ومما يؤيد ما ذهبنا إليه: البشارات الواردة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة فإن يعقوب عليه السلام قال لا يزول الملك من يهوذا والوحي من بين رحيله حتى يأتي الذي له الملك وإياه تنتظر الأمم محمرةٌ عيناه كشارب الخمر بيضاء أسنانه كشارب اللبن، وقد روي أن بَحيراً@ تأمل حمرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبياض أسنانه فوجده كما ذكر في التوراة وكان ذلك سبباً لإسلامه، وكذلك عبدالله بن سلام لمَّا عرف العلامات المذكورة في التوراة الدالة على نبؤته كان ذلك سبباً لإسلامه، وكذلك فإن في التوراة في السِّفْر الثاني البشارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (وهو قول الله) تعالى{{جاء الرب من سيناء وأشرق من ساعير وأنور واستعلن من جبال فاران}} والمراد بذلك أمر الرب وهي البشارة بموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأن جبال مكة هي جبال فاران، وإذا تظاهرت الأدلة على نبؤته صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما قدمنا من ظهور المعجز عليه والبشارات الواردة في الكتب المتقدمة، (ثبت بهذه) الجملة أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نبي صادق. ووجب الإقرار بذلك والمتابعة له فيما جاء به كما لزم فيمن تقدم من الأنبياء عليهم السلام.
تنبيه:
يشتمل على ثلاث فوائد:
الأولى في أنه صلى الله عليه وآله وسلم مرسل إلى الثقلين الإنس والجن وذلك معلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم من إجماع المسلمين وعليه من الكتاب قوله تعالى{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}(سبأ:28) وقال تعالى{يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً}(الأعراف:158) وقال تعالى{وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن}إلى قوله تعالى{يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به… الآيات}(الأحقاف:29-31) وقال تعالى حاكياً عن الجن{إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به}(نوح:1،2) وقررهم على ذلك فدلّ على أنهم مكلفون بما فيه، وفي الأثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بعثت إلى الأحمر والأسود) والأسود عبارة عن السودان والعرب لتقارب ألوانهم، والأحمر عبارة عن الترك والروم ونحوهم مما لا خضرة في ألوانهم، فأمَّا غير نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم فلا نقطع بأنه بعث إلى الكافة وإن جاز، وحكى الشيخ أبو القاسم عن قوم أن الأنبياء كلهم مبعوثون إلى الكافة. وإذا تقررت هذه الأدلة لم يصح ما قاله بعضهم أنه يجوز أن يكون في المكلفين من لم تبلغه دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا تلزمه شريعته، لأنه إذا ثبت كونه مرسلاً إلى الكافة وجب أن يكون لهم طريق إلى العلم بنبؤته وشريعته وتوفر الدواعي إلى نقل ذلك إليهم نقلاً متواتراً، وتوفر دواعيهم إلى البحث عن ذلك وطلبه حتى يحصل لهم العلم ويتمكنوا من ذلك، ولو لم يكن كذلك كلفوا ما لم يعلموا وذلك قبيح فتعالى الله عنه، وأمّا المدة التي لا يمكن فيها بلوغ العلم إلى المبعوث إليهم فإنه لا تكليف عليهم في تلك المدة لتعذر إمكان العلم (بما كُلفوه) .
فإن قيل: إن يأجوج ومأجوج بيننا وبينهم الردم وهم من الناس فكيف يكون الاتصال بهم للتبليغ.
قلنا: ذكر الدواري في الجواب ما لفظه، ذكر في المحيط لابن مُتَّوَيهْ انتهى ولم يذكر بعد ذلك شيئاً، وفي التهذيب للحاكم يحتمل أن يكونوا غير مكلفين، ويحتمل أنها لم تبلغهم دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعدم الإمكان، ويحتمل أن الذين يتداولون الردم سمعوا ذلك فيكونون مكلفين به. قلت: وعموم الأدلة تقضي بذلك إذ هو مرسل إلى الثقلين الجن والإنس وهم من الإنس.
الثانية في طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى معرفة نبؤة نفسه هو خبر جبريل مثلاً، لكن لابد أن يظهر معجز على يدي جبريل يدل على صدقه، وأمّا جبريل فطريق معرفته لرسالة نفسه هو سماع كلام من رب العزّة بخلقه في جسم ويقرنه بما يدل على أنه ليس من كلام غير الله تعالى حتى يعلم ذلك جبريل (عليه السلام) يقيناً لاشك فيه بوجه أصلاً.
