وهكذا حال دعوانا في الإجماع على العمل على خبر الآحاد فإنا وإن لم نعلم بكل خبر على انفراده مما ذكرنا من الأخبار أن الصحابة عملت عليه ورجعت له عن غيره، فقد علمنا على سبيل الجملة أنهم رجعوا إلى أخبار الآحاد وتعرفوا منها قضايا الحوادث وأحكامها، فصح ما ادعيناه في هذه المسألة من ورود التعبد بخبر الواحد من الطرق التي ذكرنا.
مسألة:[الكلام في خبر الواحد متى يعمل عليه]
كان الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى لا يقبل في باب المعاملات والعبادات إلا خبر الإثنين، ولا يقبل في باب الزنا إلا خبر الأربعة، وظاهر هذا القول كما ترى يدل على أنه ألحقه بباب الشهادة، وأحسب أن شيخنا رحمه الله تعالى ذكر لنا ذلك عنه في التدريس.
قال شيخنا رحمه الله تعالى: وكان لا يعمل على خبر الواحد إلا إذا وقع على وجوه:
أحدها: أن يعمل به بعض الصحابة، أو يكون منتشراً فلا ينكر، أو يعضده ظاهر معلوم، أو يؤيده قياس.
واتفق أكثر القائلين بجواز العمل على خبر الآحاد على قبول خبر الواحد وإن لم يروه غيره.
وهذا الذي نختاره، وكان شيخنا رحمه الله يذهب إليه.
والذي يدل على صحته: ما تقدم في المسألة الأولى من عمل الصحابة على خبر الواحد، وإن لم يروه سواه، كخبر عبد الرحمن في قصة المجوس، وحمل بن مالك في دية الجنين إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، وكانوا بين عامل به وراجع إليه ومقر عليه، فكان ذلك إجماعاً، والإجماع حجة على ما يأتي بيانه في باب الإجماع إن شاء الله تعالى.
وحيث ردوا خبر الواحد في بعض الحالات فإنما ردوه لأمر يخص الراوي كما فعله أمير المؤمنين عَلَيْه السَّلام في خبر(1)
__________
(1) ـ خبر معقل بن سنان الأشجعي: هو ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية مسروق عن علقمة، قال: أُتي عبد الله بن مسعود برجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يفرض لها ولم يدخل بها فقال: أقول فيها برأيي، لها صداق نسائها وعليها العدة، ولها الميراث.
فقال معقل بن سنان الأشجعي: قضى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في بروع بنت واشق بما قضيت؛ ففرح بذلك.
أما عند أئمتنا -عَلَيْهم السَّلام- فغير مقبول لما رووا أن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- كان يقول في حديث بروع: لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله وسنة رسوله.
وفي شرح التجريد: قد سقط خبره عندنا بجرح علي -عَلَيْه السَّلام- لأنه قال: لا يقبل قول أعرابي بوال على عقبيه على كتاب الله إلى آخره، ويريد به معقل بن سنان الأشجعي الذي قال لابن مسعود: قضى به رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وأشار أمير المؤمنين بذلك إلى قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة:236].
قال الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام-: وهذا نهاية القدح؛ لأن الوعيد ورد على ترك الاستنزاه من البول. انظر الاعتصام (3/235)، والشافي (1/51).
معقل بن سنان الأشجعي، أو لأمر يخص الخبر كما فعله عمر في حديث(1) فاطمة بنت قيس، وما شاكل ذلك مما ردته(2) الصحابة، وإنما ردوه لقدح في عدالة الراوي، أو علم بسهوه عما روى، أو معارضته لما يعلم من الدين استقرار خلافه، أو غير ذلك من الأسباب.
مسألة:[الكلام في خبر المجهول]
حكى شيخنا رحمه الله تعالى عن الشافعي أن المجهول يُقْبل خبره إذا كان ظاهره الإسلام.
ومذهب أهل التحصيل من الفقهاء والمتكلمين أنه لا يقبل ما لم تعلم عدالته، وهذا الذي نختاره، وكان شيخنا رحمه الله يعتمده.
