الكتاب : مصباح العلوم الثلاثين مسألة لأحمد بن الحسن الرصاص

آملاً بذلك أن أكون قد وُفِّقْتُ في خدمة طلبة وطالبات العلم الذين هم رأس مالي. راجياً أن أجاور جدي المصطفى وأهل الكساء بسبب رعاية طالب العلم الذي نهدف من إِعداده إِلى خدمة المجتمع وإِضاءة المشاعل في دروبه، وتقديم العقائد الصحيحة للمسلمين أينما كانوا، مستأنسين بما يعتقده آل بيت النبي الذين أمرنا الله باتباعهم كما جاء في صحيح مسلم ج4ص 1873 وغيره: (( إِني تارك فيكم ثَقَلَينِ، أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به..ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاثاً )).

المؤلف في سطور
رحم الله العالم الجليل أحمد بن الحسن بن محمد الرّصاص، فقد كان قطباً من أقطاب علماء الزيدية، تتلمذ على يد والده المتوفي: 584هـ - المقبور بجوار شيخه شيخ الأئمة القاضي جعفر بن عبدالسلام في قرية سَنَاع جنوب غرب صنعآء، وهو [ أي والد المترجم له] شيخ الإِمام عبدالله بن حمزة؛ فنعرف بهذا أن الإمام عبد الله بن حمزة وصاحب الترجمة زميلا درس على أغلب الظن، أضف إلى هذا أنه أحد رجالات الإِمام عبد الله بن حمزة البارزين. قال صاحب مطلع البدور: كان من أهل العلم الغزير، والمجد الخطير، وله في الأصول مؤلفات كثيرة.ت 22 محرم 621 هـ.
وله مؤلفات جامعة نافعة منها: مسائل الهادوية في التنبيه على أبيات المزية على مذهب الزيدية، وحقائق الأغراض وأحوالها وشرحها (خ)، يوجدان بمكتبة الجامع الكبير الغربية بصنعاء، والدرر المنظومات في سلك الأحكام والصفات، والخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في علم الكلام (خ) في الامبروزيانا ونسخ أخرى متعددة. والشهاب الثاقب في مناقب علي بن أبي طالب (خ).
وله أيضاً: النجم الثاقب في إِمامة علي بن أبي طالب، وربما هو نفس الكتاب السابق، والواسطة في مسائل الاعتقاد الهادية إِلى سبيل الرشاد، ومنها مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم وهو هذا الذي بين يديك، ويعرف أيضاً بالثلاثين مسألة: عشر منها في التوحيد. وعشر في العدل. وعشر في الوعد والوعيد. وهي خلاصة عقيدة أهل العدل والتوحيد وبالأخص الزيدية.
وفقنا الله لما يحب ويرضى.وتقبل منا.
أبو هاشم د. المُرْتَضَى بنُ زَيْدٍ الْمَحَطْوَرِيْ
صنعاء-2/ذو الحجة 1418هـ-30/3/1998م

