الموت
والموت رحمكم الله فقد أبان النداء، وداعيه فغير مُفتر في الدعاء، يختطف _ملحّاً دائباً_ النفوس، ويميت الكبير والصغير المنفوس، لا يُغفِل غافلاً وإن غفل، ولا يؤخر مؤملاً لما أَمَّل، بل يكذب الآمال، ويقطع الآجال، ويفرق بين الأجساد والأرواح، وفي أي مساءٍ يأتي أو صباح، بل في كل حالةٍ وساعةٍ، فكم من بلية أو مَنِيِّة فَجَّاعة، تمنع من روح الأنفاس، وتقطع إلف الإناس، قد رأيناها عياناً، وعلمناها إيقاناً.

وإذا وطَّنتم أنفسكم إن شاء الله على سلوك هذه السبيل، وهداكم الله إليها بما جعل الله في فضلها لأهلها من الدليل، فارضوا بالله فيها بدلاً من الدنيا، واقصدوا قصد وجوه البر والتقوى، واعملوا عمل من يوقن بحصاد مزدرعه وزكائه، وثقوا من الله فيما عملتم من ذلك بحسن جزائه، إذ تحملتم له ولأمره طلب الرضى، وفارقتم لوجهه أهل الدنيا، وحرَّمتم على أنفسكم عارض شهواتها عند اشتهائه، وآثرتم ما أعد الله من الخيرات الباقيات لأوليائه.

واعلموا أنكم إذا أمَتُّم عارض شهواتكم لله، فقد طبتم وزكيتم وأشبهتم المصطفين من عباد الله، وفي غدٍ ما يقول لكم ملائكة رب العالمين: ?سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ? [الزمر:73].

واعلموا أنكم إذا رفضتم غرور زينة الدنيا، فكأنكم بقلوبكم في السماوات العلى، فاجعلوا القيامة لكم غرضاً ترمونه بصالح الأعمال، ولا تقتدوا في ذلك بمنتهى سبيل الأخيار فتكونوا بعرض ملال، يحط من كبار الأعمال إلى صغارها، ومن تفضيلها إلى احتقارها، ولكن تناولوا طرفاً من الصيام، وطرفاً في الليل من القيام، وتفهَّموا ما تتلون فيه من أجزاء القرآن، وسبحوا لله واذكروه في آناء الليل وأطراف النهار، فإنه يقول سبحانه: ?اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً () وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً? [الأحزاب:41ـ42]، ويقول سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ()قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً () نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً () أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً? [المزمل:1ـ4]، ويقول سبحانه: ?وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً? [الإسراء:79].

جوهر الدين
واعلموا أن شهوة الشراب والطعام، والنوم عن التهجد والقيام، أوقع سروراً للنفس، وأدعا لما في طبائع الأنفس، من الظمأ والصيام، ومن التهجد والقيام، ولن يملك امرؤ ضبط نفسه وفكرته، ويقوى على ما يفوز به في آخرته، حتى يقوى على ترك شهوته، ويؤثر محبة الله على محبته، وكما لا يضبط صعاب الخيل إلا بثقيل اللُّجُم، فكذلك لا يقوى على النفس إلا بمنعها من كثير من شهواتها في المشرب والمطعم.

وإذا صمتم فليكن مع صيامكم من المطعم والمشرب، صيام عن التكبر والعجب، فإنهما ينتجان الفتنة ويوقدان نار الغضب، واجعلوا أفكاركم، وصفاء أذهانكم، في الله ومحل أوليائه، وفي التماس منازل أحبائه، ولا يُنال ذلك إلا بكلفة متكلفة، يتقدمها متقدَّمُ معرفة.

واعلموا أنه لن يعرفها أحد حق معرفتها، إلا خف عليه ما يستثقله الجاهلون من كلفتها، فلا تطلبوا التقوى طلب الجاهل بطلبته، المُغترِّ بسوء التقدير عن نيل بغيته، جهلاً بما بينه وبينها، وما جعل له من العلاج دونها، فيقل صبركم، ويعسر عليكم فيها أمركم، ولكن اعرفوا منها ما قصدتم له، وسلكتم إلى الله عز وجل فيها سبيله، فإن غلبت عليكم الغفلة فيها، أو فترتم بخطيئة عن النهوض إليها، فهيجوا قلوبكم عليها، وادعوا أنفسكم إليها، بأصوات الأحزان، والبكاء إما بأنفسكم وإما بغيركم من القرآن، فإن القرآن نور وعبرة لمن اعتبر، والبكاء والأحزان تذكرة لمن تذكَّر.

