(السلسلة الذهبية في الآداب الدينية) جمع فيه كثيراً من مواضيع الآداب والأخلاق بطريقة فريدة؛ حيث يذكر الموضوع ويذكر ما يناسبه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأخبار العلوية، ويعلق على ذلك، وانفرد بذكر الأحاديث مسندة، مع ذكر مصدرها، لكي لا يتساهل بذلك المطلع، فيقول هذا من أحاديث الترغيب والترهيب التي يتساهل في قبولها، حيث قال: وربما أدى عدم ذكر الإسناد إلى التهاون بما دلّت عليه هذه الآثار من الإرشاد، فقد يقول القائل: هذا مثل غيره من أحاديث الفضائل، وحيث كان الحديث مروياً في أمهات متعددة من هذه الأمهات مع استواء الأسانيد في الصحة، فإني أكتفي منها بطريق، وأنبه على روايته في سائرها بعد تمام الحديث) (طبع بتحقيقنا).
(منهل السعادة في ذكر شيء مما كان عليه صفوة السادة من الزهد والورع والعبادة) كتاب وحيد في بابه، قال رحمه الله في مقدمته: (فهذا أنموذج خطير في بعض عبادات أهل التطهير، فلعل الناظر إليها يهتدي بهديهم، وبأقوالهم وأفعالهم {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }[ الأنعام:90]. طبع بتحقيقنا.
(رضاء الرحمن في الذكر والدعاء وتلاوة القرآن)، اسمه يدل على فضله وأهميته، وهو من الكتب الهامة التي يحتاجها المؤمن لإحياء نفسه حياة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. تحت الطبع بتحقيقنا.
(مختصر البرق اللموع) للجنداري في مسائل العقيدة، اختصره وأضاف إليه فوائد يحتاجها الطالب، ولا يستغني عنها الرائد، المسمى (المنتزع المختار فيما يتعلق بالاعتقادات من الأحاديث والآثار). طبع بتحقيقنا.
(السعي المشكور المتنزع من الدر المنثور).
(بلوغ الأمل فيما ينجي من الخطأ والزلل) (خ).
(الجامع المفيد المنتزع من شرح القاضي زيد) (خ).
(المنهل الصافي المنتزع من الجامع الكافي) (خ).
(مجموع منتزع من عدة كتب كأمالي الإمام أحمد بن عيسى وأحكام الإمام الهادي عليه السلام).
(الدعاء المأثور) (خ) اختصره من الوسائل العظمى وغير ذلك من الأبحاث المختصرة في مواضيع متعددة.
دوره الإصلاحي
وإلى جانب هذا التراث العظيم الخالد، قام بحل كثير من المشاكل العالقة بين القبائل، وعمل على إصلاح شأنهم على كل الأصعدة، وحل لهم الاشكالات المتعلقة بالأراضي وصبائبها المختلفة.
وله عدد من القضايا التي عمل على حلها وإصلاحها، والحكم فيها لولا خشية التطويل لذكرناها مفصلة، وأما مساعيه في الصدقات الجارية فقد تم بناء جامعين تحت إشرافه الأول في بلاد آل الربيع بمنطقة القصر جوار هجرة مدران بجماعة، والثاني جامع النور بضحيان.
مرضه ووفاته وموضع قبره
وبالرغم من الأمراض المتتابعة على هذا السيد الجليل، فإنه لم يتوان عن ممارسة حياته العلمية والروحية من الإفتاء والتأليف والتدريس، واستقبال من يقصده، وحاول جاهداً ملازمة أوراده وأدعيته التي كان يمارسها قبل مرضه.
وأما عن كيفية مرضه فلنترك الحديث لولده العلامة يحيى علي العجري، حيث قال متحدثاً عن والده: (فقد ابتلاه الله سبحانه ببلاوي كثيرة، واعتورته أمراض منهكة أقعدته مدة خمس سنوات مضطجعاً، لا يستطيع أن يتحول عن موضع اضطجاعه إلا بمعونة غيره، صابراً راضياً محتسباً مفوضاً أمره إلى خالقه، ومع هذه الحالة وطول المدة، وما حل به من الضعف والوهن، فهو لم يفتر عن وظائف عبادته وأذكاره، على حسب عادته، يؤدي فريضة الصلاة في جماعة مع أحد أولاده وأحفاده، الذين كانوا يتناوبون الحضور للصلاة معه عند حلول وقتها في كل يوم، مع ما كان يتحمل من المشاق العظيمة في نشر العلم وإحياء معالم الدين، وإرشاد الناس، وإفتاء المسلمين والسعي في إصلاح ذات البين.