__________
(1) ـ خبر فاطمة بنت قيس: عن فاطمة بنت قيس أنه طلقها زوجها في عهد النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وكان أنفق عليها نفقة دوناً فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فإن كانت لي نفقة أخذت الذي يصلحني وإن لم يكن لي نفقة لم آخذ منه شيئاً فذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فقال: ((لا نفقة لك ولا سكنى)) هذه إحدى روايات حديث أخرجه مسلم وغيره وزاد في بعض الروايات عن عمر أنه قال في ذلك: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة. انظر كتاب جواهر الأخبار والآثار في هامش البحر الزخار (3/215).
(2) ـ كما رد أبو بكر خبر المغيرة بن شعبة في أن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- (فرض للجدة السدس) والمغيرة كان متهماً في الدين فتح إيمانه بالغدر وختمه بالكفر فلما عضده محمد بن مسلمة قبل خبره. ورد عمر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان حتى وافقه أبو سعيد الخدري.
والذي يدل على صحته ما قدمنا من أن العدالة معتبرة في الراوي، فالجهالة بحاله تمنع من معرفة عدالته فلا يجوز قبول خبره، سيما مع اختلاط أهل النفاق بأهل الإسلام، واجتهاد أهل الكفر في تشويش أمر الدين بكل ممكن، ونحن لا نأمن والحال هذه أن يكون الراوي فاسقاً مموهاً، أو كافراً مدلساً، ومع هذين التجويزين لا يصح قبول خبره.
فأما إن كان مجهولاً كما يزعم أصحاب الحديث أن المجهول من لم يعرف بمخالطة أصحاب الحديث والأخذ عنهم، فخبره عندنا مقبول إذا علمت عدالته وضبطه، كما أنا نقبل خبر من روى عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم وإن لم تكثر مخالطته ومجالسته والأخذ عنه بل إنما لقيه مرة أو مرتين، فروى عنه خبراً أو خبرين.
وكذلك نقبل خبر المختلف في إسمه على ما يأتي بيانه سيما إذا كانت له نسبة تميزه عن غيره كمولى عمرو بن حريث راوي خبر نبيذ التمر، منهم من قال: زيد، ومنهم من قال: أبو زيد، فهذا القدر من الجهالة لا يقدح عندنا في قبول خبره، فإذاً المراد بالجهالة من لا تعلم عدالته.
مسألة:[الكلام في قبول خبر فاسق التأويل]
اختلف أهل العلم في خبر الفاسق من جهة التأويل؛
فحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن الفقهاء بأسرهم، والقاضي، وأبي رشيد أنه يقبل إلا أن يعلم أنه ممن يستجيز الكذب كالخطابية ومن طابقها.
وحكى عن الشيخين أبي علي، وأبي هاشم أنه لا يقبل.
قال رحمه الله تعالى: وكان القاضي يقول مذهب أبي علي، وأبي هاشم أقيس، ومذهب الفقهاء أقرب إلى الأثر، وكان يعتمد الأول، وهو الذي نختاره.
والذي يدل على صحته: إجماع الصحابة على قبوله، وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه.
أما أنهم أجمعوا؛ فذلك معلوم من ظاهر حالهم لمن تصفح أخبارهم، واقتص آثارهم، وذلك أن الفتنة لما وقعت بينهم وتفرقوا وصاروا أحزاباً، وانتهى الأمر بينهم إلى القتل والقتال، كان بعضهم يروي عن بعض بغير مناكرة بينهم في ذلك، بل اعتماد أحدهم على ما يرويه عمن يوافقه، كاعتماده على روايته عمن يخالفه، وذلك ظاهرٌ فيهم كروايتهم عن أبي هريرة(1)، وعن النعمان بن بشير(2)، وغيرهما، وكروايتهم عن أصحاب الجمل وأشدهم عندنا جرماً عائشة، وعن نقلة أصحاب النهروان وغيرهم، وعامل على مقتضى الرواية وساكت عن الإنكار وذلك يفيد معنى الإجماع.
