وأيضاً فإن علمهم بذلك لا يخلو إما أن يكون عن التفكر في الله أو التفكر في غيره أو عن التفكر لا في ذاته ولا في غيره،فإن كان عن التفكر لا في الله ولا في غيره فهو تفكر لا في شيء،وإن كان عن التفكر في غير الله فالتفكر في غير الله لا يؤدي إلى العلم بكيفية استحقاقه لصفات ذاته، وإن كان عن التفكر فيه سبحانه فذلك باطل لتحريمه سبحانه عليهم أن يقولوا عليه ما لا يعلمون وقد أخبر سبحانه أنهم لا يحيطون به علماً ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(تفكروا في ألآء الله ولا تفكروا في الله).وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):(تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق). ولقول أمير المؤمنين عليه السلام من فكر في الصنع وحَّد،ومن فكر في الصانع ألحد. وأيضاً فإن أكثر أقوالهم متناقضة وكل متناقض فهو باطل.مثال ذلك قولهم الصفات لا توصف ونقضهم لذلك بوصفهم لبعضها بالأزل ولبعضها بالتجدد،وكذلك قولهم أنها لا تغاير نقضوه بجعلهم لبعضها مقتضياً وبعضها مقتضى وكل مذكورَين على هذا الوجه فإنه يجب أن يكون أحدهما غير الآخر،ومن جملة المناقضة وصفهم لها بأنها لا شيء ولا لاشيء وأنها زائدة على الذات وليست غيرها.والذي ألجأهم إلى القول بأن الصفات لا توصف أنهم ألزموا بأن يصفوا الأمور الزائدة بالوجود والعدم والحدوث والقدم،فإن قالوا معدومة فهو باطل للزوم أن يكون الباري معدوماً لعدم صفته الوجودية،وإن قالوا موجودة،قيل أقديمة أم محدثة؟ فإن قالوا قديمة لزمهم مشاركتها للباري في القدم والإلاهية وهو باطل لما يأتي، وإن قالوا محدثة لزمهم حدوث الباري بحدوث صفته الوجودية فدفعوا هذا الإلزام بأن قالوا مذهبنا الصفات لا توصف لئلا يتسلسل ويقال لهم إذا تقرر في العقول،،

ثبوت وصف الصفة أطلق ذلك الوصف عليها وذلك وصف قطعاً، وإن سكت عن وصفها فلا وصف حينئذ فلا تسلسل، وأيضاً ففي قولهم إثبات الفرق بين أمور لا فرق بينها لا لغة ولا عرفاً نحو الأمر والشيء والزائد والغير والقدم والأزل والحدوث والتجدد وأشباه ذلك مما توصلوا بتحريفهم لمعانيه المعقولة إلى أن يعبروا به عما لا يعقل مع كونهم غير مفوضين ولا حكماء ولا معصومين عن الدخول في زمرة من ذمهم الله سبحانه على تحريفهم للكلم عن مواضعه، وأيضاً فإن إثباتهم لأمور متوسطة بين النفي والإثبات نحو قولهم لاشيء ولا لاشيء محال يعلم ذلك ضرورة كما يعلم ضرورة أن قول من يقول زيد لا في الدار ولا في غيرها محال وأيضاً فإن ظاهر مذهبهم في قولهم إن صفات الله أمور زائدة على ذاته موافق لقول من قال صفات الله أشياء غير ذاته وأشباه ذلك مما لا فرق بينه إلاَّ ما جروا عليه من مجرد الاصطلاح الذي لا يجوز قبوله فضلاً عن أن يجب، ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة عليهم السلام قول أمير المؤمنين عليه السلام: باينهم بصفته ربَّاً كما باينوه بحدوثهم خلقا، فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه، ووصفه أنه سميع ولا صفة لسمعه، وقوله وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله، (وقوله من وصفه فقد حدَّه ومن حدَّه فقد عدَّه ومن عدَّه فقد أبطل أزليته) . وقول ابنه الحسن عليه السلام: في جوابه لابن الأزرق الذي حكاه الحاكم في السفينة أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرَّف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس. وقول القاسم بن إبراهيم عليه

