ثقته بهم فاستحسن المهادنة لعدم الأنصار وضعف عزائم من معه، والإمام يجوز له مصالحة الكفار والبغاة وغيرهم عند عدم الأنصار ولا حرج في ذلك، وروي أن الحسين عليه السلام قال لأخيه الحسن عليه السلام عند صلح معاوية: أجادٌ أنت فيما أرى من موادعة معاوية، فقال: نعم، فقال الحسين: إنا لله وإنا إليه راجعون، لو لم نكن إلاّ في ألف لكان ينبغي لنا أن نقاتل على حقنا حتى يترك أو الموت وقد أعذرنا. قال الحسن: وكيف لنا بألف من المسلمين إني أذكرك الله يا أخي أن لا ترد الأمر عليَّ أو تفسد عليَّ ما أريد فوالله ما آلوك ونفسي وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم نصحاً غير أنك ترى ما نقاسي من الناس وما كان أبوك يقاسي منهم حتى كان يرغب إلى الله تعالى في فراقهم صباحاً ومساء، وإنَّا اليوم (لعدم الأنصار) في سعة وعذر.
المسألة التاسعة والعشرون ((أن الإمام بعد الحسن أخوه الحسين عليهما السلام))
لما ذكرنا من الإجماع على الترتيب بعد ورود الدليل الدال على إمامتهما، والقول بإمامته عليه السلام بعد أخيه الحسن عليه السلام هو مذهب الزيدية والإمامية والمعتزلة. والخلاف في ذلك مع الخوارج: فإنهم ينكرون إمامته عليه السلام كأخيه الحسن بن علي عليه السلام على مامرّ، وعند الحشوية اليزيدية أن يزيد بن معاوية هو الإمام وأن الحسين خارج عليه يجوز قتله.
قلت: قاتلهم الله لقد تسمّوا بالإسلام لفظاً لا معنىً.
والدليل على ذلك وهو القول بإمامته عليه السلام ما قدمنا من الحديث المقطوع بصحته وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا…الحديث،) وما دل على إمامة الحسن عليه السلام مما ذكرناه أولاً دل على إمامة الحسين عليه السلام وقد صرحنا بذلك فيما سلف، فثبت بذلك المذكور من الأدلة القطعية إمامتهما عليهما السلام على النحو المذكور وبطل ما قاله المخالفون. وإذا ثبتت إمامتهما عليهما السلام بما قدمنا قطعنا بفسق من حاربهما والمحارب لهما معاوية ويزيد وقد تقدم حكم معاوية، وأما يزيد فهو فاسق بلا شبهة لخروجه على إمام الحق ومحاربته له، وقد روي بالسند الصحيح إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما نظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام قال:(أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم) وفي رواية أخري :(أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم) مخاطباً بذلك عليَّاً عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وقيل: إن يزيداً كافر لأنه لما جيء إليه برأس الحسين عليه السلام دعا بقضيب خيزران وجعل ينكث ثنايا الحسين عليه السلام، فقال أبو بردة الأسلمي: أتنكث ثغر الحسين أشهد أني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل ثناياه وثنايا الحسن أخيه ويقول:(أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما وأعد له نار جهنم وساءت مصيراً)، أما أنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك بن زياد ويجيء هذا وشفيعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فغضب يزيد لما ذكر أبو بردة وأمر بإخراجه وسجنه وأقبل ينكث ثنايا الحسين وهو يقول:-
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثم قالوا يا يزيد لا شلل
فجزيناهم ببدر مثلها وأقمنا ميل بدر فاعتدل
لست من أشياخي إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
وهذه الأبيات قال بعضها ابن الزبعرى شاعر قريش يوم أحد وزاد يزيد البعض من أبياتها فلابن الزبعرى الأول والثالث وليزيد الثاني والرابع وكلامه هذا فيه أوفى دليل على كفره لأنه جعل ما وقع في ذلك انتقاماً بما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
المسألة الثلاثون ((في بيان من يستحق الإمامة بعد الحسنين عليهما السلام))
والذي عليه الزيدية بأسرهم أن الإمامة بعد الحسن والحسين عليهما السلام فيمن قام