وأما أن إجماعهم حجة، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ـ أبو هريرة الدوسي، اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً، لم يختلف في اسم أحد مثله؛ أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، ضربه عمر بالدرة.
وفي إملاء أبي جعفر النقيب، عن علي -عَلَيْه السَّلام-: لا أجد أحداً أكذب على رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- من هذا الدوسي.
وروي عن عائشة وابن عباس أنهما أنكرا عليه حديث الاستيقاظ، وروى له البخاري حديثاً عنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فلما قيل له: أنت سمعته من رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-؟ قال: لا بل من كيسي.
ووصفه المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- بالغفلة، لحق بمعاوية، ودخل الكوفة وأساء القول في أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-. انظر لوامع الأنوار (ط2- 3/210)، الجداول (خ).
(2) ـ النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي، كان من حزب معاوية بصفين، وغزا بعض نواحي أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-، وولي حمص لمعاوية ثم ليزيد، ثم قتل بحمص سنة أربع وستين. انظر لوامع الأنوار لمولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ط1(ط2- 3/186).
ولأنهم لما افترقوا لم يختلفوا في أن الكذب لا يجوز، بل المعلوم من حالهم التشديد على من فعل ما يعتقدون قبحه، أو كذب في شيء من كلامه، (من ذلك ما يروى أن الخوارج لما نادت قطري بن الفجاءة المازني من خلفه يا دابَّة يا دابَّة فالتفت إليهم وقال: كفرتم فقالوا: بل كفرت لكذبك علينا وتكفيرك إيانا، وما قلنا لك إلا ما قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6]، ثم قالوا له: تبْ من تكفيرك إيّانا، فقال لعبيدة بن هلال: ما ترى؟
قال: إن أقررت بالكفر لم يقبلوا توبتك، ولكن قل إنما استفهمتكم، فقلت: أكفرتم؟ فقالوا: لا ما كفرنا، ثم انصرفوا)، فإذا كان الأمر كما ترى كان قول من يقول من كذب كفر، روايته أولى من رواية من يقول من كذب فسق؛ لأن الإنسان قد يتجاسر على الفسق ولا يتجاسر على الكفر.
وقول من يقول إن من عرف بالكذب في المعاملات لا يقبل خبره، فكيف يقبل خبر من يعرف بالكذب على أكابر الصحابة، وسادات المسلمين من المهاجرين والأنصار وانتقاصهم لا بفسق؟ لأن المعلوم من حالهم أنهم لا يكذبون على أفاضل الصحابة في الرواية عنهم، وإنما يكذبون عليهم في الإعتقاد فيهم، وذلك خارج عن باب الأخبار، وكانوا لا ينقصون إلا من يعتقدون الصواب في انتقاصه ومحاربته.
فأما من علم من حاله استجازة الكذب على آحاد الناس فيما يرويه عنهم فضلاً عن فضلاء الصحابة لم يقبل خبره كما قلنا في الخطابية ومن شاكلهم.
وأما منعنا من قبول خبر الفاسق من جهة التصريح: فلأنا نعلم منه التجاسر على الكذب والإقدام على القبيح، فلا تسكن النفس إلى صدقه فيما يرويه عنهم ولا يغلب على الظن صحة ما يقوله، وليس كذلك الفاسق من جهة التأويل؛ لأنه لا يقدم على ما يعلم كونه قبيحاً، فصح ما قلناه.
مسألة:[الكلام في الغفلة والضبط في الراوي وتفصيل ذلك]
المغفل إذا كان شديد الغفلة والسهو وهما الغالبان عليه، والضبط هو النادر لم يقبل خبره إلا فيما تعلم صحته، وإن كان الغالب عليه الضبط والحفظ، والسهو هو النادر قبل خبره إلا فيما يعلم أنه سها فيه، وإن استوى فيه الأمران الضبط والغفلة والتبس حاله، فقد اختلفوا في ذلك.
