[الفائدة الستون: في حكم بيع الولي أو المنصوب]
وإذا باع الوصي أو المنصوب شيئاً من التركة للدين أو الوصية فللوارث البالغ نقض البيع، ويستحق أخذ المبيع بالأولوية، والأخذ بها مجمع على صحته، وكذلك الصغير بعد البلوغ له النقض والأخذ بالأولوية ما لم يكن منه إجازة بعد البلوغ، وإنما يثبت له النقض بشرطين:
أحدهما: أن يكون له مصلحة في أخذه وقت البيع، والقول قوله في المصلحة؛ لأن الأصل في الأولياء عدم الصلاح.
الثاني: أن يكون له عند البيع مال يمكن الوصي، والمنصوب القضاء منه، والبينة على الصغير أنه كان ذا مال يوم البيع؛ لأن الأصل عدمه.

[الفائدة الإحدى والستون: في اشتراط النفقة من الغلة على المبيع]
وإذا شرط في البيع الإنفاق من غلة المبيع فسد ولو لمعلومين؛ لأن ما يطعمهم يكون له ثمناً، وشرط كونه من غلة المبيع تعليق للمبيع على غرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، وبيان الغرر أنه لا يعلم هل تغل شيئاً أو لا ولأنه يقتضي الجهالة في الثمن، إذ لا يعلم كم يحتاج إليه من النفقة، وكذا لو شرط الإنفاق من غلة موضع معين غير المبيع لهذه الغلة، فأما إذا بين جنس الطعام ونوعه وقدره وما يدخله من الملح إذا كان معتاداً فيصح، ويكون من جملة الثمن وإن لم تكن المدة معلومة.
وذكر الصعيتري: أنه لا بد من بيان الصفة وأن يكون جميع ما يفتقر إليه من المؤن معلومات، وأن يكون المشروط إطعامهم معلومين.
قال: وإن اختل شيءٌ من ذلك فسد البيع؛ لأنه يكون ثمناً مجهولاً إذ المشروط ثمن، وجهالته توجد باختلال أي ذلك.
قلت: ومثله كل شرط يقتضي الجهالة في الثمن، فإنه يفسد البيع كشرط إصلاح بيت أو أرض للبائع أو لغيره لهذه العلة؛ لأنه في المعنى جعل غرامة الإصلاح من جملة الثمن وهي مجهولة، ولأنه تعليق للبيع بشرط مستقبل.
وقد ذكر النجري: أن الشروط المستقبلة إن كانت بالأداة فسد العقد مطلقاً وإن كانت معقودة فسد، حيث شرط ما لا تعلق للعقد به، وحيث شرط ما يرفع موجبه نحو على أن تبيع منى كذا أو تقيم في البلد الفلاني، ونحو على أن لا تنتفع بالمبيع أو لا تقبضه أو لا ترده بخيار الرؤية.

[الفائدة الثانية والستون: لا تكفي التخلية عن القبض في البيع الفاسد]
ولا تكفي التخلية عن القبض في البيع الفاسد إجماعاً؛ لأنه لم يقع الملك بالعقد فيه، فالتخلية بينه وبين المبيع كالتخليلة بينه وبين سائر أملاك البائع، فلا يملك إلا بالقبض بإذن البائع ولو كان قد دفع الثمن.
قال الصعيتري: ولعل وجهه أن العقد الفاسد لا يقع به الملك على انفراده بالإجماع، وإذا كان كذلك لم يجز قبضه من غير رضا البائع؛ لأنه يكون كالغاصب لما كان الملك قبل قبضه للبائع.
قلت: وهذا يقتضي أن للبائع بيعه من آخر قبل أن يقبضه المشتري بإذنه، لما مر من أن المشتري الأول لا يملكه إلا بالقبض بالتراضي، وإذا لم يملكه فهو باق على ملك البائع، وله التصرف في ملكه بالبيع وغيره إذ لا مانع.

[الفائدة الثالثة والستون: في بيع الغائب]
ويصح بيع الغائب إن ذكر جنسه وقدره، وإن لم يكن قد رأه أحدهما؛ لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ }[البقرة: 275] {إِلا أَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ } [النساء: 29]وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه ...)) الخبر ولما سيأتي من قضاء جبير بن مطعم.

[الفائدة الرابعة والستون: في خيار الرؤية]
وللمشتري خيار الرؤية للخبر، ولا نسلم ضعفه إذ رواه أئمة الزيدية، كما في البحر، سلمنا، فقضى به جبير بن مطعم لطلحة لما اشترى ما لم يره ولم ينكر، وأما إذا باع ما لم يره فلا خيار له لمفهوم الخبر، وإذ لم يقض به جبير لعثمان لما باع ما لم يره، وقد ادعاه إلا أن يدلس عليه المشتري أو الواسطة بعنايته أو غيرهما بأن المبيع دون ما هو عليه من النفاسة في القدر، أو القيمة ثبت له خيار الغرر وتتبعه أحكام خيار الغرر، وهي على التراخي ويورث.
قال في البحر: قياساً على العيب إذ يعود إلى النقص.

