باطل أن يكون للتواطؤ، لاستحالة التواطؤ على العدد الكثير في مجرى العادة، وباطل أن يكون لاختيار الكذب بالإتفاق؛ لأن العدد الكثير لا يختارون الكذب في مجرى العادة أيضاً، فلم يبق إلا أنه لعلمهم به، فإذا صح لنا خبرهم عما علموا بهذا الإستدلال، حصل لنا العلم الإستدلالي الذي ذكرنا.
مسألة:[الكلام في أن العلم يحصل بخبر الفساق والكفار]
حكى شيخنا رحمه الله عن أصحابنا أن العلم لمخبر الأخبار يحصل، وإن كان المخبرون فساقاً أو كفاراً.
وقالت الإمامية(1): لا يحصل إلا بخبر الإمام المعصوم.
__________
(1) - الإمامية: سُميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها إلى الإمام وأنه كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسُموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي(ع)، وافترقوا فرقاً كثيرة: كيسانية ومغيرية ومنصورية ومباركية وجعفرية وناووسية وإسماعيلية وشمطية وعمارية ومفضلية وقطعية، وافترقت القطعية فرقاً كثيرة قد انقرض أكثرها، وخرج كثير منهم عن الأمة كالكاملية والسبأيّة والخطابية والرزامية والسمنية، ومن أوضح دليل على إبطال ما يدّعون من النص على اثني عشر اختلافهم عند موت كل إمام في القائم بعده، ومن أكابرهم هشام بن الحكم وغيره، ومما انفردوا به: القول بالبدا، والرجعة، وأن علم الله حادث، وأطبقوا - إلا من عصم الله - على الجبر والتشبيه، انظر: الملل والنحل، جِلاء الأبصار.
وقال أبو الهذيل(1)، ومن قال بقوله: لا بد من عدد فيهم معصوم، وما حكاه شيخنا رحمه الله عن أصحابنا هو الذي نختاره.
والذي يدل على صحته: أن نقل الكفار والفساق لو لم يكن طريقاً إلى العلم لما صح لنا العلم بكثير من الملوك والبلدان، ومعلوم أنه حاصل لنا.
أما أنه لو لم يكن طريقاً إلى العلم لما علمنا كثيراً من الملوك والبلدان، فلأن كثيراً من الملوك والبلدان لم نعلمه إلا بنقل الكفار.
وأما أنه حاصل لنا، فذلك معلوم لنا من أنفسنا، كعلمنا بما نقله إلينا المسلمون من أخبار النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم والبلاد الإسلامية كمكة وبغداد فصح ما قلناه، وثبت أن خبر من قدمنا يكون طريقاً إلى العلم.
مسألة:[الكلام في أنه لا حاجة إلى تعرف أحوال الناقلين إذا حصل لنا العلم]
فإذا حصل العلم كما قدمنا في المسألة الأولى، لم يكن بنا حاجة إلى تعرف أحوال الناقلين كما ذهبت إليه الإمامية وأبو الهذيل وعباد(2)
__________
(1) ـ محمد بن الهذيل بن عبدالله بن مكحول البغدادي أبو الهذيل المعتزلي، من الطبقة السادسة، كان يلقب بالعلاف لأن داره بالبصرة كانت في العلافين، الشيخ المشهور المتكلم، العدلي الجدلي، قال القاضي: ومناظراته مع المجوس والثنوية وغيرهم طويلة ممدودة وكان يقطع الخصم بأول كلام. ذكر أبو الحسين الخياط أنه ولد سنة إحدى وثلاثين ومائة، وذكر المرتضى أنه مات أيام المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين. انظر الجداول (خ)، والمنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.
(2) ـ عبّاد بن سليمان الصيمري المعتزلي، من الطبقة السابعة، وله كتب معروفة وبلغ مبلغاً عظيماً وكان من أصحاب هشام الفوطي، وله كتاب يسمى الأبواب نقضه أبو هاشم. توفي سنة (250هـ)، انظر كتاب المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل.
، في أنه لا يحصل العلم إلا بخبر الإمام، أو خبر جماعة فيهم معصوم، كما ذهب إليه أبو الهذيل وعباد، أو لا بد من جماعة من المؤمنين كما قاله بعضهم.
