وانظر إلى ستر القذر في البطن بالسواتر العظيمة، بحيث لا يُحَس له حَس، ولا يظهر له ريح، ولا يخرج إلا باختيارنا، وأن من عجيب الصنع استمساك البول في حالة الغفلة والنوم، حتى يرضى خروجه ويختاره من غير رباط ولا سداد في مجرى، ولا مانع محسوس.
ثم حياتنا في بطون الأمهات، ولو غُمّ الإنسان ساعة لمات كما في كثير ممن يدفن في الحبوس مع سعتها، ثم خروجنا من ذلك المكان الضيق بغير اختيارٍ من الوالدة والمولود، وهو فعل محكم صعب لا بد له من فاعل مختار، ثم إحداث اللبن في ثدي الأم من بين فرث ودم.
وتربية المولود وفهمه للغة أهله كيف كانت، فصيحة عربية، أو غيرها، مع أن العاقل مع كثرة مجالسته لغير أهل لغته لا يعرف من ذلك ما عرف الصغير الذي لا عقل له ولا تمييز. إلى غير ذلك من عجائب الملكوت التي لا تحصى.
فلو جاز أن يكون هذا بغير صانع لجاز أن يصح لنا دور معمورة ومصاحف مكتوبة وغير ذلك بغير بانٍ ولاكاتب، ولو كان هذا أثر طبع لكانت أثراً واحداً، كما لو جمدت النطف بفعل البرد (والدليل على أن الأفعال المرتبة) المنظومة (لا تصح إلا من عالم، أنا وجدنا في الشاهد قادرين) وهذه عبارة جيدة، وهي أولى من أن يقال ذاتين أو جملتين أو حَيَّين؛ لأنه قد استغنى بإيراد هذه العبارة عن إبطال أن يكون المؤثر في صحة الإحكام كون المؤثر ذاتاً أو جملة أو حياً من حيث أن (أحدهما) وهو من (من تصح منه الكتابة المحكمة المرتبة) كالكاتب، (و) نحوه قد شاركه (الآخر) وهو من (يتعذر عليه ذلك كالأُمي) في جميع تلك الأمور) ولم تصح منه الكتابة المحكمة، (فالذي يصح منه ذلك يجب أن يفارق من تعذر عليه، ويختص عليه بمزية، تلك المزية هي التي عبرنا عنها بكونه عالماً) بفعل المحكم (فثبت) بالدليل القطعي (أن الله عالم).

وقولنا: في حد العالم مع القدرة على فعلها غير محكمة لدفع ما يقال لا نسلم أن الإحكام دليل العالمية، فإن النحلة وهي من العالم البهيمي لها عمل متقن في بيوتها كما نشاهد ذلك، وتمييزها العسل من الشمع وذلك بيِّن، وكذلك شيء من الطير؛ لأن هذه الحيوانات لا تقدر على فعلها كذلك إلا بإلهام الله لها.
(المسألة الرابعة:) أنه يجب على كل مكلف أن يعلم (أن الله تعالى حي)
وحقيقة الحي: من يمكنه إدراك الأشياء عند اجتماع شرائط الإدراك والقدرة عليها مع سلامة الأحوال، وقيل: هو المختص بصفة لمكانها يصح أن يقدر ويعلم.
ذهب المسلمون وكثير من الناس إلى أن الله تعالى حي، والخلاف في ذلك على نحو ما مر في مسألة قادر (والدليل على ذلك) المذهب الصحيح ما تقرر من الأدلة القاطعة من (أنه تعالى قادر عالم) وإنما خص الاستدلال بهاتين الصفتين على كونه حياً دون سائر الصفات التي تصححها الحييه؛ لأن سائرها منها ما لا تصححه الحيية له تعالى، وهي كونه مشتهياً ونافراً وظاناً وناظراً، إذ لا تصحهها إلا بشروط لا تحصل في حقه، ومنها مالا يصح العلم بصحتها إلا بعد العلم بكونه حياً ككونه مدركاً ومريداً وكارهاً، فلم يبق مما يصححه ما يعلم أنه يصح عليه تعالى قبل العلم بكونه حياً إلا القادرية والعالمية، وقد جرت عادة المتكلمين على الجمع بينهما في الاستدلال على الحيية وإلا فأحدهما كافٍ.
(و) إذا قد ثبت أنه قادر عالم عُلِمَ أن (القادر العالم لا يكون إلا حياً) فهذان أصلان لا بد لكل واحدٍ منهما من دليل، (أما الدليل على أنه تعالى قادر عالم فقد تقدم) في مسألة قادر ومسألة عالم، وأما الدليل على أن القادر العالم لا يكون إلا حياً فهو في الجملة معلوم ضرورة، ولهذا يصفهُ العقلاء بأنه حي.

