الفوائد الفقهية
مرتبة حسب أبوابها الفقهية

[الفائدة الثانية والثلاثون: في ارتفاع يقين الطهارة والنجاسة بخبر العدل]
ويرتفع يقين الطهارة والنجاسة بخبر عدل عند (الهادوية)، وفي شرح الفتح ذكر الوفاق على ذلك، وسواء حصل معه ظن أم لا؛ لقيام الدليل على قبول خبره والعمل به في المسائل الاجتهادية.
(المهدي) ويستفصل في الأصح فيسأل: بأي شيء تنجس مثلاً لجواز اختلاف المذهب؟
(الإمام عزالدين): الظاهر من قول أصحابنا هو القبول من غير سؤال؛ لأن أدلة قبول خبر الواحد لم تفصل فيقبل فيه الرجل، والمرآة والحر والعبد عن أئمة العترة، إذ هؤلاء تتلقى منهم الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقبل منهم في التحليل والتحريم، فكذا في مسألتنا إذ هي عملية يقبل فيها الظن، وكذا يقبل الأعمى؛ لأنه يمكنه العلم من جهة الحس، والخبر، ويحصل الظن بخبره مع كونه ثقة.

[الفائدة الثالثة والثلاثون: في تفسير الماء القليل]
الماء القليل هو: ما يظن استعمال النجاسة باستعماله عند (م بالله) و (ط) إذ لولا ذلك لاستعمل كالكثير.
وعن (ية) ما يستوعب شرباً وطهوراً في مجرى العادة، وفيه رد إلى جهالة وتلزم قلة ما يستوعبه مائة ألف.
وقال (ن) و(ص بالله): بل هو ما دون القلتين؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث )) وأجيب بأنه مضطرب سنداً كما قرر في موضعه ومتناً، إذ قد روي بلفظ: قلتين وقدر قلتين أو ثلاث، وقلة وأربعين وبالتقييد بقلال هجر وبدونه، مع أنها تختلف صغراً وكبراً، فاعتبار ظن استعمال النجاسة باستعماله أقرب إلى معرفته، قالوا: يستلزم الدور إذ لا يعرف القليل إلا بظن إلا استعمال النجاسة، ولا يحصل الظن إذا كان قليلاً.
وأجيب: بالمنع إذ ظن الاستعمال دليل القلة ولا يتوقف على معرفتها.
قالوا: الظن يختلف باختلاف الأشخاص.
قلنا: لا يضر كغيره من الظنون.
قالوا: جعل ظن الاستعمال مناطاً يستلزم استواء القليل والكثير، ورد بأن ما ظن استعمال النجاسة باستعماله له فليس بكثير شرعاً.
(ي): القطرة في بعض صور القليل تلاشى حتى يعفي.

(المهدي): فله حكم الكثير حينئذٍ، ثم اختلف أهلنا في نجاسة القليل بما لاقاه، فذهب (هـ) و (ن) و (م بالله) و (ط) إلى أنه ينجس بما لاقاه من النجاسة وإن لم تغير من أوصافه، لقوله تعالى: {وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ }[المدثر: 6] ولا هجر إذ تستعمل النجاسة باستعماله، ولخبري الولوغ والاستيقاظ، وحديث: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ...)) الخبر، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((استفت قلبك...)) ((دع ما يريبك... )) ولترجيح الحظر.
(ق) و (ي): لا، إن لم تغيره لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ينجسه شيء...)) ((الماء لا يجنب...)) ((لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه)) وكالكثير ولعدم تحرز السلف في آنيتهم من الصبيان، واستعمالهم ماء الحمام، وتوضأ عمر من جرة لنصرانية، وأجيب بأن الأخبار هذه عامة مخصوصة بما مر، ويرجحها الحظر، وفعل عمر ليس بحجة، ولا نسلم تسامح السلف مع تيقن النجاسة، ولقائل أن يقول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه )) أخص مما مر وما قيل: من القدح في الاستثناء لا يضر للإجماع على صحة معنى ما تضمنته هذه الزيادة، وخبر الاستيقاظ محمول على الاستحباب إن صح؛ لأن الشك لا يوجب كون الشيء نجساً.
(م بالله): بلا خلاف، وخبر الولوغ مطلق مقيد بالاستثناء، وقد قيل: إنه خارج مخرج التعبد.