فحكى شخينا رحمه الله تعالى قبول خبره عن الشافعية، والقاضي.
وحكى عن الشيخ أبي الحسين البصري أنه لا يقبل، وكان رحمه الله تعالى يحتج لما يذهب إليه.
وحكى عن عيسى بن أبان أنه قال: طريق قبوله الإجتهاد، وهذا الذي يقوى عندنا ونختاره.
وكان شيخنا رحمه الله تعالى يحتج لما ذهب إليه بأن قال: إنه متى استوى ضبطه وغفلته لم يحصل الظن بصحة ما رواه لتعادل الأمرين فيه فلا يقبل حديثه.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن قبول الأخبار ممن ظاهره العدالة واجب على الجملة، فإذا استوى حاله في الضبط والغفلة لم يمكن الإتيان بهذا الواجب إلا بضرب من الإجتهاد، وجب الرجوع إلى الاجتهاد كما في سائر الواجبات.
وما ذكر شيخنا رحمه الله تعالى من استواء الأمرين فيه، فلا يحصل الظن بصدقه، فإنا لا نقول إنه يعمل على خبره فيما استوى فيه العلم والظن لضبطه وغفلته، بل إنما يعمل عليه فيما علمنا أو ظننا أن ضبطه فيه أقوى من غفلته، وهذا معنى قولنا يكون بابه الإجتهاد؛ لأنا لا نجتهد فيما قد قطعنا على صحته أو بطلانه، وإنما نجتهد فيما استوى فيه الأمران حتى يترجح أحدهما على الآخر.
فأما ما ذكره رحمه الله تعالى من أبي هريرة، ومعقل بن سنان، ووابصة بن معبد(1)
__________
(1) ـ وابصة -بكسر الموحدة- ابن معبد الأسدي، أبو شداد، وفد سنة تسع أخرج له حديثه فيمن صلى خلف الصفوف وحده محمد بن منصور وأبو داود والترمذي.
أخرج له: محمد، والمرشد بالله، والأربعة إلا النسائي. عنه: سالم بن أبي الجعد، وهلال بن يساف، وولده عمرو بن وابصة، والشعبي؛ حديث المصلي خلف الصفوف. انظر لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى(ط2- 3/188).
، وابن عمر، ومن شاكلهم فلسنا نقطع على استواء حالهم في ذلك، فيلزم عليه ما أجاب به في أمرهم، وإنما نفرض الكلام فيمن استوى فيه الأمران وعلمنا ذلك منهم أو من غيرهم.
مسألة:[الكلام في قبول الخبر وإن اختلف اسم راويه]
ويقبل الخبر عندنا وإن اختلف في اسم راويه إذا غلب عدالته وضبطه.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن المعتبر في الراوي عدالته وضبطه، فوجب قبول روايته.
أما أن المعتبر في الراوي عدالته وضبطه فقد تقدم فلا وجه لإعادته.
وأما أن العلم بهما يحصل من دون معرفة اسمه؛ فذلك ظاهر لأنهما لا يعلمان إلا بخبرته وتجربته وتعرف أحواله دون البحث عن اسمه والمعرفة به.
ومثال المسألة: اختلافهم في راوي حديث نبيذ التمر عن ابن مسعود، فإن منهم من قال زيد، ومنهم من قال أبو زيد، فأما إذا كان له لقب يعرف به فلا كلام أن اللقب قد يكون أشهر من الإسم، وإنما الكلام فيمن تعرف عدالته وضبطه بالخبرة والمعاشرة، ولا يعرف اسمه بل يقول الراوي عنه: أخبرني من أثق به يرفعه إلى أصله فإنا نجيز قبوله والحال هذه، وليس ذلك بأكثر من الإرسال، وسيأتي الكلام فيه.
مسألة:[الكلام في قبول الرواية إذا أنكرها من رويت عنه]
إذا روى الراوي عن غيره خبراً وأنكر ذلك الغيرُ، أو ذكر به فلم يذكر فإن روايته تقبل عند الشافعية والحنفية وكثير، وحكى شيخنا رحمه الله تعالى أن ذلك اختيار القاضي.