فإن تعسر عليكم في مطالبكم من التقوى مطلب، أو ضاق عليكم من مذاهبكم مذهبٌ، فخذوا في غيره مما يقربكم، ويتسع لكم به من مذهبكم، ولا تطلبوا الله في كثرة الركوع والسجود، دون تحقيق الإخلاص لله من قلوبكم باعتماد قصدٍ من ضمائرها معمود، فإنما يراد بذلك كله وفيه، الوصول بتعظيم الله إليه.
وألطفوا نفي الهمّ عنكم، وقطع أسباب الغم دونكم، فإنهما يفسدان الأعمال، ويورثان الملال، ويفلان عزائم الجد، ويشغلان عن سلوك القصد، وإن عرض في نفوسكم، أو خطر بقلوبكم، بعض خواطر النفس الدواعي إلى غير البر والتقوى فاحذروا أن يغلب عليكم فيه، ما يوعِّر عليكم سبيل ما قصدتم إليه، وانفوا ما عرض لكم من ذلك كله من أمر الله بما ينفيه، ففي ذلك ولا قوة إلا بالله ما تقوون عليه، وانفوا الهمّ عنكم فيه برجاء الفرج وتأميله، وبما رأيتم من تغيير أمر الدنيا وتبديله.

واعلموا أن الفرَج والسهل بعد الهم والوعر، والراحة واليسر، بعد النصب والعسر، كما قال الله تبارك وتعالى: ?فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً () إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً? [الشرح:5ـ6]، وقال الرسول عليه السلام، فيما قد نقلته العوام: ((اشتدي أزمة تنفرجي))، واستعدوا الصمت عمَّا لا يعنيكم، فإن ذلك إذا غلب عليكم، جلا عنكم بإذن الله ما في قلوبكم من العمى، وإن عين القلب لا تبصر إلا في الضياء وبعد الجلى، وجلاء القلب صمته عما لا يعنيه، ونظره فيما له من الله وعليه، والمرآة ذات الصدى، لا تُرِي إلا بعد أن تُجلى، وكذلك فلن يصل أحد إلى أن يخلص حبا لله وارتضائه، والسرور بما أعد في دار البقاء لأوليائه، والعجب بما أراه الله من عظمته، إلا بعد الجلاء للقلب من درن خطيئته، ولا يقتصر أحد في سلوك هذه السبيل على ترك الطعام، وإدمان قراءة القرآن، دون أن يخلط ذلك بالنظر إلى ما عند الله بقلبه، ويتفهم في ما يقرأ كل ما أمر الله به، فإنه لا غنم لمن جعل ما هو فيه من صيامه، ليس إلا تركه لما ترك من طعامه، ولا من جعل قراءته بالتلاوة شغلاً، ومِن فهمه لما فيه عن الله بدلاً.

واصحبوا الراسخين في العلم، فإن فيهم عصمة لمعصتم، واقتفوا وفقكم الله صلاح آثارهم، وانفوا الوحشة عنكم بصحبتهم واختيارهم.

ومن سلك هذه السبيل المكرمة الخالصة، فعارضه فيها من الوساوس المغوية، ما يوعر عليه سبيلاً، أو يدخل قلبه من فترة دخيلاً، فليذكر أنه في مسلك سبيل أولياء الله الذين اصطفى، وأنهم باحتمال ما هم فيه من المؤنة استحقوا عند الله المنزلة والزلفى، وبها وصلوا إلى ثواب الله الأكرم، ومحل أوليائه الأعظم.

مثل طالب الدنيا وطالب الآخرة
ثم ليقس نفسه فيه، وفيما يرجو من جزاء الله عليه، بمن يغوص في لُجِّ البحر، لابتغاء الدر، وهو يوغل في حفر المعادن لابتغاء الذهب، ويسير له في آفاق الأرض بجهد الطلب، وينصب نفسه لمقاساة المُلك الزائل، ويقاتل عليه وفيه كل بطل منازل، ومن يطلب مالا يفنى ويزول، ولا يغيّره مغيِّر من البلاء فيحول، من الملك الباقي السرمدي، والنيل الدائم الأبدي، أيهما أولى بالصبر على التعب، والاجتهاد بصدق الطلب، فقد يعلم أنه لا أحد أخسر في صفقته، ولا أفحش في الحمق من حمقته، ممن اعتاض زائلاً بمقيم، وبؤساً _إن كان عاجلاً_ بنعيم، فأشعِروا أنفسكم هذا وذكره، يسهل عليكم ما وعَّرتِ الوساوس أمره.

وإن عرض لكم سوء تفكير، وشنع عليكم حالاً من حال الخير، يشغل بوسواسه ضمائر قلوبكم، فميزوا بين ذلك وبين ما عرض بصحيح عقولكم، ولا ترضوا من أنفسكم فيه بغير صحيح أموركم، فإن أَخونَ الناس لنفسه، وأجهلهم بيومه وأمسه، من رضي بتشبيه العلانية، وأنكر صدق السريرة الباطنة.