ودعا من أولادهما فقط ولو بعدت درجته عنهما إذا كان ذكراً منتسباً إلى أحدهما بِذَكَرٍ لم يتخلل بين آبائه أنثى نكحها من ليس من ذرية الحسنين فولدت واحداً من آبائه، هذا إطلاق صاحب الخلاصة وشرح الأصول، والذي ذكره في الواسطة والفقيه حميدان أنّ هذا مذهب الجارودية من الزيدية دون الصالحية فإن مذهبهم كمذهب المعتزلة كما نذكره الآن. وذهبت المرجئة والمعتزلة والمجبرة إلى أن الإمامة بعدهما في سائر قريش والأكثرون منهم قالوا: لا تصلح في غيرهم، ومنهم من قال: تصح الإمامة في غيرهم. وهذا القول ظهر في أيام (المنصور بالله) ((أبو الدوانيق)) منهم والمهدي، وعند الكيسانية أنها في ولد محمد بن الحنفية دون غيرهم، وعند الخوارج أنها جائزة في جميع الناس،
وحكي عن النظام مثل ذلك حكاية ليست بالشهيرة، وبه قال قوم من قدماء الصحابة وغيرهم وكلام عمر يقضي بذلك حيث قال: لو كان سالم مولى حذيفة حياً ما خالجتني فيه الشكوك، وجماعة من المعتزلة القدماء قالوا بذلك وهو مذهب نشوان وبعض الزيدية ، وعند الإمامية أن الإمامة مقصورة في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن ويحتجون بالنص الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعيين الأئمة ويروون نصوصاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من قال نصّ عليه الصلاة والسلام على بعضهم ثم بعضهم على غيره وأكثرهم الاثنا عشرية القائلون: بأن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاثني عشر منهم علي عليه السلام وولداه وتسعة من ولد الحسين متناسلون بعضهم من بعض من غير واسطة، أولهم علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ثم ولده محمد بن علي الباقر، ثم ولده جعفر بن محمد الصادق، ثم ولده موسى بن جعفر الكاظم، ثم ولده علي بن موسى الرضا، ثم ولده محمد بن علي الباقر الصغير، ثم ولده علي بن محمد، ثم ولده الحسن بن علي، ثم ولده محمد بن الحسن وهو المنتظر عندهم، والإمامة عندهم فيمن عدا هؤلاء وإن بلغ أعلى رتبة في خصال الإمامة بل هو ظالم باغي، ومن الناس من قال بجوازها في أولاد علي عليه السلام، ومنهم من قال بجوازها في أولاد الحسن والحسين وأولاد العباس دون غيرهم، نعم وقول الشيخ: فيمن قام ودعا إشعار بأن الدعوة في غير من نص عليه هي الموجبة للإمامة في حق الإمام وطريق لغيره إلى معرفة إمامته.
ومعنى الدعوة: هي التجرد للقيام بالأمر والعزم عليه وتوطين النفس على تحمل أثقاله ومباينة الظالمين وذلك هو مذهبنا، وعند المعتزلة والصالحية والخوارج وأصحاب الحديث وكثير من الناس أن الموجب لإمامة الإمام العقد والاختيار وفي حق معرفة الغير بأنه إمام طريقها العقد والاختيار أيضاً، ثم اختلف القائلون: بالعقد في عدد العاقدين، فمنهم من قال: يعقد خمسة لسادس وهذا قول أبي علي وأبي هاشم وقاضي القضاة، وأكثر القائلين بالعقد قالوا: ذلك اعتبار إنما جرى يوم السقيفة من العقد لأبي بكر وكان العاقدون خمسة وهم عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف وأبوعبيدة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وقيل سالم مولى حذيفة مكان عبدالرحمن بن عوف، واعتبر بعضهم ستة قياساً على عدد أهل الشورى، وقال بعضهم أربعة قياساً على شهود الزنا، وقال أبو القاسم ثلاثة قياساً على ما ذكر عمر في أهل الشورى وكانوا ستة إذا اختلفوا كان الرأي للنصف الذي فيهم عبدالرحمن بن عوف، وقال سليمان بن جرير اثنان قياساً على الشهادات في سائر المعاملات، وبعضهم قال يكفي في ذلك عقد واحد لواحد وهو مروي عن الشيخ أبي علي البصري، وقال أكثر المعتزلة منهم أبو هاشم الإمام إذا عهد إلى غيره بالإمامة كان إماماً، وقال أبو علي: لابد من رضى أهل العقد بذلك، وذهبت الحشوية والكرامية والنواوي إلى أن طريقها القهر والغلبة ثم ذهبوا إلى أن الحسين عليه السلام باغ على يزيد بن معاوية لعنه الله، وذهبت الراوندية والعباسية إلى أن طريقها الإرث، وذهبت المطرفية إلى أنها جزاء على الأعمال وهو قول بعض الإمامية وحكي عن الجاحظ.