السلام: في جواب مسألة الطبريين فهذه صفته (تبارك و) تعالى في الأينية والذات ليست فيه جل جلاله بمختلفة ولا ذات أشتات ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في (الذكر والعدد) وإنما صفته سبحانه هو. وقول ابنه محمد عليهما السلام في كتاب الأصول: وصفته لذاته هو قولنا لنفسه نريد بذلك حقيقة وجوده. وقول الهادي عليه السلام في كتاب المسترشد: وليس قولنا صفتان قديمتان إن مع الله سبحانه صفة يوصف بها ولا نقول أن ثم صفةً وموصوفاً ولا أن ثم شيئاً سوى الله عند ذوي العقول مجهولاً ولا معروفاً. وقوله في كتاب الديانة: من زعم أن علمه وقدرته وسمعه وبصره صفات له لم يزل موصوفاً بها قبل أن يخلُق وقبل أن يُكوِّن أحداً يصفه بها وقبل أن يصف هو بها نفسه وتلك الصفات زعم لا يقال هي الله ولا يقال هي غيره فقد قال منكراً من القول وزوراً. وقول القاسم بن علي عليهم السلام في كتاب التوحيد: إن زعم زاعم أنه عالم بعلم ليس هو هو ولا هو غيره لم يكن بينه وبين من زعم أنه تعالى عالم بعلم هو هو وهو غيره فرق. وقول ابنه الحسين بن القاسم عليهما السلام في جوابه ليحي بن مالك الصعدي: ما تفسير علم الله وقدرته إلا كتفسير وجهه ونفسه فهل يقول أحد يعقل بأن له وجهاً كوجه الإنسان أو نفساً كأنفس ذوي الأبدان هذا ما لا يقول به أحد من ذوي الألباب ولا يعتقده في الله رب الأرباب وإنما وجهه هو ذاته وكذلك علمه وقدرته.

وأما إبطال قول من يقول بالصفة الأخص خاصة فنقول: هي لا دليل عليها رأساً ثم إن دعوى أن تأثيرها تأثير العلة من أوضح دليل على الإقرار ببطلانها إذ تأثيرها في الصفات تأثير إيجاب وقد عرفت أن المؤثر مقارن للمؤثر وحينئذ فما ادعاء تأثير أحدهما في الآخر بأولى من العكس، ثم إن قولكم لا هي الله ولا هي غيره ولاشيء ولا لاشيء مما يدل على بطلانها إذ ذلك مناقضة ظاهرة وكل قول متناقض فهو باطل، ثم القول بها لا يخلو من تفكر في ذات الباري وذلك لا يجوز كما مرَّ، ثم إن الخوض فيها تجاوز لحد العقل ومما لم يجر عليه شريعة إذ لم يعرف ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولازمن الخلفاء وكل قول مبتدع لا دليل عليه من عقل ولا سمع فهو باطل وأيضاً لامحيص لكم من القول بأنها معدومة أو موجودة، إن قلتم معدومة فذلك باطل إذ العدم لا تأثير له وإن قلتم موجودة قلنا أقديمة أم محدثة؟ إن قلتم قديمة فهو باطل إذ لا قديم إلاَّ الله تعالى وإن قلتم محدثة لزمكم أن تكون صفات الباري محدثة إذ هي المؤثرة فيها بزعمكم وأنتم لا تقولون بشيء من هذه اللوازم وحاشاكم فيلزمكم العقول بتلاشيها، وإن قلتم لا نصفها بوجود ولا عدم ولا حدوث ولا قدم. قلنا: هذا هو المحال لأن المعلوم عند العقلاء أن كل مذكورين فلا بد من اتصافه بما ذكر وإلاَّ عدُّوا من نفى ذلك خارجاً عن قوانين العقلاء ويكفيك في بطلانه قول أن يؤدي إلى ذلك، وأما دعوى كل من يدعي أن (القاسم والهادي) وغيرهما من الأئمة يقولون بها فهو مردود بما حكينا من أقوالهم بلفظها وهي صريحة في أن الصفات هي الذات وذلك ينافي القول بالصفة الأخص إذ بعض من يجعلها أموراً زائدة ينفي الصفة الأخص كما عرفت فضلاً عمن قال هي الذات وذلك