الْمُقَدِّمَةُ
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْمَنِّ والإفْضَالِ، الْحَكِيْمِ فِي الأفْعَالِ، الصَّادِقِ فِي الأَقْوَالِ، الْمُدَمِّرِ لأَعْدَآئِه الْجُهَّالِ، الَّذِيْ عَصَمَنَا مِنَ الاغتِرَارِ بأَهْلِ الضَّلاَلِ، والانْخِدَاعِ بزَخَارِفِ كُلِّ مُحْتَالٍ، وَوَفَّقَنَا لإِيثَارِ الأَدِلَّةِ والبراهِينَ عَنْ تقليدِ الرِّجالِ، وَأَنْقَذَنَا بِمَا وَفّقنَا لَهُ مِنْ تَحْصِيلِ العِلْمِ عَنْ أدْوآءِ الجهلِ والْجُهّالِ، وَصَلَواتُهُ عَلَى نَبِيِّهِ الرَّاقِي مِنَ الشَّرَفِ فَوقَ ذُرْوَةِ الكَمَالِ، مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَعَلَى آلِهِ خَيْرِ آل[1].
أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّ الْعِلْمَ بِاللهِ رَأْسُ العُلُومِ وَأَوْلاَهَا بِالإِيثَارِ والتَّقْدِيْمِ; لِمَا رُوينَاهُ بالإِسْنَادِِ الْمَوثُوقِ بِهِ عَنْ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ أَنَّ رَجُلاً أتاهُ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِنْ غَرآئِبِ العِلْمِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ: (وَمَاذَا صَنَعْتَ فِي رَأْسِ العِلْمِ حَتَّى تَسْألَنِي عَنْ غرآئبِهِ؟)، فَقَالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ ومَا رَأْسُ العِلْمِ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ: (مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ) قَالَ: ومَا مَعْرِفَةُ اللهِ حَقَّ مَعْرفتِهِ؟، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ: (أَنْ تَعْرِفَهُ بلاَ مِثْلٍ وَلاَ شَبِيهٍ، وَأَنْ تَعْرِفَهُ إِلَهًا وَاحِدًا أوَّلاً آخِرًا ظَاهِرًا بَاطِنًا لا كُفْؤَ لَهُ ولاَ مِثْلَ)[2].
وَرُوِيْنَا عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: (التَّوْحِيدُ ثَمَنُ الجَنَّةِ)[3] وَرُوِينَا عَنُْه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: (أفْضَلُ العِلْمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأفْضَلُ الدُّعَآءِ الاسْتِغْفَارُ)[4].

فإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أفْضَلُ الْعُلُومِ وَجَبَ عَلَى العَاقِلِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهِ، لِيَفُوزَ يَومَ القِيَامَةِ بِسَبَبِِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلَهُ وسَلَّمَ:- (اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، فإِنَّ طَلَبَ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)[5]، وقَوْلُهُ:(مَنْ تَرَكَ العِلْمَ مِنْ أجْلِ أَنًَّ صَاحِبَهُ فَقِيْرٌ أَوْ أصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)[6].
فإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ أنْ يَعْرِفَ اللهَ تَعَالَى، وَتَوْحِيدَهُ، وَعَدْلَهُ، وصِدْقَ وَعْدِهِ وَوَعِيْدِهِ. وهَذِهَ الْجُمْلةُ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلاثَةِ فُصُولٍ - أَوَّلُها التَّوْحِيدُ - والثَّانِي العَدْلُ - والثَّالِثُ الوَعْدُ وَالوَعِيدُ.
---
[1] قال الإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام في أرجوزته التي أوردناها كاملة:
الْحَمْدُ لِلْمُهَيْمِنِ الْمَنَّانِ
جَمِّ الْنَّوَالِ بَاسِطِ الإِحْسَانِ ... ... ذِيْ الْطَّوْلِ وَالْعِزَّةِ وَالْسُلْطَانِ
لِكُلِّ ذِيْ شِدْقٍ وَذِيْ لَسَانِ
مِنْ غَيْرِ تَقْرِيْظٍ وَلاَ سُؤَالِ
مُرَكِّبِ الأَرْوَاحِ فِي الأَجْسَامِ
كَالبَرْكِ مِنْ سَآئِمَةِ الأَنْعَامِ ... ... مُجْرِيْ الرِّيَاحِ مُنْشِئِ الغَمَامِ
مِنَ الْحَنِينِ الْجَمِّ وَالأَرْزَامِ
فَاعْتَبِرِيْ يَا أُمَّةَ الضَّلاَلِ
عَجِيْبَةٌ يُعْذَرُ فِيْهَا مَنْ عَجِبْ
قَبْلَ بُلُوْغِ أَرْضِهِ حِيْث نُدِبْ ... ... فِي حَمْلِهِ الْمَآءَ فَلِمْ لاَ يَنْسَكِبْ
لَوْ خَالَفَ اللهَ عَصَاهُ فَغَضِبْ
وَصَارَ فِي دَآئِرَةِ النَّكَالِ
كَمْ مَعْشَرٍ سَاقَ إِلَيْهِمْ رِزْقَهْ
وَقَدْ عَصَواْ وَجَحَدُوهُ خَلْقَهْ ... ... قَدْ خَلَعُوا مِنْ الرِّقَابِ رِقَّهْ
جُلَّ الَّذِيْ صَوَّرَهُ وَدِقَّهْ

