وعندنا أن الزيادة لا تخلو إما أن تقع بدليل شرعي أو لا تقع؛ فإن وقعت بدليل شرعي فلا تخلو إما أن تزيل حكماً شرعياً أو لا تزيل، ثم الدليل الشرعي لا يخلو إما أن يكون متصلاً أو غير متصل؛ فإن وقعت الزيادة شرعية بدليل منفصل شرعي وأزالت حكماً شرعياً على شرائط النسخ كانت نسخاً، وإن لم تقع على هذا الوجه لم تكن نسخاً، ثم الواجب تتبع مسائل الزيادة والنظر فيها، فما أزال الحكم الشرعي على ما ذكرناه قُضِيَ بأنه نسخ، وما لم يزله على ذلك الوجه قضي بأنه غير نسخ، وهذا كما ترى مطابق لما اعتمده شيخنا رحمه الله تعالى، إلا أن بينهما فرقاً على مثل ما تقدم في التحديد، وكذلك في تغيير المسائل على حسب اختلاف النظر في المزال أهو شرعي مزال بشرائط أم لا؟ أم هو ـ أعني المزال ـ عقلي أم شرعي؟ فهذا ما اتسع له هذا المكان من الكلام في هذه المسألة على نحو ما شرطنا أولاً من توخي الإيجاز.
مسألة:[الكلام في المنقوص منه هل يكون منسوخاُ لنقصان ما نقص منه أم لا؟]
لا خلاف يظهر بين أهل العلم أن النقصان من العبادة نسخ لما سقط، وإنما اختلفوا في المنقوص منه هل يكون منسوخاً لنقصان ما نقص منه أم لا؟
فحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن أبي عبدالله وأبي الحسن أن ذلك لا يوجب نسخ العبادة، وكان رحمه الله يختاره.
وحكى عن بعضهم أنه نسخ لجميعها.
وحكى عن السيد أبي طالب عَلَيْه السَّلام والقاضي تفصيلاً في المسألة، وهو: أن العبادة إذا كانت جملة كالصلاة مثلاً فَنَسْخ بعضِها يوجبُ نسخ جميعها، وإن كانت أبعاضاً كالزكاة فنسخ بعضها لا يكون نسخاً لها، وإن وقع النقصان في الشروط، فذلك لا يكون نسخاً لها على وجه من الوجوه.
وعندنا أن النقصان إن أزال من العبادات حكماً شرعياً كان ثابتاً للجملة، فلما دخلها النقصان زال ذلك الحكم، فهو نسخ إن كان النقصان وقع بدليل شرعي على ما ذكرنا في حدّ النسخ، وإن لم يزل حكماً شرعياً على ما ذكرنا لم يكن نسخاً.
ثم الواجب على هذا تتبع النصوص المنقوصة فما أزال الحكم الشرعي على الشرائط حكم بأنه نسخ، وما لم يزله على ذلك الوجه لم يقض بأنه نسخ.
وكان رحمه الله يحتج لما قاله واختاره: بأن النقص في جميع الحالات لم يقتض زوال حكم شرعي فلا يوصف بأنه نسخ في الشريعة، وهذا كما ترى موضع الخلاف، فإن من يذهب إلى أنه نسخ يقول أزال حكماً شرعياً لأنا لا نريد بقولنا في الحكم إنه شرعي إلا إذا كان معلوماً أو مظنوناً بدلالة أو أمارة شرعية، فإذا زال حكم العبادة المنقوص منها في الشرع لأجل ما نقص منها كالصلاة مثلاً والحج وصيام اليوم الواحد فعندنا أن النقصان من هذه الجمل يزيل حكماً شرعياً على شرائط النسخ، فيقضى بأنه نسخ وهو كونه مجزياً في الشرع.
مسألة:[الكلام في جواز نسخ الكتاب بالكتاب]
أطبقت الأمة على أن نسخ الكتاب بالكتاب جائز، وحكي عن أبي مسلم(1) خلاف في ذلك(2)، وقوله شاذ محجوج بالإجماع.
ولا دليل على صحة ما وقع عليه الإجماع أظهر من الإجماع، إلا أنا نقول على وجه التأكيد والإستظهار: إن الذي لأجله جاز نسخ شريعة عيسى عَلَيْه السَّلام بشريعة نبينا صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم هو كونها مساوياً لها في باب وجوب الإتباع في القول والعمل لورودهما جميعاً من حكيم عدل لا يجوز خلافه وتعدي أمره، ولا شك في مساواة بعض الكتاب لبعض في وجوب الإتباع فجاز نسخ أحدهما بالآخر.