واضح لكل من لم يعم التعصب عين بصيرته. وأما ما ذكره القاسم عليه السلام فهو يعني بتلك الصفة كونه شيئاً لا كالأشياء المراد بقوله تعالى{ليس كمثله شيء}(الشورى:11) يدل على ذلك أول كلامه وآخره لأنه قال في كتاب الدليل الكبير وهذا الباب من خلافه سبحانه لأجزاء الأشياء كلها فيما يدرك من فروع الأشياء جميعاً وأصولها مما لا يوجد أبداً إلاَّ بين الأشياء وبينه ولا يوصف بها أبداً غيره سبحانه وهي الصفة التي لا يشاركه فيها مشارك ولا يملكها عليه مالك ولا يعم الأشياء اختلاف عمومه ولا تصحح الألباب أبداً إلاَّ لله معلومة لأنه وإن وقع بين الأشياء ما يقع من الاختلاف فليس يوجد واقعاً إلا بين ذوات الأوصاف وكل واحد منها وإن خالف غيره في صفة فقد يوافقه في صفة أخرى كان مما يعقل أو كان مما يلمس ويرى. وقد أوردت الجبرية أهل المعاني آيات من متشابهة القرآن تعلقوا بها منها قوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلاَّ بما شاء}(البقرة:255) وقوله تعالى{أنزله بعلمه}(النساء:166) وقوله تعالى{فلنقصن عليهم بعلم}(الأعراف:07) وقوله تعالى{ذو القوة المتين}(الذاريات:58) وقوله تعالى{والسماء بنيناها بأيدٍ}(الذاريات:47) والأيدي القوة.
ووجه تعلقهم بذلك أن ظاهر الآي تفيد أن لله تعالى علماً وقدرة والعلم والقدرة معنيان.

والجواب: أن القرآن نزل خطاباً للعرب على لغتهم وهم لا يعقلون ما ذكرتم من المعاني وإذا لم يعقلوها لم يصح أن يخاطبهم الله تعالى بذلك ويريد منهم فهم المعاني ولم يبين لهم تعالى عقيب الخطاب المعنى الذي قصد منهم فهمه إذ ذلك يجري مجرى الإلغاز والتلبيس وهو تعالى منزه عن ذلك. والذي يعقله أهل اللغة على ما عرف بالنقل الصحيح استعمالهم العلم بمعنى العالِم مرة وبمعنى المعلوم أخرى فاستعمالهم العلم بمعنى العالم كقولهم جرى هذا بعلمي أي وأنا عالم به واستعمالهم له بمعنى المعلوم كقولهم هذا علم فلان أي معلومه كما نقول في زماننا هذا علم أهل البيت والفقهاء أي المعلومات التي علموها، فإذا ثبت هذا فمعنى قوله تعالى {أنزله بعلمه} أي وهو عالم به. ومعنى قوله {فلنقصن عليهم بعلم} أي ونحن عالمون به. ومعنى قوله {ولا يحيطون بشيء من علمه} أي من معلوماته، ومع الحمل على ما ذكرناه تقع المطابقة بين الأدلة العقلية والسمعية وكذلك القدرة تستعمل بمعنى القادر مرة، يقول مالي بهذا الأمر قدرة أي ما أنا قادر عليه. وبمعنى المقدور مرة كقولهم انظر إلى قدرة الله تعالى، أي مقدوراته. فيحمل قوله تعالى{ذو القوة المتين} على القادرية وكذلك قوله تعالى{والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون} أي ونحن قادرون. فثبت ما ذهبنا إليه وبطل ما قاله المخالف. وأورد المخالفون جميعاً القائلون بأن الصفات ليست هي الذات كما هو مذهبنا من الأمورية والجبرية شبهة وهي أن الصفات لو (كانت ذات) الله لم يجب تكرير النظر في معرفتها إذ من عرف الذات عرفها ومن عرف صفة منها عرف سائر الصفات.
والجواب: أن ذلك غير لازم إذ معرفة الباري لا تحصل إلاَّ بتكرير النظر فتكرير النظر لم يكن بعد معرفة ذات الله إذ النظر في الصفات معدود من النظر في معرفة الذات فقط ، فالناظر في إثبات الصانع فقط أو في صفة أو في صفتين لا معرفة له تامَّة بالذات أصلاً.