وإنما قلنا ذلك؛ لأن العلم الذي يحصل عقيب خبر المخبرين لنا حاصل من قبل الله سبحانه لاستحالة أن يكون منهم؛ لأنهم لا يقدرون على إحداث العلم فينا على ما ذلك مقرر في موضعه من أصول الدين، ولا هو من فعلنا؛ لأنه لا يقف على دواعينا واختيارنا، ولا يحصل بحسب قوانا وقدرتنا ودواعينا، وذلك أمارة ما يكون من قبل الله سبحانه، فإذا كان ذلك كذلك وجب علينا اعتبار حال نفوسنا، فإن حصل العلم وجب علينا العمل بمقتضاه، وإن لم يحصل لم يجب شيء من ذلك، ويصير بمثابة ما يعلم بالمشاهدات وبداية العقول، فكما أن الحجة لا تلزمنا إلا بحصول العلم فكذلك في مسألتنا.
مسألة:[الكلام في العدد إذا حصل لنا العلم بخبرهم هل يجب اطراده أم لا؟]
حكى شيخنا رحمه الله تعالى عن أصحابنا القول بأن كل عدد حصل العلم بخبرهم فإنه يجب اطراده، حتى يحصل بخبر كل عدد مثلهم ويستوي في ذلك القليل والكثير، وكان رحمه الله تعالى يذهب إلى ذلك.
وحُكي عن أبي رشيد والصاحب(1): أن ذلك يلزم في العدد الكثير، فأما في القليل فيجوز الإختلاف في ذلك حتى يحصل العلم بخبرخمسة دون خمسة، وهذا الذي نختاره.
__________
(1) ـ إسماعيل بن عباد بن العباس: أبو القاسم الطالقاني، المعروف بالصاحب كافي الكفاة، تولى الوزارة للملك مؤيد الدولة بن بويه، من مشاهير العلماء والأدباء المبرزين، صحب المؤيد بالله وأبا طالب، وله أشعار في العدل والتوحيد، وفي فضائل أمير المؤمنين وأهل بيته -عليهم السلام- مشهورة، معدود في رجال الزيدية، توفي سنة (385هـ).
والذي يدل على صحته: أن هذا العلم حاصل من قبل الله سبحانه، وموقوف على اختياره ولا يمتنع أن يوجده عند قدر من العدد دون ما يساويه لضرب من الحكمة، ولا يوجده عند خبر مثلهم لمصلحة يعلمها، كما يعلم أن الحفظ عقيب الدرس حاصل من قبل الله سبحانه، وقد يحصل بقدر من الدرس لشخص ولا يحصل بمثله لشخص آخر، ويحصل بقدر، ولا يحصل بمثل ذلك القدر في حال أخرى.
وقد استدل شيخنا رحمه الله تعالى على صحة المذهب بأن القدر القليل إذا حصل بخبرهم العلم كان طريقاً إلى العلم ولا يجوز اختلاف الطرق كما نقوله في الكثير.
والكلام على هذا القول ما قدمنا في المسألة من أن الدرس قد يكون طريقاً إلى العلم الضروري الحاصل من قبل الله سبحانه، وقد تختلف الحال فيه بقدر من الدرس دون قدر، ولشخص دون شخص، وفي وقت دون وقت.
وما ذكره من الإستدلال بالكثير فإنه لا يجوز اختلاف الحال فيه، وإنما لم يختلف الحال فيه لضرب من الحكمة ظاهر، وهو أنه لو جاز أن نسمع الأعداد الكثيرة في الأعصار المتوالية ينقلون خبراً يستند إلى العلم ثم لا يحصل العلم لجوزنا سلامة بعض من لا يعتقد نبوة الأنبياء عَلَيْهم السَّلام من العقلاء، ولا يلتزم شرائعهم، بأن نجوز أن الله سبحانه لم يخلق العلم لهم بذلك فيعذرهم لفقده، وفي علمنا أنهم غير معذورين بإجماع الأمة والأئمة عَلَيْهم السَّلام دلالة أن الأمر فيما هذا حاله لا يختلف، وأنه لا يجوز في الحكمة أن لا يوجد العلم لبعض الأشخاص من العقلاء في بعض الأوقات أو الجهات، وجريانه على هذا الوجه يكون حراسة لأعلام النبوة وشرائع الأنبياء، ولا يلزم مثل هذا في العدد القليل، فلهذا جوزنا حصول العلم بخبر عدد دون عدد مثلهم، ولشخص دون شخص، واختلاف الحال فيه، وكما لا يبعد أيضاً استواء الناس في الدرس الكثير وحصول العلم للجميع عنده، وإن اختلفوا في القليل، فكذلك في مسألتنا هذه.