__________
(1) ـ أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، من علماء المعتزلة، كان من كبار الكُتّاب، عالماً بالتفسير وبغيره من أصناف العلوم، مولده سنة (254)، وله الكثير من المؤلفات منها (جامع التأويل في التفسير) أربعة عشر مجلداً، وتوفي سنة (322هـ).
(2) - فإنه قال: لا يجوز ورود النسخ في شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-. تمت مقنع.
ولأنه سبحانه وتعالى يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106]، فلو كان ما يجوز لما قال، وقد قال، فثبت أنه يجوز.
مسألة:[الكلام في جواز نسخ السنة المعلومة بالسنة المعلومة]
حكى شيخنا رحمه الله تعالى اتفاق الجميع على جواز نسخ السنة المعلومة بالسنة المعلومة.
وجهه: أنهما دليلان شرعيان، وكل دليلين شرعيين يجوز نسخ أحدهما بالآخر كالكتاب بالكتاب.
وحكى أيضاً رحمه الله تعالى اتفاق الجميع على جواز نسخ بعض أخبار الآحاد ببعض.
ووجه ذلك: أيضاً أنها أمارات شرعية مستوية في إيجاب العمل فجاز نسخ بعضها بالبعض كالسنة المعلومة بالسنة المعلومة.
ومثل ذلك مما روي أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم كان يقنت في صلاته بشيء من الدعاء، ثم روي عنه بعد ذلك أنه قال: ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن(1))) فكان هذا الخبر ناسخاً للأول، فلم يجز بعد ذلك القنوت بشيء من الدعاء.
مسألة:[الكلام في جواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة]
اختلفوا في نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، فذهب الشافعي وجماعة من أصحابه فيهم الصيرفي إلى أن ذلك لا يجوز.
وذهب شيوخنا المتكلّمون وأكثر أصحاب أبي حنيفة إلى أن ذلك جائز، وهو الذي نصره الشيخ أبو عبدالله، وحكاه عن أبي الحسين وهو الذي نختاره.
__________
(1) ـ رواه الإمام المؤيد بالله -عَلَيْه السَّلام- في شرح التجريد ضمن حديث طويل، والإمام أحمد بن سليمان -عليهما السلام- في أصول الأحكام، والأمير الحسين في الشفاء.
والدليل على صحته: أن السنة المعلومة تساوي الكتاب في وجوب العلم والعمل، وكلما استوى حالهما في ذلك جاز نسخ أحدهما بالآخر كالكتاب بالكتاب، وكون الكتاب أعلى مرتبة في بعض الأحكام لا يمنع من نسخه بالسنة لأنهما استويا في باب الدلالة، فلا وجه للفرق بينهما، ولأنا نعلم منهما الأحكام المبتداة على سواء فنسخ أحدهما بالآخر جائز.
ومثال المسألة: الوصية للوالدين والأقربين أوجبها الكتاب، ونسخها قول النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم: ((لا وصية لوارث)).
مسألة:[الكلام في جواز نسخ أفعال النبي(ص) بأقواله، ونسخ أقواله بأفعاله، ونسخ الكتاب بأفعاله]
يجوز نسخ أفعال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم بأقواله، ونسخ أقواله بأفعاله، ونسخ الكتاب بأفعاله؛ وهذا التفصيل ذكره شيخنا رحمه الله في كتابه الموسوم (بالفائق) فأوردناه على ما ذكره.
والذي يدل على صحة قوله رحمه الله: أن قوله وفعله دليلان شرعيان، وكل دليلين شرعيين يجوز نسخ أحدهما بالآخر، وكذلك نسخ الكتاب بأفعاله؛ لأن أفعاله من سنته، وقد بينا أن نسخ الكتاب بالسنة جائز فلا وجه للمنع منه.
مسألة:[الكلام في وقوع النسخ بالتقرير]
ويقع النسخ بالتقرير، وحكى شيخنا رحمه الله تعالى الخلاف في ذلك عن أبي عبدالله.
والذي يدل على صحّة المذهب الأول: أن تقرير النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم جارٍ مجرى قوله، وقد تقدمت الدلالة على جواز النسخ بقوله.
