وَمُقْتَضَى الْمِحْنَةِ وَالإِحْرَاجِ
قَدْ عَمَّ كُلَّ الْخَلْقِ بِالإِفْضَالِ

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُرَى بِالأَبْصَارِ لاَ فِي الدُّنْيَا ولاَ فِي الآخِرَةِ
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يُرَى فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ لَوَجَبَ أَنْ نَرَاهُ الآنَ؛ لأَنَّ حَوَآسَّنَا سَلِيْمَةٌ، والمَوَانِعَ مُرْتَفِعَةٌ؛ لأَنَّ المَوَانِعَ الْمَعْقُولَةَ المانِعَةَ مِنَ الرُّؤْيَةِ: هِيَ الْبُعْدُ وَالقُرْبُ الْمُفْرِطَانِ، وَالرِّقَّةُ وَالَّلطَافةُ، وَالْحِجَابُ الْكَثِيفُ، وَكَونُ الْمَرْئِيِّ خِلاَفَ جِهَةِ الرَّآئِي، وَكَونُ مَحَلِّهِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأَوْصَافِ[17]، وَعَدَمُ الضِّيَآءِ الْمُنَاسِبِ لِلْعَيْنِ، فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الْمَوَانِعُ مِنَ رُؤْيَةِ الأَجْسَامِ وَالأَلْوَانِ، وَاللهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلاَ لَوْنٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ صَحَّ أَنْ يُرَى فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ لَوَجَبَ أَنْ نَرَاهُ الآنَ، وَلاَ شَكَّ أَنَّا لاَ نَرَاهُ الآنَ، فَيَجِبُ أَنْ لاَ يُرَى فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى: ?لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الْخَبِيْرُ?[الأنعام:103]، فَنَفَى تَعَالَى بِهَذِهِ الآيَةِ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ، وَذَلِكَ يَسْتَغْرِقُ جَمِيْعَ الأَوقَاتِ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُرَى بِالأَبْصَارِ لاَ فِي الدُّنْيَا ولاَ فِي الآخِرَةِ[18].
---
[17] يعني يكون محل المرئي وهو الجسم أو اللون في بعض الموانع الثمانية المذكورة.

[18] الزيدية تمنع رؤية الله مطلقًا دنيا وآخرة، فلا يخدعنَّك تهويلُ المرجِفين، واعتَمِدْ مذهبَ آلِ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ نفي الرؤية تنزيهٌ لله عن التجسيم والتشبيه؛ لأنَّ القول بالرؤية يستلزِمُ أن يكونَ اللهُ جسمًا أوْ لَوْنًا؛ لكي يُرى تعالى الله عن ذلك، أما قَولُ مَنْ يقول: بلا كيف فهو محاولة لستر العورة بغير ساتر، فَمَا معنى بلا كيف؟ فهو إِمَّا أن يُرى حسب قواعد الرؤية، وإما أن لا يرى وهو الأصح. ويكفي من الأدلة قولُه تعالى:?لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ?، أما الأحاديث التي يُستدل بها عَلَى الرؤية فهي ظنية لاَ تصلح للاستدلال في باب العقائد، مع أنها تصادم القرآن الكريم؛ لأن معنى ?لا تدركه الأبصار? واضح في نفي الرؤيةِ، وكذلك ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]، والرؤية لا تتحقق إلا إذا وقعت على شيء مرئيّ كالجسد واللون، أما ما لا يمكن رؤيته كالروح في جسم الإنسان، وكثير من المعاني فليس مَحَلاًّ للرؤية فإذا كانت هذه الأشياء لا تُرى - وهي من مخلوقات الله:?وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوْحِ قُلِ الرُّوْحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي?[الإسراء:85] فكيف يُرى الخالق جل وعلا ؟!. وما ورد من شُبَهٍ تفيد ثبوت الرؤية فالرد عليها أسهل وهي:
1- قوله سبحانه ?إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ?[القيامة:23] فهي بمعنى منتظرة، ولها قرائن من القرآن مثل قوله تعالى ?مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً?[يس:49] فهي بمعنى ما ينتظرون، كذلك قول بلقيس:?فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعِ الْمُرْسَلُونَ?[النمل:35] أي منتظره، وهذا شائع في لسان العرب، قال شاعرهم:
وإِذا نظرتُ إليكَ من مَلِكٍ ... ... وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَنِي نِعَمَا
وقول حسان:
وُجُوهٌ يَوْمَ بَدْرٍ نَاظِرَاتٌ ... ... إِلَى الرَّحْمَنِ يأتي بِالْخَلاصِ

