قلت: مع أن الأمر به بقوله: ((وليصفح النساء))، ينافي تأويله، وأما دعوى نسخ التسبيح بالنهي عن التكلم في الصلاة فيدفعه ما في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله تبارك وتعالى أحدث في الصلاة أن لا تتكلموا إلا بذكر الله )) فاستثنى الذكر والتسبيح، ذكر على أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة، وهو هنا ممكن، بأن يقال: حديث النهي عن الكلام عام وحديث التسبيح خاص، والواجب بناء العام على الخاص، وقد روي أن حديث النهي عن الكلام متقدم لأنه في مكة، وحديث الأمر بالتسبيح متأخر لأنه في المدينة، والمتقدم لا ينسخ المتأخر، وهل التنبيه بالتسبيح أو التصفيق واجب أو مستحب أو مباح؟
الظاهر الاستحباب لوجود ما يصرف ما يقتضيه الأمر من الوجوب
وهو ما أخرجه ابن ماجة عن ابن عمر أنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء في التصفيق وللرجال في التسبيح، والرخصة ما كان على خلاف دليل الوجوب أو التحريم.
قال في الزوائد: وإسناده حسن.
نعم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من نابه شيء في صلاته )) يتناول ما يحتاج إليه المصلي من إفهام غيره كإذنه لداخل، وإنذاره لأعمى، وتنبيه إمامه على سهو، وإعلام غيره بأمر، والمشهور أن معنى التصفيق والتصفيح واحد، وأنه الضرب بإحدى صفحتي اليد على الأخرى، وقد قيل أنه مما لا خلاف فيه.

[الفائدة السابعة والثلاثون: جواز تعجيل إخراج الزكاة قبل الحول]
ذهب زيد بن علي و (هـ ق) و (م بالله) وغيرهم من أهل البيت عليهم السلام إلى أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول؛ لخبر علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعجل من العباس صدقة عامين ونحوه، ولظواهر أدلة، وجوب إخراج الزكاة فإنها مطلقة غير مقيدة، وإطلاقها يدل على صحة إخراجها في أي وقت.
وقال (ن): لا يجزي، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا زكاة في مال حتى يحول عليها الحول )).
قلنا: النفي متوجه إلى الوجوب، وهو لا ينافي جواز التعجيل، دليلهُ خبر العباس، وأيضاً نقول: بموجبه إذ ليس بزكاة حتى يحول الحول.
قيل: كالصلاة قبل الوقت.
قلنا: الوقت سبب، فلم تصح قبله، والحول شرط أولا مانع من تقديم الشيء على شرطه، إذا كان شرطاً في الوجوب احترز به عن شرط الصحة فإنه لا يجوز تقديم المشروط عليه كالوضوء فإنه لا يجوز تقديم الصلاة عليه، دليله: الحج فإن الاستطاعة شرط في وجوبه، وهو يصح تقديمه قبلها.
فإن قيل: الحول جزء من السبب، فكما لا يصح التعجيل قبل النصاب بالاتفاق، كذلك لا يصح قبل الحول.
قيل: قولكم الحول جزء من السبب مدفوع بخبر العباس، فإنه يدل على أن الحول ليس جزءاً من السبب، وإلا لما تعجل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويدل أيضاً على أن السبب والشرط لا يتوقف أحدهما على الآخر، وأيضاً الباعث على الوجوب هو ملك النصاب لا الحول، وقد تقرر في الفائدة عدد (28) أن الباعث هو السبب وحده.

(المهدي): ويصح الإعوام لخبر العباس، إذ لا فرق بين العامين فما فوقها، وبه خصوا جواز التعجيل بالمالك المكلف، فلا يصح من وصي أو ولي؛ لأن تصرفه يجب أن يكون على وفق المصلحة، ولا مصلحة للصبي ونحوه في التعجيل؛ لجواز ذهاب المال قبل وجوب الإخراج ولأن التبرع بإخراج المال قبل وجوبه إنما يكون للمالك.

[الفائدة الثامنة والثلاثون: عدم جواز تعجيل الزكاة عما لم يملك]
ولا تعجل الزكاة عما لم يملك عند (الهدوية)، فلا يصح عن دون نصاب ولا من نصاب لنصابين، كما لو لم يملك إلا ما عجل فلا يعجل عشرة عن مائتين لعام، إذ كمال النصاب طرفي الحول شرط، وكمال النصاب جزء من السبب، كما أن السوم وكون المال للتجارة وحصاد المعشر جزء من السبب، فلا يجزي الإخراج قبل ذلك، وإنما اعتبرت هذه جزءاً من السبب؛ ليتحقق بها الغنى الذي يصلح سبباً لوجوب الصدقة، كما أشار إليه الشارع في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ...)) الخبر.

