عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه: لا تبكوا هذا الصبي -يعني حسيناً عليه السلام، قال: وكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل عليه السلام فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الداخل، وقال لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل علي، فجاء الحسين عليه السلام، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في البيت أراد أن يدخل، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتبكيه، فلما اشتد في البكاء خلت عنه، فدخل حتى جلس في حجر رسول [186] الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقتلونه وهم يؤمنون بي؟ قال: نعم يقتلونه، فناوله جبريل عليه السلام تربة فقال: بمكان كذا وكذا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتضن حسيناً كاسف البال مهموماً، فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه، فقالت: يا نبي الله جعلت لك الفداء، إنك قلت لنا لا تبكوا هذا الصبي، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك، فجاء فخليت عنه، فلم يرد عليها، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال لهم: ((إن أمتي يقتلون هذا، وفي القوم أبو بكر وعمر، وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم؛ وهذه تربته)) وأراهم إياها.
(وبه) قال أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، قال حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي، قال حدثنا نعيم بن حماد، قال حدثنا ابن المبارك، عن مسعد، عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، أن الأشعث بن قيس دخل على ابن مسعود وهو يأكل في يوم عاشوراء فقال: إنما هو يوم كنا نصومه، وأراه قال قبل رمضان.
(وبه) قال أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأرجي بقراءتي عليه، قال حدثنا ابن عمر بن شاهين، وأحمد بن شاذان، وعبيد الله بن جتابة، قالوا حدثنا ابن منيع، قال حدثنا علي بن الجعد، قال حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي قتادة، وليث عن مجاهد، عن أبي الخليل.
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صوم يوم عاشوراء كفارة سنة)).
(وبه) قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن سبط أبي محمد عبد الله بن محمد بن مندويه المحدث بقراءتي عليه من أصله في سكة الجوربيين بأصفهان، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال حدثنا أحمد بن إبراهيم، قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن البراء، قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه قال: خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام يوم الجمعة، وأدخل الجنة يوم الجمعة، وأخرج منها يوم الجمعة، وأنزلت الكعبة يوم عاشوراء، وتاب الله على آدم يوم عاشوراء، وعلى قوم يونس، وفيه خلق آدم، وفيه فلق البحر لبني إسرائيل، وتقوم الساعة يوم الجمعة، وبعث الله موسى إلى فرعون يوم الجمعة، ويزور أهل الجنة ربهم يوم الجمعة، ونادى من جانب الطور الأيمن يوم الجمعة، وأخرج يوسف من السجن يوم الجمعة، واستوت على الجودي يوم الجمعة، والتقم الحوت يونس يوم الإثنين لأربع من شوال، وأخرج يوم الجمعة من بطن الحوت لأربع عشرة مضت من ذي القعدة، وولد موسى بن عمران يوم الإثنين يوم عاشوراء، وكان طوله سبعة أذرع وذلك الذراع خمسة أشبار، وولد عيسى بن مريم يوم عاشوراء يوم الأحد.
(وبه) قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد العلاف بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثني أبي، قال حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال حدثنا قرة قال: سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبوا علياً ولا أهل هذا البيت، إن جاراً لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا إلى هذا الفاسق بن الفاسق إن الله قتله -يعني الحسين بن علي عليهما السلام، فرماه الله عزّ وجلّ بكوكبين في عينيه فطمس الله عزّ وجلّ بصره. [187]
(وبه) قال أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي بن الكوفي صاحب الكناني المقري، قال أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم الكناني، قال حدثنا القاضي المحاملي، قال حدثنا أخو كرجويه، قال أخبرنا محمد بن مصعب، قال حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار.
عن أم الفضل أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت في النوم حلماً منكراً، قال: فما هو؟ قالت: أصلحك الله إنه شديد، قال: وما هو؟ قالت: كأن بضعة من جسدك قطعت فوضعت في حجري، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك، قالت: فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام وكان في حجرها، قالت: فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذه فوضعه في حجره فبال عليه فذهبت أتناوله، فقال: دعي ابني فإن ابني ليس بنجس، ثم دعا بماء فصبه عليه، قالت: فحانت مني التفاتة فإذا عيناه تذرفان، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما لك؟ قال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي يقتلون ابني هذا، قال: قلت: هذا؟ قال: هذا، وأراني تربة حمراء.
