الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ
وحَقِيقَةُ القَادِرِ: هُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْفِعْلُ. والدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ أنَّ الفِعْلَ الَّذِيْ هُوَ العَالَم قَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَعَالَى[8]، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى إِيْجَادِهِ لَمَا أوْجَدَهُ؛ لأنَّ الضَّعيفَ العَاجِزَ لاَ يُمْكِنُهُ إَيجادُ الْفِِعْلِِ، وقَدْ وُجِدَ الفِعْلُ مِنْ جِهَةِ اللهِ تَعَالَى، فَيَجِبُ وَصْفُهُ بأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ[9].
---
[8]
وَهو تَعَالَى ذُوْ الْجَلاَلِ قَادِرُ
أَعْرَاضُ مَا رَكَّبَ والْجَوَاهِرُ ... ... إِذْ فِعْلُهُ عَنِ الْجَوَازِ صَادِرُ
وَذَاكَ فِي أَهْلِ اللِّسَانِ ظَاهِرُ
عِنْدَ ذَوِي الفِطْنَةِ وَالْجُهَّالِ
[9]والدليل النقلي قوله تعالى: ?وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ?[المائدة:120].

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى عَالِمٌ
وَحَقِيقَةُ العَالِمِ: هُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الفِعْلُ المُحْكَمُ.
والدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُحْكَمَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَعَالَى، وذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي مَلَكُوتِ السَّمَواتِ و الأرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا مِنَ الحيواناتِ، فَإِنَّ فِيْهَا مِنَ التَّرْتِيْبِ وَالنِّظَامِ مَا يَزِيْدُ عَلَى كُلِّ صِنَاعَةٍ مُحْكَمَةٍ فِي الشَّاهِدِ: مِنْ بِنَآءٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا، فَإِذَا كَانَتْ الكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا عَالِمٌ، فَلاَ شَكَّ أنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ أبْلَغُ مِنْ تَرْتِيْبِ الْكِتَابَةِ الْمُحْكَمَةِ؛ فيَجِبُ أنْ يَدُلَّ تَرْتِيبُهَا عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَالِمٌ[10].
---

[10] وفي القرآن آيات كثيرة تدل عَلَى أنه عالم مثل قوله سبحانه: ?عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةَ?[الحشر:22]، ?عَلاَّمُ الْغُيُوبِ?[المائدة:109]، وهناك عجائب لا تُحْصَى عَنْ عِلْمِ اللهِ، من ذلك جَعْلُ اليابسةِ خُمُسَ مساحة الأرض تقريبا، والباقي مآء؛ لأنًَّ الله يعلم زحام البشرِ وَكَمْ هُمْ بحاجة إلى متنفس إجباري، وجَعَلَ مآء البحر مالحًا؛ لعلمه بأن الملح يقاوم التعفن. كذلك ما نشاهد من أضرار الحضارة، وتلويث البيئة لكن خلق الله من الأنعام مثلا كله مفيد: لَبَنُهُ ولحمه غذآء، وجِلْدُهُ وشعره كسآء، وروثُه سماد للأرض؛ فليس فيه إلا كلُّ مفيد. ومن ذلك اكتشاف الأطباء وجود شرايين في العَجَزِ تصلح صمّامات للقلب وقد أعدهَا منذ خلق آدم لعلم الله سبحانه أنه سيأتي زمان يتقدم الطب ويحتاج إلى مثل هذه الاحتياطات ولعل الله عوض بني آدم الأول صحة وقوة ونشاطا جلبها نقاء الأرض ونظافة البيئة والهدوء التام. والخلاصةُ فنحن نعلم شيئًا ونكتشف خللاً وقصورًا وما زلنا في بداية العلم؛ لأن علمَ المخلوق قاصر مهما تطورت وسائله. أما عِلْمُ اللهِ فهو كامل شامل عرفناه أو لم نعرفه:
وكُلَّمَا بانَ مِن التَّرْتِيبِ
من كُلِّ فنٍّ مُتْقَنٍ عَجِيبِ ... ... فِي ظاهِرِ البُنْيَةِ والتَّرْكِيْبِ
دَلَّ عَلَى العِلْمِ بلا تكذيبِ
فِي مَعْرِضِ الجَوَابِ والسُّؤَالِ

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ
وَحَقِيْقَةُ الْحَيِّ: هُوَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَقْدِرَ ويَعْلَمَ.
والدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَالِمٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ؛ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَالِمٌ وَجَبَ أنْ يَكُونَ حَيًّا، أَلاَ تَرَى أنَّ الْمَيِّتَ والْجَمَادَ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا قَادِرَيْنِ ولا الِمَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ حَيَّيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَالِمٌ، فَيَجِبُ وَصْفُهُ بأَنَّهُ حَيٌّ[11].
---
[11]
وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلِيْمًا قَادِرًا
وَبَاطِنًا لِخَلْقِهِ وَظَاهِرًا ... ... لِذَاتِهِ وَنَاهَيًا وَآمِرًا
وَقَابِلاً لِتَوبِهِم وَغَافِرًا
فذَاَكَ حَيٌّ غيرُ ذِيْ اعْتِلاَلِ

