، وحكاه شيخنا رحمه الله تعالى عن أبي الحسين البصري(1)، وحقق أنه اختيار القاضي شمس الدين رضي الله عنه.
وذهب قوم إلى أنه يقتضي الوجوب من جهة الشرع إذا ورد عن حكيم، ولا يقتضي من جهة اللغة(2)، وهو قول أبي القاسم البلخي، وأبي عبدالله البصري، واختيار السيد أبي طالب قدس الله روحه، وهو الذي نصره القاضي شمس الدين رضي الله عنه في البيان.
وذهب أبو علي(3)، وأبو هاشم(4)، وقاضي القضاة(5)
__________
(1) ـ المعتمد في أصول الفقه (1/59).
(2) - أي ولا يقتضي الوجوب من جهة اللغة، وإنما يقتضي من جهة اللغة كون المأمور به مراداً. المقنع الشافي (خ).
(3) ـ أبو علي الجبائي هو: محمد بن عبد الوهاب الجبائي البصري، من الطبقة الثامنة من طبقات المعتزلة، شيخ المعتزلة، كان متكلماً فقيهاً زاهداً جليلاً نبيلاً رئيساً في المعتزلة ومقدماً فيهم، وكان ممن يقول بتفضيل أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- كما حكاه ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج1/ 16.
له المصنفات الكثيرة وأكثرها في علم الكلام، قال الحاكم الجشمي: المحكي أن لأبي علي مائة ألف وخمسون ألف ورقة إملاءً في الرد على أصناف المبطلين. توفي أبو علي سنة (303هـ).
(4) ـ أبو هاشم هو: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي البصري، من الطبقة التاسعة، أخذ عن أبيه أبي علي الجبائي حتى بلغ مرتبة عالية في العلم معظماً عند المعتزلة ومقدماً فيهم، وكان فاضلاً ورعاً زاهداً فقيهاً متكلماً قدم إلى بغداد سنة (317هـ) وتوفي في شعبان سنة (321هـ).
(5) ـ قاضي القضاة هو: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني، شيخ المعتزلة في عصره، من الطبقة الحادية عشرة، بلغ في العلم مبلغاً عظيماً وأحاط بأنواع العلوم، وانتهت إليه رئاسة المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها غير مدافع، وكان مواظباً على التدريس والإملاء طول عمره حتى طبق الأرض بكتبه وأصحابه.
تولى القضاء بالري لما استدعاه الصاحب بن عباد سنة (360هـ)، وله الكثير من المؤلفات حتى قيل إن له أربعمائة ألف ورقة مما صنف في أنواع العلوم، ومن مؤلفاته: شرح الأصول الخمسة، وشرح المقالات، والنهاية والعمد في أصول الفقه، وغيرها كثير، وتوفي سنة (415هـ) وقيل: (416هـ).

إلى أنه لا يقتضي الوجوب لغةً ولا شرعاً إلا بقرينة، وأكثر ما فيه إذا ورد من جهة الحكيم سبحانه يدل على كون المأمور به مندوباً إليه من حيث ثبت أنه سبحانه إنما يريد من المكلف ما يستحق عليه الثواب دون المباح.
والذي كان شيخنا رحمه الله يختاره أنه يقتضي الوجوب لغةً وشرعاً، وهو الذي نختاره.
والذي يدل على صحة ما قلناه من اقتضائه الوجوب لغةً: ما نعلمه من أن السيد إذا قال لعبده: أسقني الماء، استحق الذم عند أهل اللغة إذا لم يفعل، فلولا أن الأمر عندهم على الإيجاب لما ذموه لأنهم لا يذمون على الإخلال بفعل إلا وذلك الفعل واجب عندهم، ولأنهم أيضاً يسمون من خالف ما أمروه به عاصياً وذلك يقتضي كونه يفيد الوجوب عندهم، وقد قال شاعرهم:
أمرتك أمراً جازماً فعصيتني .... فأصبحت مسلوب الأمارة نادما(1)
__________
(1) ـ في هامش (نخ): كتب الحجاج بن يوسف إلى يزيد بن المهلب يستقدمه فقال الحصين بن المنذر: لا تفعل فلم يقبل منه فلما شخص عن قومه أبرز الفضل عَنَدَه على خراسان فقال الحصين هذا البيت وبعده:
فما أنا بالباكي عليه صبابة .... وما أنا بالراجي ليرجع سالماً
انتهى.
وذكر في المحصول أن القائل بذلك حباب بن المنذر ليزيد بن المهلب أمير خراسان والعراق. تمت.