[الفائدة الرابعة والثلاثون: في الوضوء وما يتعلق به]
قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...} الآية [المائدة: 7].
(الإمام عز الدين): لا خلاف أن مفهوم الغسل ومعقوله لا بد فيه من إمساس البشرة الماء، واختلفوا فيما عدا ذلك، فقال جمهور الأئمة: لا يكون غسلاً إلا مع السيلان، إذ لا يفرق بين المسح والغسل إلا به، فالمسح إمساسه بحيث لا يسيل فلو لم يشترط السيلان في الغسل لم يكن بينهما تفرقة.
(ن) و(الداعي): التفرقة حاصلة بدون السيلان، إذ الغسل استيعاب المغسول بالماء سال أم لا، والمسح إمساس العضو بحيث يصيب ما أصاب، ويخطي ما أخطأ، ورد بأن تفرقة أهل اللغة بينهما معلومة من حيث أن البلة التي تسمى مسحاً لا يعتبر فيها إلا اتصالها بالمحل، وأما في البلة التي تسمى غسلاً فإنهم يعتبرون فيها السيلان، ولولا ذلك لم يكن للأمر بغسل بعض الأعضاء ومسح بعضها معنى، فأما الاستيعاب فهو: شامل لهما، ثم اختلف القائلون باعتبار السيلان في الغسل هل لا بد معه من الدلك أو لا؟
فقالت: (ية) لا بد مع السيلان من الدلك إذ مع عدمه يكون مسحاً أو صباً، أو غمساً لا غسلاً وطهارة عن حدث، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((انقوا البشر )) ولا يحصل الانقاء إلا بدلك، وقد صرح به في حديث علي عليه السلام مرفوعاً، إذ قال في الغسل من الجنابة، وادلك من جسدك ما نالت يداك، ولأمره صلى الله عليه وآله وسلم بتخليل اللحية والأصابع في الوضوء، ولتخليله صلى الله عليه وآله وسلم أصابع رجليه بخنصره، وطهارة من حدث فلا بد من إمرار اليد كالتيمم.

(م بالله) و (عي) يقال: اغتسل وما دلك، ودعوى كون ذلك مجازاً ممنوعة، إذ لا قرينة والأصل في الإطلاق الحقيقة.
قيل: القرينة ما مر، قالوا: لم ينقل الدلك في وصف وضوئه صلى الله عليه وآله وسلم .
وأجيب: بأنه أغنى عنه ذكر الغسل؛ إذ هو من مفهومه، سلمنا فقد نقل قولاً وفعلاً كما مر.
قالوا: يحتمل أنه لنجاسة أو للندب، قيل: لا احتمال مع أمره بتخليل الأصابع مع الوعيد على تركه، بقوله قبل أن تخلل بالنار، وقول علي عليه السلام: (ما بال أقوام يغسلون وجوههم قبل أن تنبت اللحى فإذا نبتت تركوها) أو كما قال إذ هو خارج مخرج الذم والتهديد، فاقتضى الوجوب، وأيضاً فإن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب، والمتيقن والمظنون هو العادة في التنظيف، والعادة الشائعة التي تتم معها النظافة لابد فيها من الدلك، اللهم إلا أن يعتبر ما يقوم مقامه كجري الماء والمصاككة؛ لأن وضع فعل الغسل للتنظيف قطعاً، وذلك لا يحصل إلا بمجموع إمساس البشرة الماء والدلك، أو ما يقوم مقامه كجري الماء بقوة أو نحوه، لكن قول علي عليه السلام: (وادلك من جسدك ما نالت يداك)، ربما ينافي اعتبار الجري القوي ونحوه في غير غسل النجاسة، لا فيها إذ المقصود إزالتها، وقد يقال: أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الدلك، فيحمل الأمر به على الاستحباب وعلى وجوبه في المواضع التي قد لا يبلغها الماء، نحو بين الأصابع وأصول الشعر، والمغابن أو في مواضع النجاسة، كما يدل عليه ما في الجامع الكافي عن القاسم أنه قال: يجزئ الجنب أن يغتمس في الماء اغتماسة إذا أنقى أعضاءه، إلا أن يكون إنقاء ما أمر بإنقائه من قبل ودبر.

فربما أن ذلك لا ينقى بالانغماسة الواحدة، فدل على أن المأمور بانقائه موضع النجاسة، والظواهر تدل على أن إمساس البشرة الماء كاف في الغسل والوضوء، إلا فيما لا يبلغه الماء إلا بالدلك، وهي المواضع التي أشرنا إليها.
وفي الجامع الكافي عن علي عليه السلام في الجنب: (ورمسة في الماء تجزيه)، وفي نسخة: (تنقيه).
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت )).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة: ((انطلق فأفض عليك الماء، ثم أجب الصلاة )) والإفاضة: صب الماء ولو كان الدلك واجباً لبينه، إذ هو في مقام التعليم، وفي حديث ترخيصه صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر في التيمم للجنابة: ((فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك )).
وقال لمن رأى جانباً من عقبه جافاً: ((إن كنت أمسسته الماء فأمضه )) فلو كان ثمة أمر زائد على مجرد الإمساس لما جاز السكوت عليه.
وقد روي عن علي بن الحسين أنه قال: (ما مس الماء منك وأنت جنب فقد طهر منك ذلك المكان).
وعن (با): (إذا انغمس الجنب أو غمس المتوضئ أعضاء الوضوء في الماء أجزأ إذا عم ذلك الأعضاء)، هذا مع أن القول بعدم وجوب الدلك في الغسل والوضوء، هو قول أكثر علماء الإسلام، وقد وافقهم من أئمتنا عليهم السلام (زين العابدين وولده الباقر، والقاسم بن إبراهيم و(م بالله)، وهو المفهوم من أقوال غير (ية) فتأمل.