نعم وأقوال هؤلاء المخالفين في الطرفين معاً في المنصب والطريق باطلة، والدليل على بطلانها يأتي بعد إثبات شروط الإمام التي لا بد أن يكون عليها كما أشار إليه بقوله وهو جامع لخصال الإمامة وهي اثني عشر ذكر الشيخ منها سته وأهمل ستة أخرى وهي أن يكون الإمام ذكراً حراً بالغاً عاقلاً وأن يكون من العترة وأن لا يكون في عصره إمام سبقت دعوته، وعذره في إغفال الأربعة الأول كونها جليَّة، وفي إغفال اشتراط كونه من العترة لكونه قد أقام الدلالة عليها فيما يأتي وقد جعل ذكره صدراً للمسألة فلم يحتج إلى عده شرطاً، وأما اشتراط كونه لم يسبقه داع في عصره فلا عذر له في إغفاله، ووجه اشتراط كونه ذكراً أن المرأة مأخوذ عليها من التستر ما يمنع من قيامها بهذا الشأن ولأن المرأة مولى عليها في النكاح فلا يصح أن تلي على غيرها ولأنه لا يصح توليها في القضاء خلافاً لأبي يوسف إلاَّ في الحدود فأحق وأولى في الإمامة ولأن الإجماع منعقد على أن إمامتها لا تجوز، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لن يفلح قوم تملكهم امرأة)، ووجه اشتراط كونه حراً أن المملوك لا يلي أمر نفسه فكيف يلي أمر غيره ولأن قيامه بأمر الإمامة يؤدي إلى فوت المنافع التي هي ملك سيده، ووجه اشتراط كونه بالغاً عاقلاً أن الصبي والمجنون لا يليان أمر أنفسهما فيليان أمر غيرهما ولأنهما غير مميزين بين الحسن والقبيح والواجب غالباً ومع هذا يبطل الغرض بالإمامة، ووجه اشتراط كونه من أولاد الحسن والحسين سيأتي، ووجه اشتراط أن لا يسبق دعوته دعوة إمام إجماع الصحابة كما مرَّ بيانه.
والستة التي ذكرها الشيخ هي:العلم والمعتبر منه حتى يبلغ نصاب الاجتهاد إذ لا بد أن يكون مجتهداً، وعن الغزالي وغيره من الفقهاء جواز إمامة المقلد للضرورة، وبه قال الإمام يحي عليه السلام: إذا عدم المجتهد كما في الحاكم وقد (حكي ذلك عن) كثير من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ذكره الدواري ورجحه، والمجتهد لا يكون مجتهداً إلاَّ بعد أن أحرز علوماً ثمانية، أصول الدين ويكفيه في ذلك مختصر مفيد قال الدواري: كنابغة القاضي شمس الدين ونحوها، وأصول الفقه وعلومه الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ وحكم أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتروكه واستبشاره والقياس والاجتهاد وصفة المفتي والمستفتي والحظر والإباحة ويكفيه في ذلك مختصر، قال الدواري: كالفائق للرصاص والتقريب للقاضي شمس الدين.
قلت: ينبغي أن يعتبر التحقيق فيه خاصة إذ هو قطب رحى الاجتهاد لأنه لا يقدر على استنباط الأحكام على الوجه المعتبر إلاَّ ذو القدم الراسخة فيه، والعلم بالآيات التي في كتاب الله المتعلقة بالأحكام الشرعية وقيل أنها إلى قدر خمسمائة آية، والعلم بأخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكفي في ذلك كتاب مما يشمل الأحاديث المتعلقة بالأحكام كأصول الأحكام أو أحد الكتب الصحيحة المشهورة.
قال الدواري: وربما أن الذي يوجد من الحديث في كتب أصحابنا البسيطة كشرح القاضي زيد وشرح التجريد وشرح التحرير مُغْنٍ عما سواه في الحديث النبوي، والآيات الشرعية، والعلم بطرف من النحو واللغة، والعلم بطرف من المعاني والبيان وإن كان قد دخل في علم العربية، وأما علم المنطق فمنهم من اعتبره والأصح أنه لا يعتبر وهو يدور على أصلين هما الحدود وما يصح منها وما لا يصح وكيفية تركيب الأدلة وما يصح وما لا يصح، ووجه اشتراط العلم أن الغرض بالإمامة القيام بمصالح المكلفين والعلم بما أوجب الله تعالى من علم وغيره والبعث على ترك ما هو قبيح أو مكروه من علم وعمل وهذا لا يتم حتى يكون الإمام عالماً بما تقدم عليه فعلاً أو أمراً أو يحجم تركاً أو نهياً وهذا الشرط هو ملاك شروط الإمام وأصلها وليس منها ما يساويه في احتياج الإمام إليه واشتراط أن يكون ذلك عن اجتهاد لإجماع الصحابة على ذلك.
والورع: وهو الكف عن المحرمات والقيام بالفرائض الواجبات، وقالت الحشوية: لا يشترط. وهو قول باطل لقوله تعالى{لا ينال عهدي الظالمين}(البقرة:124) والمراد بالعهد الإمامة ولأن من لا يكون ورعاً لا تقع الثقة بقيامه بأعباء الإمامة وما يجب عليه من ذلك بترك ما يقبح فبطل الغرض بها، ولا يجوز أن يكون الإمام كافراً ولا فاسقاً من جهة التأويل خلافاً لبعظهم وهو قول ساقط، لأن الله قد أمر بجهاد الكفار والبغاة من غير فصل بين مصرح ومتأول فكيف تجب طاعته مع وجوب جهاده.