2- قوله تعالى:?كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ?[المطففين:15] فلا يفيد أن غير المحجوبين يرون الله إلا من باب المفهوم مفهوم اللقب، وهو أضعف الأدلة ولا يعمل به في باب الفروع إلا القليلُ، ناهيك عن الأصول.
3- قوله تعالى:?لِلَّذِيْنَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ?[ يونس: 26] لا تفيد الرؤية إلا من باب التعسف؛ لأن الرؤية عند القائلين بها لا يصلح أن يُعَبِّرَ عنها بالزيادة التي تعني شيئا أقل من المزيد عليه، مع أنهم يعتبرون الرؤية أكبر من نعيم الجنة، ثم إن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ويجب أن تكون أقل منه تقول: لمن أقرضك قَدَحًا برًّا رددت إليك القدح وزيادة فيفهم السامع أنك رددت إليه القدح البر مع زيادة حفنة أو نحوها أو حتى ثمن القدح ولا يفهم أنك رددت إليه قدحين فوق القدح هذا من جهة ومن جهة أخرى لا يفهم الزيادة إلا أنها بر وليست علبة حلوى أو بندقية. وقد فسرها أهل البيت بغرفة في الجنة. أو هي من مشهور قول الناس: سأعطيك أجرك وزيادة - يعني غير منقوص والزيادة تفسرها الآيات التي بعدها فالحسنة بعشر والسيئة بمثلها. والخلاصة: فالقول بعدم الرؤية هو الصحيح عقلا ونقلا.
أما ما ورد من أحاديث عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم فلا نبادر بردها لأن منها ما يحتمل التأويل، وما احتمل التأويل وجب تأويله؛ لئلا يصادم المحكم من نص القرآن مثل:حديث (ترون ربكم كالقمر )، فالله ليس كالقمر؛ لكن المعنى ترون من آياته مِثْلَ الجنة والنارِ ما يجعلُكم عَلَى يقين من وجود الله كيقينِ مَنْ يشاهد القمر. واعلم أن القرآن ليس فيه ما يدل عَلَى الرؤية.
وَعَنْهُ نَنْفِي رُؤْيَةَ الأَبْصَارِ
إِذْ هُوَ لاَ يُعْلَمُ بِالْمِقْدَارِ ... ... فِي هَذِهِ الدَّارِ وَتِلْكَ الدَّارِ
وَلا بِإِقْبَالٍ وَلاَ إِدْبَارِ
فِي أَيِّ مَا حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ
لَوْ كَانَ رَبِّي مُدْرَكًا فِي حَالَهْ

يَا إِخْوَتَا فَاطَّرِحُوا الْجَهَالهْ ... ... أَدْرَكْتَهُ الآنَ بِلاَ مَحَالَهْ
وَالشَّكَ والْحَيْرَةَ وَالضَّلالَهْ
وَاغْتَرِفُُوْا مِنْ زَاخِرٍ سَلْسَالٍ

الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ لاَ ثَانِيَ لَهُ فِي القِدَمِ والإِلهِيَةِ
وَحَقِيْقَةُ الوَاحِدِ: هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِصِفَاتِ الإِلهِيَةِ وَالكَمَالِ عَلَى حَدٍّ لاَ يُشَارِكُهُ فِيْهَا مُشَارِكٌ، وَهِيَ: كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى جَمِيْعِ أَجْنَاسِ الْمَقْدُورَاتِ[19]، عَالِمًا بِجَمِيْعِ أَعْيَانِ المَعْلُومَاتِ، حَيًّا قَدِيْمًا.
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ قَدِيْمٌ ثَانٍ يُشَارِكُهُ فِي هَذِه الصِّفَاتِ الَّتِيْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا لَوَجَبَ أن يَكُونَ مِثْلاً لَهُ تَعَالَى، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ للهِ تَعَالَى مِثْلٌ؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلٌ لَهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَدَّرْنَا أنَّ أَحَدَهُمَا أَرَادَ إِيجَادَ جِسْمٍ سَاكِنٍ، وأَرَادَ الآخَرُ إِيجَادَهُ مُتَحَرِّكًا، لَمْ يَخْلُ الْحَالُ إِمَّا أَنْ يُوجَدَ مَا أَرَادَاهُ مَعًا، فَيَكُونَ الْجِسْمُ مُتَحَرِّكًا سَاكِنًا فَي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَإِمَّا أَنْ لاَ يُوجَدَ مَا أَرَادَاهُ، فَيَخْلُو الْجِسْمُ مِنَ الحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ مَعًا، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَفِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى عَجْزِهِمَا مِنْ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَا أَرَادَاهُ، وَذَلِكَ مُحَالٌ أَيْضًا. وَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا وَلاَ يُوجَدَ مُرَادُ الآخَرِ فَفِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى عَجْزِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ وَذَلِكَ مُحَالٌ أَيْضًا. وَقَدْ أَدَّى إِلَى هَذِهِ الْمُحَالاَتِ الْقَولُ بِالْقَدِيْمِ الثَّانِي؛ فَيَجِبُ الْقَضَآءُ بِفَسَادِهِ[20]، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ?[الإخلاص]، وقولُهُ:?وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ?[المائدة:73]، فَأَخْبَرَنَا تَعَالَى أَنَّهُ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، وَخَبَرُهُ تَعَالَى يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُصَدَّقًا[21]، فَهَذِهِ

جُمْلَةُ مَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفُ مَعْرِفَتَهُ مِنْ مَسَآئِلِ التَّوحِيْدِ.
---
[19] المَقْدُوْرَاتِ ثَلاثَة وعشرون جنسًا وَهِيَ: الجواهر، والألوان، والروائح، والطعوم، والحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، والشهوة، والنفرة، والحياة، والقدرة، والغنآء. هذه مقدورات الباري تعالى فهذه يقدر الله تعالى عَلَى أعيانها وأجناسها. ومقدورات العباد خمسة من أفعال الجوارح وهي: الأكوان، والاعتمادات، والأصوات، والآلام، والتأليفات. وأفعال القلوب هي: الإرادة، والاعتقادات، والكراهات، والظنون، والأفكار. وإنما قال في المقدورات: أجناس، والمعلومات: أعيان؛ لأنه يلزم لَوْ قُلنا:إنه تعالى قادر عَلَى أعيان المقدورات لَصَحَّ مقدور بين قادرين وهو محال ولا إحالة في معلوم بين عالمين لأن أعيانها قد تكون مقدورة لقادر آخَرَ، فلو تعلقت قادريته بأعيانها لفرضنا في مقدور تعيينه أنه يوفر داعي أحد القادرين إلى إعادة إيجاده، ويوفر صارف الآخر القادر عن إيجاده فيكون موجودا معدوما فمعدوم من جهة من يوفر داعيه، ومعدوما من جهة من يوفر صارفه، وذلك محال، وقد أدى إليه القول بمقدور بين قادرين فيجب أن يكون محالاً.
[20] أي القول بالقديم الثاني.
[21]
وَهوَ يَجِلُّ عَنْ قَرِينٍ ثَانِي
لَوْ كَانَ ثَانٍ وَهُمَا ضِدَّان ... ... يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالْمَثَانِي
لَظَهَرَ الْمُنْكَرُ في الْبُلْدَانِ
وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوّلٌ لِتَالِي