(وبه) قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال حدثنا عبيد بن محمد الزيات الكوفي، قال حدثنا عباد بن يعقوب، قال حدثنا موزع بن سويد عن قطنة بن العلاء، قال: كنا في قرية قريباً من قبر الحسين عليه السلام، فقلنا ما بقي ممن أعان على قتل الحسين إلا قد أصابته بلية، فقال رجل أنا والله ممن أعان على قتله ما أصابني شيء، فسوى السراج فأخذت النار في إصبعه فأدخلها في فيه وخرج هارباً إلى الفرات فطرح نفسه في الماء فجعل يرتمس والنار فوق رأسه، فإذا خرج أخذته النار حتى مات.
قال السيد كذا في كتابي يرتمس بالراء، وأظنه أراد يغتمس والغين ملتبسة بالراء في لغة أهل العراق.
(وبه) قال أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي، قال حدثنا أبو محمد الديباجي، قال حدثنا أبو محمد لحية بن عبد الرحيم بن عصمة بن عبد الرحيم التنوخي، قال حدثنا أبو القاسم يحيى بن القاسم المصري بمصر، قال حدثنا عباد بن عيسى الهمداني الكوفي بالكوفة، قال أخبرنا مروان بن ضرار، عن بشر بن غالب الأسدي وإليه تنسب جبانة بشر بالكوفة، قال: حججت سنة فأتيت علي بن الحسين عليهما السلام زائراً ومسلماً، فقال لي: يا بشر، أيكم حرملة الكاهلي؟ قلت: ذاك أحد بني موقد، قال: أوقد الله عليه النار وقطع يديه ورجليه عاجلاً غير آجل، فإنه رمى صبياً من صبياننا بسهم فذبحه.
قال بشر: فخرج المختار بن أبي عبيد وأنا بالكوفة فإني لجالس على باب داري إذ أقبل المختار في جماعة كثيرة فسلم عليَّ، فقلت: أين يريد الأمير؟ فقال: هاهنا قريباً وأعود، فقلت لغلامي: أسرج، فركبت واتبعته فإذا هو واقف في الكناس وهي محلة بني أسد -وقد ثنى رجله على معرفة فرسه، فما لبث أن أطلع قوم معهم حرملة بن كاهل الأسدي في عنقه حبل وهو مكتوف اليدين إلى ورائه، فقال المختار: قطعوا يديه ورجليه، فوالله ما تم الأمر بذلك حتى قطعوا يديه ورجليه وهو واقف، ثم أمر بنفط وقصب، فصب عليه النفط وألقي عليه القصب وطرح فيه النار فأحرق، فقلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال: يا بشر، أنكرت فعلي بحرملة هذا أنسيت فعله بآل علي وموقفه فيهم يوم الحسين وقد رمى طفلاً للحسين وهو في حجره بسهم؟ فقلت: والله أيها الأمير ما أنكرت ذلك وإن هذا قليل في جنب ما أعد الله له من عذاب الآخرة الإثم الدائم، ولكني أحدث الأمير بشيء ذكرته يسره ويثبت قلبه ويقوي عزمه، قال: وما هو يا مبارك؟ قلت: حججت [188] سنة فأتيت علي بن الحسين زائراً ومسلماً عليه، فسألني عن حرملة بن كاهل هذا، فقلت: هو أحد بني موقد النار، فقال: قطع الله يديه ورجليه وأوقد عليه النار عاجلاً غير آجل. قال: فخر المختار ساجداً على قربوس سرجه وكاد أن يطير من السرج فرحاً وسروراً وقال: الحمد لله بشرك الله يا بشر بخير. فلما انصرفنا وصار إلى باب داري قلت: إن رأى الأمير أن يكرمني بنزوله عندي ويشرفني بأكله طعامي؟ فقال: سبحان الله وله الحمد، تحدثني بما حدثتني به عن علي بن الحسين عليهما السلام وتسألني الغداء، لا والله يا بشر ما هذا يوم أكل وشرب، هذا يوم صوم وذكر.
(وبه) قال أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، قال حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد الطبري قراءة عليه، قال حدثنا ابن دريد، قال حدثنا العكلي عن أبيه قال: ذكر ابن داب، قال ذكر عوانة عن الشعبي أن عبد الله بن عباس دخل المسجد وقد سار الحسين بن علي عليه السلام إلى العراق فإذا هو بعبد الله بن الزبير في جماعة من قريش وقد استعلاهم بالكلام، فجاء ابن عباس حتى ضرب بيده على عضد ابن الزبير، فقال: أصبحت والله كما قال الأول:
يالك من قنبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
خلت والله يابن الزبير الحجاز من الحسين بن علي، فأقبلت تهدر في جوانبها، فغضب ابن الزبير وقال: والله يابن عباس إنك لترى أنك أحق بهذا الأمر مني، فقال ابن عباس: يابن الزبير إنما يرى من كان في شك وأنا من ذلك على يقين.
