إلى غير ذلك من الأخبار المتظافرة التي روتها سادة العترة الطاهرة وشيعتهم البحور الزاخرة، ويكفيك أيها المنصف إجماع العترة الطاهرة على تقدمه في الإمامة، فإن من المعلوم الذي لا شك فيه أنه والحسنين وفاطمة معتقدون أنه صاحب الولاية والتقدم، وإنما غُلِب على أمره وخشي -عَلَيْهِ السَّلامُ- من شق عصى الإسلام، وانتثار النظام، وعرف أنه لو قام بالأمر الواجب لحصلت المفسدة العظيمة الذي لا شك في ترك المصلحة عندها، ويدلك على ذلك كلاماته -عَلَيْهِ السَّلامُ- وتجرماته، فإذا عرفت أن ذلك معتقد العترة الطاهرة الذين قال فيهم النبي ً: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) بطريق الحصر، حتى قالت أم سلمة: وأنا معهم، فقال: ((إنك لعلى خير)) والحديث من الأحاديث المشهورة التي تلقتها العترة بالقبول، وقال ً: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله حبل ممدود، فرَغَّب في كتاب الله ثم قال: وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) وغيره من الأحاديث الدالة على أنهم السفينة، مما تواتر نقله بنص أهل التحقيق، عرفت أن إجماعهم على أنه الإمام حجة قاطعة.
وأيضاً فإنه لو لم يكن هناك نص على إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل باطلة على ما ذلك مقرر بأدلته، ولا شك في أنه أفضل الصحابة، فإن له -عَلَيْهِ السَّلامُ- فضيلة القرابة، وفضيلة النجابة، وفضيلة طيب المنشأ، وفضيلة السبق، فإنه أول من آمن بالنبي ً من الرجال، وقد قال تعالى: {والسابقون السابقون}[الواقعة:10] وفضيلة العلم، وفضيلة الصبر، وغير ذلك من الفضائل التي بها يفتخر المفتخرون ويتفاوت المتفاوتون، ولو عددنا فضائله -عَلَيْهِ السَّلامُ- لاستغرقت مجلدات، فلو أتينا على شيء منها في هذا المختصر لكان فيه إيهام بانحصاره، ثم إنه لا يحتاج النهار، إلى دليل ولكن الشمس لا تبدوا لعين الأرمد، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}[التوبة:32].
إذا عرفت ذلك فإنه ينبغي الاقتداء بالسلف الأبرار في ترك السب جهاراً لمن تقدمه، ومراعاة حق النبي المختار في أصحابه الذين لهم سوابق في الإسلام كبار، وقد حَكى القول بخطأهم قطعاً عن العترة السيد الجليل إبراهيم بن محمد في فصوله، وحكاه في حواشيها عن القاضي عبدالله بن الحسن الدواري وغيره.
فأما سبهم فقد قال: (م بالله) -عَلَيْهِ السَّلامُ- كما حكاه عنه في الحواشي: لا أعلم أحداً من العترة سب الصحابة، ومن قال بذلك فقد كذب، انتهى.
قلت: فإن كثيراً من الآل متوقف كما حُكِي عن الحسين وعبدالله بن الحسن وأولاده الأربعة، قيل: وهو الأشهر عن زيد بن علي وابنيه يحيى وعيسى وأحمد بن عيسى والصادق والباقر، والأشهر أنه رأي أهل البيت وشيعتهم، فهؤلاء لم يسمع منهم سب ولا ترضية ولا تبريء مع التجرم، ذكره في الشريدة، وهو الذي ذكره أبو الحسين وأصحابه المتأخرون، لكنه قال في الهداية: ويُخطَّأ من تقدم عليه؛ لمخالفته القطعي بلا تكفير له ولا تفسيق على المختار ويرضَّى عنه استصحاباً لحاله الأول، ومن توقف فلالتباس معصيته، فأما السب حرام، وقد عزر يحيى -عَلَيْهِ السَّلامُ- من فعله بصنعاء. انتهى.