وأيضاً فلأن الميت والجماد لا يعلمان شيئاً، ولا يقدران عليه، فلا بد من مفارقة لولاها لما صح من أحدهما ما استحال على الآخر، وليس ذلك إلا كونه حياً، (فثبت) بما تقرر من الدليل القاطع (أن الله تعالى حي).
(المسألة الخامسة: أن الله تعالى سميع بصير)
والمرجع بهما عند الجمهور إلى أنه تعالى لا آفة به، وحُكيَ عن أبي هاشم إثبات حالةٍ زائدةٍ، وهو لا يصح؛ لأن العلم بكونه سميعاً بصيراً يدور على كونه حياً لا آفة به ثبوتاً وانتفاءً، ولو كانت غيرين لصح انفصال أحدهما عن الأخرى.
وحكى الإمام القاسم بن محمد -عادت بركاته- عن جمهور أئمتنا والبغدادية: أنهما بمعنى عالم؛ لأن السميع حقيقة لغوية مستعملة لمن يصح أن يدرك المسموع بمعنى محله الصماخ، والبصير حقيقةٌ كذلك لمن يصح أن يدرك المبصر بمعنى محله الحدق، والله تعالى ليس كذلك، فلم يبقَ إلا أنهما بمعنى عالم. انتهى.
فمتى دللنا على ذاته بكونه عالماً لذاته بجميع المعلومات ثبت أنه تعالى عالم بالمسموعات والمبصرات التي يعلمها غيره من جهة السمع والبصر، فكان سميعاً بصيراً بهذا المعنى.
قال الإمام يحيى -عَلَيْهِ السَّلامُ-: إن الخلاف ههنا فرع على الخلاف في كونه مدركاً، فمن ذهب إلى أن كونه مدركاً أمر زائد على كونه حياً وعالماً. قال: السميع البصير هو الذي يصح أن يختص بهذه الصفة عند وجود المُدرك.
ومن ذهب إلى أن كونه مدركاً ليس أمراً زائداً على كونه عالماً قال: إن كونه سميعاً بصيراً مدركاً ليس إلا أوصافاً للمبالغة في كونه تعالى عالماً من غير أمر زائد كقولنا عالم وعليم، انتهى كلامه.
والذي عليه جمهور أئمتنا والبغدادية أن المرجع بمدرِك في حقه تعالى إلى أنه عالم.
بعض أئمتنا وبعض شيعتهم والبصرية: بل هما صفتان له حين يدرك.

لنا عليهم ما مر في احتجاج القاسم، ولا خلاف بين أهل القبلة في أنه يوصف بأنه تعالى سميع بصير إلا عن الباطنية، وقد نطق القرآن الكريم بما قلنا، وإنما الخلاف في معناه (والدليل على ذلك) الذي ذهبنا إليه ونفي مقالتهم (أنه تعالى حي لا آفة به) ولا مانع له، (وكل من كان حياً لا آفة به) ولا مانع له (فهو سميع بصير) فهذان أصلان لا بدَّ من إقامة البرهان على كل واحدٍ منهما (أما أنه تعالى حي فقد تقدم) في مسألة حي، وأما الدليل على أنه لا آفة به ولا مانع له؛ فلأن الآفات والموانع إنما تجوز على الأجسام (لأن معنى الآفات فساد الآلات)، ومعنى المانع وجود غفلة أوذهول، أو بأن يُغْلَب على سمعه وبصره، وهذه الأشياء (وفساد الآلات لا تجوز إلا على الأجسام والله تعالى ليس بجسم) وإذا كان كذلك استحال أن يكون له آلة تتطرق إليها الآفة أو المانع، وإنما لم يكن تعالى جسماً (لأن الأجسام محدثة والله تعالى قديم على ما يأتي بيانه) إن شاء الله.
وقد يقال قولكم: إنه حي لا آفة به غير مسلَّم، بل به آفة؛ لأنكم إما أن تجعلوا زوال الحاسة آفة أو غير آفة، إن كان فالباري تعالى عادم لها فهو إذن ذو آفة، وإن لم يكن عدم الحاسة آفة فهو خلاف ما يقضي به العقل والسمع، إذ عدمها أبلغ من حصول الآفة، ولهذا قال الدواري: الأولى في الاستدلال أن يقال: إنه تعالى حي والآفة مستحيلة عليه، فيجب أن يكون سميعاً بصيراً، دليله الشاهد، فإن الواحد منا إذا كان حياً لا آفة به كان سميعاً بصيراً، وإن كانت جائزة عليه ففي حق الباري أولى؛ لأن الآفة مستحيلة عليه واستحالتها أقوى في زوالها من عدمها مع جوازها، (فثبت بذلك) الدليل (أن الله تعالى سميع بصير).