وأما اقتضاؤه الوجوب من جهة الشرع، فلقوله سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63]، فتهدد على مخالفة الأمر، وذلك يقتضي الوجوب؛ لأنه سبحانه وتعالى لحكمته لا يتهدد على الإخلال بفعلٍ إلا وذلك الفعل واجب.
ولأن المعلوم من حال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى يومنا هذا الإحتجاج بأوامر الله سبحانه على وجوب مقتضياتها، ولهذا قال أبو بكر بمحضر الجماعة: (لا أفرق بين ما جمع الله بينه) وأقره الجميع على ذلك، ولأنهم كانوا يفزعون إلى ظواهر الأوامر فيقطعون بها شغب المخالف، ويلزمونه إلزام الإيجاب، فلا يقابل ذلك الخصم بأن الأمر لا يقتضي الإيجاب، بل يرجع إلى تخصيص، أو دعوى إجمال، أو نسخ، أو تعارض بظاهر آخر، وهذا هو المعلوم من عادتهم.

مسألة:[الكلام في الأمر إذا ورد بعد الحظر، هل يقتضي الإيجاب أم لا؟]
اختلف أهل العلم المتفقون على أن الأمر يقتضي الإيجاب في وروده بعد الحظر هل يقتضي الإيجاب أم لا؟
فذهب الأكثر إلى أنه إذا ورد بعد الحظر اقتضى الإباحة، وذلك في مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2]، وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10].
وذهب شيوخنا إلى أنه بعد الحظر لا يغير مقتضاه، بل يجب حمله على الإيجاب أيضاً كما كان وهو الذي كان شيخنا رحمه الله يعتمده، وهو الذي نختاره.
وحجة من قال بالأول ما في القرآن من الآي، وما شاكلها.
والكلام عليه: أنا نقول: إنها إنما حملت على الإباحة لدلالة من الإجماع وغيره، فالذي علمنا به وجوب الأمر إذا ورد بعد الحظر العقلي هو الذي علمنا به وجوب الأمر إذا ورد بعد الحظر الشرعي؛ لأن وروده بعد الحظر لا يغير معناه وفائدته.
مسألة:[الكلام في وجوب تقديم الأمر على المأمور به]
مذهبنا أنه يجب تقديم الأمر على المأمور به القدرَ الذي يتمكن المكلف فيه من سماعه والنظر في كيفية التزامه وتأديته ليوقعه على الوجه الذي أمر به.
وقالت النجارية(1): الأمر مع الفعل كالقدرة، وما قبله ليس بأمر، وإنما هو إعلام.
__________
(1) ـ النجارية: إحدى فرق المجبرة منسوبون إلى الحسين بن محمد النجار، وأحدث الحسين النجار مذاهب شنيعة؛ منها: أن أفعال العباد خلق لله كسب للعبد، وأن الاستطاعة مع الفعل، وأحدث القول بالبدل عن الموجود الحاصل لما ألزمه أصحابنا على قوله في الاستطاعة تكليف ما لا يطاق، أنظر: المنية والأمل، جِلاء الأبصار.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنه لا يخرج التكليف عن كونه تكليفاً لما لا يمكن - وذلك لا يجوز على الله سبحانه - إلا بما قلناه، وتقدير أصحابنا رحمهم الله أنه يجب تقديم الأمر على المأمور به لوقت واحد بعيد؛ لأنه يجب على ما بينا تقديمه عليه بأوقات كثيرة تتسع للنظر في الأمر في حصول العلم بعد التجويز وقصد الفعل ليؤديه على وجه المراد.
واختلف أهل مقالتنا هذه: هل يجوز تقديمه عليه بأكثر من الأوقات التي يتمكن فيها من تأديته على ما أمر به أو لا يجوز؟
فذهب البغدادية إلى أنه لا يجوز تقدمه أكثر من الأوقات التي ذكرنا.
وذهب البصريون إلى أنه يجوز بأكثر من ذلك على قدر ما يراه الحكيم سبحانه، وهذا الذي كان شيخنا رحمه الله يختاره وهو الذي نعتمد.
وجه ما قلناه: أنه لا يمتنع أن يكون في ذلك مصلحة للمتعبدين بأن يوطنوا النفوس على احتماله، ويهيئوا الآلات المسهلة لفعله، ويكونوا أقرب إلى التزامه، كما ذلك في الآلة والقدرة.
مسألة:[الكلام في الأمر إذا ورد بأشياء على وجه التخيير]
الأمر إذا ورد بأشياء على وجه التخيير كالكفارات الثلاث مثلاً.
فالمروي عن الفقهاء أن الواجب واحدة لا بعينها، وهي التي يعلم الله تعالى أن المكفر إن كفر لم يكفر إلا بها.
وذهب أبو علي، وأبو هاشم إلى أن كل واحدة منها واجبة على وجه التخيير.
وحكى الشيخ أبو عبدالله عن أبي الحسن رحمهما الله تعالى أنه كان ربما نصر القول الأول، وربما نصر الثاني، وكان شيخنا رحمه الله يذهب إلى أن الكل واجب على التخيير وهو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الذي نختاره.
ويتعين الخلاف بين المذهبين في من حنث في يمينه، ثم حلف ثانياً ما العتق واجب عليه، ثم كفر بالإطعام مثلاً فعندنا يحنث، وعند الفقهاء لا يحنث، وكذلك لو كفر بالعتق والمسألة بحالها حنث عند الجميع، عندنا لأنها إحدى الواجبات عليه؛ وعند الفقهاء لأنه انكشف بفعله له أنه كان الواجب عليه.