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ
وحَقِيْقَةُ السَّمِيْعُ البَصِيْرِ: هُوَ مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُدْرِكَ الْمَسْمُوعَ والْمُبْصَرَ.
والدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَالَّذِيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ آفَةَ بِهِ أَنَّ الآفاتِ هِيَ فَسَادُ الآلاتِ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ إِلاَ عَلَى مَنْ كَانَ جِسْمًا، وَاللهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلاَ عَرَضٍ، عَلَى مَا يَأتِي بَيَانُهُ؛ فَثَبَتَ أنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ لاَ آفَةَ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ لا آفَةَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَمِيْعًا بَصِيْرًا، أَلاَ تَرَى أَنَّ الوَاحِدَ مِنَّا إِذَا كَانَ حَيًّا لاَ آفَةَ بِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ إِدْرَاكِ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ فإِنَّا نَصِفُهُ بأنَّهُ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ؛ فَثَبَتَ أنَّ اللهَ تَعَالَى سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ[12].
---
[12] والدَّليل من القرآن الكريم:?إِنَّنِيْ مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى?[طه:46]، ?إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيْرُ?، [الإسراء:1] وكيف يُدَبِّرُ الكونَ، ويُديره أَصَمُّ أعمى؟، وهل يمكن لمن هو كذلك خياطةُ ثوبٍ، أو قيادةُ عَرَبَةٍ،أو إِدارة مدرسة؛ إِلاَّ أنَّ اللهَ يسمعُ ويَرَى بِدون أذن وعين؛ لأنه منزَّه عن الآلة ومشابهة خلقه، كما لا يجوز التفكر في ذات الله وإِنما في خلقه وصفاته الحسنى.
يَسْمَعُ مَا دَقَّ مِنَ الأَصْوَاتِ
لَيْسَ بِذِيْ دَآءٍ وَلاَ آفاتِ ... ... وَيَعْلَمُ الْمَقْصُودَ باللُّغَاتِ
وَيَنْظُرُ الذَّرَةَ فِي الصَّفَاةِ
سَوْدَآءَ فِي سَوْدَا مِنَ اللَّيَالِي

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الله تَعَالَى قَدِيْمٌ
وَحَقِيْقَةُ القَدِيْمِ: هُوَ المَوجُودُ الَّذِيْ لاَ أَوَّلَ لِوُجُودِهِ.
والدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِيْمٌ أنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أنَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ؛ لأَنَّهُ أَوْجَدَ العَالَمَ، فَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا لَمَا أوْجَدَهُ؛ لأَنَّ الْمَعْدُومَ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ إِيْجَادُ شَيْءٍ أَصْلاً، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ. فَإِذَا ثَبَتَ أنَّهُ تَعَالَى مَوجُودٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَدِيْمًا؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْدَثًا لاَحْتَاجَ إِلَى مُحْدِثٍ يُحْدِثُهُ، كَمَا أَنَّ الأَجْسَامَ لَمَّا كَانَتْ مُحْدَثَةً احْتَاجَتْ إِلَى مُحْدِثٍ، فَلَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى يَحْتَاجُ إِلَى مُحْدِثٍ لَكَانَ الكَلامُ فِي مُحْدِثِهِ كَالْكَلامِ فِيْهِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مُحْدِثٍ آخَرَ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ، وذَلِكَ مُحَالٌ، وَإِنِ انْتَهَى الْحَالُ إِلَى مُحْدِثٍ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى مُحْدِثٍ فَهُوَ الَّذِيْ نُرِيْدُ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْقَدِيْمِ وَهُوَ اللهُ تَعَالَى، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِيْمٌ[13].

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَالِمٌ حَيٌّ مَوجُودٌ، فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّفاتِ لِذَاتِهِ، فلاَ يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهَا لَهُ إِلَى فَاعِلٍ ولاَ إِلَى مَعَانٍ تُوجِبُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَات. والدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَحِقُّهَا لِذَاتِهِ؛ لاَفْتَقَرَ فِي ثُبُوتِهَا لَهُ إِلَى فَاعِلٍ يَجْعَلُهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الصِّفَات، أَوْ يُحْدِثُ لَهُ مَعَانِي تُوْجِبُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، كَمَا أنَّ الوَاحِدَ مِنَّا لَمَّا لَمْ يَسْتَحِقْ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِذَاتِهِ افْتَقَرَ إِلَى فَاعِلٍ أَوْجَدَ ذَاتَهُ وَأَوْجَدَ لَهُ مَعَانِيَ أَوْجَبَتْ لَهُ سَآئِرَ الصِّفَاتِ: وهِيَ القُدْرَةُ والعِلْمُ والحَيَاةُ.
وَقَدْ ثَبَتَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِيْمٌ فَلا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ إِلَى فَاعِلٍ وَلاَ إِلَى مَعَانٍ مُحْدَثَةٍ تُوْجِبُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا لِمَعَانٍ قَدِيْمَةٍ؛ لأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَمْثَالاً لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي التَّقَدُّمِ الَّذِيْ بِهِ فَارَقَ سَآئِرَ الْمُحْدَثَاتِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ مَثِيْلَ لَهُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِذَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونََ ثَابِتَةً لَهُ تَعَالَى فِيْمَا لَمْ يَزَلْ وفِيْمَا لاَ يَزَالُ، ولا يَجُوزُ خُرُوجُهُ عَنْهَا بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ؛ لأَنَّهُ لاَ مُخَصِّصَ يَقْتَضِي ثُبُوتَهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ[14].
---
[13]
وربُّنا سُبْحَانَه قَدِيْمُ
وَهْوَ بِأوْصَافِ الْعُلَى مَعْلُومُ ... ... لَمْ تَخْتَلِجْنَا دُونَهُ الوُهُومُ
حَيٌّ عَلَى عِبَادِهِ قَيُّومُ
مُمْتَنِعٌ عن حَالَةِ الزَّوَالِ