المسألة السابعة ((أن الله تعالى لا يشبه الأشياء))
وهي الأولى من مسائل النفي أنه يجب على المكلَّف أن يعلم أن الله لا يشبه الأشياء. فليس بجسم ولا عرض ولا جوهر وهذا هو مذهب العترة عليهم السلام وصفوة الشيعة والمعتزلة وبقيَّة أهل العدل وكثير من الفرق الداخلة في الإسلام والخارجة عنه. والخلاف في ذلك مع طوائف منهم الحشوية فإنهم ذهبوا إلى أنه تعالى جسم وله أعضاء وجوارح ولهم كلامات ضالة، قال بعضهم: أنه تعالى صفيحة مصمتة ملقاة على العرش، وقال بعضهم:أنه تعالى جسم لا يحاط به لعظمته، وقال بعضهم:أنه جسم على أتم ما يكون من الصور، وقال قوم من اليهود: أنه تعالى على صورة آدم، وقال قوم : أنه على صورة شيخ أبيض اللحية والشعر، ومن كلام المجسمة الشاهد بسخافة عقولهم وضلالهم قولهم أنه تعالى شاب أجرد أمرد قطط الشعر له سبتان من ذهب، ومن كلامهم أنه تعالى ينزل يوم عرفة على بعير له خفان من ذهب، ومن كلامهم أنه تعالى رَمِدَ فزارته الملائكة وهو متكي على سرير كهيئة ملوك البشر مستلقياً على قفاه واضعاً أحد رجليه على الأخرى وأنه خلق خيلاً في الجنة من زغب ذراعيه وأنه رأى نفسه في ماء ثم خلق آدم تشبيهاً بصورته، وممن أفرط في التشبيه الهشامان هشام بن الحكم وهشام الجوالقي وقد صنف هشام بن الحكم كتاباً في أعضاء الرب وسماه كتاب التوحيد ومن كلامه أن الله تعالى سبعة أشبار وقيل خمسة فقيل بأي شبر فقال شبر

نفسه فألزمه أبو الهذيل أن يكون كالذرة لأنه لا يمكن أن تكون مساحتها هذه الأشبار. وقالت الثنوية: أنه تعالى نور والنور جسم، ومنهم من يقول: بأنه تعالى عرض وهذا قول الصوفية وبعض الكراميَّة، ثم اختلفوا، فمنهم من قال أنه تعالى عرض غير حال، ومنهم من قال : أنه تعالى عرض حال في الصورة الحسنة،ومنهم من يقول: بأنه تعالى جوهر فبعض الفلاسفة يقول جوهر بسيط وهو العلَّة عندهم،والنصارى تقول: أنه جوهر على الحقيقة ثلاثة أقانيم على الحقيقة،وبعضهم يقول:أنه جواهر مبثوثة في كل مكان ويستشهدون لذلك بما ورد في الدعاء يا من هو في كل مكان وكل مكان منه ملآن.
والدليل على ذلك المذهب الصحيح وهو القول بأن الله لا يشبه الأشياء، أنه لو أشبهها لكان محدثاً مثلها أو كانت قديمة مثله ولا يجوز أن يكون تعالى مُحدَثاً و لا أن تكون الأشياء سواه قديمة.طوَّل الشيخ في الاستدلال وكان يكفيه أن يقول لو كان تعالى مُشْبِهاً لها لكان مُحْدَثاً وقد أبطلناه حيث أقمنا الدليل على أنه تعالى قديم وبينا أنه لو كان جسماً لما صح منه الفعل إذ لا يصح من جسم إحداث جسم، وهذه الدلالة التي ذكرها الشيخ مبنية على أصلين أحدهما أنه لو أشبهها لكان محدثاً مثلها أو كانت قديمة مثله.والثاني أن ذلك لا يجوز.

