وقال في الأساس: النفاق في اللغة الرياء، وديناً مثل ما ذكره الشيخ، وقد حكي عن القاسم عليه السلام أنه الرياء فقط بناء على عدم النقل لقوله تعالى{هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان}(آل عمران:167) فلو كانوا كفاراً ما قال تعالى هم أقرب إليه وهم فيه.
قلنا: المراد مائلون إليه دون الإيمان لقوله تعالى فيهم{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاَّ أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون}(التوبة:54) ولتصريحهم بتكذيب الله فيما حكى الله عنهم في قوله {وقالوا ما وعدنا الله ورسوله إلاَّ غروراً}(الأحزاب:12) فثبت بذلك أن المنافق كافر ولكن هل تجري عليه أحكام الكفار الدنيوية التي ذكرناها (في المنع) من المناكحة والموارثة والدفن وغير ذلك، لصاحب شرح الأصول كلامان: أحدهما أنه تجري عليه وكلام الفقيه حميد يقضي بذلك وفي موضع آخر من الشرح لا تجري عليه. قال الدواري: فأما القتل وإباحة المال فإنه لا يكون حكمه حكم الكفار في ذلك إذ المعلوم من أحكام المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقن دمائهم وأموالهم وهم في ذلك يشبهون أهل الملّة، فأمّا عقاب الآخرة فيقرب أن عقابهم أعظم لقوله تعالى{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}(النساء:145) وأما الدليل على أن الفاسق لا يكون مؤمناً كما تزعمه المرجئة، أن المؤمن وإن كان في اللغة المصدق فقد نُقل إلى من أتى بالواجبات واجتنب المقبحات وهو الذي يستحق الثواب والمدح والتعظيم بدليل أنه يحسن تواسطه بين أوصاف المدح، فيقال فلان برٌّ تقي مؤمن صالح زكي فلو لم يكن مدحاً لم يحسن توسيطه بين أوصاف المدح ما ليس بمدح. وإذا تقرر ذلك فالفاسق لا يستحق المدح

والتعظيم بل يستحق الذم والإهانة بلا خلاف بين المسلمين، ولهذا فإن الصحابة كانوا يقيمون الحدود على الجناة على وجه الإهانة. وقد دل الدليل السمعي على نقل اسم المؤمن إلى من يستحق الثواب ونحوه، قال تعالى{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً}(الأنفال:2،3،4) وقال تعالى في وصف المؤمن على وجه التفسير والتعريف بما يكون المؤمن مؤمناً{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}(الحج:1،2،3) إلى آخر الآيات، فقد أفادت أن هذه الأوصاف هي الإيمان وأن المؤمن هو الذي يستحق الثواب وهو المراد بالفلاح في هذه الآية. وقال تعالى{أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون}(السجدة:18) فنفى تعالى مساواة المؤمنين و الفاسقين فدلَّ على أن الفاسق لا يكون مؤمناً إذ لو كان كذلك لكان قد نفى مساواة الشيء لنفسه، وقال تعالى{بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}(الحجرات:11) وهذا يقضي بأن الفاسق غير مؤمن. ومما يدل على ما قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، فإذا فعل ذلك انتزع الإيمان من قلبه وإن تاب تاب الله عليه، قيل يا رسول الله (أوَ كافر) هو قال لا قيل فما هو قال فاسق) وهذا نص فيما ذهبنا إليه. نعم وقولنا إن المؤمن اسم في الشرع لمن يستحق الثواب دليل على شمول ذلك للملائكة والأنبياء عموماً ومن له ثواب غير محبط من الإنس والجن، وخرج من التعريف الكافر والفاسق ومن ليس له ثواب ولا عقاب إما لكونه غير مكلف

أو تساوى ثوابه وعقابه على القول بجواز التساوي، فالمؤمن عندنا هو من اعتقد بقلبه وأقرَّ بلسانه وعمل بجارحته، فإن أخل بالأول فقط كان منافقاً، وإن أخل بالثاني كان كافراً،وإن أخل بالثالث كان فاسقاً، وإنما قلنا إن المؤمن من جمع الثلاثة الأمور المذكورة لما قررناه من الأدلة على ذلك.فثبت بذلك التقرير أن الفاسق لا يسمى مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً وبطل ما قاله المخالفون .
تنبيه:
قال أصحابنا الإسلام والإيمان والدين سواء في الشرع وهو فعل الطاعات واجتناب المحظورات والمكروهات وإن كانت في أصل اللغة مختلفة، فالإيمان التصديق، والإسلام هو الاستسلام والإنقياد، والدِّين يستعمل في اللغة بمعنى الجزاء وبمعنى العادة وبمعنى الملّة وهو ما يتخذه الإنسان له ديناً وبمعنى الطاعة لكنها قد صارت في الشرع بعد النقل
بمعنى واحد وهو ما ذكرنا.

المسألة الخامسة والعشرون ((في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم))
ووجه اتصالها بباب الوعد والوعيد أنها إحدى شبه المرجئة في عدم خلود الفساق في النار للأثر الذي يروونه كما يأتي، وهي في أصل اللغة مأخوذة من الشفع وهو نقيض الوتر، والشفع الزوج، والوتر الفرد، ولذلك يقال شاه شافع إذا كان معها ولدها، وسمي الشفيع شفيعاً لانضمامه إلى المشفوع له ومنه سميت الشفعة شفعة لمّا كان غرض الشافع بها ضم المال المشفوع إلى ماله الأصلي. وحقيقتها في الاصطلاح: السؤال لجلب نفع الغير أو دفع الضرر عنه على وجه يكون غرض السائل حصول ما سأل لأجل سؤاله، فقولنا السؤال ليخرج بذلك ما ليس بسؤال، وقولنا لجلب نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه لنحترز بذلك عن السؤال لجلب الضرر أو فوت النفع وقولنا إلى الغير لنحترز بذلك عن سؤال ذلك للنفس فإنه لا يكون شفاعة (وللفاعل وجه ما يكون شفاعة وللفاعل) وقلنا على وجه يكون غرض السائل حصول ما سأل لأجل سؤاله لنحترز به عمّا إذا لم نقصد بذلك بل قصدنا نفع أنفسنا ولهذا فأنَّا نسأل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الوسيلة والدرجة الرفيعة ولا نكون شافعين له لأنّا لم نقصد بسؤالنا ذلك حصوله له لأن الله تعالى قد أخبرنا أنه يفعل ذلك من غير سؤالنا، وإنما قصدنا بسؤالنا تحصيل الثواب لأنفسنا مع أنا متعبدون بذلك،

واعلم أنه لا خلاف بين أهل العدل قاطبة بل أهل الإسلام أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة ثابتة مقبولة لا يخالف في ذلك إلاّ المطرفيّة فإنهم منعوا من شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: لأنه إن شفع في أمر واجب فالله يفعله وإن لم يشفع، وإن شفع في أمر لا يجب لبعض المكلفين فهذه محاباة والله منزه عنها. وقولهم باطل لما ذكرنا من إجماع الأمة قبل حدوث مذهبهم الباطل فالإجماع حجة وقوله تعالى{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}(الإسراء:79) وعسى في اللغة تفيد الترجي وفي كتاب الله تعالى تكون للقطع. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم?من كذَّب بالشفاعة لم ينلها) ولكن اختلفوا لمن تكون شفاعته من أمته. فقال جمهور العدلية: إن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تكون لمن يستحق النار من الكفار والفساق أصلاً وإنما تكون للمؤمنين أهل الثواب فقط، واختلف أهل هذا القول في ثمرتها للمؤمنين، فالذي عليه أكثرهم أنها تكون لزيادة نعيماً إلى نعيمهم وسروراً إلى سرورهم وهو الذي عنى بقوله حتى يزيدهم الله بها شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشريفاً ورفعة في الدرج بالتفضلات. وقال أبو الهذيل بل ثمرتها إعادة ما أحبطته المعصية من الثواب، القول الثالث أشار إليه بقوله أو تكون لمن تستوي حسناته وسيئاته على القول بصحة الاستواء فيشفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدخل الجنة تفضلاً. والخلاف في ذلك مع المرجئة فإنهم يقولون إن شفاعته تكون لفسَّاق هذه الأمة الذين استحقوا العقاب، فمنهم من يقطع بها، ومنهم من لا يجوزها،

قالوا: إذ الشفاعة موضوعة لدفع الضرر وأهل الجنة مستغنون. والدليل على أن شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم لا تكون لأحد من الظالمين أي الفاسقين إذ لا خلاف بين المسلمين أن الفاسق ظالم وقد قال تعالى{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}(الطلاق:01) والفاسق من جملة من تعدى حدود الله.
واعلم أن الشفاعة لا تخلو إما أن تسقط العقاب بنفسها أو يكون المسقط له هو المشفوع إليه عندها والأول باطل إذ العقاب حق للمشفوع إليه لا للشفيع فلا يسقط بإسقاط الشفيع فيتعين الثاني وحينئذ يكون إسقاطه للعقاب إنما هو على وجه التفضل مع بقاء الاستحقاق وإسقاطه كذلك مما لا مدخل للعقل فيه بل إنما يعرف بالسمع، وأدلة السمع قد دلت على عدم الشفاعة لهم كقوله تعالى{ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(غافر:18) والظالمين جمع معرّف باللام وشفيع نكرة في سياق النفي فيقضي العموم في كل منهما وقد تقدم أن دلالة العام في مثله قطعية وقوله تعالى خطاباً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم{أفأنت تنقذ من في النار}(الزمر:19) وقوله تعالى{لا تجزئ نفس عن نفس شيئاً}(البقرة:48) ثم قال تعالى{ولا تنفعها شفاعة}(البقرة:123) ثم قال{ولاهم ينصرون}(البقرة:48) ونفس وشفاعة وينصرون نكرات في سياق النفي فتكون عامة. وقوله تعالى{قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلَّة ولا شفاعة}(البقرة:254) وقوله تعالى{وما للظالمين من أنصار}(البقرة:270) وقوله تعالى{وما هم عنها بغائبين}(الإنفطار:16) ولو صحت الشفاعة لهم لغابوا عنها، وقوله تعالى{مالهم من الله من عاصم}(يونس:27) وقوله تعالى{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}(الأنبياء:28) وهذا عن الملائكة وقد ثبت أنهم أفضل من الأنبياء فنفى شفاعتهم إلا لمن ارتضى والفاسق غير مرضي، وقوله أيضاً عنهم{ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين

تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}(غافر:07) فهذه أدلة قطعية لا يدخلها التشكيك على أن الشفاعة موضوعها جلب النفع كدفع الضرر كما ذكرنا ذلك في ماهيتها. ومما يؤيد ذلك ما يقال يشفع الوزير إلى الأمير ليزيد فلاناً في رواتبه وعطيته، كما يقال شفع إليه ليصفح عن جرمه وخطيئته.
وقال الشاعر:-
فذاك فتاً إن جئته لصنيعة .... إلى ماله لم تأته بشفيع
وقد دلت الدلالة القطعية على قصرها في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جلب النفع، ألا ترى إلى قوله تعالى{ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(غافر:18) ونحوها كيف نفى الله الشفاعة لهم على العموم وإثبات ما نفاه الله تعالى يكون تكذيباً له ورداً لكلامه وذلك لا يجوز بلا خلاف بين المسلمين، فلو شفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من هؤلاء الظالمين لأدى ذلك إلى أحد باطلين، إما أن يطاع وتقبل شفاعته فيكون ذلك تكذيباً للآية وإبطالاً لمعناها، وإما أن لا يطاع فيكون ذلك إسقاطاً لمنزلته صلى الله عليه وآله وسلم وخرطاً للإجماع المنعقد على أن شفاعته مقبولة في ذلك اليوم ومخالفة للمقام المحمود الذي وعده الله تعالى أن يبعثه فيه. ويدل على ذلك أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(ذُخرت شفاعتي لثلاثة من أمتي رجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى لهم حوائجهم لما احتاجوا إليه، ورجل ضارب بين أيديهم بسيفه) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله ومن أعان على أذاهم وركن إلى أعدائهم فقد أذن بحرب من الله ولا نصيب له في شفاعتي) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي ولن أشفع لهما سلطان غشوم وغالٍ في الدين مارق) وقال صلى الله عليه وآله

وسلم:(إن أقربكم مني غدا وأوجبكم عليَّ شفاعة أصدقكم لساناً وأحسنكم خلقاً وأدَّاكم لأمانته وأقربكم من الناس) فكل ذلك يوضح ما ذهبنا إليه ويبطل ما اعتمده المخالف.
ودليل آخر عقلي: لاشك أن صاحب الكبيرة مسخوط عليه وأن الله تعالى قد تبرأ منه وعاداه ونفى الإيمان عمن يواده بقوله تعالى{لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله…الآية}(المجادلة:22)،فلو شفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان قد رضي عمن سخط الله عليه، ولكان قد والى وأحب من تبرأ الله منه وعاداه، ومن ظنَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من ذلك فقد ارتكب عظيماً. ثم يقال للمرجئة هل يحسن من الإنسان أن يدعو إلى الله أن يدخله في شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن قالوا لا، خالفوا الإجماع، وإن قالوا نعم، قلنا فهل يحسن منه أن يدعو إلى الله تعالى أن يميته فاسقاً حتى يشفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن قالوا: نعم خالفوا الإجماع والمعقول.
وإن قالوا: لا يحسن.
قلنا: قد ثبت أن شفاعته عليه الصلاة والسلام لا تكون لفاسق، ثم يقال لهم ما يقولون في رجل حلف بطلاق نسائه وعتق عبيده وإمائه وصدقه ماله ليفعلن ما يستحق به الشفاعة شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هل يؤمر بالبر والإحسان أم يؤمر بفعل العصيان؟ فإن قالوا بالثاني خرجوا من الدين ومما عليه جميع المسلمين، وإن قالوا بالأول ثبت ما ذهبنا إليه من أن الشفاعة لا تستحق إلاَّ بالإيمان. قالوا ورد الاستثناء في قوله تعالى{وأمّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربك}(هود:106،107).

قلنا: المعنى هم خالدون في النار مدة القيامة إلاّ مدة وقوفهم في المحشر للقطع بالوقوف فيه للحساب كما في الاستثناء في حق أهل الجنة في قوله تعالى{إلاّ ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ}(هود:108) إذ لا خلاف في ذلك أن المراد بالاستثناء قبل دخول الجنة والفرق تحكم.
قالوا: قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال(شفاعتي لأهل الكبائر من
أمتي).
قلنا: يجب طرحه لمصادمته البراهين المتقدمة السمعية والعقلية ولمعارضته بصحيح من الأخبار وهو ما روى الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال(ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ثم لو صح الخبر ولم يكن فيه هذه الزيادة فإنه من (أخبار الآحاد) التي لا توصل إلى العلم ومسئلتنا هذه يجب أن يؤخذ فيها بالأدلة الموصلة إلى العلم لأنها من أصول الدين التي يجب على كل مكلف العلم بها ولا يجوز له الاقتصار فيها على التقليد، ولأنه يمكن تأويل الخبر على ما يوافق الآيات التي نفت الشفاعة عن كل ظالم.
فنقول: إن شفاعته لأهل الكبائر من أمته إذا تابوا وتكون فائدة تخصيصه لهم بالذكر وإن كانت شفاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) للتائب وسائر المسلمين أن لا يتوهم متوهم أنه لاحظ لهم في شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم وإن تابوا فأزال هذا التوهم ولأن الشفاعة في حق التائبين أوقع ونفعها أعظم لأنهم قد كانوا أحبطوا ما استحقوا من الثواب فصاروا في أعداد الفقراء والإحسان للفقير ليس كالإحسان إلى الغني مع اشتراكهما في أنَّ الإحسان منفعة وهذا على القول الصحيح، خلافاً لمن يقول إن بالتوبة يعود ثواب الطاعة المتقدمة، ولمن يقول إن التوبة تسقط العقوبة لكثرة ثوابها لا بمجردها.

تنبيه:
اختلف في عموم شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسائر الأمم، فمنهم من قال شفاعته ليست عامة وإنما هي لأمته فقط، ومنهم من قال لها ولسائر الأمم. قال الدواري: وهذا هو الذي تقضي به الآية يعني قوله تعالى{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً…الآية}. وكذلك ظواهر الآثار وهو الصحيح، ويقال هل لأحد من الأنبياء
غير نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم شفاعة.
قلنا: نعم لهم شفاعة مقبولة عند ربهم رفعاً لمنازلهم وإكراماً لهم بل قد ورد في الآثار للعلماء والشهداء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(يشفع يوم القيامة ثلاثة أصناف الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(يؤتى يوم القيامة بمنابر من ذهب مرصعة بالدر والياقوت مجلجلة بالديباج والإستبرق ثم ينادي منادي الرحمن أين جلساء أمة محمد، أين من أهدى إلى أمة محمد علماً أراد به وجه الله، ثم يؤتى بالعلماء فيقعدون على تلك المنابر ثم يقال لهم اشفعوا تشفعوا ثم ادخلوا الجنة) وفي الأثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم(يشفع الشهيد لسبعين من أهل
بيته فإن لم يكونوا فلسبعين من جيرانه) وغير ذلك من الأخبار المؤدية إلى هذا المعنى.

25 / 34
ع
En
A+
A-