[الفائدة الخامسة والمائة: ولا تلحق الإجازة من دون عقد إلا القسمة]
لا تلحق الإجازة من غير عقد إلا القسمة، والرجعة وقضاء الدين وإجازة الإجارة في البيع والقرض، وإجازة الغير وإجازة أحد الشريكين حيث استنفق أحدهما أكثر من الآخر، وإجازة الوراث بما أوصى به الميت، وإجازة قبض المبيع وإجازة السيد عتق مكاتبه وإن لم يكن عقد، والصدقة وإجازة إبطال خيار الرؤية، وفائدة إجازة قضاء الدين الرجوع على المديون، وأما في غير هذه فالإجازة لا تلحق إلا العقود.
قال النجري: وقد علم أن الإجازة مختصة بالعقود للارتباط، يعني بالإيجاب والقبول وتمامها علة مؤثرة، فلا تلحق العقد الفاسد ولا شيئاً من الإنشاءات غيرها كالنذر والطلاق والعتق والبراء غير المعقودة، ونحوها، إلا ما كان من توابع العقد وتتميمه كالزيادة في الثمن أو المبيع، أو الأجل والنقصان منها، وكذا تسمية المهر أو الزيادة والنقص منه، ولا تلحق شيئاً من الأفعال إلا ما كان نائباً عن العقد أو من توابعه كقبض الثمن، المبيع والموهوب، وقبض الهدية، والقرض ونحو ذلك.
[الفائدة السادسة والمائة: حكم الإجازة]
ولما كانت الإجازة تقريراً وقعت بكل ما أفاد التقرير من فعل أو قول نحو طلب الثمن أو المبيع أو قبضه، أو التصرف فيه من جهة من بيع عنه أو اشتري له.
d: ولكونها تقريراً علم أنها أمر ثبوتي لا إسقاط حق، ولذلك اختصت بالعقود، وأما إجازة الورثة وصية الميت، وإجازة الغرماء وصية المحجور، وإجازة المرتهن تصرف الراهن، فإنما هو إسقاط حق مجرد، ومثله إجازة الولي تصرف الصبي المميز في ماله، والسيد نكاح عبده؛ لاهليتهما لذلك، والإجازة إسقاط حق، ولهذا تقع بالسكوت.
d: ويصح تعليق كل من نوعي الإجازة بشرط مستقبل، أما الثاني: فكسائر الإسقاطات نحو الطلاق والبراء، وأما الأول: فلأن في التقرير معنى التزام أحكام العقد السابق، فيصح تعليقه كسائر الالتزامات كالنذر ونحوه.
[الفائدة السابعة والمائة: ما يثبت لأهل القرى]
قال في المعيار: ويثبت لأهل القرى حق فيما حولها من المرافق القريبة كحريمها ومجمع بهائمها، وملعب صبيانها، والبعيدة لمحتطبها ومراعيها، وأصباب أمواهها، والأرض التي يتعلق بها الحق في هذه كلها باقية على الإباحة، ويجوز استعمالها ما لم يؤدِّ إلى نقصان ذلك الحق السابق.
[الفائدة الثامنة والمائة: حكم العُرف]
قال العلماء: العرف طريق شرعية، وأصل من الأصول، وقد كثر اعتباره والاعتماد عليه حتى في نقل الأملاك.
قال النجري: وهو مقدم على اليد، وذلك كثبوت اليد على الحق في مسيل أو استطراق، حيث جرى العرف بالتوسع فيه بالإباحة فالعرف مقدم على اليد.
[الفائدة التاسعة والمائة: إذا أراد أحد الشركاء الانتفاع بقدر نصيبه وبعضهم غائب]
إذا كان الشيء مشتركاً بين جماعة وفيهم غائب، وأراد الحاضر أن ينتفع بقدر نصيبه، فإنه يجوز له الانتفاع بقدره، أو يترك قدر نصيب شريكه، وهذا فيما يمكن الانتفاع ببعضه ويترك بعضه نحو الدار والأرض، وحيث لا يمكن الانتفاع فما كان مقصوداً في نفسه كالحيوان، والسلعة فلا يجوز أن ينتفع بها في وقت، ويتركها في آخر على وجه المهايأة إلا بإذن شريكه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيبة من نفسه أو بحكم الحاكم)) لأنه له النظر في المصالح، وما كان المقصود به غيره كالطريق المشتركة والمساقي المشتركة، فلكل من الشركاء أن يستطرق الطريق، وأن يجري الماء في المسقى إلى ملكه متى شاء، سواء حضر شركاؤه أم غابوا لعادة المسلمين بذلك.
[الفائدة العاشرة والمائة: في أحكام القسمة]
والقسمة إن عم نفعها المشتركين بأن يصير إلى كل واحد ما ينتفع به أجبر من امتنع منها؛ إذ شرعت لدفع الضرر وإن عم ضررها، لم يجبر الممتنع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ونهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال، ولا يمنعوا إن فعلوا إذ الحق لهم، ولا رجوع بعد الفعل كالشفيع ترك شفعته، فإن ضرت البعض كمن له تسع منزل صغير، وطلبها المنتفع أجيب وإن ضرت غيره.
فإن قيل: في القسمة تعطيل لمنفعة شريكه وفيه ضرر عليه.