أما أن التقرير منه عَلَيْه السَّلام جار مجرى قوله فلأنه عَلَيْه السَّلام إذا قال لأصحابه: صوموا يوم عاشوراء مثلاً ثم رآهم بعد ذلك أو بعضهم يفطرون ذلك اليوم لغير عذر ولم ينههم جرى مجرى قوله: أصبتم، عند من له أدنى تأمل.
وأما أن النسخ بقوله جائز فقد تقدم فلا وجه لإعادته.
مسألة:[الكلام في جواز نسخ السنة بالكتاب]
ذهب شيوخنا المتكلمون و أصحاب أبي حنيفة ومالك(1) إلى أن نسخ السنة بالكتاب جائز، وصرح الشافعي أن ذلك لا يجوز.
وقال: السنة لا ينسخها إلا مثلها، وقد وقع ذلك عند بعض أصحابه لما رأى المسألة تضعف وتلك عادة بعضهم.
والذي يدل على صحة ما اختاره شيوخنا ومن قال بقولهم: أن الكتاب مساوٍ للسنة في باب العلم والعمل، وكلما استوى حالهما في ذلك جاز نسخ أحدهما بالآخر، دليله: الكتاب بالكتاب، والسنة بالسنة، ومما يؤيد ذلك أنه قد وقع، فلو كان لا يجوز لما حسن من الحكيم سبحانه إيقاعه، وذلك ظاهر في مسائل كثيرة:
منها: استقبال القبلة؛ فإنه ثبت بالسنة إلى بيت المقدس ثم نسخ بالكتاب بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}...الآية [البقرة:144]، وكذلك رد من آمن من المشركين إلى أهله ثبت بالسنة في صلح الحديبية ثم نسخ في النساء خاصة في قوله سبحانه: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:10].
مسألة:[الكلام في جواز النسخ بأفعال النبي(ص)]
ذهب شيخنا إلى أن النسخ بأفعال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم لا يقع، وخرجه من كلام قاضي القضاة، حيث قال: إن التعارض في الأفعال لا يصح.
وخرج من قول أبي رشيد رحمه الله إن التعارض في الأفعال يصح، فيلزم من ذلك وقوع النسخ بأفعاله عليه وآله السلام.
واختيارنا أن النسخ بأفعاله صلوات الله عليه يقع.
__________
(1) ـ هو مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي، أبو عبدالله المدني، فقيه دار الهجرة، ولي آل محمد -عليهم السلام-، بايع الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية -عليهما السلام- وأفتى بالخروج معه وكان أحد العدلية ذكره في الشافي، واعتزل جمعة الظلمة وجماعتهم فوق عشرين سنة، وهو صاحب الموطأ. توفي سنة سبع وسبعين ومائة. انظر لوامع الأنوار (ط2- 1/449) والجداول (خ).
والذي يدل على صحة ما قلناه: أن التعارض في الأفعال يصح فإذا صح التعارض جاز النسخ.
أما أن التعارض في الأفعال يصح: فذلك ظاهر عند أهل اللسان العربي، ولهذا قال قائلهم في صفة خلاف من خالفه بالفعل:
أريها السها وتريني القمر
وكذلك إذا ركع الإمام فسجد المأموم قبل، خالفه قولاً ظاهراً، فإذا علمنا من النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم فعل فريضة من الفرائض، أو نوع من أنواع العبادة على وجه مشروط بشرط، ثم رأيناه عَلَيْه السَّلام فعل ما يخالف ذلك الفعل في الصورة مع وجود ذلك الشرط علمنا أن الأول قد نسخ.
ومثاله أن يعلم أن الصلاة فرضت عليه قائماً بشرط الإمكان، ثم نراه يصلي جالساً مع علمنا بتمكنه من القيام؛ فإنا نعلم أن القيام قد نسخ، أو يفرض عليه الصلاة إلى جهة كبيت المقدس مثلاً فنراه يصلي إلى البيت الحرام حرسه الله تعالى؛ فإن هذين الفعلين متعارضين في العرف، ومفهوم أهل اللغة.
وقد ذكر شيخنا رحمه الله أمثلة كثيرة يؤيد فيها أن الأفعال لا يدخلها التعارض وهي لا تلزم على ما ذكرنا لأنا لا نريد بتعارض الأفعال إلا اختلاف الهيئات والصور والحالات عند أهل اللغة، كأن مثلاً نؤمر بالسجود على الجبين، فيأتي آخر يسجد على خده، فإن هذا مخالف لمقتضى الأمر، أو يؤمر بالفعل في وقت فيفعله في وقت آخر، أو على شرط آخر، وأمثال ما ذكرناه كثيرة، وميلنا إلى الإيجاز.
