خاتمة في أحوال الآخرة
لما انتهى المراد من جمع ما أمكن من الأدعية ونرجوا الله تعالى النفاعة بذلك؛ وذكرنا حال الموت والقبر والزيارة وما يتصل بذلك فلنذكر شيئاً من أحوال الآخرة من عند الموت وما بعده يسيراً ترهيباً وترغيباً غير مقتصرين على الكتب السابقة ونختمها بالصلاة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم مما لم يذكر سابقاً والله ولي التوفيق والإعانة.
قال في شمس الأخبار أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطيل الله عمر العبد ويرزقه الإنابة)).
وفيهما من حديث عبدالله عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((إن نفس المؤمن تخرج رشحاً وإن نفس الكافر تسيل كما تخرج نفس الحمار - يعني خروج نفسه من أشداقه - وإن المؤمن ليعمل الخطيئة فيشدَّ بها عليه عند الموت ليجزى بها)).
وفيه من حديث عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والله ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفضع منه)).
وفي أمالي قاضي القضاة عبدالجبار ابن أحمد رحمه الله تعالى من حديث عمر مرفوعاً قال: ((كيف أنت يا عمر إذا كنت من الأرض لأربعة أذرع في ذراعين ثم رأيت منكراً ونكيراً ؟))، قلت: يا نبي الله ما منكر ونكير ؟!، قال: ((فتانا القبر)).
ومن ذيل حديث طويل جداً خرج له شاهداً البخاري وعلى أطراف منه مُسلم وأبو داود وغيرهم من حديث أبي سعيد وغيره: ((أنهما(1) يفتحان لمن مات عاصياً باباً إلى الجنَّة فيهش إليها ويريد أن يقوم إليها فيقال له: لو كنت على غير هذا الذي جئت به عليه لكان هذا مصيرك، فيرجع إليه ثم يفتح باباً إلى النار فيصد عنها فيقال له: أما إذا جئت على ما جئت فإلى هذا تصير وإليه ترجع، ثم يضرب بمطرقة من حديد يسمعها كل شيءٍ خلقه الله إلا الثقلين، زاد البخاري: ((ثم يضرب بمطرقة حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)).
مما ورد في عرضة المحشر من حديث أسماء بنت يزيد من رواية محمد بن منصور (رحمه الله تعالى) في كتاب (الذكر) وهو شمس الأخبار قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يجمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد ينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء، قال: فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنَّة بغير حساب، قال: ثم يعود فينادي ليقوم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم بنفقون فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنَّة بغير حساب)).
وفيه(2) و (السلوة) من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والذي نفسي بيده إن العار والتخزية لتبلغ من أهل القيامة في المقام بين يدي الله، عز وجل، ما يتمنون أنه صرف بهم إلى النار من ذلك المقام)).
__________
(1) أي الملكين منكر ونكير.
(2) لعله: وفيها.
وفيهما من حديث أبي أمامة أنه قال: ((تدنوا الشمس يوم القيامة على قيد ميل ويزاد في حرها كذا وكذا يغلي منها الهام كما يغلي القدر على الإناء فيعرقون منها على قدر خطاياهمم فمنهم من يبلغ كفيه ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ومنهم من يبلغ إلى وسطه ومنهم من يلجمه العرق)).
وفي حديث آخر منه أيضاً: ((حتى لو جريت في السقى لجرت)).
وفيه و أمالي قاضي القضاة من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أول ما يتكلم على الإنسان يوم يختم على الأفواه الفخذ الشمال من الرجال)).
وفي حديث فيه أيضاً في قوله تعالى: (({يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)} [الزلزلة]، أي شهادتها بما عمل عليها كل أحد))، وهو من حديث أبي أمامة.
وفيهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى: ميزوا الكفار من المؤمنين، وميزوا أهل النفاق من أهل الإخلاص، وميزوا أهل الزهد من أهل الرغبة، وميزوا المخلصين من المرائين، وميزوا أهل الصدق من أهل الكذب))، فبكى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فرفع صوته وهو يقول: ((ماذا يلقى أمتي يوم القيامة حتى يميز بعضهم من بعض ثم يرجعون بعضهم إلى الجنَّة وبعضهم إلى النار))، ثم تلا هذه الآية: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ(32)} [يونس])).
ومما ورد من الترغيب وذلك ليس إلا مع الإخلاص والعمل مع كون العبد بين رجاء القبول وخوف الرد بما لا يخفى من الأحوال التي لا ينجو منها إلا من عصم الله تعالى نسأله العصمة والتوفيق والرضى والقبُول بحوله وقوّته.