والذي يدل على صحة ما قلناه: أنه لو تعبده بواحدة دون غيرها لوجب أن يبين، والثاني أنه لم يبين.
أما أنه سبحانه لو تعبده بواحدة دون غيرها لبين: فلأنه حكيم، والحكيم لا يتعبد بأمر لا يبينه، لأن ذلك يلحق بتكليف ما لا يعلم، وهو قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين.
وأما أنه لم يبين: فذلك ظاهر، وقولهم: إنه لم يبين لعلمه سبحانه أنه لا يَعْدُو الواجب عليه، باطل؛ لأن مثل ذلك لا يحصل مستمراً بالإتفاق(1) من دون العلم، كما أنه لا يجوز من الله سبحانه أن يتعبّدنا بتصديق نبي لا يظهر على يديه علَماً معجزاً لعلمه أنا لا نصدق إلا الصادق الذي يريد تصديقه منا.
وإنما قلنا إن ذلك لا يجوز لأنه يودي إلى تجويز بعثه الأنبياء عَلَيْهم السَّلام من دون المعجزات وذلك ما لم يقل به قائل، لا عالم ولا جاهل، ويصير ما قدمنا جارياً في التمثل مجرى ما نقول إنه يجوز من أحدنا أن يعلم من حال ولده أنه إذا خيره بين سلوك طريقين أو أكثر إلى بيت درسه كان أقرب إلى امتثال أمره من إذا قال له اسلك طريقاً من هذه الطرق الثلاث مثلاً وهي التي أُريدُ سلوكها بين اثنين ولا يبينها له، ولأنه سبحانه خير بينها فلو كان بعضها واجباً، وبعضها نفلاً لما جاز التخيير وذلك ظاهر.
__________
(1) ـ لأن المكلف كما يختار الصواب فقد يختار الخطأ؛ لأنه إنما يختار ما يفعله منها من غير علم، وكل ما كان حاصلاً من دون علم فلا يجوز استمراره على طريقة واحدة؛ لأنه لا يجوز استمرار الصدق في الأخبار الكثيرة عن الغيوب ممن ليس بعالم بمخبراتها، ولا استمرار الفعل المحكم ممن ليس بعالم، تمت مقنع معنى.

مسألة:[الكلام في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟]
ذهب أكثر العلماء إلى أن الأمر بالشيء لا يكون نهياً عن ضده.
وذهب بعض الفقهاء وهو الظاهر من مذهب المجبرة(1) إلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وأحسب أنهم أخذوا هذا القول عن بعض من ينتسب إلى علم الكلام من قوله إن إرادة الشيء لا بد أن تكون كراهة لضده.
والصحيح هو الأول، وهو مذهب أئمتنا عَلَيْهم السَّلام، وشيوخنا رحمهم الله تعالى.
والذي يدل على بطلان ما قالوه: أن صيغة الأمر وشرطه، يجب أن تخالف صيغة النهي وشرطه، فكيف يكونان شيئاً واحداً مع المخالفة هل ذلك إلا كقول من يقول إن الخبر هو الإستخبار، وإن الوعد هو الوعيد، وبطلان هذا القول عند التحقيق يجري مجرى الضرورة، وأقرب ما يتوهم في قولهم أنهم يريدون أنه سبحانه إذا أمر بأمر واجب أن يكره كل ما منع من تأدية ذلك الأمر ويجعلون المانع ضداً، وهذا أيضاً يبطل؛ لأن الضد على هذا الوجه قد يكون مما لا يصح منه النهي، كأن يكون من فعله سبحانه مثل الموت مثلاً إذا عرض لأحدنا بعد خطابه بالواجب الموسع قبل انقضاء وقته الأخير، فبطل ما قالوه من كل وجه من الوجوه، ولأنه لو كان نهياً عن ضده وقد ثبت كونه تعالى أمر بالنوافل لقبح تركها؛ لأنه إذا نهى عن الشيء دل النهي على قبحه وذلك باطل.
__________
(1) ـ قال الإمام يحيى بن المحسن الداعي في المقنع الشافي: (أما المجبرة فقصدوا بذلك تصحيح مذهبهم في الإرادة لأن شيوخنا -رحمهم الله- ألزموهم على قولهم: ((إن الله تعالى مريد لذاته)) أن يكون مريداً لكل ما يصح أن يكون مراداً، كما أنه لما كان عالماً لذاته كان عالماً بكل ما يصح أن يكون معلوماً؛ فكان يجب أن يريد الضدين كما أنه يعلمهما فقالوا -هاربين من هذا الإلزام-: إن إرادة الشيء كراهة لضده، كما أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فبنوا فاسداً على فاسد).

