[الفائدة الإحدى والعشرون والمائة: حكم من أعان على خصومة]
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع )) وأخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله )) ولأبي داود، وابن حبان في صحيحه مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير تردى في بئر، فهو ينزع منها بذنبه، ومعناه أنه وقع في الإثم وهلك كما يهلك هذا البعير؛ لأنه لا يتخلص بنزعه بذنبه.
وفي حديث أخرجه الطبراني: ((وأيما رجل شد غضباً على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه ، وحرص على سخطه، وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة)) ومعنى شد غضباً أنه أعان مخاصماً قد غضب.
وللطبراني أيضاً: ((ومن أعان على خصومة لا يعلم أحق أو باطل فهو في سخط الله حتى ينزع )).
وفي حديث أخرجه الطبراني، والأصبهاني: ((من أعان ظالماً بباطل ليدحض به حقاً، فقد برئ من ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم )).

[الفائدة الثانية والعشرون والمائة: حكم تعارض البينتين]
وإذا تعارض البينتان وأمكن استعمالهما معاً لزم، نحو أن يدعي أن فلانًا أقر، أو أوصى له، أو وهب له كذا وهو عاقل، ويقيم البينة على ذلك، ويقول: هو أو الوارث، بل فعله وهو زائل العقل، ويبين على ذلك، وتكون البينتان مضافتين إلى وقتين أو مطلقتين أو أطلقت إحداهما، والأخرى مؤقتة ففي هذه الصورة يستعملان معاً؛ حملاً على السلامة، ويحمل على أنه وقع عقدان أحدهما مع العقل دون الآخر فيحكم بالصحة عملاً، بالواقع مع ثبوت العقل تقدم أو تأخر.
فأما إذا أضافتا إلى وقت واحد، أو تصادق الخصمان على أنه لم يتفق إلا إقرار، أو عقد واحد، فهنا لم يمكن استعمالهما معاً، بل يتكاذبان ويبطلان معاً؛ لأن تعارضهما على وجه يعلم كذب إحداهما، وحينئذٍ يرجع إلى الأصل المعروف من حاله، فإن كان هو الجنون أو هو الغالب عليه بقي الحق لمالكه، وإن كان أصله العقل أو هو الغائب عليه أو استويا أو التبس حكم بالصحة؛ لأن العقد إذ احتمل وجهين يصح في أحدهما حمل على الصحة، وهو الانتقال عن الجنون إلى الصحة.
d: وعلى هذا التفصيل يقال في تعارض البينتين في البيع: فيلزم الاستعمال إن أمكن، وتتكاذب البينتان إن لم يمكن إلا أنه مع التكاذيب يثبت التحالف بينهما؛ إذ قد صارا كما لو لم يبينا فيحلف كل منهما على النفي أنه ما شرى كذا أو ما باع كذا، وبعد التخالف يبطل العقد بالتراضي، أو بفسخ الحاكم عند التشاجر.

[الفائدة الثالثة والعشرون والمائة: وجوب قبض المعجل قبل وقته]
ويجب قبض كل مُعَجَّلٍ مساو أو زائد في الصفة؛ لإلزام عمر امرأة كاتبت عبدًا قبول تعجيل العبد قبل النجوم المضروبة، ولما امتنعت أخذه عمر وتركه في بيت المال، ولم ينكره أحد، ولأنه لا ضرر على صاحب الحق فيه فأشبه ما إذا أعطاه أجود، وفي فعل عمر دليل على أن صاحب الدين إذ امتنع من قبضه ناب عنه الإمام والحاكم، وقد ذكر نحوه في شرح البحر.
d: له ترك القبض لخوف ضرر أو غرامة.

[الفائدة الرابعة والعشرون والمائة: وجوب رد الدين إلى موضع القبض]
ويجب رد الدين اللازم بالعقد سواء كان مؤجلاً أو حالاً إلى موضع العقد.
فائدة: الذي يجب رده في الموضع الذي قبض فيه القرض والرهن، والعارية والرقبة المؤجرة، والحق المعجل والمؤجل، إن ساوى أو زاد في الصفة بأن أمكن قبضه وأمن عليه، فإن لم يقبله مع التخلية ناب عنه الإمام والحاكم، فإن لم يوجدا فظاهر المذهب أنه يبرأ من هو عليه بالتخلية.