روي في شمس الأخبار و أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس، وقد روى له شاهداً أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يقول الله، تبارك وتعالى، لملك الموت عَليْه السَّلام: إنطلق إلى وليي فأتني به فإني قد بلوته بالضراء والسراء فوجدته حيث أحب، قال: فيأتيه ملك الموت عَليْه السَّلام ومعه خمس مائة من الملائكة يحملون صبائر الريحان. معهم أصل الريحانة واحد في رأسها عشرون لوناً لكل لون ريح سوى صاحبه والحرير الأبيض فيه المسك فيأتيه ملك الموت عَليْه السَّلام فيجلس عند رأسه ويبسط ذلك الحرير والمسك تحت ذقنه ويفتح له باب إلى الجنة فإن نفسه لتغلغل(1) هنالك مرة بأرواجها ومرة بكسوتها ومرة بثمارها، قال: ويقول ملك الموت: أخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب، ولملك الموت أشد لطفاً من الوالدة بولدها فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين))، ثم ساق باقي الحديث في وصف حاله وما يلاقي، وهو طويل، ثم قال في آخره: ((إن الملكين بعد سؤله واحتواش أعماله الصالحة عليه يدافعان القبر من بين يديه أربعين ذراعاً ومن خلفه كذلك وعن يمينه كذلك وعن يساره كذلك ثم يقولان له: ولي الله نجوت آخر ما عليك، قال: والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً، ثم يقولان له: ولي الله انظر فوقك، فينظر فإذا باب مفتوح إلى الجنَّة، ثم يقولان له: ولي الله؛ هذا منزلك، قال: فوالذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً))، فقال يزيد الرفاشي، أحد رواته: وقالت عائشة: ((تفتح تسعة
__________
(1) كذا في المخطوط، ولعله: تعلعل، بالمهملتين.
وتسعون باباً من الجنَّة فيأتيه من روحها وبردها حتى يبعثه الله إليها)).
وكون الموت خير من الحياة: ما رواه ابن عمر مرفوعاً قال:: ((تحفة المؤمن الموت))، وهو عند الطبراني في (الكبير) والحاكم، وهو في (أمالي المرشد بالله) و (سلوة العارفين).
وأخرج الديلمي من حديث الحسين بن علي عَليْه السَّلام مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((الموت ريحانة المؤمن))، و: ((الموت غنيمة المؤمن))، من حديث عائشة عند الديلمي أيضاً.
من حديث محمود بن لبيد عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يكره بن آدم الموت والموت خير له من الفتنة))، أخرجه أحمد في (مسنده).
ومن حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص: ((الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسِنَة))، رواه ابن المبارك في (الزهد) والطبراني في (الكبير) وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((الدنيا سجن المؤمن فإذا مات يتخلى سربه يسرح حيث شاء)).
وفي (س) من حديث عمرو بن دينار قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في رجل مات قال: ((أصبح هذا قد خلى من الدنيا وتركها لأهلها فإن كان قد رضي لم يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه)).
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة عن الربيع بن خثيم: ((ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت)).
وأخرج أحمد في (الزهد) من حديث ابن مسعود قال:: ((ليس لمؤمن راحة دون لقاء الله تعالى)).
وأخرج عبدالرزاق في (تفسيره) وابن أبي شيبة والطبراني والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ((ما من نفس برة ولا فاجرة إلى الموت خير لها من الحيوة، إن كان براً فقد قال تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ(198)} [آل عمران]، وإن كان فاجراً فقد قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ}...إلخ [آل عمران:178]))، وهو في (أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام).ولا تنافي بين الخبر وما يشابهه وبين حديث كثير ابن الحارث مرفوعاً قال: سمع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم سعد بن أبي وقاص يتمنى الموت قال(1): ((لا تتمنَّ الموت؛ فإن كنت من أهل الجنَّة فالبقاء خير لك، وإن كنت من أهل النار فما يعجلك إليها))، رواه السيد الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني وغيره لاختلاف محل الخيرية، فإن الآخرة خير على الإطلاق، أما المؤمن فيستريح وأما الفاسق فيخفف عذابه لقلة ارتكابه القبيح وقطعه بالموت ومن حيث أن الدنيا محل لاكتساب الخير المفضي إلى تفاضل الدرج وتفاوت النعيم، فالبقاء خير من تلك الحيثية فإن عند أخذ أهل الجنَّة مواضع قرارهم فيها يأسف المقصر على تقصيره لما يراه صائر إليه السابقون كما دل على ذلك حديث الأمالي وهو ما رواه أبو هريرة مرفوعاً: ((ما من أحد يموت إلا ندم))، قالوا: وما ندامته يا رسول الله ؟، قال: ((إن كان محسناً ندم على أن لا يكون زاد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع))، فالخيرية حينئذ مختلفة. وأما الفاسق فإن البقاء خير له على الإطلاق بالنظر إلى السلامة العاجلة، وإن مرور اليوم له في الدنيا خير له من الوقوع في العذاب من عند خروج
__________
(1) فقال (ظ).
روحه وإن كان بقاه يستدعي تكاثف العذاب لكثرة ما يجتنيه من العصيان، وقد نبه على شيءٍ من الجمع في الجملة حديث جابر السابق: ((لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد))، فلو لم يكن على المرء شدة إلا مقاساة الموت لكان كافياً، والله أعلم.
وللأصبهاني في الترغيب من حديث أنس قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن حفظت وصيتي فلا يكون شيءٍ أحب إليك من الموت)).