(المسألة السادسة: أن الله تعالى قديم)
ومعنى القديم في اللغة: هو ما تقادم وجوده، ومنه {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}[يس: 39] (ومعنى القديم) في الاصطلاح: (هو الأول الذي لا أول لوجوده).
وقد اشتملت هذه المسألة على طرفين: أحدهما: أنه تعالى موجود، والثاني: أنه تعالى لا أول لوجوده، ولا خلاف بين أهل الإسلام وكثير من الفرق الكفرية، وهم المقرون بالصانع كاليهود والنصارى والبراهمة وبعض عبدة الأصنام في أنه موجود، وأما الباطنية فلعلهم يقولون في هذه المسألة كقولهم في سائر الصفات، ولا يحتاج إلى الاستدلال على وجوده عند من جعل الوجود هو ذات الموجود.
وأما جمهور المعتزلة فيجعلونه زائداً على الذات شاهداً وغائباً فاحتاجوا إلى الاستدلال وصحة ما يقولونه مبنية على أن المعدوم ذات، والدليل على أنه موجود أنه قادر عالم، والقادر العالم لا يكون إلا موجوداً؛ لأن المعدوم يستحيل أن يكون قادراً على شيء أو عالماً به، ألا ترى أن كثيراً من الموجودات كالجمادات والأعراض يستحيل أن تكون قادرة على شيء وعالمة به مع وجودها، وإذا كانت كذلك فالمعدوم أولى، (و)أما (الذي يدل على أن الله تعالى قديم أنه لولم يكن قديماً) لا أول لوجوده بأن يكون لوجوده أولاً (لكان محدثاً)؛ لأن ذلك حقيقة المحدث (ولو كان محدثاً لاحتاج إلى محدث) أحدثه قطعاً لما تقدم من أن كل محدث يحتاج إلى محدث، والمحدث يحتاج إلى أن نتكلم فيه فنقول: هو إما قديم أو محدث، فإن كان محدثاً تكلمنا في محدثه وقلنا: (وكل محدث يحتاج إلى محدث أحدثه، ومحدثه إلى محدث) فيتسلسل (إلى مالا نهاية) من المحدثين ومحدثيهم (وذلك محال) أو ينتهي إلى محدث قديم وهو المطلوب، فوجب الاقتصار على أنه قديم لا يحتاج إلى محدث، وهو الله تعالى فثبت أن الله تعالى قديم.

قال الإمام عزالدين عادت بركاته: وفيه سؤال وهو أن يقال: ما أنكرتم أكثر ما في الباب أنه لا بد من الانتهاء إلى قديم واجب الوجود وإلاَّ أدَّى إلى مالا يتناهى من المحدثين أو محدثي المحدثين، ولكن ما أنكرتم أن صانع العالم الذي أثبتم له تلك الصفات بعض هؤلاء المحدثين المتوسطين، أو أول ما ذكرتم من المحدثين كما هو مقتضى سياق الكلام، فلا يثبت أن الإله المستحق للعبادة واجب الوجود.
والجواب: أن هذا المحدث الذي قدرتموه صانعاً للعالم لا يخلو إما أن يكون من قبيل الأجسام أو الأعراض؛ إذ المحدثات لا تنفك عن هذين القسمين، وسيأتي التوجيه أن الجسم والعرض لا يصح منهما فعل الأجسام ونحوها، وإذا تقرر ذلك فلا بد أن يكون صانع العالم قادراً لذاته، عالماً لذاته، وفي ذلك نفي أن يكون محدثاً، ووجوب أن يكون قديماً، وكلامنا في المحدثين وتسلسلهم إنما هو على جهة الفرض والتقدير وبيان أنه لا بد من قديم، وهذا الجواب وإن كان فيه استعانة بما يصلح أن يكون دليلاً مستقلاً حسن صحيح.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن عامة الآل يقولون إن صفاته تعالى من نحو قادر وعالم وموجود وقديم وحي تعبير ليس إلاَّ، وإلا لزم التكثر في الذات، والتعدد في القدماء والواجبات، أو التلاشي إن قالوا: لا شيء ولا لا شيء، وهذه عبارة زين العابدين في توحيده لرب العالمين حيث قال: فأسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه.
وقال الهادي -عَلَيْهِ السَّلامُ- في كتاب الديانات: لم يزل قادراً عالماً ليس لقدرته غاية، ولا لعلمه نهاية، وليس علمه وقدرته سواه، ومن قال علم الله هو الله، وقدرة الله هي الله، وسمع الله هو الله، وبصر الله هو الله فقد قال في ذلك بالصواب.
قال الإمام المهدي -عَلَيْهِ السَّلامُ-: وهذا قول أبي الهذيل، ولو أمعن النظر الهادي لما كان لإضافتها إليه معنى؛ إذ لا يضاف الشيء إلى نفسه.