[الفائدة التاسعة والثلاثون: في تكميل النصاب بالمعجل إلى الفقراء]
اختلف أئمتنا عليهم السلام في تكميل النصاب آخر الحول بالمعجل إلى الفقراء، فقالت (العترة): لا يكمل به، إذ هو إليهم تمليك، فلا يزكى كما لو باعه أو أتلفه، وقال (ص بالله) ليس بتمليك، وقال الإمام الحسن بن يحيى القاسمي: تمليك مشروط بالانكشاف كالأجرة المعجلة قبل استيفاء المنفعة، فإذا نقص النصاب آخر الحول بأكثر من الزكاة انكشف عدم وجوبها فينتقض التمليك، إذ لا دليل على أنه يغتفر هذا النقص فلرب المال الارتجاع من الفقير كالمصدق، إذ لا فرق؛ لأنه لم يعجل إلا عن الواجب أن يريد به التطوع.
(المهدي): فأما إلى المصدق فغير تمليك، بل هو كالوديع لرب المال، إذ ليس بمتطوع إليه، بخلاف الفقير فينعكس الحكم ويتبعها الفرع فيهما إن لم يتمم به، إذ هو فائدة متصلة كالصوف واللبن.

[الفائدة الأربعون: لا يجزي الإخراج قبل الحصاد]
ولكون حصاد العشر جزء من السبب فلا يجزي الإخراج قبله عند (هـ ق) و (م بالله)، وأيضاً هو متقدم على السببين وهما الحصاد وملك النصاب؛ لأنهما الباعث على الوجوب، والباعث هو السبب، وقال (ي): يجوز كتعجيل الفطرة، قلنا: الشخص أحد السببين.
(المهدي): ولا عن ماشية وحملها لذلك.
(الهادوية): ولا يجزي التعجيل بنية التطوع، إذ ليس بزكاة.
(ط): ولا بنيته زكاة تطوعاً للتنافي.
قال (ط): ولو نوى عما يملك وعما لم يملك، لم يجز ما لم يتميز.
(المهدي): وإذا انكشف نقص النصاب أو ردة المالك ردها المصدق أو بدلها يوم المخاصمة إن تلفت لا الفقير لتعلق القربة بإعطائه إن لم يعلمه عند دفعها أنها زكاة، إذ هو كالشرط عليه.
قال (ي): فإن أتلف النصاب لم يرجع مطلقاً، إذ تفريطه اختيار كونها زكاة.
(المهدي): وفيه نظر (المهدي)، فإن استغنى الفقير، أو ارتد به قبل الحول فالعبرة بحال الأخذ عنده كالعكس.

[الفائدة الإحدى والأربعون: إذا مات المعجل للزكاة]
وإذا مات المعجل للزكاة بني على حوله عند العترة، وقيل: بل يستأنف ويردها الفقير إن عرف قبل الدفع أنها زكاة، ولعل الوجه انكشاف عدم الوجوب على الدافع.

[الفائدة الثانية والأربعون: في أن الخرص يرد على أصحابه بحصتهم من النصف]
في خبر علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عبدالله بن رواحة إلى أهل خيبر، فخرص عليهم ورد عليهم بحصتهم من النصف، رواه في المجموع، وله طرق أخرى عن بعض الصحابة، وفيه دلالة على أنه يكفي واحد في الخرص، ولا أعلم فيه خلافاً.

[الفائدة الثالثة والأربعون: في إلغاء شرط خلاف موجب النكاح]
ويلغو شرط خلاف موجب النكاح كعلى أن لا ينفقها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يكلم أباها، أو على أن تخرج من بيته متى شاءت، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )) أي غير موافق لمقتضى الكتاب، ومقتضاه أن النكاح يوجب خلاف هذه الشروط.

[الفائدة الرابعة والأربعون: وجوب الوفاء بالشرط في النكاح]
وإذا عقد بألف إن لم تخرج من بلدها أو ألفين إن أخرجها صح العقد والشرط، لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((المؤمنون عند شروطهم )) وقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُوْدِ }[المائدة: 1] إلا ما خصه دليل، ولا دليل على بطلان هذا، فيلزمه الألفان إن لم يف بالشرط، فإن وقع التواطؤ على ذلك، ولم يذكر في العقد الألف فلها الرجوع أيضاً بالألف الآخر إن لم يف بالشرط؛ لأن المتواطئ عليه كالمنطوق به.

13 / 28
ع
En
A+
A-