)).[200]
(وبه) قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الذكواني قراءة عليه، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال حدثنا أبو العباس الحمال، قال حدثنا عبد الرزاق بن منصور بن أبان، قال حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي المديني، قال حدثنا أبو معشر المدني الكاهلي، عن نافع، عن ابن عمر.
عن عمر بن الخطاب قال: بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جبل من جبال تهامة، إذ أقبل شيخ في يده عصاً فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: نعمة الجن وعينهم من أنت؟ قال: أنا هامة بن الهيثم بن الأقيس بن إبليس، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما بينك وبين إبليس إلا أبوان؟ قال: نعم، قال: فكم أتى لك من الدهر؟ قال: أفنيت الدنيا عمرها إلا قليلاً، كنت وأنا غلام ابن أعوام أفهم الكلام وأمر بالأكام وآمر بإفساد الطعام وقطع الأرحام، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بئس لعمر الله عمل الشيخ المتوسم الثياب المثلوم(1)، قال: دعني من استعدائك فإني تائب إلى الله عزّ وجلّ. إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، قلت: يا نوح، إني ممن أشرك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عندك من توبة؟ قال: يا هامة، هم بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، فإني قرأت فيما أنزل الله تعالى علي: (ما من عبد تاب إلى الله عزّ وجلّ بالغ ذنبه ما بلغ إلا تاب الله عليه)، قم فتوضأ واسجد لله سجدتين، قال: ففعلت الذي أمرني به من ساعتي، فناداني أن ارفع رأسك فقد نزلت توبتك من السماء، فخررت لله ساجداً.
__________
(1) في الطبقات أي طبقات الزيدية: المتوشم والشاب المتلوم.
وكنت مع هود في مسجده مع من آمن من قومه. فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى على قومه وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته حتى بكى عليهم وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وكلهم يقول أنا على ذلك من النادمين.
وكنت زواراً ليعقوب، وكنت من يوسف بالمكان المبين، وكنت ألقى إلياس في الأودية، وأنا ألقاه [201] الآن. وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة، وقال لي موسى بن عمران: إن لقيت عيسى فأقره مني السلام، وإني لقيت عيسى بن مريم فأقريته من موسى السلام، وقال عيسى: إن لقيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فأقره مني السلام، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عينيه فبكى، ثم قال: وعلى عيسى السلام ما دامت الدنيا وعليك يا هامة السلام بأدائك الأمانة. فقلت: يا نبي الله، افعل بي ما فعل بي موسى بن عمران، إنه علمني من التوراة، قال: فعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقعت الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وقال: يا هامة، إرفع إلينا حاجتك ولا تدع زيارتنا.
قال عمر بن الخطاب: فقبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يلقه ولم ينعه إلينا أحد، فلا أدري أحي هو أم ميت.
(وبه) قال أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال أخبرنا عبد الله بن محمد، قال حدثني خالي أبو عبد الرحمن، قال حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة الثقفي، قال حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأصفهاني، قال حدثنا يحيى بن خالد عمن سمع جوبير عن الضحاك، عن ابن عباس قال: بات الخلائق على ثلاثة أصناف وكذلك هم في الموقف على ثلاثة أصناف، وأصبحت الخلائق على ثلاثة أصناف، والناس ثلاثة والعبيد ثلاثة، وإنما الدنيا ثلاثة أيام، فأما الأصناف الذين باتوا: فصنف باتوا نياماً، وصنف باتوا قياماً يصلون، وصنف السبيل يقطعون ليس لهم همة إلا شيء به يسترون، فأما إن لم تكن من المصلين فإياك أن تكون من السارقين، وأصبحوا على ثلاثة أصناف: صنف من الذنب تائب موطن نفسه على هجران ذنبه أن لا يرجع إلى سيئة، فهذا التائب المبرز، وصنف يذنب ويندم ويذنب ويحزن ويبكي، وهو يشتهي أن يكون تائباً فهذا يرجى له ويخاف عليه، وصنف يذنب ولا يندم ويذنب ولا يتوب، ويذنب ولا يبكي فهذا الخائن البائر.
وكذلك هم في الموقف على ثلاثة أصناف، صنف أخذ بهم إلى الجنة ركباناً، وهم الوفد الذين ذكر الله عزّ وجلّ، وصنف أخذ بهم إلى الجنة مشاة، وصنف من هذه الأمة أخذ بهم إلى النار على وجوههم صماً وبكماً.
والناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب:
فأما الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من صدره على متاع هذه الغرور، فهذا لا يحزن على شيء من هذه الدنيا فاته، ولا يبالي على يسر أصبح أم على عسر، ولا يفرح على شيء من الدنيا أتاه، فهذا المبرز على هذه الأمة.