لِمَبْلَغِ الْحُجَّةِ لاَ الإِجْلاَلِ
دَلَّ عَلَى ذَاتِ القَدِيْمِ مَا صَنَعْ
مِنْ ظَاهِرِ الْجِسْمِ وَمَكْنُوْنِ البِضَعْ ... ... وَمَا ابْتَدَى مِنْ خَلْقِهِ وَمَا اخْتَرَعْ
عَجَائِبًا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ صُنِعْ
مِنْ غَيْرِ تَعْلِيْمٍ وَلاَ مِثَالِ
يَا ذَا الَّذِيْ أَصْغَى إِلَيْنَا مَسْمَعَهْ
إِنْ كُنْتَ لاَ تَهْوَى طَرِيْقَ الإِمَّعَهْ ... ... يَطْلُبُ عِلْمًا بَاهِرًا وَمَنْفَعَهْ
فَانْظُرْ إِلَى أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَهْ
فَذَلِكَ الْجِسْمُ مَعَ الأَحْوَالِ
دَلَّ عَلَى حُدُوْثِ قَرْنِ الأَحْوَالْ
لَوْ كُنَّ لِلذَّاتِ عَدِمْنَ التِّرْحَالْ ... ... خُرُوجُهُ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالْ
وَلَمْ يُسَلِّمْنَ لِحُكْمِ الإِبْطَالِ
فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْفِكْرِ غَيْرِ آلِ
مَا انْفَكَّ عَنْهَا الْجِسْمُ أَيْنَمَا كَانْ
وَغَابِرِ الدَّهْرِ وَبَاقِيْ الأَزْمَانْ ... ... فِي دَانِيَ الأَرْضِ وَقَاصِيْ الْبُلْدَانْ
كَلاَّ وَلاَ يَدْخُلُ تَحْتَ الإِمْكَانْ
خُرُوجُهُ عَنْهَا مِنَ الْمَحَالِ
دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا أَقُولُ
وَالسَّمْعُ إِذْ جَاءَ بِهِ التَّنْزِيْلُ ... ... الفِكْرُ وَالتَّدْبِيْرُ وَالْعُقُوْلُ
وَمَا أَتَى بِشَرْحِهِ الرَّسُولُ
مُنَبِّهًا عَنْ وَسْنَةِ الإِغْفَالِ
[2] أخرجه أبو طالب في أماليه ص 143 عن ابن عباس. والسمان في أماليه كما ذكره القرشي في شمس الأخبار1/61.
[3] أخرجه المرشد بالله في أماليه الخميسية 1/42 عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. والقرشي في شمس الأخبار 1/61. والديلمي في مسند الفردوس 2 / 74 رقم 2415، عن أنس بن مالك.
[4] أخرجه الديلمي في مسند الفردوس 1 / ص352 رقم 1412 عن ابن عمر. والقرشي في شمس الأخبار 1 /60. وأبو طالب في أماليه ص253، بلفظ: (أفضل الدعآء الاستغفار وخير العبادة قول لا إله إلا الله).

[5] أخرجه المرشد بالله الشجري 1/57 عن أنس بن مالك. والبيهقي في شعب الإيمان 2/254.
[6] أخرجه أبوطالب في أماليه ص149 من حديث نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اُكْتُبُوا هذا العِلْمَ عن كل صغير وكبير، وعن كل غني وفقير،ومن ترك العلم من أجل أن صاحب العلم فقير، أو أصغر منه سنًّا، فليتبوأ مقعده في النار).

التَّوحِيْدِ:
الْمَسْأَلَةُ اْلأُوْلَى: أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ صَانِعًا صَنَعَهُ ومُدَبِّرًا دَبَّرَهُ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى عَالِمٌ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى حَيٌّ
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الله تَعَالَى قَدِيْمٌ
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمُحْدَثَاتِ
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَنِيٌّ
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُرَى بِالأَبْصَارِ لاَ فِي الدُّنْيَا ولاَ فِي الآخِرَةِ
الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ: أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ لاَ ثَانِيَ لَهُ فِي القِدَمِ والإِلهِيَةِ

