[40] الخوارج قوم من المسلمين غَلَوْا في الدين فخرجوا منه، وأول مثالٍ لهم هو ابن صيَّاد، قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقسم غنائم حنينٍ: اعدل يا محمد؛ فتغير وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس أَنَفَةً من النصيحة، وإنما لهذا المغرور الذي يشبه الفحمة التي تنافس الشمس وتزعم أنها أكثر إِضاءة منها. وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيخرج من ضِئْضِئِ هذا -أي من نوعه وشاكلته قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّةِ. يا ترى هل من قلة دينهم؟ لا: إنهم مبالغون في الدين إلى الحد الذي قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وقراءتكم عند قراءتهم لكنه لا يجاوز حناجرهم). أعوذ بالله إنه دين المظهر والخداع، دين الفم والظاهر، ولا صلة له بالقلب، ولا علاقة له بالوجدان، ثم أخبر أنه يَقْتُلُ هذه الطائفة عند ظهورها أَولَى الطائفتين بالحق، فكان ذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام.
[41] قال الصاحب بن عباد رحمه الله:
وَصَاحِبُ الذَّنْبِ لَدَيْنَا فَاسِقُ
واَلكُلُّ فِي تَفْسِيْقِهِ مُوَافِقُ ... ... لاَ مُؤْمِنًا حَقًّا ولاَ مُنَافِقُ
قَوْلِيَ إِجْمَاعٌ وَخَصْمِيْ خَارِقُ
وقد سمى القرآن الكريم الوليدَ بن عقبة فاسقًا، وابنَ أُبَيٍّ مُنَافِقًا، وأهلَ مكة مشركين، وأهلَ الكتاب يهودًا ونصارى. أما المؤمنون فليس إلا الأَتقياء الأَنقياء.

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَابِتَةٌ قَاطِعَةٌ
وَلاَ تَكُونُ[42] إِلاَّ لِمَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَزِيْدُهُمُ اللهُ نَعِيْمًا إِلَى نَعِيْمِهِمْ وسُرُورًا إِلَى سُرُورِهِمْ[43].

وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:?مَا لِلظَّالِمِيْنَ مِنْ حَمِيْمٍ وَلاَ شَفِيْعٍ يُطَاعُ?[غافر:18]، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْفَاسِقَ ظَالِمٌ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ لأَحَدٍ مِنَ الْفُسَّاقِ[44]، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ لَمْ تَبْقَ شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِيْنَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:?وَمَا لِلظَّالِمِيْنَ مِنْ أَنْصَارٍ?[البقرة:270]، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْفَعَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ؛ لأَنَّهُ لَوْ شَفَعَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ لَكَانَ نُصْرةً لَهُمْ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيْبًا لِكَلامِ اللهِ تَعَالَى[45].

--------------------------------------------------------------------------------

[42] الشفاعة: لغة هي مأخوذة من الشفع وهو نقيض الوَتْرِ، والوَتْرُ: الواحد. والشفع: الزوج. وفي الاصطلاح: هو السؤال لجلب نفع الغير عندنا، بخلاف المرجئة فإنها عندهم لا تكون إلا لإسقاط الضرر، أو دَفْعِهِ الضرر، أو تخليص الغير من المضرة ونصرته وإِنقاذه منها.

[43] قالت المرجئة: إن المؤمنين ليسوا بحاجة للشفاعة، فالمحتاج لها هم الفساق. والجواب: إن الكفار محتاجون للشفاعة أكثر من الفساق. كما أن الملائكة يشفعون للمؤمنين دون سواهم باتفاق؛مما يدل على أن الغرض من الشفاعة تشريف الشافع والمشفوع له والشفاعة في اللغة لدفع الضرر ولجلب النفع أيضا؛ فالشفاعة للمؤمنين ليس فيها مشكلة؛ إذ هي تشريف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولهم، لكن المشكلة في مكافأة أهل الكبائر بالشفاعة بمعنى أن الزناة واللصوص والشواذ والظلمة والقتلة والسكارى يتمتعون بشفاعة الطاهر المطهر صلى الله عليه وآله وسلم سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.