مسألة:[الكلام في الأمر المطلق هل يحمل على الفور أم على التراخي؟]
اختلف أهل العلم في الأمر إذا ورد مطلقاً غير موقت، هل يجب حمله على الفور أم على التراخي؟
فروى شيخنا رحمه الله تعالى عن الهادي(1) عَلَيْه السَّلام إيجابه على الفور(2)
__________
(1) ـ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-، ولد -عَلَيْه السَّلام- بالمدينة المنورة سنة (245هـ)، وهو إمام الأئمة ومؤسس المذهب الزيدي باليمن، خرج إلى اليمن بعد أن علا صيته، واشتهر فضله وقدره، وكان اليمن قد أصابته الفتن والمحن، فاجتمع رؤساء ومشائخ اليمن وذهبوا إليه -عَلَيْه السَّلام- فساعدهم بالخروج إلى اليمن وكانت هذه هي الخرجة الأولى سنة (280هـ) ثم رجع إلى الرس بعد أن شاهد من بعض الجنود أخذ بعض الأموال بغير إذن أهلها فأصاب اليمن الشدة والفتن، ثم ذهبوا إليه مرة ثانية وخرج إليهم بعد أن أكد بالأيمان والمواثيق المغلظة وذلك في سنة (284هـ) فنشر العدل، وأقام الحق، وجاهد الباطنية والقرامطة الأشرار، وله معهم نيف وسبعون وقعة، وله مع بني الحارث أيضاً في نجران نيف وسبعون وقعة أيضاً، وجدد الله به الدين، وأحيا به شرع سيّد المرسلين، وأخمد به نار المفسدين، ورويت فيه آثار جمة، وأخبار عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وأمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- تبشر به، اختصه بخصائص منها: علم الجفر وذو الفقار، وكان شجاعاً مقداماً بطلاً هماماً، أبو الأئمة، أجمع الموالف والمخالف على فضله وورعه وزهده وعلمه، وتوفي -عَلَيْه السَّلام- مسموماً سنة (298هـ) يوم الأحد لعشر بقين من ذي الحجة ودفن يوم الاثنين في جامعه الذي بصعدة وقبره مشهور مزور.
وله الكثير من المؤلفات الجمة منها: الأحكام، والمنتخب، والفنون، والمسترشد، والقياس، ومسائل ابن الحنفية والرازي وغيرها.
(2) ـ وهو مذهب الشيخ أبي الحسن الكرخي وجماعة من أصحاب أبي حنيفة وقوم من الظاهرية. وذكره الشيخ الحسن بن محمد الرصاص في كتابه (الفائق)، ورواية عن الشافعي. تمت مقنع.
وهو المروي عن الناصر والمؤيد بالله والحنابلة وجمهور المالكية وبعض الشافعية كالصيرفي والدقاق والقاضي أبي الطيب والقاضي حسين وغيرهم. تمت شرح غاية.