قال ابن الزبير: بأي شيء استحق عندك أنكم أحق بهذا الشأن مني؟
فقال ابن عباس: لأنا أحق بحق من تدلى بحقه، وبأي شيء أستحق عندك أنك أحق بهذا من سائر العرب، وقد سقط شيء من الأصل إلا بنا.
قال ابن الزبير: أستحق عندي أني أحق بها منهم لشرفي عليهم قديماً وحديثاً لا ينكرون ذلك.
قال ابن عباس: فأنت أشرف أو من شرفت به؟
فقال ابن الزبير: من شرفت به زادني شرفاً إلى شرف قد كان قديماً.
قال ابن عباس: يابن الزبير فالزيادة أشرف أم المزيد عليه فالزيادة مني أو منك؟ فأطرق ثم قال: منك ولم أبعد.
قال: صدقت يابن الزبير.
قال ابن الزبير: دعني من لسانك يابن عباس هذا الذي تقلبه كيف شئت، والله لا تحبونا يا بني هاشم أبداً.
فقال ابن عباس: صدقت نحن أهل بيت مع الله لا نحب من أبغضه الله أبداً، وكان مع ابن الزبير ابن أخيه فنازع ابن عباس، فأخذ ابن الزبير نعله فعلا بها رأس ابن أخيه وقال: ما أنت والكلام لا أم لك ألابن عباس تنازع؟
فقال ابن عباس: لم يستحق الضرب من صدق وإنما يستحقه من مرق ومزق.
فقال ابن الزبير: يابن عباس أما ينبغي أن تصفح عن كلمة كأنك أعدت لها جواباً.
فقال ابن عباس: إنما الصفح عمن أقر، وأما عمن هر فلا.
فقال ابن الزبير: فأين الفضل؟
فقال ابن عباس: عندنا أهل البيت لا نصرفه عن أهله ولا نضعه في غيرهم.
فقال ابن الزبير: أولست من أهله؟
قال: بلى إن نبذت الجسد ولزمت الجدد، ثم تفرقا.
(وبه) قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة بقراءتي عليه، قال أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد، قال حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، قال حدثنا أبو علي الكراني، قال وحدثني أبو حاتم، قال حدثني الأصمعي، قال: قلت لشيخ من أهل المدينة من يقول هذا:
عين بكي بعبرة وعويل
واندبي إن ندبت آل الرسول [189]
ستة كلهم لصلب علي
قد أبيدوا وستة لعقيل
(وبه) قال أخبرنا أبو بكر بن ريذة، قال أخبرنا الطبراني، قال حدثنا محمد بن عبيد الله الحضرمي، قال حدثنا يوسف بن مسلم، قال حدثنا علي بن هارون، قال حدثنا مسلم بن خالد، عن زياد بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي يزيد.
عن ابن عباس قال: ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً لتحري فضله على سائر الأيام إلا يوم عاشوراء.
(وبه) قال حدثنا أبو القاسم التنوخي إملاء، قال حدثنا أبو الحسين محمد بن النضر النحاس الموصلي، قال حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى.
(ح) وحدثنا القاضي، قال وحدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلول التنوخي، قال حدثنا ابن أبي غيلان، قالا حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال حدثنا عبد الجبار بن الورد، قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: سمعت عبيد الله بن أبي زياد قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)).