الْمَسْأَلَةُ اْلأُوْلَى: أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ صَانِعًا صَنَعَهُ ومُدَبِّرًا دَبَّرَهُ
وَ الدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّ هَذِهِ الأجْسَام مُحْدَثَةٌ؛ لأَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ هَذِهِ الأَعْرَاضِ: الَّتِيْ هِيَ الحَرَكَةُ والسُّكُونُ، والاجْتِمَاعُ والافْتِرَاقُ، وَهَذِهِ الأَعْرَاضُ مُحْدَثَةٌ؛ لأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَزُولُ، وَالْجِسْمُ بَاقٍ. فَلَوْ كانَتْ قَدِيْمَةً لَمَا جَازَ عَلَيْهَا العَدَمُ؛ لأَنَّ القَدِيْمَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فلاَ يَجُوزُ علَيْهِ العَدَمُ، وَإِذَا ثَبَتَ حُدُوثُ الأَعْرَاضِ بِمَا قَدَّمْنَا - وَجَبَ أنْ تَكُونَ الأجْسَام مُحْدَثَةٌ أَيْضًا؛ لأَنَّهٌ لاَ يَجُوزُ أن يُوجَدَ الجِسْمُ والعَرَضُ مَعًا -وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قَدِيْمًا والآخَرُ مُحدَثًا- لأَنَّ الْقَدِيْمَ يَجِبُ أنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُحْدَثِ تَقَدُّمًا لاَ أَوَّلَ لَهُ. وإِذَا ثَبَتَ أنَّ هَذِهِ الأجْسَامَ مُحْدَثةٌ فلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ وَهُوَ اللهُ تَعَالَى؛ لأَنَّ العِبَادَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ مُحْدِثَهَا اللهُ تَعَالَى، أَلاَ تَرَى أَنَّ أَفْعَالَنَا لَمَّا كَانَتْ مُحْدَثَةً وَجَبَ أن يُحْتَاجَ إِلَيْنَا؛ لأَجْلِ حُدُوثِهَا، فَثَبَتَ بهَذِهِ الجُمْلَةِ أَنَّ لِهَذَا العَالَمِ صَانِعًا صَنَعَهُ وَمُدَبِّرًا دبَّرَهُ[7].
---

[7] استُدل في هذه المسألة عَلَى وجود الصانع سبحانه بوجود هذا العالَم الذي هو أجسام محدَثَة، واستُدل عَلَى أن الأجسام محدثةٌ بما فيها من أعراض تؤكد حدوثها، وهي الحركة والسكون، يعني أن الحجر مثلاً إِما ساكن أو متحرك، والحركة أو السكون محدثة؛ بدليل أنك إِذا حرَّكتَ الحجرَ أخرجتَه عن السكون، وبعد الحركة يمكن أن يسكن؛ فلو كان السكون في حد ذاته قديمًا لما استطاع أحد أن يخرجه عن طبيعته؛ لأن القاعدة أن القديم لا يتغير، فلمَّا طرأ التَّغَيُّرُ عَلَى الساكن فتحرَّك أو المتحرك فسكن دلَّ عَلَى أنه مُحْدَث، وما دام كذلك فالحجر مُحْدَث؛ لأنه مشتمل عَلَى طبيعةٍ وصفةٍ محدثَة؛ لأنه منذ وُجِدَ لازَمَتْهُ الحركة أو السكون أي لا يُعقَل ولا يُتَصَوَّرُ جِسْمٌ بِدُون عَرَض. نعود فنقول: العالَمُ أجسام محدَثة، والمحدَثُ لا بد له من مُحْدِث. أما الدَّلِيْلُ من القرآن فكثير: مثل قوله تعالى: ?اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ?[الزمر:26] ?الْحَمْدُ للهِ الَّذِيْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّوْرَ?[الأنعام:1].
وَهِيَ إِلَى صَانِعَهَا مُحْتَاجَهْ
إِذْ صَارَ مِنْ حَاجَتِهَا إِخْرَاجَهْ ... ... فِي مُقْتَضَى العَقلِ أَشَدَّ الحَاجَهْ
قَلْبٌ سَلِيْمُ القَلبِ كَالزجَاجَهْ
مُضَيْئَةٌ مِنْ قَبَسِ الذُّبَالِ

1 / 9
ع
En
A+
A-