، وعن السيد أبي طالب قدس الله روحه؛ وحكى أن قاضي القضاة نصره في النهاية، وأن القاضي شمس الدين رضي الله عنه وأرضاه اختاره.
وحكى عن الإمام العالم القاسم بن إبراهيم(1)
__________
(1) ـ الإمام العالم ترجمان الدين نجم آل الرسول: القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-.
مولده -عَلَيْه السَّلام- في حدود (173هـ)، هو الإمام المقدم في أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- المبرز في عصره، وأجمع أهل البيت على تفضيله، واعترف الموالف والمخالف بغزارة علمه، ومعرفته لأصناف العلوم، والرد على جميع الفرق، والمعرفة بمذاهبهم ونقضها وإبطالها، خافته الدولة العباسية خوفاً شديداً لما تعرفه من فضله ونبله، وعاصر من طواغيت الدولة العباسية هارون الغوي؛ فبذل الأموال الجليلة للعثور عليه فلم يتمكن، وكذلك المأمون ودفع الأموال الخطيرة إليه ليكاتبه ويراسله فأبى القاسم -عَلَيْه السَّلام- ذلك، وكذلك المعتصم بعد المأمون جرد لطلبه جيشاً وأنفذ عليهم أميراً.
كان -عَلَيْه السَّلام- داعياً لأخيه محمد بمصر، فلما توفي أخوه، بث دعاته في الآفاق وبايعه خلق كثير، وجاءته البيعة من مكة والمدينة والكوفة، وبايعه أهل الري وقزوين وطبرستان والديلم، وكاتبه أهل العدل من البصرة والأهواز وحضوه على القيام، وبايعه أكثر أهل مصر، وكانت دعوته من مصر فلم تنتظم له الأمور على ما أراد، وكانت له بيعة في دار محمد بن منصور المرادي سنة (220هـ) بايعه فيها أعيان أهل البيت في عصره وهم: أحمد بن عيسى، والحسن بن يحيى، وعبدالله بن موسى، ومحمد بن منصور المرادي، ولم يزل -عَلَيْه السَّلام- ناشراً للدين إلى أن توفاه الله عز وجل سنة (246هـ) وله من العمر ثلاث وسبعون سنة، وقيل: سبع وسبعون، ولعل الأول أصح.
وقبره في الرس بناحية المدينة في أرض اشتراها وسكنها وتوفي بها، وله الكثير من المؤلفات مثل: كتاب الدليل الكبير في التوحيد، والرد على ابن المقفع، والرد على المجبرة، وتأويل العرش والكرسي، والناسخ والمنسوخ، والرد على النصارى وغيرها كثير.

عَلَيْه السَّلام أنه يوجبه على التراخي وأن ذلك مذهب أبي علي وأبي هاشم، وأن قاضي القضاة نصره في العمد وشرحه آخراً، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يختار القول بأنه على التراخي آخراً، وعلله علينا في المذاكرة وهو الذي نختاره.
وجه القول الأول: أن الأمر قد ثبت حمله على الوجوب، والقول بجواز تأخيره على هذا الوجه يلحقه بالنفل، وذلك لا يحوز.
وقول من يقول إنه لا يلحق بالنفل -من حيث أنه يقيم العزم مقامه حتى يبلغه ثانياً بخلاف النفل فإنه لا يحتاج إلى إقامة العزم- قولٌ لا برهان عليه؛ لأنه لا دليل على وجوب العزم المخصوص الذي ذكروه وإنما يجب العزم على وجه الجملة على أداء الواجبات وترك المقبحات.
وجه القول الثاني: أن ذلك لا يؤدي إلى إلحاقه بالنفل من حيث كان للمكلف ترك النفل رأساً، لا إلى وقت يتضيق فيه، وليس كذلك ما نحن فيه؛ لأنا نقول إنما يجوز للمكلف تركه إلى آخر أوقات الإمكان، ثم يضيق عند ذلك بخلاف النفل فبطل ما قالوه.
واعتراضهم على العزم لازم إلا أنا لا نوجبه، ولأنا نقول إن الحكيم لو أراد إيقاعه في وقت دون وقت لبينه، ومعلوم أنه لم يبينه، فثبت أنه يريد إيقاعه في أي وقت كان.
واعتراضهم ذلك بأنه إنما يلزم بيانه لو لم يكن الأمر مفيداً بظاهر التزامه على الفور غير مسلم، وهو موضع النزاع؛ لأنه لو كان معلوماً من ظاهره لوجب أن نعلمه كما علمنا بظاهر الأمر وجوب الإئتمار.
مسألة:[الكلام في الأمر إذا ورد مؤقتاً بوقت]
الأمر إذا ورد من الحكيم سبحانه مؤقتاً بوقت فلا يخلو الحال فيه من ثلاثة أوجه:
إما أن يكون الوقت غير متسع لذلك الفعل، وهذا لا يجوز وروده من الله سبحانه؛ لأنه تكليف ما لا يمكن، وذلك قبيح والله لا يفعل القبيح.
أو يكون الوقت مساوياً للفعل وذلك يجوز وروده من الحكيم سبحانه وتعالى، ولا خلاف في وجوب فعله في ذلك الوقت كالصيام مثلاً.

5 / 41
ع
En
A+
A-