[44]

لَمَّا تَنَحَّوْا عَنْ طَرِيْقِ الطَّاعَهْ
وَارْتَكَبُوْا الْمُنْكَرَ والشَّنَاعَهْ
وَمَا لأَهْلِ الْفِسْقِ مِنْ شَفَاعَهْ
وَخَالَفُوا السُّنَّةَ واَلْجَمَاعَهْ

فَخُلِّدُوْا فِي حِلَقِ النَّكَالِ

[45] والحديث الذي رُوي ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) مكذوبٌ؛ لمصادمته الكتاب والسنة. وقد جزم بذلك الذهبي في لسان الميزان [1/466] حيث قال في ترجمة صديق بن سعيد الصوناخي التركي عن محمد بن بصير المروزي عن يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) هذا لم يَرْوِهِ هؤلاء قط لكن رواه عن صديق من يُجْهَلُ حَالُه: أحمد بن عبدالله بن محمد السرسي فما أدري من وَضَعَه. والحديث الصحيح هو: (شفاعتي ليست لأهل الكبائر من أمتي) وقد رُوي عن الحسن البصري مرسلاً، ومراسيله كلها عن علي عليه السلام كما ذكره المزي في تهذيب الكمال 6/ 124 حيث قال عن يونس بن عبيد، قال:(سألت الحسن قلت: يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإِنك لم تُدرِكه ؟ قال: يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحَدٌ قبلَكَ ولولا منزلتُك منِّي لما أخبرتُك، إني في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجاج -كل شيء سمعتني أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله فهو عن علي عليه السلام، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عَلِيًّا) ولهذا فمرسل الحسن أصح من مسند غيره لهذا السبب. والقول بالشفاعة للمجرمين من أهل الكبائر هدمٌ للإسلام جملة وتفصيلا، فافعل ما شئت، فأنت على موعِدٍ مع الشفاعة! أيُّ كَذِبٍ هذا؟.

وها أنا أسوق جملة من الأحاديث الشريفة تُحَرِّمُ الشفاعة على كثير من مرتكبي الكبائر: فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلاَ عَاقٌّ، وَلاَ مَنَّانٌ). رواه الطبراني في الأوسط 1 / 18 برقم 2335. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثَلاَثَةٌ حرَّم اللهُ تبارك وتعالى عليهم الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَالعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الذي يُقِرُّ فِي أهْلِهِ الْخَبِيْثَ). رواه أحمد 2 / 351 رقم 5372. والنسائي 5 / 80 برقم 2562. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ)، رواه أحمد ج7 رقم 19586. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثَلاثَةٌ لا يَدخُلونَ الجنَّة أبَدًا: الدَّيُّوثُ، والرَّاجِلةُ مِنَ النِّسَآءِ، ومدمنُ الْخَمْرِ)، رواه الطبراني. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رائِحةَ الجنةِ)، أخرجه البخاري 3/1154 برقم 2995. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يَدخُل الجنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ). رواه الطبراني في الأوسط 4/32 برقم 3537، والطبراني في الكبير ص302 رقم 13180. وعن عبدالله ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُون الجنَّةَ: العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، والمرأةُ المتَرَجِّلَةُ تَشَبَّهُ بالرجال...إلخ). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَل فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جهنَّمَ يَتَرَدَّى خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدا)...إلخ.

رواه البخاري 5/ 2179 برقم 5442. ومسلم 1/ 103. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لاَ تَنَالُهُم شَفَاعَتِي: إِمامٌ ظلومٌ غشومٌ، ومارِقٌ غَالٍ). رواه الطبراني في الأوسط ج1 ص200 رقم640. وقال في مجمع الزوائد 5 / 235: رجاله ثقات. وعن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يَدْخُلُ الجنَّةَ جَسَدٌ غُذِيَ مِنَ الْحَرَامِِ)، رواه الطبراني في الأوسط 6/ 113 برقم 5961. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لاَ يَدْخُلُُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ)، والقَتَّاتُ: النَمَّامُ. رواه الطبراني في الأوسط 4 / 278 رقم 4192. وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يَدْخُلًُ الجَنَّةَ سيَئِّ المَلَكَةِ، مَلْعُوْنٌ مَن ضَارَّ مُسْلِمًا، أَوْ غَرَّهُ). رواه الطبراني في الأوسط 9 / 124 برقم 9312.إلى غير ذلك من الأحاديث التي لو سقناها لكانت بحجم كتاب الترغيب والترهيب للمنذري وهو ستة مجلدات فهل يجوز اختاء السنة وضياعها لمصلحة عقيدة فاسدة موروثة بدون وعي ولا تمحيص. والقرآن الكريم حاسم في هذا الشأن. قال تعالى:?وَالَّذِيْنَ لاَ يَدْعُوْنَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّم اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا?[الفرقان:68]. وقال سبحانه:?وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُوْدَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيْهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِيْنٌ?[النسآء:14]. وقال تعالى:?وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيَرْاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ?[الزلزلة:7،8]. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي يتعسَّر حصرها، فهل من المعقول أن تُنْسَفَ بحديثٍ واحد لعلَّه من أهم ما وضعه الزنادقة؟ حاشا وكلا. ولماذا نجعل من القول بالشفاعة لأهل الكبائر عقيدة راسخة، هل لأن معتقد ذلك يحب أهل الكبائر أو