مسألة:[الكلام في خبر الواحد هل يحصل عنده العلم أم لا؟]
اختلف أهل العلم في خبر الواحد هل يحصل عنده العلم أم لا؟
فحكى شيخنا رحمه الله عن أبي إسحاق النظام أن خبر الواحد يوجب العلم، وأحسب أنه ذكر لنا في التدريس أنه قال: إنه يوجب العلم إذا قارنه سبب، وروى ذلك عن الظاهرية، وعن السيد المؤيد بالله عَلَيْه السَّلام، وهو الذي نختاره إيجابه للعلم وإن لم يقارنه سبب.
وروي عن شيوخنا المتكلمين رحمهم الله تعالى أن خبر الواحد لا يوجب العلم، وهو الذي كان يذهب إليه، ويحتج له.
والدليل على صحة المذهب الأول: هو ما قدمنا في المسألة الأولى، وذلك أنه إذا ثبت كونه من فعل الله سبحانه جاز أن يحصل بخبر واحد دون أحد، ولا يمتنع أن يعلم الله سبحانه المصلحة في ذلك، ولا يلزم من ذلك ما ذكر رحمه الله تعالى من أنه كان يجب أن يحصل لنا العلم بصدق أحد المتلاعنين وكذب الآخر؛ لأن ذلك بناء منه على أن كل قدر حصل العلم بخبرهم فإنه يجب اطراده، وقد بينا أن ذلك لا يلزم بما بينا من الدرس الذي أجريناه مجراه.
مسألة:[الكلام في العدد الذي يحصل العلم بخبرهم]
قال شيخنا رحمه الله تعالى: ولا يجوز حصول العلم بخبر أربعة، ويجوز أن يحصل بخبر خمسة عندنا.
ومن الناس من يقول بخبر خمسة وعشرين، ومنهم من اعتبر سبعين، ومنهم من اعتبر ثلاثمائة.
والخلاف في هذه المسألة يبنى على الخلاف في المسألتين الأولتين، فلا وجه لتطويل الكلام به هاهنا.
ومما يؤيد ما قدمنا: ما ذكر رحمه الله تعالى من جواز حصوله بخبر خمسة دون خمسة، فلو كان يحصل بخبر خمسة كما ذكر رحمه الله تعالى لوجب أن نقطع على كل خمسة لم يقع لنا العلم بخبرهم أنهم كذبة، ولوجب أولاً حصول العلم بخبر كل خمسة لما ذكر من وجوب اطراده، ومعلوم لنا اختلاف الحال في ذلك، فثبت أنه موقوف على اختيار الحكيم سبحانه وتعالى في ذلك.
فأما الحاكم فإنما فرض عليه أن يحكم بشهادة من ظاهره العدالة، ولم يجب عليه مراعاة العلم في ذلك، بدلالة أن الحاكم لو شاهد رجلاً يأتي الفاحشة لم يجز له إقامة الحد عليه إلا بأن يقترن إليه من ينفذ بشهادته الحكم، ويعتبر في الشهادة، وكذلك لم يفرض علينا في المتلاعنين مراعاة العلم بأحوالهما، وإنما فرض علينا إقامتهما للعان إذا تكاملت شروطه.
مسألة:[الكلام في جواز ورود التعبد بخبر الواحد]
اختلفوا في جواز ورود التعبد بخبر الواحد؛ فحكى شيخنا رحمه الله تعالى أن جواز ورود التعبد بخبر الواحد قول جمهور العلماء، وحكى الخلاف في ذلك عن طائفة من الإمامية، وطائفة من البغدادية، وقوم من الخوارج(1)، وقالوا إن العقل يمنع من ورود التعبد به.
فالذي يدل على صحة ما ذهب إليه الجمهور: العقل والسمع.
أما العقل: فما نعلمه من أن الواحد منا يستحسن بعقله جلب البضاعة لطلب الربح إذا أخبره بذلك من ظاهره العدالة، وكذلك يتجنب الطريق إذا أخبره من ظاهره العدالة بأن فيها السبع الذي لا سبيل له إلى دفعه، والعدو الغالب، وأن في الطعام سماً مهلكاً، وأن في الشراب دواء نافعاً، وغلب في ظنه صدق من أخبره في أنه يجب عليه تجنب الطريق، واستعمال الدواء، وترك الطعام.
__________
(1) - الخوارج: يُسمون الشراة والحرورية والمحكّمة، ويرضون بذلك، والمارقة للخبر ولا يرضونه، ويجمعهم إكفار علي عليه السلام، وأصول فرقهم خمس: الأزارقة: منسوبون إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، والأباضية: إلى عبدالله بن يحيى بن أباض، والصفرية: إلى زياد الأصفر، والبيهسية: إلى أبي بيهس، والنجدات: إلى نجدة بن عامر، ثم تشعّبوا، وأنشأ مذهبهم عند التحكيم عبدالله بن الكّواء، وعبدالله بن وهب، وفارقا علياً عليه السلام، ومن مصنّفيهم: أبو عبيده وأبو العَيْناء وغيرهما، انظر: الملل والنحل، جلاء الأبصار.