قلت: وقد تأول كلام الهادي -عَلَيْهِ السَّلامُ- في الأحكام أبو مضر والكني.
وأما ما احتجت به المعتزلة وغيرهم على إمامة أبي بكر فالكلام في هذا الباب هو مع من يقول بإمامته من جهة العقد والاختيار، فأما من يقول بإمامته من جهة نص جلي، فالكلام معه لغو لا ثمرة فيه، إذ لا يشتبه على أحد فساد ذلك، وكذلك من يقول بإمامته من جهة نص خفي، فإنه مما لا مرية في إبطاله، فلا نشتغل بإيراد الكلام عليه.
وقد أوردت المعتزلة وغيرهم ثلاث طرق: الطريقة الأولى: إن قالوا الأمر الذي يعلم به كون الإمام إماماً لا تعدوا الإمامة النص والعقد والدعوة والغلبة والإرث وغير ذلك مما اختلف في إثبات الإمامة، وكلها ظاهر السقوط، وإنما الذي يُشتَبَه فيه الحال هو النص الخفي والعقد والاختيار.
قالوا: وقد بطل النص الخفي فبقي العقد والاختيار، وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة. والجواب: أن نقول دون إبطال النصوص خرط القتاد، ونحن قد ذكرنا النصوص ووجه دلالتها فلا نعيده.
الطريقة الثانية: فيما استدلوا به على أن العقد والاختيار هو الطريق إلى الإمامة من الإجماعات. فنقول: إن وقع الإجماع على الاختيار فأنما يدل على حسنه، فأما أنه الطريق إلى الإمامة فلا.
الطريقة الثالثة: هي أن قالوا: قد وقع الإجماع على إمامة أبي بكر، فإنه وإن وقع اختلاف يوم البيعة فقد زال من بعد واستقر الإجماع، وسكت الكل سكوت رضى، وتابع عليٌ أبا بكر ووالا وقاتل معه، وصلى خلفه وأخذ نصيبه من الفيء، وقرر أحكامه حين صار الأمر إليه، ونحو ذلك مما يدل على أن سكوته سكوت رضى. والجواب: أنا لا نسلم وقوع الإجماع قط، وعلى ناقله الدليل بالإسناد المتواتر، وكيف الإجماع مع ما رواه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان من تقاعد من تقاعد عن بيعته، وكان ممن تقاعد عن بيعته اثنى عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وستة من الأنصار، فكان من المهاجرين: خالد بن سعيد وأبو ذر وعمار والمقداد وسلمان الفارسي وأبي بن كعب، وكان من الأنصار: قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وأبو الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبو بردة الأسلمي وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري، وكان منهم ما كان من إنكار إمامة أبي بكر وإيراد النصوص الدالة على إمامة علي -عَلَيْهِ السَّلامُ-.
وقد روى كثير من أئمتنا -عليهم السلام- أن علياً لم يبايع أبا بكر قط، وإنما أظهر الطاعة فقط، قالوا: والظاهر في كلامه ومناشدته يوم الشورى وخطبته الشقشقية ونحو ذلك استمرار الإنكار.
والمشهور في السير أن سعد بن عبادة مات ولم يبايع، وهو يكفي في خرم الإجماع لو سلم مبايعة غيره، على أن كثيراً ممن بايع إنما بايع تقية كما اشتهر عن عمر وغيره من سله للسيوف في شوارع المدينة هو ومن معه حتى كف الصادع بالحق، وفيما ذكر من تجرم علي -عَلَيْهِ السَّلامُ- واشتهر عنه من ذلك كفاية في الرد عما سبق. إلى هاهنا أنهي حديثي وأنتهي فما شئت من خير وما شئت فافعل.
(المسألة الثامنة والعشرون: أن الإمام بعد علي -عَلَيْهِ السَّلامُ- الحسن)
واعلم: أنه لا شبهة في إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ- لاجتماع الطرق المعتبرة عند الأمة على اختلافهم فيه من النص والدعوة والعقد والاختيار والخروج، فلا ينبغي أن يعتَرِضَ لأحد شك في إمامته.