وفي اليوم الثاني من شهر رجب عام 1407هـ اشتكى وجع الصداع، واستمر فيه ثلاثة أيام وتعقّبه فهاق متتابع، وفي بعض الأوقات يعرض له حمى شديدة، واستمر المرض سبعة عشر يوماً، وفي ليلة الخميس التاسع عشر من الشهر أفهمنا بأن المرض قد خف، إلا إنه اشتكى الضعف والوهن، ولكنه بما أودع الله من نور العلم في قلبه عرف أن الدّعوة الربّانية قد وافته، فأدى فريضتي المغرب والعشاء في جماعة بالوضوء الشرعي، ثم رمز إلى حفيده والذي كان يأنس به في حياته، ويعتمد عليه في أكثر أموره، الولد العلامة التقي أحمد بن يحيى العجري حفظه الله، أن يقرأ سورة (يس) عند رأسه، ويرفع بها صوته لما ورد في قراءتها من الآثار، فما لبث بعد أن تمت التلاوة إلاَّ قدر ساعة، ثم فاضت نفسه المطمئنة الزكية راجعة إلى ربها راضية مرضية بدون نزاع ولا حشرجة، وإنما استلت روحه الطاهرة بنهزة خفيفة تشبه التنحنح في قدر دقيقتين، والتحقت بالرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً.
سلام الله ورحمته ورضوانه على تلك الروح الطاهرة.
ومن عجيب ما اتفق وتحقق وقوعه وصدق مقالته، التي كان يكررها قبل وفاته بأعوام وفي مدة مرضه، أنه متوقع لحادث عظيم في عام سبعة، وأي حادث أعظم من وفاته، وافتقاد قطب من أقطاب الإسلام، وجبل من جبال العلوم الراسخة، وعَلَم من أعلام الهداية الشامخة، وارث علوم آبائه الأخيار، ومحيي شريعة جده المختار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار.
إنها رزية وأي رزية، ولكن الله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }[البقرة: 155،156].
فما من قلب من قلوب المؤمنين باليمن والعالم الإسلامي إلا وتأثر لموته، ولكن لسان حال الجميع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولنتذكر مصيبتنا بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل بيته المطهرين عليهم السلام، وقد دفن رحمة الله تعالى عليه بمقره ضحيان المعروفة، وقبره بها مشهور مزور، وقد رثاه مجموعة من العلماء والأدباء، نقتطف بعضاً من ذلك، قال السيد العلامة الحسن بن محمد الفيشي حفظه الله:
أتبكي معي فيما دها الدين والدنا
وألبس ثوب الوجد شرعة أحمد
وزلزل عرش العلم بل هدَّ صرحه
وغير وجه الحق بعد انبلاجه
وقوض من نادى الفتاوى مُعَرَّساً
وغيّب عنا شمس حجة دهرنا
ومن كان سيفاً قاطعاً لعلائق
ومن كان للإسلام شيخاً ورائداً
ومن هو روح الروح منا وصفونا
يجلّي غياهيب الظلام ويمتطى
يشنف بالمعروف سمعاً بمنطق
ويصرخ بالإنكار إن ولعت به
فيخضع عاتي الغُلْب في جبروته
وكم ولكم شالت قضاة أشاوس
أعود فنيل الحصر في شأو قدسه
سأبيكه ما دامت دراريه غضة
ألا فابْك واستبك الدفاتر ما حوت
على مثله لا قبح عندي في البكا
وكيف إلام اليوم في ذاك والعلا
لجبريل أهل الأرض قطب زمانه
(علي) إمام العلم نجل (محمد)
سأتبع هذا إن تمكنت غيره