وأما السمع: فما نعلمه من إيجابه سبحانه علينا قطع الأحكام لشهادة شهيدين من رجالنا، أو رجل وامرأتين، وقد لا يحصل بخبرهم العلم، وكذلك شهادة الأربعة فإذا لم يمنع منه العقل وورد به الشرع صح ما قلنا من ورود التعبد.
مسألة:[الكلام في الدليل على ورود التعبد بخبر الواحد]
اختلف أهل العلم القائلون بجواز ورود التعبد بخبر الواحد في أن التعبد به هل ورد أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أن التعبد به قد ورد، ثم اختلفوا؛
فمنهم من قال: أعلم ذلك من جهة العقل وهو أبو العباس بن سريج.
ومنهم من قال: أعلم ذلك بالعقل والشرع، وحكاه شيخنا رحمه الله تعالى عن الشيخ أبي الحسين البصري.
ومنهم من قال: يعلم ذلك بدليل شرعي، وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم وأبي عبدالله وقاضي القضاة والأكثر من الفقهاء، وإن اختلف استدلالهم.
وذهب قوم إلى أن التعبد لم يرد به ثم اختلفوا؛
فمنهم من تجاوز ذلك بأن قال إن التعبد قد ورد بأن لا يعمل به.
وذهب شيخنا رحمه الله تعالى إلى أن التعبد ورد بذلك عقلاً وشرعاً، وهو الذي نختاره.
والذي يدل على صحته: ما قدمنا من أن العقلاء يستحسنون بعقولهم العمل بخبر الواحد إذا غلب على ظنهم صدقه في جلب المنافع ودفع المضار، ومعلوم أن التعبد وضع لهذين الوجهين، وهو جلب منافع الآخرة ودفع مضارها.
ولأنا كما نعلم بعقولنا وجوب تناول الدواء من يد الطبيب على بعض الوجوه، كذلك نعلم بعقولنا وجوب تناوله من يد غلامه إذا قال أنا أنهيه إليكم على يد هذا الغلام، وغلب على ظننا حصول أمانته، وفقد خيانته، في أنه يجب علينا تناوله في الحالين على سواء.
وكذلك إذا قال الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم إذا أخبركم عني من صفته كذا وكذا فاقبلوا خبره واعملوا به، كان ذلك نازلاً منزلة أمره لنا أو نهيه بغير واسطة فإنه يجب على سواء، فصح بهذه الجملة وجوب العمل على خبر الواحد من جهة العقل.
وأما الشرع فدلالته ظاهرة موجودة من الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: ففي قوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله تعالى أمر أن ينفر من كل فرقة طائفة، وأقل الفرقة ثلاثة، وطائفة الثلاثة واحد أو اثنان، فإذا خرج الواحد أو الإثنان للتفقه في الدين ثم رجعا فأنذرا قومهما وجب عليهم الحذر؛ فلولا أن العمل بخبر الآحاد واقع في الكتاب وجوبه لما كان للآية فائدة، وذلك لا يجوز، ولما كان لإنذارهما معنى.
وأما السنة: فما ظهر من بعث النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم مَنْ بعث من السعاة في الآفاق لقبض الزكوات والأعشار، وليعلم الناس معالم الدين كبعثه معاذ بن جبل إلى اليمن وغيره من عماله، فلو كان خبر الواحد لم يرد به التعبد لم يبعث من ذكرنا؛ لأنه عند ذلك يلزمهم ما لم يرد به التعبد وحاشاه من ذلك، وكيف وإنما أخذت الشريعة عنه.
وأما الإجماع: فما ظهر بين الصحابة من غير مناكرة من قبول أخبار الآحاد؛ فإن علياً صلوات الله عليه قال: (كنت إذا سمعت من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، فإذا حدثني عنه غيره حلفته، فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر).
ولما أشكل عليه أمر المذي أمر المقداد بن الأسود(1)
__________
(1) ـ المقداد بن الأسود، نسب إليه لأنه تزوج أمه ونشأ في حجره وتبناه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي، كان من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها ولم يكن يوم بدر فارس غيره.
وفي جامع الترمذي: ((أمرني ربي بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم)) فقيل من هم؟ فقال: ((علي وأبو ذر والمقداد وسلمان)).