وذهب جماعة من الحنفية إلى أن ذلك لا تقبل روايته، وذلك هو قول أبي الحسن، والشيخ أبو الحسين يذهب إلى القول الأول، وكان شيخنا رحمه الله يعتمده، وهو الذي نختاره.
ومثال المسألة: ما روى ابن جريج(1) عن سليمان بن موسى(2) عن الزهري(3)
__________
(1) ـ ابن جريج: عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، أبو الوليد. قال أحمد: ثَبْت صحيح الحديث، لم يحدث شيئاً إلا أتقنه، وقال أبو زرعة: هو من الأئمة. وقال ابن معين: ثقة إذا روى من الكتاب. توفي سنة خمسين ومائة، أو إحدى وخمسين، أو تسع وأربعين، وقد جاوز المائة. انظر الجداول (خ)، ولوامع الأنوار (ط2- 2/425).
(2) ـ في الأصل: عن مسلم بن موسى عن الزهري، وفي منهاج الوصول: ما رواه ابن جريج عن مسلم بن أبي موسى عن الزهري، وهو على ما أثبتناه في: سنن الدارمي (2/185) رقم (2184)، وسنن الترمذي (3/407) رقم (1102)، وسنن ابن ماجه (1/605) رقم (1879)، ومسند أحمد (6/165) رقم (25365)، وصحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (9/384) رقم (4074)، والمستدرك (2/182) رقم (2706)، ومسند الشافعي (220)، وسنن أبي داود (2/229) رقم (2083).
وهو في هذه كلها بالسند عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري..إلخ.
والموجود أيضاً في كتب الرجال هو سليمان بن موسى أبو أيوب الدمشقي الأشدق، عن عطاء ونافع والقاسم وغيرهم. وعنه: الأوازعي، وابن جريج، وثور بن يزيد، وآخرون. توفي سنة تسع عشرة ومائة. انظر الجداول (خ).
(3) ـ الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة الزهري القرشي، أبو بكر المدني.
قال الإمام المؤيد بالله (ع): هو في غاية السقوط، قال: وقد روي أنه كان أحد حرس خشبة زيد بن علي، وقال له علي بن الحسين في كلام جرى بينهما في معاوية: كذبت يا زهري، ولا زال ملازماً لسلاطين بني أمية ومتزيياً بزي جندهم، وله الطامة الكبرى عند عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: كنت عند رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فقال: إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا؛ فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب.
قال الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- في الشافي: وابن شهاب مائل إلى الدنيا أعان الظلمة من بني أمية على ملكهم بعلمه، وأصاب من دنياهم نصيباً وافراً.
وقال الإمام القاسم بن محمد -عليهما السلام- في الاعتصام (1/185): وفي بعض طرقه الزهري وكان صاحب شرطة بني أمية ولا يختلف الناس أنه كان يأخذ جوائزهم.
وحكى الذهبي أنه قال: نشأت وأنا غلام فاتصلت بعبدالملك بن مروان ثم توفي عبدالملك فلزمت ولده الوليد ثم سليمان ثم عبدالعزيز ثم لزمت هشام بن عبدالملك. انظر: لوامع الأنوار (1/176، 179)، والجداول (خ).
بإسناده عن عائشة أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم قال: ((أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل(1))) قال ابن جريج: فسألت مالكاً فقال: سألت الزهري عنه فأنكره ولم يعرفه.
ومثاله أيضاً: ما روى ربيعة(2) عن سهيل بن أبي صالح(3) عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم ((أنه قضى بالشاهد واليمين)) فذكر ذلك ربيعة لسهيل فأنكره، وكان بعد ذلك يقول: أخبرني ربيعة عني وهو ثقة.
واختيارنا في المسألة ما ذهب إليه شخينا رحمه الله.