[الفائدة الخامسة والثلاثون: حقيقة الأذان]
الأذان: إخبار بدخول الوقت، ولذلك حده أصحابنا وغيرهم شرعاً بأنه: الإعلام بدخول الوقت بألفاظ مخصوصة، ولكونه خبراً فيكفي فيه الواحد كسائر الأخبار، ولا أعلم فيه خلافاً، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((وليؤذن لكم أحدكم )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )) ونحوه.
بل قيل: إنه لا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعداً معاً، وأما إن أذن واحد بعد واحد فلا بأس؛ إذ قد فعل ذلك في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، واحتج على منع كونهما في وقت واحد، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لو يعلم الناس ما في النداء لاستهموا عليه )).
قال: فلو جاز أن يؤذن اثنان فصاعداً معاً لكان الاستهام لغواً لا وجه له، وإذا ثبت أنه إخبار بدخول وقت الصلاة فاعلم أنه قد ذكر (أهل المذهب)وغيرهم اعتماد المؤذن في دخول الوقت وتقليده إذا كان ثقة عارفاً بالمواقيت، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((المؤذن مؤتمن ...)) الخبر أي مؤتمن على دخول الوقت وعلى حرم الناس؛ لأنه يشرف من المواضع العالية، وإنما يعتمد على أذانه في الصحو دون الغيم؛ لأنه في الصحو مشاهد فهو مخبر عن مشاهد فيقبل ولو أمكن العلم.
(الصعيتري): وهذا إجماع وإن كان القياس أنه لا يجوز؛ لأنه تقليد مع إمكان العلم، ومثل ذلك لا يجوز في غير هذا الموضع، وأما في الغيم فكل يتحرى لنفسه، لأنه لا يخبر عن علم بل يتحرى، فلا يجوز لمن يمكنه التحري تقليده إذ المجتهد ليس له تقليد مجتهد مثله.

d: وإذا بان خطأ المؤذن وجب على مقلده الإعادة ولو بعد الوقت، إذ لا تصح الصلاة قبل الوقت بالاجماع، ولا يجوز تقليد المؤذن إن غلب على الظن خطؤه كما قالوا: إنه لا يعمل بخبر العدل إن غلب على الظن كذبه.

[الفائدة السادسة والثلاثون: في أن للمصلي المؤتم تنبيه الإمام إذا ترك ركناً أو نحوه]
يندب للمصلي المؤتم تنبيه الإمام إذا ترك ركناً من أركان الصلاة أو زاده، أو أخل بشيء من واجباتها، وهذا مذهب (م بالله) و (ي)، واختاره بعض متأخري الآل عليهم السلام، وذلك يكون بالتسبيح للرجل، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة )) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء)).
وفي المجموع عن علي عليه السلام: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة.
إلا أن ظاهر كلام (ي) أنه لا يقول: بالتصفيق للنساء كما يأتي، وذهب جماعة من الأئمة إلى أن ذلك كله مفسد للصلاة، قالوا: والحديث منسوخ أما التسبيح، فبحديث: ((إن الله قد أحدث فلا تتكلموا في الصلاة )) وأما التصفيق فقال (ي): هو إما منسوخ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ))، وإما أن المراد أن التنبيه بالتسبيح إنما هو للرجال، وأما النساء فإنما شأنهن التصفيق كقولهم: الرماح للرجال وللنساء مغازل، وليس المراد أن المغازل للحرب كالرماح، وإنما أراد نزول قدرهن.
(الإمام عز الدين): وفي الجوابين تعسف، أما الأول فلأن النسخ للكلام لا للتصفيق إذا ثبت أنه قد شرع.
قلت: وقد ثبت بالنص، وأما الثاني فالذوق لا يساعد عليه، وليس للنساء تعلق واختصاص بالتصفيق كتعلقهن واختصاصهن بالمغازل.

12 / 28
ع
En
A+
A-