[14] أيُّ مَسْأَلَةٍ تُنَاقَشُ تَفتح باب خلافٍ لا يُغلق، وقد كان المسلمون مجمعين عَلَى وصف الله بما وَصَفَ به نفسه من العلم والقدرة، والحياة وغيرها، حتى بحثوا طبيعة صفة الله هل هي ذاتُه أو زائدةٌ عَلَى الذات: فمنهم من قال: بزيادة الصفة، وإنها شيء غيرُ الذات، زائدةٌ عليها، ومنهم من أنكر هذا، وعلى رأسهم الزيدية، وقالوا: بأن لله صفات كما جاء بها القرآن والسنة؛ ولكنَّ القول بأنها زائدة عن الذات مُشْكِلٌ؛ لأن الصفة الزائدة إما أن تكون قبل الله فيكون الله مخلوقا، أو مع الله فيكون مع الله قديم، أو بَعْدَ الله فيلزم أن يكون الله جاهلا ثم عَلِمَ، وعاجزا ثم قوي وقدر وهكذا، وهي لوازم عقلية لا محيص عنها، ثم إِن الصفة الزائدة هل تحل في ذات الله فيكون من باب الظرف والمظروف، أو مباينة لله، وهذا غير مفهوم فلا مجال من القول بما قال أئمة الزيدية لأنه تفسير يليق بالله وليس فيه إنكارٌ لصفات الله، وإِنما تفسير موفق والله أعلم.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمُحْدَثَاتِ
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَشْبَهَهَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا مِثْلَهَا، وَإِلاَّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ قَدِيْمَةً مِثْلَهُ، لأَنَّ الْمِثْلَيْنِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدِيْمًا والآخَرُ مُحْدَثًا. وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِيْمٌ، وَأَنَّ الأشْيآءَ سِوَاهُ مُحْدَثةٌ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشْبِهًا لَهَا[15].
---
[15] الدَّلِيْلُ من القرآن قوله تعالى:?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ?[الشورى:11].
وَهوَ تَعَالَى غَيْرُ ذِيْ تَنَقُّل
والأَشْعَرِيِّ وَضِرَارِ الأَحْوَلَِ ... ... قُدِّسَ مِنْ مَقَالَةٍ ابْنِ حَنْبَلِ
فَخَالِفِ الشَّكَّ إِلَى النَصِّ الْجَلِيِّ
ليسََْ بِذِي نِدٍّ وَلاَ مِثَالِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ
وَحَقِيْقَةُ الْغَنِيِّ: هُوَ الَّذِيْ لَيْسَ يَحْتَاجُ.
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ، فلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ مُحْتَاجًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللهُ مُحْتَاجًا، إِذْ لَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَوَجَبَ أَنْ يُوجِدَ الأشْيآءَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ فِي إِيْجَادِهَا نَفْعًا خَالِصًا ولَذَّةً كَاملةً، وَهُوَ قَادرٌ عَلَى إِيجَادِهَا، وغَيرُ مَمْنُوعٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الوَاحِدَ مِنَّا إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى شَيْءٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِهِ، وغَيرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ ولاَ صَارِفَ لَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُوجِدُهُ لاَ مَحَالَةَ، وَفِي عِلْمِنَا بِوُجُودِ الأشْيآءِ المُحْتَاجِ إِلَيْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا أَوْجَدَهَا لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا، وإِنَّمَا أَوْجَدَهَا لِمَصَالِحِ العِبَادِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ[16].
---
[16] والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى:?يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِّيُّ الْحَمِيْدُ* إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيْدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيْزٍ?[فاطر:15-17]، والقرآن زاخر بمثل هذا؛ ولزيادة الأمر إِيضاحًا فإن ابن آدام يجوع ويعطش؛ فيحتاج إلى آلات وعمال، ويحارب فيحتاج إِلى جيش وسلاح، وما من مخلوق إِلا وهو محتاج لغيره إِلا الله؛ فهو قائم بذاته غني عما سواه، خلق الخلق لحكمة، وليس لحاجة، وهو الغني سبحانه.
وَهْوَ غَنِيٌّ لَيْسَ بِالْمُحْتَاجِ
إِذْ هُوَ عن نَيْلِ المَلاذِّ نَاجِي ... ... إِلى سَدَادِ البَطْنِ وَالأَزْوَاجِ

2 / 9
ع
En
A+
A-