والدليل على صحته: أن نسيان الراوي لما رواه جارٍ مجرى نسيان الشاعر لما قاله، والمصنف لما صنفه، والمناظر لما احتج به على الخصم، أو خرج به عن إلزامه، فكما أن نسيان الإنسان لما يروى عنه من هذه الوجوه لا يخرجه عن كونه موجوداً من قِبَله، كذلك لا يخرجه نسيان ما رواه عن كونه من جملة روايته، وهذا إنما يكون في النادر والشاذ، فأما تجويزه على العموم فذلك مما يقدح في كمال العقل، ويجوز للمروي عنه أن يرويه عن الراوي كما ذكرنا عن ربيعة وسهيل.
__________
(1) ـ رواه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد، وأخرجه بألفاظ متقاربة في: مسند أبي يعلى (8/139) رقم (4682)، وسنن الترمذي (3/407) رقم (1102)، وسنن أبي داود (2/229) رقم (2083)، وسنن الدارمي (2/185) رقم (2184)، ومسند أحمد (6/66) رقم (24417)، وصحيح ابن حبان (9/384) رقم (4074)، والمستدرك (2/182) رقم (2706)، وسنن البيهقي الكبرى (7/105) رقم (13377)، وسنن الدارقطني (3/221) رقم (10).
(2) ـ ربيعة بن عبدالرحمن، أبو عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي. توفي سنة ست وثلاثين ومائة. انظر الجداول (خ).
(3) ـ سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان الزيات المدني، وثقه ابن عبدالبر والعجلي، توفي سنة أربع ومائة. انظر الجداول (خ).
قال شيخنا رحمه الله تعالى فإن قال المروي عنه: ما رويت هذا الحديث، جاز أن يكون قال ذلك بحسب ظنه، فلا يرد الخبر لقوله، قال: فإن قال: اعلم أني ما رويته، كان ذلك معارضة لروايته أولاً، وكان تجويزنا أنه قال على ظنه لتحسيننا الظن به مساوياً لتجويزنا في الراوي أن يكون رواه عن غيره ثم أسنده إليه لسهوه وتوهمه أنه رواه فكان ظاهر قوله رحمه الله تعالى يكشف عن أنه كان لا يجيز قبول ما هذا حاله.
فأما نحن فنرى بوجوب قبوله على الحالتين جميعاً؛ لأنا نُجَوِّزُ فيمن يقول: اعلم أني ما رويت هذا الخبر أنه ظن ظناً مقارباً للعلم، أنه لم يروه فخبر عن حاله في ذلك، وهذا لا يخرجه عن روايته، وقول الراوي: اعلم أنك قلته أقرب إلى العمل عليه؛ لأنه خبر عن الإثبات، وقوله: اعلم أني لم أقله خبر عن النفي فيجري مجرى الشهادتين؛ لأن للأخبار شبهاً بالشهادات، وإن كانا يفترقان في بعض الوجوه على ما هو مذكور في فصوله وأبوابه.
مسألة:[الكلام في حكم الزيادة من الراوي العدل]
حكى شيخنا رحمه الله تعالى أن أحد الراويين العدلين إذا انفرد بزيادة أن أهل العلم اختلفوا في ذلك؛
فمنهم من قال: تقبل الزيادة على الإطلاق، وحكاه عن الشيخ أبي عبدالله والحاكم، وهو الذي نختاره.
وحكى عن أصحاب الحديث المنع من ذلك على الإطلاق.
وحكى عن قاضي القضاة أنها مقبولة إذا لم تغير إعراب اللفظ.
وحكى عن الشيخ أبي الحسين البصري أنه كان يذهب إلى أنها مقبولة إذا اختصت بشروط:
منها: أن لا يكثر عدد من لم يروها.
ومنها: ألا تكون مغيرة للفظ المزيد عليه، أو إعرابه، أو إن غيرت وكان راويها أضبط، وكان يعتمد هذا القول ويحتج له بأن الرواة إذا كانوا كثرة وكان المجلس واحداً لم يجز عليهم السهو عن تلك الزيادة على وجه الإتفاق.