وخالفت الخوارج في إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ-، وقد روي عنهم تكفيره لدخوله مع أبيه في التحكيم.
قال الفقيه حميد في العمدة: وزعم بعض الطغام أن الحسن إمام إلى أن صالح معاوية ثم صارت الإمامة إلى معاوية بعد ذلك وانحلت إمامته، (و) نوضح (الدليل على ذلك) الذي هو إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ- من طريق النص (أن النبي ً قال: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما))) وهذا تصريح بإمامتهما، قيل: وتصريح بإمامة أبيهما، وقيل: بل إشارة إلى إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ-.
واعلم: أن هذا الخبر مما ادعى بعضهم تواتره، وبعضهم ادعى الإجماع على صحته، والإجماع على صحته يقوم مقام تواتره في القطع بأن النبي ً قاله.
قال الفقيه حميد: وإجماع العترة على صحته، قال: وقد ظهر بين الأمة ولم يعلم من أحد منهم إنكاره، بل هم بين مستدل به على إمامتهما، وبين متأول له على صلاحيتهما، ولو لم يكن صحيحاً لظهر من بعضهم إنكاره، ووجه الاستدلال به ظاهر، فإنه ً نص على إمامتهما نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل، ولا يلزم ثبوت إمامتهما في زمن النبي ً أو زمن علي أو إمامة الحسين في وقت إمامة الحسن -عَلَيْهِ السَّلامُ-؛ لأن الإجماع قد أخرج هذه الأوقات، ويبقى ما عداها داخلاً في الدلالة، ولذلك قال المصنف: (ولا شكَّ أن إمامة الحسن قبل الحسين بالإجماع).
ومن الأدلة على إمامتهما أنهما أفضل الخلق بعد أبيهما، وقد تبين بالدليل أن الأفضل أولى بالإمامة من غيره، والقول بأن الحسن كان أفضل هو المختار، ودليله إجماع العترة على ذلك.
وأما الرد على من زعم أن الحسن كان إماماً، ثم كفر بالتحكيم، أو بتسليم الأمر إلى معاوية، وعلى الفرقة التي زعمت أن معاوية هو الإمام؛ لأن الحسن سلَّم الأمر طائعاً، وهؤلاء هم المتسمون بأهل الجماعة لقولهم: بأن العام الذي سلَّم فيه الأمر لمعاوية على زعمهم عام الجماعة، وفرقة زعمت أنه الإمام وطريق الإمامة الغلبة عندهم.
فأما الكلام على الفرقتين اللتين كفَّرتاه فهو ما نَرُدُّ به على الخوارج في التحكيم وبما ذهب إليه الأكثر من المسلمين إلى أن صلح الحسن -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان صواباً لا تخطئة فيه ولاتأثيم؛ لأنه لم يصالح إلا بعد أن خذله أعوانه وخشي على نفسه وأهل بيته الاستئصال، ولا شك حينئذ في صواب السكون والهدنة، وأنه الأصلح والأرجح لدفع المضار والأمن من الاستئصال، ولا نزاع أنه يجوز للإمام المهادنة لمصلحة كما جاز لرسول الله ً أن يصالح الكفار عام الحديبية مع انطواء الصلح أنه يَردُّ عليهم من جاءه من المسلمين، ولا يردون إليه أحداً، ولم يصالح الحسن عن ترك الإمامة ولا تخلى عنها، بل على أمانه وأصحابه وارتفاع الحرب، وأنه لا يجري عقد لأحد حتى يموت معاوية، ولكن معاوية غدر ولم يقع منه، وفاء، فاحتال في البيعة ليزيد قبل أن يموت.