[الفائدة الخامسة والعشرون والمائة: حكم رد الوديعة إلى زوجة المالك ونحوه]
وللوديع رد الوديعة إلى زوجة المالك وغلامه، وولده إذ يدهم يده، إذا جرت العادة بالرد إليهم، ولو قال: لا تسلمها إلا إلى يدي فسلمها إلى من جرت العادة بالرد إليه برئ، ولا حكم لنهيه، كما لو قال: ضعها في الطريق أو في زاوية البيت.

[الفائدة السادسة والعشرون والمائة: حكم رد المغصوب إلى موضع الغصب]
ويجب رد المغصوب إلى موضع الغصب وإن بعد عن المجلس، أو كان في حمله مؤنة؛ لوجوب رده، كما أخذه، وهذا من صفاته، فإن كان غائباً عن موضع القبض فالحاكم ينوب عنه.

[الفائدة السابعة والعشرون والمائة: حكم جواز حبس العين المستأجرة حتى يستوفي الأجير]
وللأجير حبس العين التي استأجر على العمل فيها حتى يستوفي أجرته، وكذا البائع قبل التسليم والمشتري فاسداً إذ فسخ، وقد سلم الثمن، وكل فسخ بعد تسليم الثمن فإن الحكم واحد.

[الفائدة الثامنة والعشرون والمائة: في أن أول ما يقضى فيه يوم الدماء]
وأول ما يقضى فيه يوم القيامة الدماء؛ لحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )) وفيه دليل على عظم ذنب القتل؛ لأن الابتداء لا يكون إلا بالأهم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله وشطر الكلمة أن يقول: أق)) من أقتل، وفيه وعيد شديد للقاتل؛ لأنه إذا كان شطر الكلمة موجباً للإياس من رحمة الله، فكيف بمن أراق دم المسلم ظلماً وعدواناً بغير حجة نيرة، والأحاديث في الباب كثيرة، حتى روي أنها لا تقبل لقاتل المسلم ظلماً توبة.

[الفائدة التاسعة والعشرون والمائة: بيان إذا حمل السيل تراب أرض رجل إلى أرض غيره]
إذا حمل السيل تراب أرض لرجل إلى أرض غيره فعلى مالكه رفعه بما لا يجحف، فإن لم يكن فهو عذر، وإذا رفعه لم يجب عليه تسوية الأرض إذا تولد نقص من التراب إلا لعرف، ولا يجب عليه أجرة وقوفه في الأرض؛ لأنه بغير فعل منه إلا أن يكون بسبب متعد فيه، أو بعد المطالبة بالرفع فلم يرفع.

[الفائدة الثلاثون والمائة: وعلى مطلق البهيمة ونحوها ما جنت]
وعلى مطلق البهيمة ونحوها، كالماء والمدفع والبندق والسفينة والسبع ماجنت فوراً من غير تراخ إذ هو كالمهيج لها.
d: والمراد بالفور هو: الذي لم يتخلل فيه وقوف سواء سارت المعتاد أم زائداً عليه؛ لأنه أثر فعله فإن تخلل عقيب الشعور بالإطلاق، أو في أثناء السير وقوف لم يضمن ما جنت إذ فعلت باختيارها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((جرح العجماء جبار )) أي منجبر لا ضمان فيه إلا أن يكون ذلك الحيوان عقوراً ضمن، ولو تراخت بعد الإرسال؛ إذ إطلاقها تفريط في الحفظ، والتفريط في حفظ العقور موجب للضمان؛ لقضاء علي عليه السلام بالضمان في بقرة قتلت حماراً، وحمل على العقور جمعاً بينه وبين قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((جرح العجماء جبار )).

23 / 28
ع
En
A+
A-