قال والدنا العلامة محمد بن عزالدين المفتي كثَّر الله فوائده: وما أحق المهدي بإمعان النظر في قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:28] {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[القصص:88] وهذا من ذلك عند أولئك كما صرح به القاسم، وليست صفاته ثابتة لمعانٍ كما يقوله مثبتوا المعاني من المتكلمين، فإنهم قالوا: حي له حياة أزلية ليست بعرض ولا مستحيل البقاء وعالم له علم أزلي شامل، ليس بعرض ولا مستحيل البقاء ولا ضروري ولا مكتسب، وليست ثابتة لمزايا زائدة كما يقوله الكثير من المعتزلة واختاره جماعة من متأخري الآل، فكونه قادراً وعالماً وحياً وموجوداً صفات زائدة على ذاته، مقتضاة عن صفة أخص بها فارق مفارقه تعالى بعد المشاركة في الذات لسائر الذوات، وهي صفته الذاتية.
قالوا: ومدركٌ صفة مقتضاة عن الحيية بشرط وجود المُدرَك، وليست تلك مزايا زائدة هي صفات له تعالى كما يقوله منهم من نفى الصفة الأخص، وكذا من يقول منهم بالتعلق، بمعنى أن ذاته تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالمة، وبالمقدورات قادرة، وليست تلك الصفات عدم صفة نقص كما يقوله البعض منهم، وقد حُكىَ عن بعضهم أنه مذهب الآل.
فإن قلت: فما هذه النعوت للجلال المقدس، فإنه لا بد من اعتبار أمر فيها يصح إطلاقه على الله تعالى سوى ما أفاده الآخر، وما الدليل على بطلان ما ذهب إليه من تقدم من المخالفين؟
قلنا: الأمر كذلك فإنه من حيث صح الفعل منه بغير واسطة سُمِّيَ قادراً ومن حيث صح منه الإحكام سمي عالماً، فاعتبار الأمر هو هذا كما يدل عليه قول علي -عَلَيْهِ السَّلامُ-: (الظاهر بعجائب تدبيره للناظرين، والباطن بجلال عزه عن فكر المتوهمين).

ولصعوبة هذا المقام قال مثبتوا المعاني ليست بعرض، ولا هي هو ولا هي غيره، وقال أهل المزايا: لا توصف بوجود ولا عدم، ولا حدوث ولا قدم، ولا هي شيء ولا لا شيء، وأهل التعلق قالوا: المرجع بها إلى تعلق مخصوص من القادر والمقدور، والعالم والمعلوم، وصحة أن يقدر ويعلم في حي، وهو قريب من كلام الآل، فعرفت تلاشي الأقوال السالفة وأنها لا تكاد تعقل فضلاً عن أن يحكم بها العقل.
قال بعض المحققين: وعندي في ذلك الوقف وهو ترك الخوض في تلك الصفات، والكلام في حقائق تلك السمات، لما ورد من النهي عن التفكر في الذات بالنص، قال رسول الله ً كما رواه المتكلمون: ((تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره)) ، وهذا يعم التفكر في ذاته وصفاته سواء جُعلَت تعبيراً أو غير ذلك على وجه التعمّق وإدراك الكنه.
و قال علي -عَلَيْهِ السَّلامُ-: (من تفكر في غير الذات وحد، ومن تفكر في الذات ألحد).
وقال -عَلَيْهِ السَّلامُ-: (العقل آلة أُعطيها العبد؛ لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية).
وكما قال بعض المحققين: إن العجز عن معرفة الله تعالى ذاتاً وصفة ضروري؛ لأن كلما لم نشاهد ولا مثل له في الشاهد استحال تصوره، وما استحال تصوره أي العلم به تصوراً استحال أن يعرف إلاَّ على جهة الإجمال، وإن تصوره متصور من غير معرفة وقع في الخطأ.
واعلم أن أحداً لم يُنب عن الله تعالى كما أنبأ ًفارضَ به رائداً وإلى النجاة قائداً، وقد قال أمير المؤمنين علي -عَلَيْهِ السَّلامُ- في صفة ملك الموت والعجز عن صفته: (فكيف يصح وصف الإله لمن عجز عن وصف مخلوق مثله، إلى أن قال: هيهات من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز).

