[48] مفهوم الأدلة: أن الإِمامة حقٌّ إِلهي محصور منصوص في أسرة أو أشخاص، وهو قول جمهور المسلمين من مُحَدِّثِيْنَ وفقهآء، والاختلاف إنما هو في التفريع: فالمحدِّثون يحصرون الخلافة في قريش، والإمامية يحصرونها في اثني عشر إمامًا أَوَّلُهُمْ علي وآخرهم المهدي. والزيديةُ يحصرونها في علي وأولاده من نسل فاطمة، ويطلقون عليهم البطنين، لكنهم قَيَّدُوا ذلك بشروط صارمة: هي أن يكون مُكَلَّفًا، ذكراً، فاطميًّا، سليم الحواس والأطراف، مجتهدا في العلوم الدينيَّة، عدلاً، سخيًّا، يضع الحقوق في مواضعها، مُدّبِّرًا بحيث يكون أكثر رأيه الإصابة، مِقْدَامًا في القتال، لم يَتَقَدَّمْهُ إِمامٌ قَدْ أُجيبت دعوتُه؛ فالزيدية كما ترى أوجبوا على من استوفى هذه الشروط أن يدعو لنفسه، وأوجبوا على الأُمَّة إجابة دعوته ومبايعته، فإن زاغ وظلم وجب الخروج عليه ومقارعته بالسلاح؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وبهذا نص القرآن الكريم:?وَلْتَكُن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ?[آل عمران:104] ولا خير في الأمة إن لم تقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ?[آل عمران:110] وهو مبدأ كان يعترف به الخلفاء الراشدون حتى جاء الملك العضوض فصادر هذا الحق، وقَتَلَ إِحساس الأمة بأخطر واجب، وقَمَعَ الثائرون قمعًا رهيبًا، وتَحَمَّلَ عليٌّ وأبناؤه العبء الأكبر إن لم يكن العبءَ كُلَّه.

وَالعجيبُ أن الأنصار بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ولم يعترفوا بأهمية قريش الأمر الذي يشكك في صحة حديث (الأئمة من قريش) ونحوه، ولم يحتج عليهم قرشي بدليل يحصر الخلافة فيهم، فما كانت لتتم بيعة أبي بكر لولا مبادرة عمر بالتصفيق على يده حتى وَصَفَ عمر بيعة أبي بكر بأنها فلتة، وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه. وإنما نُقِلَ عن أبي بكر قوله: نحن شجرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والعرب لا تذعن إلا لقريش؛ ولهذا قال علي فيما يشبه التظلم: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة. وتولى عمر بعده بوصية من أبي بكر، وبويع بعد ذلك من باب تحصيل الحاصل، وبيعة عثمان أشبهت الوصية من عمر؛ لأنه حصر أحقية الخلافة في ستة، ثم حصرها في نصف الستة الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف؛ لِعِلْمِ عمر أن سعد بن أبي وقاص ابن عم عبدالرحمن؛ لأنهما من بني زهرة، وعبدالرحمن صهر عثمان؛ لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت عثمان من أمه وهي زوجة عبدالرحمن، أما طلحة فهو قريب أبي بكر مائل عن علي لما بين بني هاشم وأبي بكر ورهطه من حزازات بسبب استئثار أبي بكر بالخلافة دون علي؛ فلم يبق مع علي سوى الزبير؛ فَعُمَرُ كما ترى قد فصَّلها على قياس عثمان، وقد أجاد عبدالرحمن تمثيل الدور، وقال لعلي: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين؛ فرفض علي هذه الزيادة المبتدعة؛ لأن سيرتهما مهما كانت عادلة فلا يصح أن توضع بجانب القرآن والسنة؛ فما على المسلم إلا تطبيق القرآن والسنة وأن يجتهد حسب الوقائع؛ لكن عثمان أنعم بذلك فبويع ولكنه لم يلتزم بسيرة الشيخين، وكان عدم التزامه سببَ قَتْلِهِ. ولم نسمع ببيعة حرة ونزيهة مثل بيعة علي إذ أقبل الناس برغبة كاملة، ورفض البيعة إلا في المسجد. لكن المدهش والمذل أن تصير لبني أمية، ثم يتوارثونها كالقياصرة والأكاسرة، وكذا فعل العباسيون وصارت السلطة حكرًا على أسرٍ معينة، ولم

يعد مستغربًا تأييد من ظفر بالسلطة؛ لسبب انعدام القاعدة التي تنظم السلطة فالملك لمن غلب ومَلَك السيف والذهب.