مسألة:[الكلام في عدم جواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة بالآحاد]
لا يجوز نسخ الكتاب والسنة المتواترة عندنا بأخبار الآحاد وخالف في ذلك أصحاب الظاهر.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أن الكتاب والسنة معلومان، وخبر الواحد مظنون، ولا يجوز العدول عن المعلوم الصحة إلى المظنون.
أما أنهما معلومان فذلك ظاهر، وفي المعلوم فرض الكلام، وأما أن خبر الواحد مظنون الصحة فذلك مما لا خلاف فيه وسيأتي شرحه في باب الأخبار إن شاء الله تعالى.
وأما أنه لا يجوز العدول عن المعلوم إلى المظنون، فلأنا تعبدنا بالتحفظ في الأمر من العبادة وغيره، والإستقصاء في حاله حتى يصل إلى العلم أو يقاربه فيما لم نجد إلى العلم به طريقاً، ومن ذلك لم يجز لنا العدول عن النص إلى القياس والإجتهاد؛ فإذا حصل العلم المحض لم يجز العدول عنه إلى الظن، ولأن الصحابة رضي الله عنهم ردت أخبار الآحاد فيما عارضت فيه الكتاب والسنة، فقال عمر في حديث فاطمة بنت قيس لما روت عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم أنه قضى لها بالنفقة دون السكنى، وكانت مبتوتة، فقال: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت)، ولم ينكر عليه أحد من العترة الطاهرة ولا من غيرهم، فكان إجماعاً، والإجماع آكد الأدلة.
مسألة:[الكلام في عدم جواز نسخ القياس بالقياس]
حكى شيخنا رحمه الله تعالى أن نسخ القياس لا يجوز بالإتفاق، ولا يحصل من ذلك إلا إزالة الحكم الثابت بالقياس، فأما إزالة القياس نفسه فذلك لا يصح فضلاً عن جوازه، وكان رحمه الله تعالى يعلل المنع من إزالة القياس: بأنه حكم عقلي، ووجه ما وقع عليه الإتفاق أن نسخ الحكم الثابت بالقياس مع زوال علته على الحد الذي يؤثر فيه لا يجوز، لأنه مناقضة في التعليل وإزالته بزوال علته لا يكون نسخاً للقياس؛ لأن القياس غير العلة على ما يأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى.
مسألة:[الكلام في النسخ بالقياس]
ذهب جمهور العلماء إلى أن النسخ بالقياس لا يجوز، وحكي عن بعض الشافعية خلافه.
والذي يدل على الأول: أن القياس إنما يصح استعماله بشرط عدم النص، فإذا وجد النص لم يصح استعماله فكيف يصح النسخ به؟!
أما أنه لا يستعمل إلا مع عدم النص فذلك ظاهر من أحوال المسلمين ومأثور عن النبي صلى الله عليه وآله، شاهده قوله لمعاذ بن جبل رحمه الله (بم تحكم؟ -لما وجهه إلى أرض اليمن- قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فصوّبه)، بل روي عنه عَلَيْه السَّلام أنه قال: ((الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم(1))) فقدّم اتباع النص على الإجتهاد والرأي، والقياس في الأصل نوع من الإجتهاد، وإن كان عرف العلماء قد فرق بينهما.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يطرحون القياس إذا وجد النص، من ذلك أن عمر بن الخطاب فاضل في الأصابع في الدية إلى أن وقع على كتاب عمرو بن حزم وأن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم فرض في كل واحدة عشراً، ولم يورث المرأة من دية زوجها إلى أن روى له الضحاك بن سفيان(2)
__________
(1) ـ رواه الإمام المؤيد بالله -عَلَيْه السَّلام- في شرح التجريد، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في أصول الأحكام، والأمير الحسين في الشفاء.
وأخرجه أحمد في المسند (5/230) رقم (32060)، وأبو داود في السنن (3/303) رقم (3592)، والبيهقي في سننه الكبرى (10/114) رقم (20126)، وأبو داود الطيالسي في المسند (1/76) رقم (559).
(2) ـ الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب الكلابي، أبو سعيد، ولاه رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- على من أسلم من قومه، وكان من الشجعان الأبطال يعد بمائة فارس، وكان سيافاً لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-.