ومن كلام الحسن -عَلَيْهِ السَّلامُ-: أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرَّف به نفسه، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس..، وفي هذا الكلام إشارة إلى أنها توقيفية كما أشار إليه والده -عَلَيْهِ السَّلامُ- من قبل.
واعلم أن الكلام في ذات الله تعالى على جهة المعرفة التفصيلية، أو على وجه الإحاطة على حد علمه ممالا تدركه عقولنا، قال القاسم -عَلَيْهِ السَّلامُ-: وقد قال الله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:110] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] وهذا مذهب علي -عَلَيْهِ السَّلامُ- حيث قال في امتناع معرفته على العقول: (لم تحط به الأوهام ـ أي العقول ـ بل تجلىَّ لها بها وإليها حاكمها) ومعناه امتنع من العقول بمعرفة العقول بعجزها عن إدراكه والإحاطة به، وإليها حاكمَها: أي جعلها محكَّمة في ذلك؛ لأنه نزّلها منزلة الخصم المدعي، والخصم لا يحكم إلا حيث يصح.
(المسألة السابعة)
وهي الأولى من مسائل النفي، ومسائل النفي ثمان، لكن أربع منها داخل فيما سبق، وهي: أنه تعالى ليس بعاجز ولا جاهل ولا ميت ولا معدوم ولا محتاج ولا مشبه للمحدثات ولا مرئي ولا ثاني له، فالأربع الأول قد تقررت بإثبات القادرية والعالمية والوجودية له تعالى وأنها واجبةٌ في حقه تعالى فإنه يستحيل ثبوت أضدادها مع ثبوتها ووجوبها.
وأما الأربع الأخر فهذا موضع الكلام عليها، ولا خلاف بين المتكلمين في تأخير مسألة نفي الثاني؛ إذ هي كلام في أنه لا ثاني له يشاركه في صفاته الإثباتية والنفيية، ومالم تعين من المسائل لا يحسن الكلام على نفي المشاركة فيها؛ إذ لا يعلم نفي المشاركة في أمر إلا بعد العلم به.
وأما مسألة نفي الرؤية فيحسن تأخيرها عن الأولتين؛ لأنها كلام في نفي صفة له مع غيره، إذ مضمونها أنه تعالى لا يرى، وأن غيره لا يراه بخلافهما فإنهما كلام في نفي صفة يختص نفيها بذاته تعالى.

أما مسألة نفي الحاجة والتشبيه فقد وقع الخلاف فيهما، والذي ذهب إليه العترة وصفوة الشيعة والمعتزلة وغيرهم (أن الله تعالى لا يشبه الأشياء) فليس بجسم ولا عرض، ولا يجوز عليه ما يجوز عليهما من التحيز والحلول، والتنقل في الأمكنة والجهات، ونحو ذلك من توابعها.
وقال هشام بن الحكم وغيره: بل جسم له أعضاء وجوارح، وهو خمسة أشبار بشبر نفسه.
وقال بعض الحشوية: أنه سبيكة ملقاة فوق العرش، وقال مقاتل بن سليمان وداود الجوزجاني: أنه على العرش كبعض ملوك البشر لحم ودم، وقال بعضهم: أنه فضاء منبت والأجسام كلها فيه، قالوا: وهو لا يحتاج إلى مكان؛ لأنه مكان في نفسه.
وحُكيَ عن بعض الحنابلة القول: بأنه جسم طويل عريض عميق وعليه جل أهل الحشو.

4 / 16
ع
En
A+
A-