[49] هذا حديثٌ متواترٌ، قال المقبلي في الأبحاث المسدَّدة ص244: بعد ذكر رواتِه: (وهو متواتر فإن لم يكن مثلُ هذا معلومًا وإِلاَّ مَا في الدنيا معلوم) وَقَد ورد بألفاظ كثيرة من مراجع عدة نذكر منها: أمالي أحمد بن عيسى 1/38. والمرشد بالله الشجري 1/45،42. والمؤيد بالله في الأمالي الصغرى، ص90، 102. وأبو طالب في أماليه ص48. والقاسم بن محمد في الاعتصام 5/376 - 379. وعلي بن موسى الرضى في صحيفته ص457. والهادي في الأحكام 1/37. ومسند أحمد ج1 ص182 رقم 641 ورقم 950 ورقم 964 ورقم 1310 مسند علي وقد رواه من أربعين طريقة. ومجمع الزوائد ج9 ص103 وما بعدها، بروايات عديدة. وتاريخ الإسلام عهد الخلفآء للذهبي ص631-633. وتذكرة الحفاظ ج1 ص10 والمستدرك ج3 ص134. ومختصر زوائد مسند البزار ج2 ص301 وما بعدها رقم 1900 وساق روايات من طرق متعددة. والبداية والنهاية لابن كثير مج4 ج7 ص383 وما بعدها. 5/ص232. وقد جمع محمد بن جرير الطبري فيه مجلدين كما ذكره الذهبي في طبقاته 2/254. وقد صنف الشيخ عبدالحسين الأميني موسوعةً بحالها في شأن حديث الغدير هذا سمَّاها (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) خَصَّصَ الجزء الأَول لطرق حديث الغدير، ثم ظل يلاحق الغدير في الشعر والنثر حسب الطبقات - طبع منه 11مجلدا - الطبعة الرابعة - دار الكتاب العربي - بيروت 1397ه - 1977م. ورواه الترمذي 5/591 برقم 3713. وابن ماجة ج1 برقم 116 ص43، وبرقم 121 ص45. وابن حجر العسقلاني في الإصابة 2/502.

[50] أحقية الإمام علي عليه السلام بالخلافة عقلية ونقلية: أما العقل فلا يتردد في تقديم الأكفاء والمتميز بالصفات المطلوبة والزعامة فهو أشجع الصحابة والناس جميعا سابقين ولاحقين، وإن كان المطلوب بالسبق إلى الإسلام فهو الثاني بعد خديجة وأسبقهم إلى الإسلام، وإن كان بالعلم فهو أعلم الصحابة حتى اشتهر عن عمر قوله: لولا علي لهلك عمر،لا أبقاني الله في معضلة ليس له أبو الحسن. معضلة ولا أبا حسن لها.وإن اسْتُحِقَّتْ الخلافة بالجهاد فهو سيد سادات المجاهدين، وإن شئت عقلا أن تنافس بالزوجة والأبناء والأعمام والجدات والأخوة فهو متزوج بسيدة بنات حواء وحبيبة سيد بني آدم وولداه منها سيدا شباب أهل الجنة وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما عمه فهو أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء وأما أخوه فهو الطيار في الجنة، وأما حماته فهي خديجة الكبرى، وأما طينته وعجينته فهي طينة وعجينة رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأكملهم، وإن كان بالقرب من الرسول فهو أقربهم من رسول الله، وأزهدهم، وأهداهم. قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير:

فَلَهُ السَّبْقُ تَرَاهُ الأَوَّلِيَّا
فَلِهَذَا فَوْقَهُمْ صَارَ عَلِيَّا

كُلُّ مَا لِلصَّحْبِ مِنْ مَكْرُمَةٍ
جُمِعَتْ فِيْهِ وَفِيْهِمْ فُرِّقَتْ

وأما النقل: فيكفيه حديث الغدير المذكور وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولستُ أدري لماذا مُسِخَتْ مثل هذه الأحاديث ومُسِحَتْ وهي كوجه الشمس؟.

صَلَّى عَلَيْهِ الوَاحِدُ العَلِيُّ
وَالنَّصُ فِيْهِ ظَاهِرٌ جَلِيُّ

ثُمَّ الإِمَامُ مُذْ مَضَى النَّبِيُّ
بِغَيْرِ فَصْلٍ فَاعْلَمَنْ عَلِيُّ
يَومَ الغَدِيْرِ سَاعَةَ الإِحْفَالِ