الثالثة في فضل الملائكة على الأنبياء وفضل نبيئنا خاصة على سائر الأنبياء. أما فضل الملائكة على الأنبياء فذلك مختلف فيه. فعند أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم أن الملائكة أفضل من الأنبياء ومعنى ذلك أن ثواب أدنى الملائكة لا يساويه ثواب أفضل الأنبياء. وقالت الأشعرية: بل الأنبياء أفضل.
حجتنا: قوله تعالى{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(التحريم:06) فدلّت على عصمتهم من جميع المعاصي صغيرها وكبيرها بخلاف الأنبياء فإنها تجوز عليهم الصغائر، وقوله تعالى مخاطباً لنبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك}(الأنعام:50) وقوله تعالى حاكياً عن وسوسة إبليس لآدم وحوى{ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}(الأعراف:20) وقريب منه قوله تعالى{لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون}(النساء:172) وبيان الاستدلال بها أن ذلك ترقٍّ من درجة إلى أعلى منها يعرف ذلك العالم بأساليب أهل اللسان العربي، يقال لا يأنف فلان من تعظيم العالم ولا من هو أعظم منه، وأما سجود الملائكة (عليهم السلام) فلم يكن لآدم على الحقيقه بل لله لإحداثِه تلك الخلقة الكريمة وكان آدم قبلةً لسجودهم فقط، ولا نسلم أن تكليف البشر أشق من تكليف الملائكة لأنا نقطع أن لهم شهوة ونفرة مع استمرارهم على الطاعة على مضي الأزمان والقرون، ولئن سلمنا ذلك لكن ربما كان التكليف الذي مدته في غاية الطول يقتضي من الثواب أكثر مما يقتضيه التكليف الشاق الذي مدته قصيرة يسيرة، وأمّا كون الملائكة كانوا من أنصار نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم فليس فيه ما يقتضي أفضليته (عليه الصلاة والسلام) عليهم. وأمّا فضل نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم خاصة على سائر الأنبياء فهو معلوم من دينه ضرورة ومن إجماع المسلمين وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(أنا سيد ولد آدم ولافخر، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة، وكذا أنا أول من يقرع باب الجنة، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا
أول شافع ومشفع) ونحو ذلك، وأمّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لاتفضلوني على يونس بن متَّى) فقد تؤِّل بأنه لم يكن قد علم أفضليته أو أراد لاتفضلوني في صحة النبوة ووجوب الإتباع أو قال ذلك ردعاً للجاهلين حين طعنوا على يونس لذهابه مغاضباً أو إيثاراً للتواضع كما يفعله صالح المكلفين ويجوز تفاضل سائر الأنبياء خلافاً لضرار.
حجتنا قوله تعالى{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}(الإسراء:55) ولامانع منه من جهة العقل.
باب الوعد والوعيد
وحقيقة الوعد الخبر عن إيصال النفع أو دفع الضرر إلى الغير في مستقبل الزمان من جهة المخبِر إلى المخبَر، فقولنا الخبر جنس الحد، وقولنا عن إيصال النفع أو دفع الضرر احترازاً من الخبر عن إيصال الضرر فإن ذلك لايسمى وعداً بل وعيداً كما سيأتي، وقلنا إلى الغير احترازاً عن الخبر بوصوله إلى نفسه، وقلنا في مستقبل الزمان لنخرج منه
الخبر عن الماضي والحال فإنه لايسمى وعداً، وقولنا من جهة المخبِر إلى المخبَر احترازاً من الخبر بإيصال النفع من جهة الغير فإن ذلك لايسمى وعداً (ولا فاعله) واعداً بل ذلك بشارة والفاعل يسمى بشيراً، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بشيراً لنا لأنه أخبرنا بإيصال النفع إلينا من جهة الله تعالى لامن جهته. وحقيقة الوعيد هو الخبر عن إيصال الضرر وفوات النفع إلى الغير في مستقبل الزمان من جهة المخبِر إلى المخبَر، وهو في الاحترازات كما في الوعد إلاّ أن الضرر فيه يذكر في موضع النفع من الوعد وفوات النفع في موضع دفع الضرر، والوعد من الله إخبار بالثواب، والوعيد منه إخبار بالعقاب. قالت العترة وصفوة الشيعة والمعتزلة وغيرهم: وهما مستحقان عقلاً وسمعاً هكذا في الأساس.