والخبر الذي رواه الضحاك هو أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- كتب إلى الضحاك بأن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
أخرجه: أبو داود في كتاب الفرائض (3/129) رقم (2927)، والترمذي في الديات (4/27) رقم (1415)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في الديات (2/883) رقم (2642)، ومالك في الموطأ (2/866) رقم (1556)، وأحمد (3/452) رقم (15783)، والطبراني في الكبير (5/276) رقم (5315)، والأوسط (6/108) رقم (8173).
أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم ورثها من الدية، وأهدر الجنين إلى أن روي له خبر حَمَل(1) بن مالك أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم غرمه فيه غرة، فرجع عن قياسه واجتهاده في هذه الحوادث ولم يرو عن أحد خلافه، فجرى مجرى الإجماع، ثبت بما بينا أن النسخ بالقياس لا يجوز.
__________
(1) ـ حَمَل –في القاموس والصحاح: بفتح الحاء المهملة والميم- بن مالك بن النابغة الهذلي، أبو نضلة، قال الإمام المهدي في منهاج الوصول: وحمل بالحاء المهملة المفتوحة، والميم الساكنة.
قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد -عليهما السلام- في الاعتصام: وفيه –أي في شرح علي بن بلال على الأحكام-: أخبرنا السيد أبو العباس -رحمه الله- قال: أنبأنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسحاق، عن عبدالرزاق، عن ابن عيينة، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قام عمر على المنبر قال: أُذكِّر الله امرأً سمع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- كيف قضى في الجنين؟
فقام حمل بن مالك النابغة الهذلي فقال: كنت بين جارتين يعني ضرتين فجرحت أو ضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها وقتلت ما في بطنها ((فقضى رسول الله –صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في الجنين بغرة عبد أو أمة)) فقال عمر: الله أكبر، لو لم أسمعه هذا قضيته بغيره، انتهى
مسألة:[الكلام في عدم جواز نسخ الإجماع والنسخ به]
لا خلاف أن نسخ الإجماع لا يصح، ولا خلاف أن النسخ به لا يجوز، إلا ما يحكى فيه عن عيسى بن أبان أنه جوز وقوع النسخ بالإجماع.
والذي يدل على بطلان ما قاله: أن النسخ إنما يقع لمصلحة، ولا هداية للعباد إلى علم المصالح، فلم يقع النسخ بالإجماع.
أما أن النسخ لا يقع إلا لمصلحة، فقد تقدم الكلام فيه.
وأما أن العباد لا هداية لهم إلى علم مصالح التكليف: فلأنها غيوب ولا يعلم الغيب إلا الله، ولأن الأمة إذا أجمعت على نسخ حكم من الأحكام لم يخل إجماعها من أحد الوجهين: إما أن يكون صدر عن نص، أو عن قياس وإجتهاد.
فإن صدر عن قياس واجتهاد: فقد بينا أن النسخ بالقياس والإجتهاد لا يصح.
وإن صدر عن نص فهو كتاب الله أو سنته فالناسخ هو الكتاب والسنة فلا وجه لإضافة ذلك إلى الإجماع وإنما الإجماع طريق إلى علمنا به فبطل بما بينا ما ذهب إليه ابن أبان وصح ما قلناه.
مسألة:[الكلام في قول الصحابي بالنسخ]
إذا قال الصحابي نسخ كذا بكذا فالظاهر من مذهب العلماء كافة أنه لا يقلد.
وإنما الخلاف في قوله نسخ كذا مطلقاً فحكى شيخنا رحمه الله عن الشيخين أبي الحسين وأبي عبدالله رحمهما الله تعالى أنه يقلد.
واختيارنا الأول والذي يدل على صحته: أن ظاهر قول الصحابي نسخ كذا مذهب له، ومذهب الصحابي ليس بحجة علينا، ولا دلالة لنا فلا يجب اتباعه في ذلك، إلا بعد النظر وتعرف القصد فإن علمنا نسخه بدليل وإلا لم نقطع بغير دلالة.
ومثال المسألة: ما روي عن عبدالله بن مسعود أنه سئل عن الصلوات الطيبات الزاكيات، فقال: (قد كان ذلك ثم نسخ) وكان يقول التحيات التي تروى عنه، وكذلك ما روي ((لا يحرم الرضعة ولا الرضعتان، ولا الإملاجه والإملاجتان)) ثم روى أنه نسخ بما شاكله.