الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ هَذَا القُرْآنَ مُحْدَثٌ غَيْرُ قَدِيْمٍ
والدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُرَتَّبٌ مَنْظُومٌ، يُوجَدُ بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً؛ أَلاَ تَرَى أَنٍَّ قَوْلَهُ:?الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ?[الفاتحة:2]، حُرُوفٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ؛ ومَا تَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا؛ لأَنَّ القَدِيْمَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:?وَمَا يَأْتِيْهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ?[الأنبيآء:2]، فَوَصَفَ اللهُ تَعَالَى الذِّكْرَ وَهُوَ القُرْآنُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ أَحْدَثَهُ؛ لأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَلامُهُ، وَالكَلاَمُ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ؛ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ القُرْآنَ الْكَرِيْمَ مُحْدَثٌ غَيْرُ قَدِيْمٍ[35].
---
[35] حَدَثَ فِي هذه المسألة خلافٌ مريرٌ بل صراعٌ دامٍ، بدأ أيام المأمون العباسي، فقد ذهب المأمون والمعتزلة وغيرهم إِلى القول بخلق القرآن؛ بدليل أن ما سوى الله مخلوق، وذهب كثير من المحدِّثين بزعامة الإِمام أحمد بن حنبل إلى القول بأن القرآن كلام الله قديم، وجرت مناظرات، وتشدَّد المأمون في هذه المسألة، واعتبر القول بِقِدَمِ القرآن خطأً يستحق العقاب؛ ولذلك فقد حُبِسَ أحمد وغيره من القائلين بأن القرآن قديم، وتعرضوا للتعذيب، وَعُزِلُوا مِن أعمالهم. ولَمَّا جآء المتوكل العباسي وقف إلى جانب القائلين بأن القرآن قديم، واتخذ موقفًا أشد عنفًا ووحشية ضد المعتزلة، أدى إلى محوهم من الوجود، ولولا مبادرة الزيدية إلى حفظ تراث المعتزلة لَمُحِيْ هو الآخر، وهذا موقف يُشكر لرجال الزيدية. روي أن الإمام المتوكل عَلَى الله أحمد ابن سليمان عليه السلام أرسل شمس الدين القاضي جعفر بن أحمد عبدالسلام رضي الله عنه، وأمره أن يجلب كتب المعتزلة من العراق إِلى اليمن، ونالت استحسانَ وعنايةَ المدرسة الزيدية. أما رأي الزيدية في مسألة خلق القرآن فهو نفس رأي المعتزلة، والذي يظهر أن الخلاف لا محلَّ له؛ لأنَّهم إِن أسرادوا بالقرآن الكلامَ النفسي والمعاني فهو عِلْمٌ من علم الله، وعلمُ الله قديم؛ لأنه ذاتُه، وإن أرادوا بالقرآن المكتوب في المصاحف فهو مُحْدَثٌ باتفاق؛ فينبغي الوقوف هنا والاتفاق عَلَى العمل بالقرآن. وقد آلمني ما تَرَكَه مثلُ هذا الاختلاف من آثار، وبالأخص في علم الجرح والتعديل، حيث حَكَمَ بعضُ المحدثين - بالكفر- عَلَى القائلين بخلق القرآن، وقيل في المتوقفين: الواقفة الملعونة. [راجع عدالة الرواة، للمحقق، طبعة مركز بدر]، وقد كان السلف رحمهم الله في غِنًى عن هذا، ونحن كذلك؛ لأن الله يريد منا العمل بالقرآن والاهتدآء بهديه والتأدُّبَ بآدابه. وَمَثَلُ هذا الاختلاف في مِثْلِ هَذَا مَثَلُ قوم اجتمعوا عَلَى مائدة
عليها أشهى الطعام ولذيذ الشراب، فقال بعضهم: هذا الطعام صَنَعَتْهُ عجوز، وقال بعضهم: بل صغيرة، وتعصَّب لهذا قوم ولهذا قوم، واشتد النزاع حتى اشتبكوا بالسلاح، فسالت دماؤهم وفضلاتهم عَلَى المائدة، فلا طعامًا أكلوا، ولا دمًا حقنوا- والأغرب من هذا أنهم فَرِحون بما صنعوا، مُصِرُّون عَلَى تكرار ما عملوا، فإِنَّا لله وإِنَّا إليه راجعون. وقد كان الناس متفقين عَلَى أنه كلام الله فلما زاد المعتزلة ( مخلوق) زاد خصومهم ( قديم ) فتعالوا من أجل الله وقولوا: القرآن كلام الله واسكتوا.
الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ نَبِيٌّ صَادِقٌ
والدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْجِزَ الَّذِيْ هُوَ القُرْآنُ شرَّفَهُ اللهُ تَعَالَى قّدْ ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ عَقِيبَ دَعوَى النُّبُوَّةِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً عِنْدَ كُلِّ مَن بَحَثَ عَن أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ جَآءَ بِالقُرْآنِ وَتَحَدَّى العَرَبَ الَّذِينَ هُمُ النِّهَايةُ فِي الفَصَاحَةِ أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِهِ، أَوْ يَعْتَرِفُوا بِصِدْقِهِ فِيْمَا ادَّعَاهُ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ العَرَبَ لَمْ يَأتُوا بِشَيْءٍ مِمَّا تَحَدَّاهُم بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ، بَلْ عَدَلُوا إِلَى مُحَارَبَتِهِ لَمَّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مُعَارَضَتِهِ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ القُرْآنَ مُعْجِزٌ قَدْ ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ، وإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ ثَبَتَ صِدْقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ فِيْمَا ادَّعَاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمَا صَدَّقَهُ اللهُ تَعَالَى بالْمُعْجِزِ الَّذِيْ هُوَ القُرْآنُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَصْدِيقًا لِلْكَاذِبِ، وَذَلِكَ قَبِيْحٌ، وَاللهُ تَعَالَى لاَ يَفْعَلُ الْقَبِيْحَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَسَآئِلِ العَدْلِ؛ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ، وَوَجَبَ عَلَيْنَا تَصْدِيْقَهُ فِيْمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نُبُوَّةِ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَآءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، وَمُوَافَقَتُهُ وَمُتَابَعَتُهُ فِيْمَا جَآءَ بِهِ مِنَ الأَحْكَامِ[36].
فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ مَسَآئِلِ العَدْلِ.
---
[36]
وَعِنْدَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّ
إِخْتَصًّهُ بِذَلِكَ العَلِيُّ ... ... مُطَهَّرٌ مُهَذَّبٌ زَكِيُّ
وَجَآءَ مِنْهُ مُعْجِزٌ جَلِيُّ
يَعْجِزُ عَنْهُ كُلُّ ذِيْ مَقَالِ
أَيَّدَهُ رَبِّيْ بِإِظْهَارِ العَلَمْ
أَفْضَلَ مَنْ يَمْشِيْ عَلَى بَطْنِ قَدَمْ ... ... فَصَارَ فِي هَامَةِ بُحْبُوحِ الْكَرَمْ
وَخَيْرُ ذِيْ لَحْمٍ مِنَ الْخَلْقِ وَدَمْ
مَنًّا مِنَ الْوَاحِدِ ذِيْ الْجَلاَلِ
الوَعْدُ وَالوَعِيْدُ:
الْمَسْأَلَةُ الأُوْلَى: أَنَّ مَنْ وَعَدَهُ اللهُ بِالثَّوَابِ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ فإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُسْتَقِيْمًا عَلَى إِيْمَانِهِ صَآئِرٌ إِلَى الْجَنَّةِ لاَ مَحَالَةَ، وَمُخَلَّدٌ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا فِي ثَوَابٍ لاَ يَنْقَطِعُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْعِقَابِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ، صَآئِرٌ إِلَى النَّارِ لاَ مَحَالَة، مُخَلَّدٌ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أََنَّ مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ بِالْعِقَابِ مِنَ الفُسَّاقِ، فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُصِرًّا عَلَى فِسْقِهِ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهُ النَّارَ وَيُخَلِّدُهُ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَصْحَابَ الكَبَآئِرَِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَابِتَةٌ قَاطِعَةٌ
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْمُرَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ابْنَهُ الحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلامُ
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ الْحَسَنِ أَخَوْهُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهُمُ السَّلاَمُ.
الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَنَّ الإِمَامَة بَعْدَ الحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلام
الْمَسْأَلَةُ الأُوْلَى: أَنَّ مَنْ وَعَدَهُ اللهُ بِالثَّوَابِ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ فإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُسْتَقِيْمًا عَلَى إِيْمَانِهِ صَآئِرٌ إِلَى الْجَنَّةِ لاَ مَحَالَةَ، وَمُخَلَّدٌ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا فِي ثَوَابٍ لاَ يَنْقَطِعُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:أَنَّ مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْعِقَابِ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ، صَآئِرٌ إِلَى النَّارِ لاَ مَحَالَة، مُخَلَّدٌ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا.
والدَّلِيْلُ عَلَى صِحَةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ[37] أَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً مِنْ دِيْنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ، وَيَعِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ الَّتِي عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِيْنَ. وَيَتَوَعَّدُ مَنْ خَالَفَهُ وَكَفَرَ بِمَا جَآءَ بِهِ بِالنَّارِ الَّتِي وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِيْنَ[38].
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ لاَ يَدِيْنُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يُخْبِرُ إِلاَّ بِالصِّدْقِ، فَصَحَّ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
---
[37]
وَقَوْلُنَا في الْوَعْدِ وَالوَعِيْدِ
وللشَّقِيِّ الْعَرْضُ وَالسَّعِيْد ... ... للمؤمنِ الطَّائِعِ وَالْعَنِيْدِ
بالْمُكْثِ في الدَّارَين والتخليد
وَذَاكَ قَوْلُ الله ذِيْ الْمَحَالِ
[38] مثل قوله تعالى:?وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُوْدَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيْهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِيْنٌ?[النساء: 14]. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كُلُّ أمَّتِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى، قالوا: ومَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: مَنْ عَصَاني فَقَد أَبَى). أخرجه الحاكم في المستدرك و وافقه الذهبي على صحته. ج1ص55.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:أََنَّ مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ بِالْعِقَابِ مِنَ الفُسَّاقِ، فَإِنَّهُ مَتَى مَاتَ مُصِرًّا عَلَى فِسْقِهِ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهُ النَّارَ وَيُخَلِّدُهُ فِيْهَا خُلُودًا دَآئِمًا.
والدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:?وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِيْنَ فِيْهَا أَبَدًا?[الجن:23]، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الفَاسِقَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَصَى اللهَ تَعَالَى، فَيَجِبُ أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ وَيُخَلِّدُه فِيْهَا؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى لا يُخْبِرُ إِلاَّ بِالصِّدْقِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:?مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيْدِ?[ق:29].
---
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَة: أَنَّ أَصْحَابَ الكَبَآئِرَِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ:
كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَالزَّانِي وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمَا يُسَمَّوْنَ فُسَّاقًا ولاَ يُسَمَّوْنَ كُفَّارًا[39] كَمَا هُوَ قَوْلُ الْخَوَارِجِ[40]؛ لأَنَّهُم لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَمَا جَازَ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ولاَ مُنَاكَحَتُهُمْ ولاَ مُوَارَثَتُهُمْ، فَلَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَآئِزٌ دََّل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّوا كُفَّارًا. ولاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّوْا مُؤْمِنِيْنَ كَمَا تَقُوْلُهُ الْمُرْجِئَةُ؛ لأَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي الشَّرِيْعَةِ يَجِبُ مَدْحُهُ وَتَعْظِيْمُهُ، وَالْفَاسِقُ لاَ يَجُوزُ مَدْحُهُ ولاَ تَعْظِيْمُهُ؛ فلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسّمَّى مُؤْمِنًا؛ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ فُسَّاقًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِمَ اسْمُ الْكُفْرِ وَالإِيْمَانِ[41].
---
[39]
وَلاَ نُسَمِّيْ ذَا الْفُسُوقِ كَافِرَا
وَلاَ تَقِيًّا ذَا وَقَارٍ ظَاهِرَا ... ... مُعَالِنًا بِكُفْرِهِ مُجَاهِرَا
بَلْ فَاسِقًا رِجْسًا لَعِيْنًا فَاجِرَا
يَجُولُ فِي جَوَامِعِ الأَغْلاَلِ
وهذه المسألة تسمى بالمنزِلَةِ بَيْنَ المنزِلَتَيْنِ - أي الكفر والإيمان، ويتفق فيها الزيدية والمعتزلة.