يدلك على ما قلناه أيضاً أن الإمامة لا تبطل بعد أن ثبتت واستقرت إلا باختلال شرط، أو حَدثٍ من الإمام يوجب الفسق، ولا شك أن إمامة الحسن -عَلَيْهِ السَّلامُ- ثابتة قبل الصلح قطعاً، ولم يخرج بالصلح عن شيء من الشروط ولا كان ذلك منه معصية لما سبق فضلاً عن أن يكون فسقاً.
وأما الكلام على القائلين بإمامة معاوية لعنه الله لأجل الغلبة، أو لأجل أن الحسن سَلَّم الأمر إليه، فالحجج على ذلك متسعة، لكنه يكفينا في ذلك أنه باغٍ بلا إشكال لحربه لعلي -عَلَيْهِ السَّلامُ- ولحديث عمار المتواتر والمتلقى بالقبول، فإذا كان باغياً كان ظالماً، وهذا ممالا نزاع فيه، وقد قال الله تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124].
ولو قلنا: إن معاوية إمامٌ، لكان الخبر الذي أخبر الله به كاذباً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
تنبيه: قد جعل المصنف إمامة الحسن والحسين مسألتين، وهما مسألة واحدة، كما يجعله الكثير من السلف إذ الدليل فيهما واحد فقال:
(المسألة التاسعة والعشرون: أن الإمام بعد الحسن أخوه الحسين) عليهما السلام
لما ذكر من الإجماع على الترتيب بعد ورود الدليل الدال على إمامتهما.
والذي خالف في إمامة الحسين فرقة من النواصب زعموا أن يزيد لعنه الله الإمام؛ لأن معاوية نص عليه، وأن الحسين -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان خارجياً، (والدليل) الذي يدل (على ذلك) وعلى بطلان ما قالوه ما قدمناه من النص المقطوع من (قوله ً: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا...)) الحديث).
وأيضاً ونقول: متى ثبت لكم أن معاوية إمام حتى يصح نصه على غيره، ولو لم نستدل على بطلان إمامة معاوية إلا بالنص على من ارتكب المحرمات على أنواعهن وظهر كفره ظهور الشمس، وذلك يزيد اللعين المستبيح لبضعة سيد المرسلين لكفى بذلك دليلاً، على أنه ليس من أئمة الهدى، بل من سلاطين الجور والاعتداء، وأيضاً فكيف تصح إمامة يزيد مع علوه في الفسق وظهور حظه في الكفر؟! ولو لم يكن من كفره إلا قتله لأولاد رسول الله، وانتهاك حُرمه وحَرمه، وإباحة مدينته، وقتل أصحابه فيها وأبنائهم، وربط خيله في مسجده وشدها إلى سواريه تبول وتروث فيه، وقد قال ً في حق الحسنين: ((أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم)) فما ظنك بمن حارب رسول الله ً؟ ويكفيك دليلا على كفره، ما ظهر من التواريخ عند الظهور الذي لا يخفى من إنشاده عقيب فعْلة الحرة، وقتله من قتل من أولاد المهاجرين والأنصار ما لفظه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا .... جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحاً .... ثم قالوا: يا يزيد لا شلل
فجزيناهم ببدر مثلها .... وأقمنا ميل بدر فاعتدل
لست من عتبة إن لم أنتقم .... من بني أحمد ما كان فعل
وهذه الأبيات لابن الزبعري لكنه زاد فيها الخبيث.
قال الفقيه حميد: ولا خلاف بين الأمة في أن ذلك كفر.
(المسألة الثلاثون): في بيان من يستحق الإمامة
فالذي يذهب إليه كثير من أهل البيت إلا من ذهب مذهب الإمامية منهم والجارودية من الزيدية إلى (أن الإمامة بعد الحسن والحسين فيمن قام ودعى من أولادهما) فقط، ومنعته أكثر الناس مثل المعتزلة والصالحية من الزيدية والخوارج والمجبرة، وسائر الفرق الإسلامية، وسيأتي الدليل عليهم.
