يصل إلى نهايته في (والله تعالى أعلم، وبهذا تم الكتاب بعون اللّه تعالى في يوم...).
دون أن يعطي المؤلف أي اهتمام لمسألة التراجم أو الفهارس الملخصة لما ذكره في مؤلَّفه من أعلام ومراجع. وهي قاعدة وأسلوب شائعان لدى مؤلفي كتب التراث الإسلامي في البلدان العربية وغيرها، وإن كانت في اليمن ربما أظهر وأكثر.
قد يقال بأن صعوبة الكتابة المخطوطة باليراع والمحبرة واليد، كانت السبب الأول. ونعتقد أن هذا ليس السبب الأول ولا الأخير، فهم معروفون بالصبر على تحمل كل المشاق والصعاب من البحث عن الكتب واستيعابها قراءة واستقراءً، ومن الترحال والتنقل بين المدن والأقطار لطلبه وتلقيه عن أعلامه.. إلى الحد الذي يدفع أعلاماً من أمثال عبدالرزاق الصنعاني(2) أن يذهب إلى الشام والعراق بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، بحثاً عن بضعة أحاديث يريد أن يسمعها من رواتها أو من طرق أخرى، وأن يرحل الشافعي إلى اليمن مؤكداً إصراره بقوله المشهور: (لابد من صنعاء وإن طال السفر)، ولنفس الغرض. وغيرهما كثير.
__________
(1) غاية السؤول) في أصول الفقه للحسين بن القاسم بن محمد المتوفى سنة 1050هـ بمدينة ذمار.
(2) صاحب المسند المشهور في الحديث المعروف بـ(مصنف عبدالرزاق).

ولكن السبب الحقيقي كما نعتقد، هو عدم إعطاء جانب التراجم والفهارس ملحقة بالمؤلفات، أي اهتمام؛ لأنهم لا ينظرون إليها في عصورهم من الزاوية التي ننظر إليها الآن. ولا يعني هذا أنهم يطّرحون شيئاً من قيمة التراجم العلمية، أو ينقصون مكانتها في كونها فناً مستقلاً ذا وظيفة أساس في تصنيف النسيج الفكري للفنون والعلوم المتعددة، ولكن الذي يظهر من مؤلفاتهم بعامة أنهم في هذه الناحية، يحرصون على تأكيد ما يمكن أن نطلق عليه صفة التخصص والفصل في التأليف بين مختلف الفنون والعلوم. ولذا ظلت كتب ومؤلفات التراجم والمعاجم والطبقات، علماً متميزاً مستقلاً عما عداه. (ومن أراد مزيد تفصيل فليرجع إلى المطولات) (1).
والجانب الثاني:
عدم الاهتمام بتدريس كتب التراجم أو حتى بإدخالها ضمن مراجع المنهج المقرر.
__________
(1) عبارة معروفة يستخدمها المؤلفون في كتب التراث.

---
الانتصار لـ(الانتصار)
وكتاب (الانتصار) هذا الذي نقدمه مطبوعاً إلى مكتبة الفكر الإسلامي، بوصفه واحداً من أبرز وأشهر وأوسع مخطوطات التراث اليمنية.. هو - أيضاً - شأنه شأن سائر المؤلفات التراثية في خلوه خلواً كلياً من التراجم والهوامش فضلاً عن الفهارس، وحتى في المفردات والأعلام والعناوين التي قد تشتبه بنظائر مغايرة دون وجود قرائن مميزة يمكن الاعتماد عليها.. حتى في مثل هذه الحال فإن المؤلف لا يقطع استرساله في البحث ليوضح شيئاً منها إلا في القليل النادر. وقد سبقت الإشارة إلى أن هذه النظرة أو الأسلوب، يعود بالدرجة الأولى إلى دقة التصنيف الموضوعي في كتب هؤلاء المؤلفين بصفة عامة. ويضاف إلى ذلك أن المؤلف منهم كصاحب (الانتصار)، يكون قد استقرت في اعتقاده قاعدة ثابتة في طرق التعلم والتعليم وبالتالي التأليف.. وهي أن الكتاب (أي كتاب) ليس موضوعاً للمبتدئ في طلب العلم، ولكنه للشيخ أو الأستاذ الذي بلغ من العلم درجة تؤهله لتدريس الكتاب. ومن هنا فإن القضية تبدو محكوماً فيها ومفروغاً منها سلفاً.
وهذه القضية واحدة من القضايا أو العناصر التي جعلت تحقيق كتاب (الانتصار) يبدو لدينا أكثر صعوبة من غيره من كثير من الكتب التراثية الأخرى. وقد أعجز عن وصف المفاجأة التي أثارت في نفسي كثيراً من الدهشة والاستغراب، عند أن عرض عليَّ الأخ والصديق الأستاذ علي بن أحمد مفضل فكرة القيام بتحقيق هذا الكتاب.
وبقدر ما سببت عدم موافقتي المطلق بأسباب لا أزال أراها موضوعية.. فقد كان قادراً على إقناعي بالموافقة بأسباب هي الأخرى موضوعية. وكان السبب الأول لعدم موافقتي آتياً من حقيقة لدي تتضمن اقتناعاً وحرصاً ثابتين:
- اقتناعي بأن تحقيق المخطوطات التراثية، أصبح فناً مستقلاً من فنون العلم والفكر أكثر من كونه جزءاً من مهنة النشر في هذا العصر الذي يطلق عليه (عصر المطابع) ضمن أشهر صفاته.