قلنا: هي معطلة على كل حال إذ الغرض عدم انتفاعه بنصيبه، وأيضاً هي كاستقضاء الدين من المديون مع تضرره، وفي ترك القسمة إضرار بالمنتفع بمنعه من أخذ حقه، والانتفاع به مع تمكنه منه، وذلك لا يجوز وإن طلبها غير المنتفع لم يجبر الآخر؛ إذ هو سفه وتبذير هذا في قسمته عيناً بالتقطيع ونحوه.
[الفائدة الإحدى عشرة والمائة: فيما يقسم بالمهايأة]
ويهايأ ما تضره القسمة كالحيوان الواحد والسيف والسفينة والسيارة والمنزل الصغير وما أشبه ذلك.
واحتج القاضي زيد على وجوب هذه القسمة، بقوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ }[الشعراء: 155] ولأن المهايأة هي قسمة المنافع، والمنافع تدخلها الإباحة والمعاوضة، فوجب أن تصح قسمتها كالأعيان، وقال: إن كل شيء لاتتأتى فيه القسمة أو كانت تضره كبيت صغير لا ينتفع به إذا قسم، فإنه لا يقسم وإن طلبه بعض الشركاء؛ لوجوب تحري المصلحة والمنفعة، وإزالة الضرر في القسمة؛ لأن موضوعها لدفع الضرر، فلا يجوز وقوعها على وجه يقتضي الضرر، فلم يبق إلا أن القسمة في ذلك بالمهايأة لا غير.
d: والمقسوم بالمهايأة إن تماثلت منافعه جنساً وصفة، فتقديرها بالزمان كالمساومة والمشاهرة، كثور للحرث في أراض مستوية، أو حانوت لعطارين، وإن اختلفت جنساً كناقة بين محمل، وساق للماء وبيت بين حداد وخياط، أو صفة كثوب بين عصار وعطار، وثور بين عامل في رخوة، وعامل في أرض صلبة، فتقديرها بالقيمة كما في قسمة الأعيان المختلفة، والقيمة هنا أجرة المثل، فإذا كان الحرث مثلاً في أرض صلبة أجرة مثله في اليوم ثلاثة دراهم، وفي أرض رخوة في اليوم درهم، فيكون لصاحب الصلبة يوم، ولصاحب الرخوة ثلاثة أيام ليستوفي كل منهما نصيبه من المنفعة.
قال في شرح البحر: وهذا بخلاف ما لو كان أحدهما يستوفي العمل في نوبته، والآخر يستعمل في بعض نوبته، ويترك في بعضها أو في كلها؛ فإنه لا شيء له؛ لأن هذا قد تمكن من الاستيفاء في نوبته.
d: وتكون المهايأة بينهم على حسب رضاهم من قلة الأيام وكثرتها ونحوه؛ إذ ما طابت به النفس جاز، فإن تشاجروا عملوا برأي الحاكم لما مر من أن موضوع القسمة للنفع ودفع الضرر، والحاكم منصوب لمصالح المسلمين ودفع مضارهم.
قال الصعيتري: فينظر ما الذي تندفع به المضرة، والغبن والتظالم، ويقع به التساوي.
[الفائدة الثانية عشرة والمائة: ما يشترط في الإجبار على قسمة المهايأة]
يؤخذ من كلام أئمة المذهب وتعليلاتهم: أنه يشترط في الإجبار على قسمة المهايأة أن تكون على وجه يتمكن كل من المشتركين من استيفاء نصيبه من المنفعة في نوبته؛ لتصريحهم بأن القسمة شرعت لدفع الضرر، وأنه يجب فيها تحري المصلحة والمنفعة، ومصير النصيب إلى المالك أو نائبه وإلا بطلت، وقالوا: إذا اختلفت المنفعة فيما يقسم بالمهايأة جنساً أو صفة قدرت المهايأة بالقيمة؛ ليستوفي كل منهم نصيبه من المنفعة، ومع الاختلاف يرجع إلى الحاكم لينظر ما الذي يقع به التساوي، ويدفع به الغبن والتظالم.
فهذه نصوص تقتضي أنه لا يجوز الإجبار على المهايأة إلا إذا كان يتمكن كل من الشركاء من استيفاء نصيبه من المنفعة ونوبته، وإلا تركت القسمة وامتنعت، فعلى هذا إذا كان أحد الشركاء لا يتمكن من الانتفاع بنصيبه في نوبته أو يتمكن لكن بانضمام ذلك إلى غيره، لم يجير الممتنع؛ لأنهم شرطوا في وجوب إجابة المنتفع أن يكون نفعه بقدر حصته على انفرادها، لا بضمها إلى ملكه.
إذا عرفت هذا فلو كانت الشركة في رحى بعضهم يشارك في حجريها وبعضهم ليس له شركة إلا في واحدة، فهذه لا تقسم بالمهايأة؛ لأن المشاركة في واحدة فقط، ولا يتمكن من الانتفاع بها في المنفعة المعتادة منها، والمشارك فيهما إنما ينتفع بها مع انضمامها إلى الأخرى، وقد نصوا على أن الانتفاع يكون بالمشترك منفرداً، وهكذا يقال في كل مشترك مركب من أجزاء، ومواد يمكن فصل بعضها من بعض، ولا يحصل النفع إلا بمجموعها، وضم بعضها إلى بعض كالسيارة والبُنْبَة إذا شارك أحد في جزء منها فقط كبيت النار، ونحوه.