(وبه) قال أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي بن محمد بن عثمان السواق البندار ابن أخي شيخنا أبي منصور السواق بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو الفضل أحمد بن ملاعب بن حيان، قال حدثنا أحمد بن غياث، قال أخبرنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبيد الله القسري، عن عمار الذهبي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: حدثني بمقتل الحسين بن علي عليهما السلام حتى كأني حضرته، قال: مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة، فأرسل إلى الحسين بن علي عليهما السلام ليأخذ بيعته، فقال له: أخرني ورفق به فأخره فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة أن قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فأقدم علينا، وكان نعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة، قال: فبعث الحسين بن علي عليهما السلام إلى مسلم بن عقيل ابن عمه فقال: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ، فإن كان حقاً خرجت إليهم. فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين فمرا به في البرية فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين، فكتب مسلم إلى الحسين بن علي عليهما السلام يستعفيه، فكتب إليه الحسين: أن أمض إلى الكوفة، فخرج حتى قدمها فنزل على رجل من أهلها يقال له عوسجة، فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دنوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفاً، فقام رجل ممن يهوى يزيد إلى النعمان، فقال له: إنك لضعيف أو مضعف قد فسد البلاد، فقال له النعمان: لأن أكون ضعيفاً في طاعة الله عزّ وجلّ أحب إليّ مما أكون قوياً في معصية الله، وما كنت لأهتك ستراً ستره الله عزّ وجلّ، فكتب بقوله إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له سرحون -قد كان يستشيره- فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلاً من معاوية لو كان حياً؟ قال: نعم، قال: فاقبل مني، إنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولها إياه، وكان يزيد عليه ساخطاً، وكان قد هم بعزله وكان على البصرة، فكتب إليه يرضاه وأنه قد ولاه الكوفة مع البصرة، وكتب إليه أن يطلب مسلم
بن عقيل فيقتله إن وجده، فأقبل عبيد الله في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر على مجلس من مجالسهم فيسل عليهم إلا أن قالوا: وعليك السلام يابن بنت رسول الله، وهم يظنون أنه الحسين بن علي عليهما السلام، حتى نزل بالقصر، فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، فقال له: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة، فأعلمه أنك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال فادفعه إليه ليقوى، فخرج إليه فلم يزل يتلطف ويرفق حتى دخل على شيخ يلي البيعة، فلقيه فأخبره الخبر، فقال له الشيخ: لقد سرني لقاؤك إياي، ولقد ساءني، فأما ما سرني من ذلك فما هداك الله عزّ وجلّ له، وأما ما ساءني [190] فإن أمرنا لم يستحكم بعد، فأدخله على مسلم فأخذ منه المال وبايعه، ورجع إلى عبيد الله فأخبره، وتحول مسلم حين قدم عبيد الله من الدار التي كان فيها إلى منزل هاني بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين بن علي عليهما السلام يخبره ببيعة اثني عشر ألفاً من أهل الكوفة ويأمره بالقدوم.
قال: وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة: ما بال هاني بن عروة لم يأتني فيمن أتاني، قال: فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم، فأتوه وهو على باب داره، فقالوا له: إن الأمير قد ذكر استبطاءك فانطلق إليه، فلم يزالوا به حتى ركب معهم، فدخل على عبيد الله وعنده شريح القاضي، فلما نظر إليه قال لشريح: أتتك بخائن رجلاه، فلما سلم عليه قال له: يا هانئ، أين مسلم؟ قال: لا أدري، فأمر عبيد الله صاحب الدراهم فخرج إليه، فلما رآه قطع به، قال: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ، قال ائتني به، فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، قال: أدنوه إليّ، فأدني فضربه بالقضيب فشجه على حاجبه، وأهوى هانئ إلى سيف شرطي ليسله فدفع عن ذلك وقال له: قد أحل الله دمك، فأمر به فحبس في جانب القصر، وخرج الخبر إلى مذحج فإذا على باب القصر جلبة أي أصوات سمعها عبيد الله بن زياد، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مذحج، فقال لشريح: أخرج إليهم فأعلمهم أني إنما حبسته لأسائله، وبعث عيناً عليه من مواليه يسمع ما يقول، فمر شريح بهانئ، فقال هانئ: يا شريح اتق الله فإنه قاتلي، فخرج شريح حتى قام على باب القصر، فقال: لا بأس عليه إنما حبسه الأمير ليسأله، فقالوا: صدق ليس على صاحبكم بأس، فتفرقوا، وأتى مسلما الخبر، فنادى بشعاره فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، فقدم مقدمة وهيأ ميمنة وميسرة وسار في القلب إلى عبيد الله، وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فلما سار إليه مسلم فانتهى إلى باب القصر أشرفوا عليه من فوقه على عشائرهم، فجعلوا يكلمونهم ويردونهم، فجعلوا أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمسمائة، فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضاً، فلما رأى مسلم أنه قد بقي وحده تردد في الطرق، فأتى باباً فنزل عليه فخرجت إليه امرأة، فقال لها: اسقيني ماء، فسقته ثم مكثت ما شاء الله، ثم خرجت فإذا هو على الباب،