[الفائدة الخامسة والستون: وللمشتري الرد بخيار الرؤية]
وللمشتري رده بخيار الرؤية وإن وجده على ما وصف له؛ لظاهر الخبر، وهو فوري إذ الخبر يدل على ثبوته وقت الرؤية لا بعدها، فيبطل بالتراخي عقيبها، إلا أن يجهل كون التراخي يبطله، إذ الجهل عذر في كثير من الأحكام، والقول قوله في الجهل؛ لأنه الأصل ويبطل بموت العاقد وبأي تصرف غير الاستعمال كالتأجير إذ هو كالإبطال وبتغيب المبيع والنقص عما يشمله العقد؛ لأنه إن رده مع الأرش فلا قائل به وبدونه ظلم، ولا غيره بنقص السعر، ويبطل بتقدم الرؤية بمدة لا يتغير مثله في مثلها؛ لارتفاع الغرر، وبسكوته عقيبها كخيار الشرط إذ شرع للتروي بعد العقد، فأشبه خيار الشرط وبرؤية الوكيل لتعلق الحق به، لا برؤية الموكل، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((فهو بالخيار)) محمول على من تعلق به العقد، ورؤية الرسول لا تبطل رؤية المرسل.

قيل: إجماعاً إذ ليس بنائب إلا للمعطي، ويصح إبطاله قبل الرؤية؛ إذ سبب ثبوته العقد، ولا جهالة مع تعيينه، ويصح الفسخ قبل الرؤية؛ إذ هو إسقاط فيصح في المجاهيل، ويجب رد الفوائد الأصلية؛ إذ هي بعضه، وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الخراج بالضمان )) فالخراج: اسم للكرى ونحوه لا غير، فإن تلفت لا بجناية ضمنها إذ هي نماء مضمون كفوائد معيب فسخ بحكم، وأما الفرعية فللمشتري إن حدثت بعد قبضه كفي خيار العيب، ولا تكفي الرؤية في المرآة؛ إذ هي بانعكاس من الشعاع، ولا الحوت في الماء إذ هي غير مميزة، ولا تكفي رؤية من وراء زجاج؛ لأنها غير مميزة إلا أن يكون لا يرى إلا بها بطل خياره، وبغيرها لا يبطل حتى يرى بها ولا يبطله الرضى بالقلب ما لم ينطق، ولا رؤية بعض المختلف، وكذا رؤية ثوب من ثياب مستوية تكفي، وكذا كل مستو يدل بعضه على الباقي، ولا بد من رؤية كل الدار، ويعفى عن باطن الحش ولو رأى إحدى الأرضين لم تكف للاختلاف، وكذا كل مختلف، ويكفي جس ما اشتري للذبح، وضرع ما اشترى للبن، وما اشتري للحمل والركوب، فكله والقول للمشتري في نفي الرؤية المميزة، وللبائع في نفي الفسخ؛ إذ الأصل عدمهما، وإذا اختلف المشتريان في الرؤية فالقول لمن رد؛ لظاهر الخبر، ومن حق الرؤية أن تكون لجميع غير المثلي فلو رأى بعض منازل الدار وكلها غير السطوح، أو أعلى البناء دون أسفله، أو العكس، أو ظاهر السفينة، أو الرحى، أو المنزل أو المدقة، أو الطنافس، أو الزرابي لم يبطل خياره في ذلك كله، حتى يرى السطح وغيره، والظاهر والباطن إلا ما جرت العادة بالعفو عن رؤيته كأساس

البناء، وما ملح من الجدران، وداخل البئر إذا شريت مع الدار وداخل الحوش، وإذا كان المبيع بندقاً فله الخيار بعد تأمل ظاهره بالرؤية وباطنه بالرمي، فإن افتض امتنع الرد؛ إذ هو عيب حادث عنده، ولا بد في العبد والجارية من رؤية ما سوى العورة. ذكره في شرح الأزهار، وحواشيه للمذهب.

[الفائدة السادسة والستون: يصح إمضاء البيع بخيار الشرط مطلقاً]
ويصح إمضاء البيع المقترن بخيار الشرط في غيبة الآخر إجماعاً، بخلاف الفسخ فلا يصح إلا في حضرة الآخرة، إذ يتعلق بحضور كل واحد منهما كالوديعة فلو فسخ في غيبته لم يصح الفسخ.
قال في حواشي الأزهار: فإن تعذر حضوره فسخ في محضر الحاكم، فإن لم يجد حاكماً فمن صلح، وسواء كان الفسخ باللفظ أو بالفعل كالتصرف -يعني أنه لا بد من حضور الآخر أو الحاكم أو من صلح.

[الفائدة السابعة والستون: متى يلزم البيع في خيار الشرط]
ويلزم المبيع بمضي مدة الخيار من دون فسخ عاقلاً ولو جاهلاً؛ لانقضاء المدة أو لبطلان الخيار بالسكوت؛ إذ لا يحتاج إلى قوله: أمضيت كمضي مدة الأجل.
d: فإن قال في المدة: لا أبيع حتى تزيد، أو قال المشتري: حتى تنقص كان فسخاً، وكذا لو طلب البائع حلول المؤجل من الثمن، أو المشتري تأجيل الحال.

16 / 28
ع
En
A+
A-