قلت: والتعبير بالاستحقاق للثواب لايأتي على رأي جمهور الأئمة (عليهم السلام) لأنهم يقولون لايجب عليه واجب ولايستحق عليه حينئذ لأن تأدية هذه التكاليف شكر على ماأنعم به تعالى وهذه التكاليف يسيرة في شكر المنعم وغير مقاومة لها. وروى في الأساس عن المجبرة أنهما يُستحقان سمعاً فقط.
قلت: المشهور عن مذهبهم أن الثواب لايجب عليه تعالى بناءً على أصلهم وهو أنه لايجب على الله واجب ولايقبح منه قبيح، وعلى قولهم لايقبح منه قبيح يلزم منه عدم استحقاق العقاب للعاصي وقد صرح به بعضهم، وإنما الخلاف المشهور في هذه المسألة للكرامية وابن الراوندي والسيدأبي القاسم الموسوي من المعتزلة فقالوا: إن مايعلم استحقاقهما سمعاً فقط وهي أدلة الوعد والوعيد.
وحجتنا عليهم تبادر العقلاء إلى تصويب من طلب المكافأة على الإحسان ومن عاقب على الإساءة، وذلك دليل على حسنهما واستحقاقهما إذ طلب مالايستحق وفعله خارج عن تصويب العقلاء فعلمنا أن العلة في التصويب هي الاستحقاق. واختلف في
الثواب والعقاب هل يجوز استوائهما أو لابد من الرجحان. فذهب الجمهور من المعتزلة فيهم أبوعلي وأبو هاشم وقاضي القضاة إلى المنع من جواز الاستواء والذي عليه جماعة من أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم وغيرهم جواز ذلك، فمن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) زين العابدين علي بن الحسين والقاسم والمؤيد بالله (والمنصور بالله) والحقيني ومن شيعتهم القاضي جعفر والشيخ الحسن والفقيه حميد، قالوا: لأنه لامانع منه عقلاً ولاشرعاً، قال الأولون: لادليل عليه من العقل وإنما المانع السمع وهو الإجماع على أنه لابد للمكلف من الجنة أو النار، ولو استويا لم يستحق المكلف جنة ولاناراً. قال الإمام المهدي عليه السلام: في دعوى الإجماع نظر لاشتهار خلاف من ذكر أولاً، وقد قال باستوائهما أيضاً فرقة من الصوفية لكنهم يثبتون داراً ثالثة بين الجنة والنار يدخلها من المكلفين من استوى ثوابه وعقابه قالوا: وهي التي ذكرها الله تعالى بقوله{وعلى الأعراف رجال}(الأعراف:46) وقال بعض أصحابنا إن الأعراف أعالي الجنة وقيل هي أعالي الحجاب الذي بين الجنة والنار وهو المراد بقوله {وبينهما حجاب}(الأعراف:46) وأنه يحبس فيه من قصر عمله عن السبق إلى دخول الجنة أو من استوت حسناته وسيئاته على الخلاف ثم يدخلون الجنة وهم المعنيون بقوله (تعالى){ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}(الأعراف:49).
واعلم أنه إذا فعل المكلف العاصي طاعة من دون أن يتوب من معصية الفسق فقد سقط القضاء إجماعاً. وهل تُسقط الطاعة شيئاً من عقاب المعصية أو لا خلاف؟
فذهب الشيخ أبو علي إلى أن الإحباط وهو إسقاط العقاب لجميع الثواب والتكفير وهو اسقاط الثواب لجميع العقاب يقعان بسقوط الأقل بالأكثر سواء تقدم استحقاق الثواب أو استحقاق العقاب، فمن له أحد عشر جزءً من الثواب وفعل ما يوجب عشرة أجزاء من العقاب سقط الأقل وهو العشرة وبقي الأكثر وهو الأحد عشر وكذا في العكس.
وقال المهدي عليه السلام والبهشمية: وهو إدعاء القاضي جعفر الإجماع أن الإحباط والتكفير يقعان بالموازنة فتساقط العشرتان ويبقى له جزء من الثواب وكذا في العكس وهذه تسمى مسألة الموازنة.
حجة أبي علي من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن سقوط الثواب عقاب والعكس فيلزم في الصورتين السابقتين أن يكون مثاباً معاقباً في حالة واحدة بخلاف ما إذا أسقطنا الأقل بالأكثر فلا يلزمنا شيء.
وثانيها: أن الموازنة تقع بين الطاعة والمعصية فإذا سقط أحدهما بالآخر سقط جميع ما يستحق عليه جملة واحدة فلا يصح أن يوازن به بعد سقوطه وهذا الوجه مبني على أن الموازنة في الأفعال، والبهشمية وموافقوهم يخالفون في هذا الأصل ويقولون الموازنة بين الثواب والعقاب.