وقول الشيخ: فيمن قام ودعى إشارة إلى أن القيام مع الدعوة مع جمع الشرائط الآتية هو الموجب للإمامة، وإلى ذلك ذهب أهل البيت عليهم السلام أن من قام لله داعياً إلى الحق ونابذ الظلمة، واحتمل أعباء الإمامة فقد صار بذلك إماماً بويع أم لا. وقالت المعتزلة والصالحية من الزيدية: بل الطريق إلى ذلك هو العقد والاختيار على أصلهم، وهذا قول (م بالله) فيما رويَ عنه، وقد استُدِل على ذلك المتقدم بإجماع العترة -عليهم السلام- على اعتبار الدعوة وعلى اعتقاد أنها هي الطريق.
أما إجماعهم على اعتبارها فذلك مما لا خلاف فيه بينهم، بل بين الأمة ما عدا أصحاب النص، ولهذا فإن كل إمام منهم لا بد أن يقوم ويشمِّر لاحتمال الأمر، ومنابذة الظلمة والجهاد.
وأما إجماعهم على أن ذلك هو الطريق إلى الإمامة، فلأنه هو المعروف من مذهبهم والمذكور في كتبهم والمشهور في سيرهم، ولا يلزمنا في دعوى إجماعهم عليهم السلام أكثر من هذا، كذا قيل في الاستدلال، ولا يخفى أن غاية هذا الدليل الظن بأن ذلك هو الطريق.
وذهبت الحشوية والكرامية والنواوي إلى أن طريقها: القهر والغلبة، ولا يخفى بطلان مذهبهم، فإن الإجماع قائم في وقت الصحابة إلى أن طريقها ليست الغلبة، وأن الفسقة قد يغلبون، وقد قال تعالى: {وَلا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: 124] وكذلك يبطل قول من قال: إن طريقها الإرث بالإجماع من الصحابة على أنه ليس بطريق، وإلا لطلبها العباس بعد النبي ً، وإنما اختلق هذا المذهب ابن الراوندي تقرباً إلى خلفاء السوء.
وأما من قال: إن طريقها النص، فإنه لا يثبت فيه شيء يعتد به، ومن قال بذلك فعليه الدليل المتواتر.
ولا بد أن يكون هذا الداعي داعياً (وهو جامع لخصال الإمامة)، وهي اثنا عشر شرطاً، أهمل المصنف منها ستة وهي: أن يكون بالغاً، عاقلاً، ذكراً، حراً، وأن يكون من العترة، وألا يكون في عصره إمام سبقت دعوته، وذكر ستة (وهي: العلم، والورع، والفضل والشجاعة، والسخاء، والقوة على تدبير الأمر).
أما البلوغ والعقل، فالدليل عليهما ظاهر؛ لأنه لا ولاية للصغير وغير العاقل على أنفسهما فضلاً عن غيرهما.
وأما الشرط الثالث وهي الذكورة: فلأن الأنثى يتعذر عليها التصرف في أمور الإمامة من حيث الجواز؛ لضرب الحجاب عليها وعدم إباحة الشرع لها رفع الستر.
قال الفقيه حميد: ولأن المرأة مُوَلَّى عليها، فكيف يجوز أن تلي عقد النكاح على غيرها، وقد قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوِّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[النساء: 34] وقد حكى أصحابنا الإجماع من الأمة على اشتراط الذكورة، وقد حكى أيضاً بعض أصحابنا الاتفاق على اشتراط البلوغ والعقل والحرية والسخاء والشجاعة والتدبير.
وأما الرابع وهو كونه حُرّاً: فلأنه لو كان عبداً لكان مملوك التصرف، فلا ولاية له على نفسه فأولى على غيره. والخامس والسادس سيأتيان.
وأما الستة التي ذكرها المصنف فقد بينها بقوله: (وهي العلم)؛ لأن الغرض الذي نُصِبَ له الإمام لا يتم إلا بالعلم، ثم لا يكفي أن يكون عالماً، بل لا بد أن يكون مجتهداً عند أهل العدل وغيرهم.
وذهب الغزالي والإمام يحيى: إلى أنه يصح أن يكون مقلداً.