- وحرصي على أهمية هذا الكتاب وما احتواه من علم جم ومنهج فذ أن يتم تحقيقه ونشره في الصورة اللائقة به؛ لأنني وغيري أشعر بالإشفاق والألم لكثير من المخطوطات التي صدرت تحت عبارة (تحقيق وتصحيح)، وليس فيها - وللأسف الشديد - من التحقيق شيء غير اسم لشخص كتبه بعد هاتين الكلمتين، وقد يضيف تصديراً في بضعة أسطر يستهل بها الكتاب. ومثل هذا لا يمكن أن يكون تحقيقاً، ولكنه في أحسن الحالين يكون نسخاً للمخطوطة إن لم يكن مسخاً لها، من حيث أن ما هو مقبول في المخطوطة ليس مقبولاً في نسختها عند طبعها ونشرها. ومن هنا فإن ما أعرفه من شروط يجب أن تتوفر في عمل التحقيق، هي قطعاً متوفرة لدى غيري من المهتمين بهذا الجانب أكثر مني. وليس الإلمام بأصول التحقيق وسعة الاطلاع في كتب التراث والتفرغ، كل الشروط أو ربما أكثرها أهمية.
ولأن زميلي صاحب الفكرة والمشروع لتحقيق (الانتصار)، ينظر إلى الكتاب بعين الفقيه المطلع الحريص على نشر الكتاب بوصفه الغاية الأولى، وبوصف ما عداها من غايات مجرد وسائل تسخر لخدمتها، فقد أقنعني بإصرار كثير، وعزم متين عبر عنهما بكلمات قليلة. قال ما خلاصته:
أولاً: إن الواجب لا يخص المتفرغين للتحقيق في كتب التراث؛ لأنه واجب ديني وفكري يقع على كل شخص بحسب وعيه بهذا الواجب، وبحسب قدرته على أدائه.
وثانياً: وكما أن المبدأ أو القاعدة في أداء الواجب محددة بقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلا وُسْعَها}.. فإن المفهوم المفروغ منه في هذه الآية، أن الأداء واجب في حدود وسع النفس وقدرتها، ولا يسقط بمجرد الاحتمال المسبق لعدم القدرة على أداء الواجب كاملاً غير منقوص. فدعنا نعمل ما في وسعنا أولاً، ثم نحكم عليه بالقبول أو الرفض.

ومن هذه القاعدة الفقهية وترتيبها المنطقي رأيتني أشاطر هذا الزميل المفضل الإصرار والعزم داعين اللّه تعالى أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وأن يجعل من هذا العمل انتصاراً لكتاب (الانتصار) من عزلة المخطوطات وحالة الشتات التي باعدت بين مجلداته ونسخه وأجزائه. ومن اللّه نستمد العون.

---
منهج المقدمة
تدور مقدمة التحقيق للكتاب حول ثلاثة محاور تشمل في طيها أبرز الفقرات والعناصر الداخلة ضمن منهج التحقيق بالشكل الذي نحاول فيه أن لا يهمل أصلاً ثابتاً من هذه العناصر ولا يثبت مهملاً لا علاقة مباشرة له بالخط العام للتحقيق ومقاصده وغاياته الأولى.
وتتحدد المحاور الثلاثة في:
- دوافع التحقيق وغايته.
- موضوع كتاب الانتصار.
- شخصية المؤلف.

1 / 279
ع
En
A+
A-