فَلْيَتَوَلَّ مُعْلِنًا عَلِيَّا
وَشَافِعًا وَصَاحِبًا حَفِيَّا

قَالَ فَمَنْ كُنْتُ لَهُ وَلِيَّا
إِنْ كَانَ يَرْضَانِي لَهُ نَبِيَّا

فَصَارَ أَهْلُ الزَّيْغِ فِي بَلْبَالِ

وَهَدْيُهُ إِلَى الْعِبَادِ وَاصِلُ
مَنْ أَخَذَ الْخَاتَمَ عَنْهُ السَّائِلُ

وَ قَالَ رَبِّي وَهْوَ نِعْمَ الْقَآئِلُ
مَوْلاَكُمُ فِيْهِ لَكُمْ دَلآئِلُ

وَهْوَ لِمَفْرُوضِ الصَّلاةِ صَالِيْ

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ابْنَهُ الحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلامُ
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ الْحَسَنِ أَخَوْهُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهُمُ السَّلاَمُ.
والدَّلِيْلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ[51] قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ: (الْحَسَنُ والْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا)[52]، وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الإِمَامَةِ لَهُمَا عَلَيْهُمَا السَّلامُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، إِلاَّ أَنَّا أَخْرَجْنَا زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلاَ لِغَيْرِهِمَا أَمْرٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلاَ لِغَيْرِهِمَا أَمرٌ فِي زَمَنِ أَبِيْهِمَا عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمْرٌ فِي زَمَنِ أَخِيْهِ الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالإِجْمَاعِ، فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الأَزْمِنَةِ دَاخِلاً تَحْتَ النَّصِ الْمَذْكُورِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ إِمَامَتَهُمَا عَلَيْهِمَا السَّلامُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيْبِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْهُمَا كَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيْدَ لَعَنَهُمَا اللهُ تَعَالَى لَعْنًا وَبِيْلاً[53].

--------------------------------------------------------------------------------

[51]

الْحَسَنِ الطَّاهِرِ وَ الْحُسَيْنِ
شَهْمِ الْجَنَانِ طَاهِرِ الثَّوْبَيْنِ

وَ بَعْدَهُ الأَمْرُ إِلَى السِّبْطَيْنِ
قَتِيْلِ أَرْبَابِ الشَّقَا وَ الْمَيْنِ
مُرْدِيْ كُمَاةِ الظُّلْمِ وَالنِّزَالِ

[52] أخرجه الإمام الحسين بن بدر الدين في شفآء الأوام 3/496، و الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام في كتابه الشافي4/151. وقال في شرح الثلاثين مسألة لابن حابس رحمه الله: صحةُ هذا الخبر يعني: (الحسن والحسين إمامان قاما...)، إِمَّا؛ لأنه متواتر على رأيٍ، ومتلقىً بالقبول على آخر؛ أو لأنَّ العترة أجمعتْ على صحته؛ وإجماعُهم حجة كما ذكر ذلك ابن تيمية في فتاوية ج28 ص49. وهو نص صريح في إمامتهما، وأيضًا تصريحٌ بأن عليًّا عليه السلام إمامٌ لورود النص فيه. قال السيد العلامة: مجدالدين المؤيدي حفظه الله في التحف شرح الزلف ص54:

إِمَامَانِ نَصٌّ لِيْسَ فِيْهِ مُنَازِعُ

فَسِبْطَا رَسُولِ اللهِ بَعْدَهُمَا الرِّضَى

وَذَكَرَهُ فِي لوامع الأنوار 3 / 37:قال: إنه إجماع أهل البيت.

[53] هكذا في الأصل. ولَعْنُ معاويةَ وابنِه عليه دليل شرعي، أولا: آيات القرآن التي لعنت الظالم الآتي ذكرها. وثانيا: السنة، منها حديث عمار الآتي، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِذَا رَأَيْتُم معاوية على منبري فاقتلوه)، ورواية أخرى: (فارجموه)، رواه الذهبي في تاريخ الإسلام عهد معاوية ص312. ولعَنَهُ عليٌّ عليه السلام في الصلاة؛ وحُكْمُ علي حُكْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأَنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحسنين: (أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ).

وَقَد ورد جواز لعن معاوية وابنه يزيد في مؤلفاتِ كثيرٍ من علماء المسلمين الذين لا يُتَّهمون بالتشيع، أمثال: محمد بن عقيل بن يحيى العلوي، الشافعي.ت 1350هـ. في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، وكتاب تقوية الإيمان برد تزكية ابن أبي سفيان له. وفي نيل الأوطار ج7ص159، لشيخ الإسلام الشوكاني في باب ذكر أخبار الخوارج. للأسباب التالية:

الأول: أباح القرآن لعن الظالم، والمرتكب لكبائر الذنوب. والمتواتر أن معاوية وابنه قد انغمسا إلى آذانهما في المعاصي الكبيرة منها قتل معاوية لِحُجر ابن عدي رضي الله عنه وهو من الصحابة، وقد قتله في المكان الذي فتحه حجر بن عدي نفسه وقتل معه مجموعة من أصحابه؛ لرفضهم سَبّ أَمِير المؤمنين وهذا قتل عمد عدوان وبغي وقد لعن القرآن من قتل إنسانا بسيطا فكيف برجل مثل حجر ومن أجل امتناعه من سب آل رسول الله، قال تعالى:?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيْهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيْمًا?[النسآء: 9]. فهو بنص الآية ملعون؛ وإِذا لم نقل بذلك فنحن ننسب إلى الله الظلمَ والمحاباة، وهو لَعْنُ قاتِلٍ دون آخر، وحاشا الله أن يفعل ذلك. وذَكَرَ حادثة قتله المؤرخون، نذكر منهم ابن عبدالبر في الاستيعاب 1/389، والطبري 5/253-279، وابن الأثير 3/233-242.

وروى الطبري 5/279، عن الحسن البصري قال: أربع خصالٍ كُنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت مُوبِقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهآء حتى ابتزَّها أَمْرَهَا بغير مشورة، وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة. واستخلافه ابنَه بَعْدَه سِكِّيْرًا خِمِّيْرًا، يلبس الحرير، ويَضرِب بالطنابير. وادِّعاؤه زيادًا، وقد قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الْحَجَر). وقَتْلُهُ حُجْرًا، ويلاً له من حُجر مرتين. انتهى بِلَفْظِهِ. وابن الأثير 3/243 باختلاف يسير مثل: انتزاؤه على الأمة بالسيف. وقَتْلُهُ حُجْرًا وأصحاب حجر، فيا ويلا له من حجر، ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر. وقيل: كان الناس يقولون: أَوَّل ذُلٍّ دخل الكوفة موتُ الحسنِ بن علي، وقتل حجر، ودعوة زياد. وزياد هذا هو ابن عبيد كان عبدا وأم زياد سمية كانت أمة تمتهن الزنى في الحاهلية وكان لها خيمة حمراء بالطائف، وقد وطئها أبو سفيان والد معاوية فعلقت منه بزياد من الزنى وهي متزوجة كما ذكرنا. وحُكمُ الشرع أن زيادًا وإن كان فرضا من أبي سفيان إلا أنه ابن فجور وعُهْر وليس للعاهر سوى الحجر أي الرجم ويحكم بالولد للفراش وهو الزوج وقد كان يدعى زياد بن أبيه. لكن زيادا أصبح من أذكى الرجال وألقى ذات يوم خطبة فصيحة في زمن عمر وكان علي وأبو سفيان وعمرو بن العاص في المسجد فقال عمرو: لله أبوه! لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان: أنا الذي وضعته في رحم أمه، وتعلق زياد ومعاوية بهذه المقولة وكان من أنصار علي وولاه خراسان ولما استشهد علي عليه السلام خاف معاوية من زياد أن يؤازر الحسن أو يستقل بتلك البلاد فكاتبه ورغَّبه وعرض عليه استلحاقه فوافق هوى في نفسه يلبي طموحه فأقيم حفل شهد فيه أبو مريم أنه أتى بسمية فباتت مع أبي سفيان فسأل أبا سفيان عن سمية فقال: نعم الصاحبة لو ذَفْره في إبطيها، فتدخل زياد قائلا: لا تسب أمهات الرجال فتسب

أمك.

وأكبر من ذلك كله قتال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الذي هو نَفْسُ النبي كما هو ثابت في آية المباهلة ?فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفًُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِيْنَ? وفي الحديث الشريف الذي أعطاه منزلة رفيعة في قوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)[البخاري رقم3503. ومسلم رقم2404]. وحديث: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)[مسلم رقم131. والترمذي رقم3717. ومسند أحمد رقم 631. والحاكم 3 / 137]. وذلك كله قاطع في هذا المقام ولم يستثن صلى الله عليه وآله وسلم صحابيا ولا غيره بل أطلق الإيمان لمن أحبه والنفاق لمن أبغضه.

فلماذا مجاملة معاوية على حساب أصول الدين وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وَعَلَى حِسَابِ مقام الصحبة الشريفة؛ فالصحابيُّ: من طالت مجالسته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومات متبعا لشرعه، وبدون شك فلو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيًّا لما رضي بفعل معاوية، وَلَقَاتَلَ مُعَاوِيَةَ كَمَا قَاتَلَهُ وَصِيُّهُ.

7 / 9
ع
En
A+
A-