وأزكى صلاة الله تغشى محمداً
وهدَّ قوى القاصين منا ومن دنا
وهدى ذويه الغرّ أقطاب ديننا
وقد كان في مجرى السماك تمكنا
وضيَّا على رغم الطواغيت بيِّنا
تبناه من ننعى علاه ودونا
علينا فيا بؤسى لشقوة حظنا
سوالب للأرواح تنثال بيننا
يواكبه عدواً ومشياً ومنثنا
وترياقنا من نفث سحار عصرنا
ذرى العاصفات الهوج عبر انشغابنا
يحف به لطف الفكاهة والجنا
نفوس تَخَذْن الشر خلقاً وديدنا
ويقنع رأساً صاغراً متمسكنا
على هامها طيبا به وتيمنا
عسير وقد تلقى حديثي مبرهنا
بقلبي تدر الدمع حيناً ملوَّنا
ليحيى الإمام الحق مصدر يمننا
دواماً بتذكار المحامد والثنا
يشاطرني وأسمع صداه مؤبنا
ومصلت سيف الحق إبان وهننا
نماه بنو (العجري) سادات ربعنا
ولو لم يكن إلا نفاثه مثخناً
وعترته في المنتهى غاية المنى
قال السيد العلامة نجل المؤلف يحيى بن علي العجري: وقد نسج على منوالها الأخ العلامة قاسم بن صلاح عامر هذه الترثية، وأرسلها إلينا بتوقيعه وتوقيعات الإخوان الساكنين بعويره، وعليها إمضاء والدنا العلامة بقية أهل الاستقامة، ضياء الإسلام الولي بن الولي: مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه الله، وأسعد أوقاته، ومتع الإسلام والمسلمين بطول حياته:
سنبكي معاً يا صاح والخطب قد دنا
وأبكي لما قد ناب دين محمد
وأبكي على سادات آل محمد
فقد رحلوا عنا وأبقوا حثالة
لمثل مصاب اليوم أبكي بعبرة
على موت قطب الدين فينا وركنه
إمام به من ظلمة الجهل يهتدى
ألا أيها الناعي لشرعة أحمد
فما كنت في نعي الشريعة منصفا
نعيت علياً من ترى كان نهجه
نعيت إمام العلم نجل محمد
له نسب ينمى إلى سادة الورى
لقد عظم الخطب الذي عم قطرنا الـ
فمن لكتاب الله بعدك موضحاً
وسنة طه مالها من مترجم
فلا خير في عيش وقد غاب كوكب
ورحمة رب العرش تغشاك راحلاً
ويا أسرة المفقود صبراً فإنه
ولا تحسبوا أن المصاب يخصكم
فموت علي في العوالم ثلمة
وما مات من حاز العلوم وراضها
عليك صلاة الله بعد محمد
وهدّ قوى الإسلام فينا وأوهنا
فقدنا به ما قد دهى وتمكنا
هداة البرايا بل وأقطاب ديننا
بهم سار ركب الجهل في هذه الدنا
بدمع غزير الودق سراً ومعلنا
وشمس الهدى في كل أنحاء قطرنا
ويضحى به وجه الشريعة بينا
ونهج عليّ في نظامك موزنا
وما كنت في نعي المعالم محسنا
كنهج علي قيماً ما به انحنا
على نهج طه ما توانى ولا انثنا
إلى أسرة (العجري) طابت معادنا
ــيماني في صقع وسهل ومنحنا
لغامض آيات الكتاب مبينا
يوضّح منها مجملاً ومبينا
يضيء لنا بيتاً ووهداً وموطنا
إلى جنة طابت مقيلاً ومسكنا
به ينعت الخلاق من كان مؤمنا
وقد مات من راض المفاخر والثنا
لها أثر باق إلى يوم حشرنا
وأورثنا منها معيناً ومعدنا
وعترته ما ماد غصن أو انثنا
مصادر ترجمته
بهجة الصدر في ترجمة علامة العصر (خ) تأليف ولده العلامة يحيى بن علي العجري، مؤلفات الزيدية: 2/96، 3/80،44، أعلام المؤلفين الزيدية: 720ـ722.