ومناقبه كثيرة..إلى قوله أيده الله تعالى: توفي بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين عن سبعين.
..إلى قوله أيده الله تعالى: وفضائله غزيرة ومقاماته مع الوصي -عَلَيْه السَّلام- في إنكار عقدهم يوم السقيفة ويوم الشورى معلومة وهو من أعلام السابقين المخلصين ولايتهم لله تعالى ولرسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- ولوصيه أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-. انظر لوامع الأنوار لمولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى(ط2- 3/183، 185).
رحمه الله تعالى يسأل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم واستحيى عن سؤاله لمكان ابنته، فأخبره بحكمه فقبل منه.
وطلب أبو بكر حكم الجدة، وكان يرى فيه برأيه حتى أخبره المغيرة(1) ومحمد بن مسلمة(2) أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم فرض لها السدس، ورجع عن قضية لخبر رواه له بلال.
وكذلك ما فعل عمر في قضية المجوس ومناشدته للناس في أمرهم فروى له عبد الرحمن بحضرة الجماعة خبر النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم: ((سنّوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نساءهم)) فعمل عليه، وجرى سنة إلى الآن.
وما كان يذهب إليه من التفضيل في دية الأصابع فإنه كان يجعل في الإبهام خمس عشرة، وفي البنصر تسعاً، وفي الخنصر ستاً، وفي الباقيتين في كل واحدة عشراً، فرجع عن ذلك لكتاب عمرو بن حزم.
__________
(1) ـ المغيرة بن شعبة، كان سبب إظهاره الإسلام أنه صحب قوماً فاستغفلهم وهم نيام وقتلهم وأخذ أموالهم وهرب فقدم المدينة وأظهر الإسلام، وكان الرسول -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- لا يرد على أحد إسلامه. وهو الساعي لصرف الأمر عن أهل البيت -عليهم السلام- وختم أيامه بالدعاء إلى بيعة يزيد، وشُهِدَ عليه بالزنا فتلجج الرابع وهو زياد بن أبيه. مات سنة خمسين. انظر لوامع الأنوار لمولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى(3/183).
(2) ـ محمد بن مسلمة، أبو عبدالله الأوسي، شهد بدراً وما بعدها ثم لم ينصر الحق مع ترجيحه جانب أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- ذكر نحو هذا الناصر للحق فيما رواه أبو طالب. توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين. انظر لوامع الأنوار (ط2- 3/177).
وكان لا يورث المرأة من دية زوجها، فورثها لرواية الضحاك بن قيس(1) عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم توريثها.
وكان يهدر الجنين لولا خبر حمل بن مالك أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم (أوجب فيه الغرة عبداً أو أمة).
وكل هذه أخبار آحاد، ولما اختلف الصحابة في وجوب الغسل من التقاء الختانين رجعوا إلى أزواج النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم، وهذه الأخبار، وإن كان كل واحد منها لا يصح فيه دعوى التواتر، فإن مجموعها متواتر على سبيل الجملة، ويكون ذلك بمثابة الإخبار عن سخا حاتم، وشجاعة عنتر، فإنا وإن رويت لنا تفاصيل جودة أحدهما وشجاعة الآخر على وجه لا يصح دعوى التواتر في تفاصيلها، فقد صارت الجملة متواترة، وكذلك وقعات النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم كبدر وغيرها كل ما جرى من حوادثها لا يبلغ حد التواتر، وجملتها ومجموعها متواترة.
__________
(1) ـ تقدم أنه الضحاك بن سفيان الكلابي، وهو الصحيح عند أهل الحديث ذكره في جامع الأصول، وذكره الإمام المهدي في منهاج الوصول والإمام القاسم بن محمد في الإعتصام، وأبو الحسين البصري في المعتمد، والطبري في كتابه شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل وغيرهم.
وقال في الكاشف لذوي العقول: وكذا عملوا أيضاً بخبر الضحاك بن قيس، قيل: وهو الأحنف بن قيس في توريث المرأة من دية زوجها..إلخ.
وقال في هامش شفاء غليل السائل عمّا تحمله الكافل: وقال الإمام الحسن وسعد الدين الضحاك: هو الأحنف بن قيس التميمي أسلم على عهد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- ولم يره كتب إليه النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أن يورث زوجة الضبابي من دية زوجها. انتهى.
ويمكن أنه اختلط على الناسخ وغيره بذكر فاطمة بنت قيس فسبق الذهن إلى أخيها الضحاك بن قيس. والله أعلم انتهى.