واعلموا أنكم إن رضيتم، أو خضعتم في ذلك وأغضيتم، فَتَنَكُم فيه عدوكم، وسبى بغروره فيه عقولكم، فاعتصموا بالله عن سبياته، واستدفعوه لا شريك له لبلياته، فإنه عز وجل غاية الاعتصام، واقْصِدُوا قَصدَ ما برزتم له بالتمام، فإن كل من نكَل عن بغيته، بعد أن أنصب نفسه في طلبته، أسوأ في ذلك حالاً، ممن لم ينصب فيها اشتغالاً.

واذكروا ما وُعدتم من النعيم الدائم المقيم، وما أوجب الله لمن لم يجب دعاءه من العذاب الهائل الأليم، ثم اسألوا الله فيما اعتصمتم به بنفي غمكم، واكتفوا بمعونة الله فيه يقلُّ همكم.

التوبة
ومن عثر في هذه السبيل بعد سلوكه لها فلا يقطع من الله رجاه، ولا ييأس مما أعد الله لكل من أخطأ خَطَاه، من رحمته التي وهب منها أفضل الموهبة، وجعلها للخاطئين عند الخطيئة في قبول التوبة، فإن الله تبارك وتعالى لم يقم للتائبين منهاجاً، ولم يجعل لكل نفسٍ تائبة إليه من العقوبة إخراجاً، إلا لما أحب من بسط العفو والمغفرة، وتعريف مكان حلمه بالعفو بعد المقدرة، فإن أنتم زللتم عن طاعته، فلا تزولوا عن طلب عفوه ومغفرته، فإنه يبلغكم بسعيكم في طلب عفوه، منازل الساعين في طلب ثوابه، وكما أن الله تفضّل من ثوابه بأكثر من عمل العاملين، فكذلك تفضل بالعفو على من أناب إليه من الخاطئين، وكما أن طالب الضالة محبٌّ لوجودها وأدائها، والطبيب محبٌ لإبراء المرضى إذا عالجها من أدوائها، فكذلك الله تبارك وتعالى يحب توبة من دعاه إلى الإنابة من المذنبين، ولذلك مدح سبحانه إنابة من أناب إليه من المنيبين.

حذر النفس والهوى
واعلموا أن من سقط في البحر، وألقى بيده في لجج الغَمر، ولم يتحرك في طلب الحياة، لم يُطمَع له يقيناً بتًّا بنجاة، ومَن وطَّن نفسه على الهلكة، يئس من أن يدركه الله بنجاته المدرِكة، ومن يئس من الأسباب المنجية، لم يتب من قبيح سيئةٍ، ومن يَحسُن ظنه بربه، لا يعدم حسن الجزاء في ظنه به، ومن يسوء ظنه بالله وفيه، فلا يعرف إحسانه إليه، ولا يستوجب منه ثواباً، ولا يأمن له _إن عقل_ عقاباً، وثواب الله على حسنِ ظنٍّ مِنْ عبدِه به، عوضٌ من جزائه له على حسن عمله.

فالحذر الحذر فإن المنفعة في الحذر عظيمة، والاستعانة بمعرفتها حصن وغنيمة، فاستعينوا بالحذر والتيقُّظ عن الغفلة، وما ليس بمأمونٍ أن يعارضكم من الملالة.

واعلموا أن الأنفس تؤثر حب الخفض والراحات، وكل ما كان لها فيه من عاجل سرور وفرحات، بغلبة غالبة لها عليها، وصغوِّ مصغٍ شديد إليها، فإن أهملتم أنفسكم أغارت غارة السبع في شهواتها، وملكتها الغفلة فخالفتكم في أكثر حالاتها، وإن انتبهتم وحذرتم، قويتم على بلوغ ما طلبتم، وإن وَنَيتم وقصرتم، وعميتم عما بُصِّرتم، غلبت عليكم غوالب الحيرة والهوى، وأسلمكم الله إلى ما آثرتم عليه من غير التقوى، ألم تسمعوا لقول الله تعالى، فيمن غلب عليه العمى، وجانب سبيل الهدى: ?أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ? [الجاثية:23]، فلما اتبعوا أهواءهم أعماهم، ولما آثروا تقواهم هداهم، ألم يسمعوا قول الله تبارك وتعالى: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ () وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ? [محمد:16_17].

فليكن حذر الهوى من شأنكم الأكبر، والهرب بالجدِ من حظكم الأوفر.

فإنه بلغني أن بعض الصالحين كان يقول: النار تلحق ذا الخطو البطيء، وحديقة العاجز لا تعرى عن الشوك والحلافي، فكذلك قلوب أهل التقوى إن غلب عليها الوناء والعجز والغفلة، غلب عليها الخطأ والفساد وهي عنه ذاهلة.