العَدْلُ:
الْمَسْأَلَةُ الأُوْلَى: أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَدْلٌ حَكِيْمٌ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ حَسَنَهَا وَقَبِيْحَهَا مِنْهُمْ لاَ مِنَ اللهِ تَعَالَى
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُثِيْبُ أَحَدًا إِلاَّ بِعَمَلِهِ، وَلاَ يُعَذِّبُهُ إِلاَّ بِذَنْبِِهِ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَقْضِيْ بِالْمَعَاصِيْ
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنًَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُكَلِّفُ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ مَا لاَ يُطِيْقُهُ
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ جَمِيْعَ الأَمْرَاضِ وَالأَسْقَامِ وَ النَّقَآئِصِ مِنْ فِعْلِ اللهِ تَعَالَى، وأَنَّهَا حِكْمَةٌ وَصَوَابٌ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ الله لاَ يُرِيْدُ شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي العِبَادِ، ولاَ يُحِبُّهَا ولاَ يَرْضَاهَا
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ القُرْآنَ الَّذِيْ بَيْنَنَا كَلاَمُ اللهِ تَعَالَى وَوَحْيُهُ وتَنْزِيْلُهُ
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ هَذَا القُرْآنَ مُحْدَثٌ غَيْرُ قَدِيْمٍ
الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ نَبِيٌّ صَادِقٌ

الْمَسْأَلَةُ الأُوْلَى: أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَدْلٌ حَكِيْمٌ
وَحَقِيْقَةُ الْعَدْلُ: الَّذِيْ لاَ يَفْعَلُ الْقَبِيْحَ كَالظُّلْمِ وَالْعَبَثِ وَالْكَذِبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلا يُخِلُّ بِالْوَاجِبِ[22]، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حَسَنَةٌ. وَ الدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ عَدْلٌ حَكِيْمٌ أنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِقُبْحِ الْقَبَآئِحِ، وَغَنِيٌّ عَنْ فِعْلِهَا، وَعَالِمٌ بِاسْتِغْنَآئِهِ عَنْهَا وَعَنِ الإِخْلاَلِ بِالْوَاجِبِ؛ وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ قْبَح الْقَبِيْحِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ فِعْلِهِ وَعَلِمَ بِاسْتِغْنَآئِهِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَفْعَلُهُ لاَ مَحَالَةَ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الشَّاهِدِ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمُ الْعُلَمَآءِ بِقُبْحِ الْقَبَآئِحِ، وَأَغْنَى الأَغْنِيَآءِ عَنْ فِعْلِهَا - وَجَبَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْهَا، فَثَبَتَ أَنَّ اللهََ تَعَالَى عَدْلٌ حَكِيْمٌ[23].
---
[22] كأن يمنع عن الأرض المآء، أو الهوآء الذي تستنشقه الكائنات، أو يمنع التربة من الإنبات، أو يمنع يديك من طاعتك، إلا في حالات المرض لحكمة، ونحو ذلك.
[23]
وَهْوَ حَكِيْمٌ ذُو الْجَلاَلِ عَدْلُ
وَمِنْهُ لِلْكُلِّ الْعَطَآءُ الْجَزْلُ ... ... إِذْ كُلُّ جَوْرٍ حَاجَةٌ وَجَهْلُ
وَلَيْسَ يَثْنِيْ نِعْمَتَيْهِ الْعَذْلُ
يَجْزِيْ عَلَى الْحَبَّةِ بِالْمِثْقَالِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ حَسَنَهَا وَقَبِيْحَهَا مِنْهُمْ لاَ مِنَ اللهِ تَعَالَى
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَحْسُنْ أَمْرُهُمْ بِالطَّاعَاتِ مِنْهَا، وَلاَ نَهْيُهُمْ عَنِ الْمَعَاصِيْ، كَمَا أَنَّ أَلْوَانَهُمْ وَصُوَرَهُْم لَمَّا كَانَتْ خَلْقًا لِلَّهِ فِيْهِمْ لَمْ يَحْسُنْ أَمْرُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلاَ نَهْيُهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالطَّاعَاتِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْمَعَاصِيْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُمْ مِنْهُمْ لاَ مِنَ اللهِ تَعَالَى. وَقَدْ أَضَافَ اللهُ تَعَالَى أَفْعَالَ العِبَادِ إِلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيْمِ، فَقَالَ تَعَالَى:?جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?[الواقعة:24]، وَقَالَ:?هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ?[يونس:52]، وقَالَ تَعَالَى:?وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا?[العنكبوت:17]، وقَالَ تَعَالَى:?لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ?[الصف:2]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُمْ لاَ مِنَ اللهِ تَعَالَى[24].
---

3 / 9
ع
En
A+
A-