قال في الأساس: والإجماع منعقد على اعتبار العدالة في الإمام ولهذا اشترط اجتنابه للمهن المسترذلة خلافاً للحشوية.
والفضل: قال المنصور بالله: ليس بشرط زائد بل المراد به اجتماع الشرائط المذكورة في حق المدعي للإمامة، والذي عليه الأكثر أنه شرط زائد وأن معناه أن يكون له من المحافظة على الطاعات والتجنب للمكروهات ما يعهد لكثير من الفضلاء وأن يكون بينه وبين القبيح حاجز، وكذلك بينه وبين الإخلال بالواجب احتراز عن الإقدام والترك وهذا سمة لكثير من الصالحين يستلزمون لكثير من الطاعات غير الواجبة ويقفون عند الشبهات وإن لم يحصل لهم القطع بقبحها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(لكل ملك حِمَى وأن حِمَى الله محارمه وأنه من دار حول الحِمَى يوشك أن يقع فيه)، ووجه اشتراط الفضل إجماع الصحابة لأنهم لمَّا اختلفوا ذهب كل فريق إلى ذكر مفاخره ومناقبه وفضائله، ولمَّا حاجَّهم أبو بكر ذكر ما اختص به المهاجرون من الفضائل، ولما دخل أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى أورد مناقبه وفضائله وقال: فيالله متى اعترى فيَّ الشك مع الأولين حتى أقرن مع هذه النظائر، واختلف في إمامة المفضول، فالذي عليه الزيدية أنه لا تجوز إمامة المفضول بحال وهو مما نص عليه القاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله عليهم السلام، قال الناصر: ويفسق المفضول إذا سبق الأفضل بالدعوة، والمراد بالأفضل الأجمع لخصال الفضل، والأشهر في ذلك الأكثر الثواب فلا طريق إلى ذلك وذهبت الحشوية إلى جواز إمامة المفضول مطلقاً، وإذا قام إمام ثم وجد أفضل منه بعد قيامه، فقال القاسم والناصر: يجب عليه التسليم له فإن أبى فسق إذ لا يجوز قيام المفضول مع وجود الأفضل، وقال المؤيد بالله وأبو طالب: لا يجب لأنه قد تحمل أعباء الأمر فصار أفضل، وذهبت الحشوية إلى جواز إمامة المفضول مطلقاً، وفصَّل بعض
المعتزلة فقال: تجوز إمامة المفضول إذا كان هناك عذر في إمامة الأفضل وبه قال الإمام يحي عليه السلام، قيل: وهو قول من قال من المعتزلة بأن علياً عليه السلام أفضل الصحابة إلاّ أن الإمامة في أبي بكر وعمر وعثمان جازت مع فضله عليهم لعذر وهو كونه عليه السلام كان في نفوس كثير من الناس عليه شيء لمّا كان منه في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل صناديد العرب والشدة في ذات الله ، وهذا عذر باطل إذ لا يجوز مخالفة النصوص لمثل هذا العذر وإلاّ أدّى إلى ترك الصلاة والصيام وكثير من الواجبات عند
حصول عذر من الأعذار ودليلنا إجماع الصحابة على اشتراط الأفضل كما قررنا.
والشجاعة: والمراد بها أن يكون له رباطة جأش يمكنه تدبير الحروب عند التحام القتال وشدة كلب العدو وبحيث لا يدهش لبّه في تلك الحال وتعمى عليه الأمور ولا يعتبر في الشجاعة مبارزة الأقران ومجادلة الفرسان، هذا ذكره الناصر وغيره، وذكر الهادي أن الشجاعة معناها أن يخلط الصفوف بالصفوف ويحمل على الألوف، ووجه اشتراط الشجاعة أنه لو لم يكن شجاعاً لم يؤمن أن يحضر في عسكره في وجه العدو ثم ينهزم فيكون في ذلك وهناً في الدين وعلواً في شنار المفسدين وهذا خلاف الغرض بالإمام ولأن الجبان لا يتمكن إذا حضر العسكر من نظم أموره على وجه يحصل به نكاية العدو، ولأن جبنه يمنعه من إقامة الحدود على أكابر الناس وكل هذا يبطل الغرض بالإمامة.
والسخاء: والمراد به أن لا يشح بوضع مال الله في أهله ولا يعتبر سماحته بماله غير ما يجب عليه من الإنفاق في سبيل الله تعالى، ووجه اشتراط السخاء وجه اشتراط الورع إذ السخاء داخل تحت الورع.