فلا تتكلوا على ما سلف من أعمالكم، فتضيعوا فيما تستأنفون من بقية آجالكم، واجعلوا على فكركم من عقولكم رقيباً، كيلا تجول بكم فيما جعله الله ذنباً، وكذلك فاجعلوا على ألسنتكم لكيلا تنطق بما يسخطه، وعلى أسماعكم وأبصاركم لكي تفرغ لما يحبه، وزنوا _فيما بينكم وبين الله_ جميع أموركم، وارفضوا الفضول فيها من فعلكم وقولكم، واقتصروا على بغيتكم تستريحوا، وتَفَرَّغوا لها تنجوا به وتفلحوا.

الاخلاص
واعلموا أن الزَّراع الحكيم لا يثق في نفسه بسلامة ما بذر من زرعه فيه، حتى يستودعه الخزائن فتؤيه، فلا تثقوا بعملكم قبل الورود عليه.

واعلموا أن ما يعرض من الآفات، ويدخل على أهله من الغفلات، في طلب الآخرة أكثر منها في طلب الدنيا، وذلك لفتن الشيطان بحب المدح والرياء، واستشعار الكبر والخيلاء، وغير ذلك من معاريض مكره وكيده، وما يقاسَى فيه من الاخلاص وشدائده، فإن لم تَحْتَرِسُوا منها، وتحتجبوا بالله عنها، عارضتكم فيها الهلكة والتلف، ثم لم يكن في أيديكم إلا الحسرة والأسف.

فعليكم بقراءة الكتب الدَّآلة على حِكَمِ الله وعجائب قدرته، ولا تقرأوا ما قرأتموه منها للتزين في أعين الناس بقراءته، وانفوا عنكم تثاقل التلهية، بذكاء الفكر والنية، وإذا أُعطيتم فاشكروا، وإن فرحتم فاذكروا، وإن ابتليتم فاصبروا.

واعلموا أن الصلوات، ليست بطرب الأصوات، ولكنها بالباطن الظاهر، والفكر المنير الزاهر، والنية الصادقة، والضمائر المحققة، فاستعملوا ضمائركم بصحيح الاستعمال، ولا تميلوا إلى ظاهر المُراءاة باللسان، تكن أعمالكم مطيبة زاكية، وضمائركم لله خالصة نقية، ولن يكون الانسان في فعله خلصانياً، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله ولياً، إلا بإخلاصه لصلاته وصيامه، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه، فأطيعوا الله ما استطعتم، وأخلصوا له الطاعة إذا أطعتم، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله، تكونوا من السابقين دون غيركم إلى تعظيم الله، فقد نبهكم الله لها فأيقظكم، وأمركم بما تعملون منها فوعظكم. فالعجل العجل والحذر الحذر! والنجا النجا! والوحاء الوحاء! فقد حدانا الرسول على رفض الدنيا وأجهر، وحرَّك إلى قبول أمر الله فيها فاستنفر، كل نفس سوية مفكرة، ذات عين صحيحة جلية مبصرة، فما لأحد من عذر ولا علة، في وناءٍ ولا تقصير ولا غفلة.

فهل من مستجيب لله في ذلك مدَّكر؟! وهل من رائح إلى الله أو مبتكر؟! منيب إلى الله مستسلم، ومتعلق بحبل الله معتصم، فقد أرانا الله من معائب الدنيا ومساويها ما أراه، ففاز مَن بادر إلى الله في الإجابة برفضها إذ دعاه، فوجل من الله وأشفق، وسارع إلى الله فسبق، ولم يأخذ منها إلا ما طاب لله وزكا، ولم يختر على ما جعل الله من الحياة فيها سخطاً من الله وهلكاً، ولم يَغترِر بما أمده الله به من ماله وبنيه، وبما ظَاَهرَهُ الله من آلائه ونعمه إليه، فإنه يقول سبحانه: ?أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ()نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ () إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ () وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ () وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ () وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ () أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ () وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ? [المؤمنون:55-62]، ويقول سبحانه: ?وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ () وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ? [المؤمنون:73ـ74]، ويقول سبحانه: ? وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ () وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ () أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ () أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ

الْمُتَّقِينَ () أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ () بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ? [الزمر:54ـ59]، ويقول سبحانه: ?اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ? [الشورى:47]، فكفى بتذكير الله عز وجل وأمره فيما ذكَّرنا به وأمرنا من كل أمرٍ وتذكير، فأسعدكم الله بقبول تذكيره، وأيدكم في ذلك بتوفيقه وتبصيره، وبلَّغكم الله برحمته صالح أعمالكم، ونستودع الله لنا ولكم، ولجميع أحوالكم.

تم كتاب سياسة النفس والحمد لله كثيراً.

وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير.

3 / 4
ع
En
A+
A-