أما الأصل الأول: فالذي يدل عليه أن من حق المثلين أن يشتركا في وجوب ما يجب وجواز ما يجوز واستحالة ما يستحيل فيما يكون وجوبه وجوازه واستحالته راجعاً إلى ذاته ذلك معلوم قطعاً،ألا ترى أن الجوهر من أي الجسمين لما كانا مثلين اشتركا في وجوب ما يجب لهما من التحيّز والشغل للجهات وجواز ما يجوز عليهما من التنقل في الأمكنة واستحالة ما يستحيل عليهما من الكون في جهتين في وقت واحد وإنما وجب ذلك لكونهما مثلين ولهذا لم يجب في الجوهر والعرض لما لم يكونا مثلين.فظهر أن العلَّة في الاشتراك التماثل فإذا كانت العلَّة هي التماثل وجب اطرادها في جميع ما يصح أن تدَّعى فيه المشابهة وثبت حكمها الذي هو الاشتراك
فيما ذكر وإلا عاد عليها بالنقض والإبطال، وقوله فيما كان راجعاً إلى الذات يحترز مما كان وجوبه وجوازه واستحالته ليس براجع إلى الذات وذلك كوجوب كون الواحد منَّا مدركاً فإن الجماد لا يشاركه في ذلك وإن كان مثلاً له وجواز كونه مريداً أوكارها فإن الجماد لا يشاركه في ذلك واستحالة عدم جواز ذلك لما كان هذا الوجوب والجواز والاستحالة غير راجع إلى الذات، وإنما يرجع جواز ذلك ووجوبه واستحالته إلى كوننا أحياء على قول في مدرك وهي ليست بصفة واجبة لنا أو إلى كوننا عالمين في مدرك على قول وهو الصحيح كما مرَّ وهي كذلك فثبت بما ذكرناه الأصل الأول وهو لزوم أن يكون تعالى محدثاً كالأشياء أو أن تكون قديمة كالباري عند إدعاء المشابهة بينهما.

وأما الأصل الثاني:وهو أن كونه تعالى محدثاً كالأشياء أو هي قديمة مثله لا يجوز فهو معلوم ضرورة لأن اجتماع النقيضين محال كما تقتضيه العقول، هذا فيه نظر، والأولى أن يقال لا يجوز ذلك لما تقدم من كون الباري تعالى قديماً وقد أقمنا عليه البرهان القطعي فلا يثبت كونه محدثاً كالأشياء ومن كون هذه الأجسام والأعراض محدثة وقد بينا دليله القطعي فلا تثبت كونها قديمة، وإذا علمنا تخالفهما في ذلك بالأدلة القطعية لم تصح دعوى المشابهة بينهما في حال من الأحوال وغاية ما يعتذر به عن ذلك أن يقال إذا ثبت ما ذكرتم فلا مانع من دعوى أن يقال هو قديم محدِث أو هي قديمة محدِثة فإن الدليل إنما دل على قدم الباري وعلى حدوث العالم .
قلنا: يكون ذلك جمعاً بين النقيضين لِما تقرر في العقول من المناقضة بين القديم والمحدث على أن الدليل الدال على القدم مانع من الحدوث والدليل الدال على الحدوث مانع من القدم فتأمل.
((فصل))
وإذا ثبت أنه تعالى لا يشبه الأشياء لم يجب عليه ما يجب عليها، إذ ذلك من شأن المختلفين من التحيز في الجهة وهي الفراغ الذي يتحيز فيه الجسم، فهي أمرٌ عدمي فهو سبحانه لا يتحيز في جهة، وشغل المكان وهو الجسم الذي يقل الثقيل ويمنعه من الهُوي فليس تعالى بذي مكان.

9 / 34
ع
En
A+
A-