وثالثها: حجة السمع وهو قوله تعالى{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}(الفرقان:23) ولا يكون هباء منثورا إلاَّ إذا سقط بجملته ولم يسقط عنهم شيئاً من العقاب ومثله قوله تعالى{ولا تبطلوا أعمالكم}(محمد:33) وقوله {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}(الحجرات:02) وقوله تعالى{لئن أشركت ليحبطن عملك}(الزمر:65) فهذه الآيات تدل على أن الثواب يذهب في جنب العقاب الذي هو أكثر منه نسياً منسياً غير مسقط شيئاً من أجزاء العقاب.
قلت: في كلام الأساس لإمام زماننا أيده الله ما يدل على انحباط الطاعة بفعل المعصية قلَّت الأجزاء أم كثرت، وحكاه أيده الله تعالى عن أبي علي والأخشيدية، ولمَّا احتج المخالف بقوله تعالى{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره}(الزلزلة:07) وقوله {إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً}(الكهف:30) رد عليه بأن ذلك عام مخصوص بقوله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين}(المائدة:27) فلو كانت مسقطه كانت متقبلة وبقوله تعالى{إني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى}(آل عمران:195) والخطاب للمؤمنين فقط. وقد ذكر السيد حميدان رحمه الله تعالى مايشعر بمثل كلامه أيده الله لأنه قال إن المعتزلة عارضوا آيات الإحباط بآيات الموازنة ليمكنهم تجويز السلامة في حق من خالف من الصحابة وغيرهم، قال والذي (تبطل به) هذه المعارضة هو كونها معارضة المحكم بالمتشابه والحقيقة بالمجاز.وبيان ذلك أن آيات الإحباط لا يعقل معناها إلاَّ إذا حملت على ظاهرها وذلك الذي يدل على صحة كونها محكمة حقيقة وليس كذلك آيات الموازنة فإنه لا يعقل معناها إلاَّ إذا تُؤلت على غير ما يفيده ظاهرها أو حملت على أن المراد بها ضرب المثل بدليل أنها لو حملت على ظاهرها للزم من ذلك تجويز وزن الأعراض وكون ذلك محال معلوم ضرورة و لزم تجويز كون أفعال العباد أجساماً وكونه محالاً معلوم ضرورة وذلك هو الذي يدل على كون ما كان كذلك متشابهاً أو مجازاً، وإن قيل أن الوزن يقع على ما هي مكتوبة فيه كان ذلك عدولاً عن الظاهر لكون ماهي مكتوبة فيه ليس بطاعة ولا معصية ولأن الصحيح من المذهب أن كل من كان خاتمة معاصيه التوبة النصوح فهو من أهل الجنة ومن كانت خاتمة طاعته الإصرار على معصية واحدة فهو من أهل النار وذلك مما يرجح
القول بالإحباط على القول بالموازنة.
وقد خالفت المرجئة في هذا الأصل فقالوا ببطلان التكفير والإحباط وصحة استحقاق الثواب والعقاب في وقت واحد، فمنهم من قال أنه يفعل بصاحب الذنب ما يستحقه من العقاب ثم ينقطع ويفعل به ما يستحقه من الثواب ويدوم ولا ينقطع، ومنهم من قال إن الله يوفي أقلها في الدنيا ثواباً كان أو عقاباً ويفعل الآخر في الآخرة ويدوم، ومنهم من أطلق صحة اجتماعهما وقولهم باطل لأن الثواب دائم والعقاب دائم وهما متنافيان فاستحال إجتماعهما إذ يستحيل كون الواحد معظماً مستخفاً به في حالة واحدة في وقت واحد من فاعل واحد فيتساقطا وهو معنى التكفير والإحباط، وأما إذا فعل المكلف طاعات ثم فعل معصية أحبطت ثوابه ثم تاب بعد إنحباط ثوابه على الطاعات السابقة فهل يعود أو لا؟ ففي ذلك ثلاثة أقوال.
الأول:لا يعود ثوابه مطلقاً إذ بعقاب تلك الكبيرة صار ذلك الثواب كالمعدوم لسقوطه بالموازنة فلا سبيل إلى عوده، وهذا مذهب أبي هاشم وجمهور البصرية وبنى عليه إمام زماننا أيده الله تعالى.
الثاني: يعود مطلقاً وهو مذهب بشر بن المعتمر وأبي القاسم والبخاري من البهشمية.