وأما الصابر: فهو رجل يشتهي الدنيا بقلبه ويتمناها لنفسه، فإذا ظفر بشيء منها ألجم نفسه منها كراهية شأنها وسوء عاقبتها، فلو تطلع على ما في نفسه لعجبت من نزاهته وعفته وصبره وكرمه.
وأما الراغب: فإنه لا يبالي من أين جاءته الدنيا من محرمها لا يبالي ما دنس منها عرضه أو ذهاب مروءته أو جرح دينه أو وضع حسبه، فهم في غرة يضطربون وهم أنتن من أن يذكروا لا يصلح إلا أن يسكن بهم الأسود.
وأما العبيد فثلاثة: فعبد طمع يتعبد لأهل الدنيا يطأ أعقابهم يحلف بحياتهم، ويلتمس فضل ما في أيديهم ليصيب شيئاً من دنياهم، استوجب الذل في الدنيا والعذاب في الآخرة، وعبد أذنب ذنباً لا يدري ما الله صانع به فيه فما أعظم خطره، وعبد رق ينتظر الفرج.
وأما الدنيا فثلاثة أيام: مضى أمس بما فيه فلا ترجوه، وصار اليوم في يديك ينبغي أن تغتنمه، وغد لا تدري من أهله تكون أم لا.
فأما أمس الماضي فحكيم مؤدب، وأما اليوم القادم عليك فصديق مودع، وأما غد فليس في يدك منه شيء إلا أمله، فإن كان أمس الماضي فجعك بنفسك فقد أبقى اليوم في يدك حكمه [202] ينبغي لك أن تعمل به، فقد كان طويل الغيبة عن يومك وهو سريع الرحلة عنك اليوم، وأما غد فليس في يدك منه إلا أمله فخذ الثقة بالعمل ودع الغرور بالأمل.
قال سعيد: هذا الحديث رتبوه ودبروه.
(وبه) قال أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الجرمي المعروف بابن العشائري قراءة عليه بمسجد في شارع دار الرقيق، قال حدثنا أبو الطيب عثمان بن عمرو بن محمد بن المنتاب الدقاق الإمام، قال حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، قال أخبرنا يزيد بن زريع، قال حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: احتجب عبد الله بن عمرو فأرسلنا إليه امرأة، فقالت: ما الذنب الذي لا يغفره الله؟ فقال: ما من ذنب أو قال من عمل يعمله الناس بين السماء والأرض يتوب العبد إلى الله منه قبل أن يموت إلا تاب الله عليه.
(وبه) قال أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني من لفظه في المسجد الحرام بباب الندوة، قال حدثنا عبد السلام بن محمد، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال: سمعت علي بن سلمة بن قتيبة يقول: قال إبراهيم بن الأشعث: كان مبتدأ توبة فضيل بن عياض أنه خرج عشية يريد مقطعة وكان يقطع الطريق، فإذا بقوم حمارة معهم ملح، فسمع بعضهم يقول: مروا مروا لا يفجأنا فضيل فيأخذ ما معنا، فسمع ذلك فضيل فاغتم وتفكر، وقال: تخافني الخلق هذا الخوف العظيم، فتقدم وسلم عليهم وقال لهم وهم لا يعرفونه: تكونون الليلة عندي وأنتم آمنون من الفضيل، فاستبشروا وفرحوا وذهبوا فأنزلهم وخرج يرتاد لهم علفاً، ثم رجع فسمع قارئاً يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فصاح ومزق ثيابه على نفسه، وقال: بلى والله قد آن قد آن، فكان هذا مبتدأ توبته.
الحديث العاشر (في الصلاة وفضل التهجد وما يتصل بذلك)
(وبالإسناد) المتقدم إلى السيد الإمام المرشد بالله رضي الله عنه، قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين بقراءتي عليه، قال حدثنا أبي، قال حدثنا عبد الله بن محمد، قال حدثنا وهب بن بقية، قال حدثنا محمد بن الحسن المدني، عن إسماعيل، عن أبي صالح: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً}[المزمل:6] قال: أقل لتلقنك وأثبت لقراءتك.
(وبه) قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن الحسين الجورذاني المقري بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن شهدل المديني، قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال حدثنا أحمد بن الحسن بن سعيد أبو عبد الله، قال حدثنا أبي، قال حدثنا حصين بن مخارق السلولي أبو جنادة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي عليه السلام: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح:29] قال: من سهر الليل.
(وبه) قال أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي إملاء يوم الجمعة للنصف من شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثني أبو الربيع الزهراني، قال حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن [203] حميد بن عبد الرحمن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أفضل الشهور بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)).
(وبه) قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن ريذة قراءة عليه بأصفهان، قال أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، قال حدثنا بكر بن سهل، قال حدثنا عبد الله بن صالح، قال حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني.
عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم)).
(وبه) قال أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم بن سبنك البجلي، قال أخبرنا أبو الحسن عمر بن الحسن بن علي بن مالك الأشناني، قال حدثنا أبو بكر محمد بن زكريا المروروذي، قال حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي الأعور، قال حدثني موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه.
عن علي عليهم السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض مغازيه فاستخلفني على من بقي من المسلمين، فقال: يا علي، أحسن الخلافة على من استخلفتك عليه، واكتب بخبرهم إليّ، ثم مضى فمكث خمسة عشر يوماً، ثم قدم فسألني عمن استخلفني عليه، فأخبرته بسلامتهم، فقال: يا علي، احفظ مني خصلتين، قلت: فأخبرني بهما يا رسول الله؟ قال: ((أكثر الصلاة بالسحر، والاستغفار بالمغرب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والاستغفار لأصحابي، واعلم أن السحر والمغرب شاهدان من شهود الله على خلقه)).
(وبه) قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب، قال حدثنا محمد بن مرزوق بن بكير، قال حدثنا يحيى بن سعد العبشمي من بني سعد بن تميم، قال حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي.
عن أبي ذر قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد جالس فاغتنمت خلوته، فقال: يا أبا ذر، للمسجد تحيته، قلت: وما تحيته يا رسول الله؟ قال: ركعتان تركعهما، ثم التفت إليه فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟ قال: خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء استكثر، قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيل الله، قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاً، قلت: فأي المؤمنين أفضل؟ قال: مسلم الناس من لسانه ويده، قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء، قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر، قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل إلى فقير في سر، قلت: فما الصوم؟ قال: فرض مجزي وعند الله أضعاف كثيرة، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها. قلت: وأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه، قلت: فأي آية أنزلها الله عليك أفضل؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة، قلت: يا رسول الله كم النبيون؟ قال: مائة ألف وعشرون نبياً، قلت: كم المرسلون من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير، قلت: من كان أول الأنبياء؟ قال: آدم، قلت: وكان من الأنبياء مرسلاً؟ [204] قال: نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، ثم قال: يا أبا ذر، أربعة من الأنبياء سريانيون: آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أول من خط بالقلم، ونوح صلى الله عليه. وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيكم صلى الله عليهم، فأول الأنبياء آدم وآخرهم محمد، وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وبينهما ألف نبي.
قلت: يا نبي الله، كم أنزل الله من كتاب؟
قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة سريانية، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟
قال: كانت أمثالاً كلها، أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك إلى الدنيا لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر. وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه ويتفكر فيما صنع الله فيها إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات واستجمام للقلوب وتقريعاً لها. وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، فإن من حسب كلامه من عمله، أقل من الكلام فيما لا يعنيه. وعلى العاقل أن يكون طالعاً طالباً لثلاث: مؤنة لمعاش، وتزوداً لمعاد، وتلذذاً في غير محرم.
قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟
قال: كانت عبراً كلها، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، ولمن أيقن بالنار كيف يضحك، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، ولمن أيقن بالقدر ثم ينصب، ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل.
قلت: يا رسول الله هل في الدنيا مما أنزل الله عليك مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام؟
قال: نعم يا أبا ذر، اقرأ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:14،15] إلى آخر السورة.
قلت: يا رسول الله أوصني.
قال: أوصيك بتقوى الله فإنه زين لأمرك كله، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيراً، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلوب، ويذهب بنور الوجه، قلت: زدني، قال: عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشياطين، وعون لك على أمر دنياك، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مراً، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: لتحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك، ولا تحد عليهم فيما تأتي.
ثم قال: كفى بالمرء غياً أن يكون فيه ثلاث خصال: يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويستحي لهم مما هو فيه، ويؤذي جليسه فيما لا يعنيه، ثم قال: يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
(وبه) قال أخبرنا محمد، قال أخبرنا عبد الله، قال حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، قال حدثنا جبارة بن المغلس، قال حدثنا شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان.
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)).
(وبه) قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر بن محمد بن جعفر السلماسي البيع بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح السمسار المعروف بالحرفي قراءة عليه وأنا أسمع، قال حدثنا أبو سعيد عبد الله بن الحسن الحراني، قال حدثنا يحيى بن عبد الله، قال حدثنا الأوزاعي، عن [205] يحيى بن كثير، عن أبي سلمة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)).
(وبه) قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الذكواني، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال حدثنا إبراهيم -يعني ابن محمد بن الحسن بن أبي الحسن الإمام، قال حدثنا أبو عمر الإمام، قال حدثنا مخلد بن يزيد، قال حدثنا سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة.