[الفائدة الثالثة عشرة والمائة: ليس للمستعير التأجير للعين المستعارة]
ولكون المستعير لم يملك المنفعة، وإنما ملك الانتفاع بإباحة المنفعة لم يكن تأجيرها إجماعاً في غير المضمنة؛ لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، وهو منهي عنه.
(الهدوية والجمهور): وكذا المضمنة؛ إذ التضمين لا يوجب ملك المنفعة بدليل جواز الرجوع فيها بالإجماع.
فإن قيل: بل هي تمليك المنفعة دليله عارية الدراهم، فإنها تمليك، قيل: عارية الدراهم تصير قرضاً لتعذر الانتفاع بها مع بقائها.
قالت الهدوية: وليس للمستعير أن يعير العارية؛ لأنها إباحة للمنافع فقط، وليست بتمليك لها، وهو الذي جنح إليه (م بالله)، إلا أنه قال في شرح التجريد: لأنها هبة المنافع، وعليه فتجوز إعارتها عنده، وفيه نظر؛ لأنها لو كانت هبة لجاز تأجيرها، وهو ممنوع كما مر.
(ي): أما إذا أجاز المعير رأي المستعير فيها كان له أن يعيرها غيره إجماعاً، لتفويضه.
(المهدي): ومن أجاز إعارتها لم يجز إلا بمثل ما استعارها له.

[الفائدة الرابعة عشرة والمائة: في من إذن لغيره بحفر بئر أو نحوه ثم رجع عن الأذن]
قال الإمام عز الدين بن الحسن عليه السلام: من أذن لغيره بحفر بئر أو مدفن أو ماجل في أرضه، ثم رجع عن الإذن، فله حكم العارية لا حكم التمليك؛ إذ ليس من التمليك في شيء، ولا حكم الغصب إذ لا تعدي ا هـ.
وقد نص أهل المذهب على صحة عارية العرصة لحفر بئر أو نحوها؛ إذ العين باقية، والعارية إنما تناولت المنفعة، فتصح الإعارة كما لو أجرها لذلك، فإن رجع المالك في المطلقة أو قبل انقضاء الوقت في المؤقتة سلم الغرامة إن لم يكن من المستعير بناء، وإلا خير بين أن يطلب من المعير قيمة البناء قائماً ليس له حق البقاء وبين قلع بنائه، ولا شيء له، ولا تلزمه تسوية الأرض؛ إذ الإذن له بالبناء أسقاط لما تولد عنه، وحكم العارية للغرس حكم البناء، وإنما يثبت للمستعير الخياران في البناء والغرس إن لم يشترط المعير القلع عند رجوعه، وإذا رجع في عارية العرصة للحفر فيها، فلا يلزم المستعير لهم ما حفر لما مر من أن الإذن بالبناء إسقاط لما تولد عنه فكذا هنا.

[الفائدة الخامسة عشرة والمائة: في جواز أخذ متولي الوقف أجرة مثله]
الظاهر على المذهب أن متولي الوقف يستحق أجرة المثل، سواء كانت أقل مما فرض له أو أكثر؛ لأنها إجارة فاسدة، لجهالة العمل والمدة والأجرة واللازم في الفاسدة، إنما هو أجرة المثل، وقد ذكروا نحو هذا في العامل على الزكاة.

[الفائدة السادسة عشرة والمائة: في حكم أموال المسجد إذا دمرت]
وإذا دمرت أموال المسجد فطلب أهل الأموال التي تحتها إصلاحها وبيعها منهم، دفعاً للضرر عن أموالهم لم يكن للمتولي بيعها منهم بل يصلحها من مال المسجد فإن كان المسجد معسراً، فلأهل الأمول إصلاحها إجماعاً، كما في العلو والسفل ليتمكنوا من حقهم ولا يحتاجون إلى إذن الحاكم؛ إذ ولايتهم أخص ولهم أن يحبسوا مال المسجد أو يكروها أو يستعملوها بقدر غرامتهم فيها، إذ هم أخص. ا هـ.

[الفائدة السابعة عشرة والمائة: في عدم جواز تحويل آلات المسجد]
المذهب أنها لا تحول آلات المسجد وأوقافه إلى غيره؛ لمصيره في قفر ما بقي قراره لبقاء حرمته، وذهب القاسم بن إبراهيم، والإمام يحيى وغيرهما إلى جواز ذلك؛ لأن تعلق القربة بالعرصة مشروط بدوام نفعها، وملاحظة لما هو الظاهر من قصد الواقف المصلحة، ولنقل الصحابة مسجد الكوفة إلى جنب بيت المال لما سرق وغير ذلك من الأدلة.

[الفائدة الثامنة عشرة والمائة: في حكم الوديعة والضمان]
ومن خشي على ماله والودائع من الحريق أو الغرق أو أيهما في بيت أو سفينة أو غيرهما، ثم اشتغل بإخراج ماله دون الودائع، أو بعض الودائع دون بعض، لم يضمن ما تلف إلا حيث تمكن من إخراج الجميع؛ إذ لا يجب أن يجعل ماله وقاية لمال غيره، والقول للوديع في تلف الوديعة مع يمينه؛ لأنه أمين، وإن لم يبين سبب التلف ما لم يكن مستأجراً على الحفظ أو ادعى أنه ذبحها لمرض أو نحوه، فالبينة عليه.

[الفائدة التاسعة عشرة والمائة: في تعجيل كفارة الخطأ بعد الجرح قبل الموت]
(الهدوية): وتعجيل كفارة الخطأ بعد الجرح قبل الموت جائز؛ لأن الجرح سبب، والموت شرط في وجوبها، والأحكام تتعلق بالأسباب دون الشروط، وتتعدد على الجماعة اتفاقاً؛ لأنها حق الله تعالى بخلاف الدية فهي واحدة؛ لأنها حق الآدمي في مقابلة النفس وهي واحدة.

[الفائدة العشرون والمائة: عدم جواز إخراج الكفارة قبل الحنث]
الذي عليه أكثر أهل البيت عليهم السلام أنه لا يجزي التكفير لليمين قبل الحنث؛ إذ السبب الموجب للكفارة هو مجموع اليمين والحنث، فالحنث جزء من السبب؛ لأن مجموعها مناسب، وما تعلق وجوبه بسبب واحد لم يجز تقديمه عليه كالصلاة قبل وقتها، والوجه في كون الحنث جزءاً من السبب هو كون اليمين مؤثرة في الكفارة لا تتحقق إلا به، وقد نبه الله على ذلك، بقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ...}[المائدة: 89]الآية إذا التقدير إذا حنثتم فكفارته.
قال في الثمرات: فالحنث مقدر بإجماع المفسرين، وقال في قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }[المائدة: 89]أي عن الحنث؛ لئلا تجب الكفارة، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير ، ثم ليكفر عن يمينه))، وثم للترتيب، وعليه تحمل رواية: ((فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه)).
وقال الإمام شرف الدين والإمام الحسن بن يحيى القاسمي وولده فخر الإسلام: بل يجوز التعجيل قبل الحنث إن كان خيراً؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير)) وفي رواية ((فليكفر ثم ليأت الذي هو خير)) فدل على أن اليمين هي السبب، وأن الحنث شرط كالحول في الزكاة، ومن جهة النظر أن السبب الباعث هو الباعث على الحكم، ولا شك أن الباعث على الحكم وهو وجوب الكفارة، هو اليمين، ولهذا لا يجزي التكفير قبلها بالإجماع.

قيل: وقد ذهب إلى جواز تقديمها على الحنث أربعة عشر صحابياً، وجماعة من التابعين، وبه قال جماهير علماء الإسلام.
فإن قيل: الحديث يدل على وجوب تقديم الكفارة على الحنث، فما الذي صرفه؟
قيل: الخبر المتقدم، فإنه يدل على جواز التأخير والإجماع على عدم وجوب تقديمها على الحنث، بل قالوا: يستحب تأخيرها عنه، ولعله للإحتياط، والخروج من موضع الخلاف، وهاهنا قول ثالث مروي عن الناصر، وهو أن إتيان الذي هو خير هو الكفارة، ويدل عليه ما رواه محمد بن منصور قال: حدثني عبد الله بن موسى، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، قال: ((من حلف على شيء ثم رأى غيره خيراً منه فليأته فإنه كفارته )) رواه في العلوم. وهذا سند صحيح؛ لأنه من طريق العترة الطاهرة، وفي معناه ما رواه بعض المحدثين من حديث عمرو بن شعيب مرفوعاً، ((ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها)).
وفي حديث عن أبي هريرة يرفعه: ((فليأت الذي هو خير فإنه كفارته)) وقد ضعف بعض المحدثين الروايتين، لكنه يشهد لهما خبر العلوم، وما في بعض روايات مسلم، لحديث عدي بن حاتم، ولفظه: ((ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه)) وظاهره أنه يتركها، ولا كفارة عليه وإلا لبينها.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس موقوفاً: ((من حلف على ملك يمين ليضر به فكفارته تركه ومع الكفارة حسنة ))، وفيه إشارة إلى أن الكفارة مستحبة، ويشهد لذلك كله ظاهر قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا...} [البقرة: 224]الآية.
والنهي، كما في الثمرات يدل على فساد المنهي عنه فتسقط الكفارة.
قال: وقد يجمع بين الخبرين بأن الأمر بالتكفير مستحب، وعدم الأمر بالكفارة؛ لكونها مستحبة، ثم ترجح وجوبها لكثرة الأخبار المقتضية لذلك.
قلت: ويمكن أن يقال الأخبار تدل على وجوبها إلا فيما كان خيراً، وفي هذا جمع بين الأخبار، وقد بين في الآية الخير الذي تسقط به الكفارة.
وفي الثمرات عن الناصر: أنه إذا كان أقرب إلى الله فلا كفارة للخبر السابق، وعليه فيكون الخير المسقط للكفارة أمراً مخصوصاً، وهو ما كان فيه قربة لا مطلق الخير المتناول للمباح، والمنافع الدنيوية المحضة.

22 / 28
ع
En
A+
A-