هو منهم، ألا يكفي أن الله سبحانه قد جعل الحسنة بعشرة أمثالها ثم ضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، وجهل لهم بالحسنة حسنة وإن لم يفعلها مَن هَمَّ بها، وجعل السيئة بواحدة وإن تاب فاعلها محاها الله وأبدلها حسنات. قال تعالى:?مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ?[الأنعام:160] وقال تعالى:?مَثَلُ الَّذِيْنَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ?[البقرة:261] ثم إن الله يقبل التوبة الصادقة فورا متى استكملت شروطها، فهل بعد هذا رحمة، وهل بعد هذا حجة قال تعالى ?مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ?[النساء:147] عن القول بالشفاعة لأهل الكبائر إلغاء لكل آيات الوعيد والترهيب في القرآن الكريم ونسف لكل أحاديث الوعيد والترهيب في السنة، وتكذيب لها. أعاذنا الله من الزلل وكفى تزويقٌ للكلام بأن هذا القولَ إنما تمجيد لله، وأنه واسع العفو والمغفرة؛ ولسعة عفوه ومغفرته وهي في شيء من ظاهرها وطلائها وقشورها كلمة حق يراد بها باطل والأحرى أنها كلمة باطل خالص. فتوبوا إلى الله قبل أن تموتوا، واستشعروا الحذر ولا يغرنكم بالله الغرور.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْمُرَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ
مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ ونَهْيُهُ يُؤَدِّيَانِ إِلَى فِعْلِ مُنْكَرٍ غَيْرِ الَّذِيْ نَهَى عَنْهُ، أَوْ تَرْكِ مَعْرُوفٍ غَيْرِ الَّذِيْ أَمَرَ بِهِ[46].

والدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:?وَلْتَكُن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[آل عمران:104]. وَوَجْهُ الاسْتِدْلاَلِ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يَكُونَ فِيْنَا مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ كَانَ وَاجِبًا لا يَجُوزُ تَرْكُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:?فَلْيَحْذَرِ الَّذِيْنَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيْبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيْبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ?[النور:63]، وَلا شَكَّ أَنَّ العَذَابَ لا يُصِيْبُ إِلاَّ مَنْ تَرَكَ مَا أَوْجِبَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ[47].

--------------------------------------------------------------------------------

[46]للأمْرِ والنهي شروط يجب أن يفقهها المنشغلون بالدعوة الإسلامية، منها:

1- الرفق والموعظة الحسنة، أسوة بمن قال الله تعالى فيه:?وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ?[القلم:4] و ?وَلَوْ كُنْتَ فَظًا غَلِيْظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?[آل عمران: 159] وقَدْ ظل صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة هي نصف عمره بعد البعثة يدعو بالتي هي أحسن، ?وَادْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ?[النحل:125] حتى اضطره المشركون إلى السيف. وقد عبر صاحب الأزهار عن هذا المعنى فقال: ولا يُخَشِّنُ إن كَفَى الِّليْنُ.

2- لا نهيَ في مختَلَفٍ فيه. وهنا تظهر فداحة المصيبة؛ فالنهي والصراع مُنْصَبٌّ على المسائل الخلافيَّة. مثل: النهي عن (حي على خير العمل) والتهليل بعد الجنازة، وقراءة (يس) على الميت، والدعاء عند الوضوء، والسربلة، ونحو ذلك - الأمر الذي أوصل اليمن وغيرها إلى القتل والقتال في المساجد.

3- أن لا يؤدِّيَان إلى منكر أكبر؛ كأن يؤدي النهي عن شرب الخمر إِلى القتل.

[47]

وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ لاَزِبُ
وَعْظٌ وَزَجْرٌ وَحُسَامٌ قَاضِبُ

وَالنّهيُ عِنْ فِعْلِ القَبِيْحِ وَاجِبُ
وَهْوُ عَلَى فَاعِلِهِ مَرَاتِبُ

مِنْ غَيْرِ تَفْرِيْطٍ وَلاَ اسْتِعْجَالِ

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامِ
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى إِمَامَتِهِ[48] عَلَيْهِ السَّلامُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيْرِ خُمّ وَقَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ: (أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَن نَّصَرَهُ، واخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ)[49].

وَوَجْهُ الاسْتِدْلاَلِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى إِمَامَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ جَعَلَهُ مَوْلَى لِلْكَآفَّةِ كَنَفْسِهِ. وَالْمَولَى هُوَ: الْمَالكُ لِلتَّصَرُّفِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا مَوْلَى الدَّارِ، يُرَادُ بِهِ الَّذِيْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيْهَا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ مَالِكُ التَّصَرُّفِ عَلَى الأُمَّةِ كَانَ إِمامًا؛ لأَنَّ الإِمامَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى النَّاسِ بِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ إِمَامَتُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّحَابَةِ[50].

--------------------------------------------------------------------------------

6 / 9
ع
En
A+
A-