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء أنه قيل له: ما تحب لمن تحب ؟، قال: الموت، وقال: ما أهدى إلى أخ هدية أحب من السلام ولا بلغني عنه خبر أعجب إليَّ من موته .
وأخرج النسائي من حديث عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا)).
وأخرج ابن جرير من حديث ابن جُريح قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لعائشة: ((إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا ؟، فيقول: إلى دار الهُموم والأحزان قدّمان إلى الله تعالى)).
ومن حديث سلمان ما أخرجه ابن مندة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن أول ما يبشر به المؤمن عند الوفاة بروح وريحان وجنَّة نعيم، وإن أول ما يبشر به المؤمن في قبره أن يقال: أبشر برضاء الله، تعالى، والجنَّة قدمت خير مقدم قد غفر الله لمن شيعك إلى قبرك، وصدق من شهد لك، واستجيب من يستغفر لك)).
ومن حديث ابن مسعود عنه أيضاً قال: ((إذا أراد الله بقبض روح المؤمن أوحى الله إلى ملك الموت أن أقرئه مني السلام))، وهذا له حكم الرفع إذ لا يعرف من غير طريق النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وقد فسر به البراء ابن عازب قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب:44]، رواه عنه الحاكم وابن أبي شيبة والبيهقي في (الشعب) ولم يذكروا رفعاً ولا وقفاً.
وروى ابن شيبة وابن مندة عن الضحاك: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:64]، قبل الموت.
ومما ورد في من تسليم الأعضاء بعضها على بعض وملاقاة الأرواح لروح المؤمن عند موته وتسليمها عليه
روي في شمس الأخبار عن أمالي الحافظ أبي سعيد بن إسماعيل بن علي السمان، وقد قيل إن هذا الشيخ أكثر أهل الأرض شيوخاً وكان زاهداً فاضلاً حافظاً من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: عليك السلام، تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة)).
ومن حديث أبي أيوب الأنصاري ما رواه الطبراني في (الأوسط) قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير من أهل الدنيا ويقولون: أنظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب وشدة، ثم يسألون ما فعل فلان وفلانة ؟ أتزوجت ؟!)).
وأخرج البزار من حديث أبي هريرة يرفعه: ((إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله يحب أن لقاءه وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الدنيا)).
وأخرج أحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً: ((أن روحي المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه)).
وفي رواية: ((أنهما يتعارفون كما يتعارف الطير على رؤوس الشجر)).
ومما رود في تخفيف ضمَّة القبر على المؤمن
أخرج البيهقي وابن مندة عن سعيد بن المسيب أن عائشة قالت: يا رسول الله إنك منذ حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطت القبر ليس ينفعني شيء، قال: ((يا عائشة إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين وإن ضغطت القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزاً رفيقاً، ولكن يا عائشة: ويل للمشركين بالله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة)).
قلت: وبهذا يصح تأويل الحديث المشهور: ((إن للقبر ضغطة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته))، فيحمل على ذلك بكونها حقاً لا بد منه كحديث سعد (رحمه الله تعالى) وخفيفة على المؤمن وشديدة على الفاجر لا بد منه كهذا وهو من تفسير الحديث بعضه ببعض وهو أقدم التفاسير، والله أعلم.
وقد روى السيوطي قال: أخرجه بن أبي الدنيا عن محمد التيمي: ((أن الدنيا تضم المطيع ضم الوالدة ولدها الغائب عنها كونه خلق منها برقة وشفقة، وتضم الفاجر بعنف كونه خالف مولاه وكله عن أمر الله تعالى لها))، وقال التيمي: إن هذا بين العلماء تأويل مشهور، والله أعلم .
قلت: لا بأس به وقد أشرنا إلى تأويل نبوي فيه لكنه بقي في النفس شيء من حديث سعد بن معاذ فإن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أخرجه مخرج التخويف في قوله: ((لو سلم منها أحد لسلم سعد))، مع تفخيم شأنه وكونه اهتز له عرش الرحمن فالله تعالى أعلم بالغيُوب ونسأله السلامة من كل مرهوب؛ خلى أن المؤمن ليس عليه بعد الموت كربة ولا نوع من التعذيب كما ذلك مقرر في موضعه، وأحاديث هذه الخاتمة السابقة يدل على ذلك لو لم يكن إلا حديث أنس، الحديث الطويل فيها الذي رواه الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام وأحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم، وفائدة التخويف: في حديث سعد رضي الله عنه الحث على الأعمال الصالحة وتجنب القبائح، والله أعلم.
وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((إذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وسهلاً أما كنت لأحب من يمشي على ظهري إليَّ فإذا وليتك اليوم وصرت إلى فترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنَّة))، وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إنما القبر روضة من رياض الجنَّة أو حفرة من حفر النيران)).
وروى الديلمي في (مسنده) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا مات العالم صوَّر الله عمله في قبره يؤنسه في قبره إلى يوم القيامة ويدرأ عنه هوام الأرض)).