يَعْقُوبِيَّةٌ وَنَسْطُورِيَّةٌ وَمَلَكِيَّةٌ .
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوْهَرُهُ وَاحِدٌ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ : أُقْنُومُ الْأَبِ ، وَأُقْنُومُ الِابْنِ ، وَأُقْنُومُ رُوحِ الْقُدُسِ .
وَأَنَّ الِابْنَ هُوَ الْكَلِمَةُ ، وَالرُّوحُ هُوَ الْحَيَاةُ .
وَالْأَبُ هُوَ الْقَدِيمُ الْحَيُّ الْمُتَكَلِّمُ ، وَأَنَّ الْأَقَانِيمَ مُتَّفِقَةٌ فِي الْجَوْهَرِيَّةِ وَمُخْتَلِفَةٌ فِي الْأَقْنُومِيَّةِ ، وَأَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ عَلَى جِهَةِ النَّسْلِ بَلْ كَمُتَوَلَّدِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْعَضَلِ ، وَالْحَرِّ مِنْ النَّارِ ، وَالضَّوْءِ مِنْ الشَّمْسِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْنَ اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ ، وَأَنَّ شَخْصَ الْمَسِيحِ ظَهَرَ لِلنَّاسِ وَصُلِبَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا ضُرُوبًا مِنْ الْخِلَافِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَفِي الْيَهُودِ مَنْ يُشَبِّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ وَإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَآدَمَ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ بَعْدَ مُوسَى وَسَبْعَةَ عَشَرَ كِتَابًا بَعْدَ التَّوْرَاةِ إلَّا السَّامِرِيَّةَ فَنَفَوْا نُبُوَّةَ مَنْ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى إنْكَارِ الْمَسِيحِ إلَّا فِرْقَةً يَسِيرَةً ، وَعَلَى إنْكَارِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الشَّرَائِعِ وَفِي أُصُولِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
بَابُ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
( مَسْأَلَةٌ ) الْأَثَرُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : { سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي إلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً } .
الْخَبَرُ .
رَوَاهُ ( عو ) وَأَنَسٌ وَ ( ع ) قَالَ ( ي ) وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ قُلْت وَسَنُبَيِّنُ أَكْثَرَ هَذِهِ الْفِرَقِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ نُفَصِّلُ عَدَدَهَا .
( مَسْأَلَةٌ ) ( ف ) : فِرَقُ الْإِسْلَامِ سِتٌّ : الشِّيعَةُ ، وَالْمُعْتَزِلَةُ ، وَالْخَوَارِجُ ، وَالْمُرْجِئَةُ .
وَالْعَامَّةُ وَالْحَشْوِيَّةُ .
قُلْتُ : أَدْخَلَ الْمُجْبِرَةَ فِي الْمُرْجِئَةِ إذْ هُمْ جَمِيعًا مُرْجِئَةٌ ، وَغَيْرُهُ عَدَّهَا سَابِعَةً .
( مَسْأَلَةٌ ) وَكَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ : تَصْدِيقُهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ( كم ) وَأَوَّلُ خِلَافٍ حَدَثَ بَعْدَهُ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) قَضِيَّةٌ ( ) وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ ؛ لِتَصْوِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَلَا بِخِلَافِ مَنْ ارْتَدَّ إذْ لَيْسَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : وَلَا بِيَوْمِ السَّقِيفَةِ إذْ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْخِلَافُ بَلْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ قُلْت بَلْ اسْتَقَرَّ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَ إمَامَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنَّصِّ .
وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ( كم ) فَهُوَ حِينَئِذٍ أَوَّلُ خِلَافٍ .
قَالَ : وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الشُّورَى لَمْ يَكُنْ خِلَافًا بَلْ مَشُورَةً قُلْت بَلْ خِلَافٌ كَمَا مَرَّ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَاخْتَلَفُوا فِي ( ) فَرَأَى قَوْمٌ خَلْعَهُ ، وَرَأَى قَوْمٌ تَقْرِيرَهُ ، ثُمَّ حَدَثَ خِلَافُ أَهْلِ الْجَمَلِ ( كم ) فَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةُ ، وَأُسَامَةَ وَسَعْدٍ ( وَ عم ) فَلَمْ يُخَالِفُوا عَلِيًّا بَلْ تَوَقَّفُوا ، ثُمَّ حَدَثَ خِلَافُ مُعَاوِيَةَ ، فَكَانَ أَعْظَمَ حَادِثٍ ، ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَ التَّحْكِيمِ خِلَافُ الْخَوَارِجِ .
ثُمَّ حَدَثَ أَوَاخِرَ أَيَّامِ عَلِيٍّ قَوْلُ ابْنِ سَبَإٍ فَإِنَّهُ أَفْرَطَ فِي وَصْفِهِ وَبَعْضِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَنَفَاهُ عَلِيٌّ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى أَنْ مَاتَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَرَجَعَ وَاسْتَمَالَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهَا فِي سَبِّ الصَّحَابَةِ فَبَقِيَ فِي الرَّوَافِضِ إلَى الْآنَ .
ثُمَّ حَدَثَ رَأْيُ الْمُجْبِرَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَسُلُوكِ بَنِي مَرْوَانَ ، فَعَظُمَتْ بِهِ الْفِتْنَةُ ثُمَّ فَشَا الْقَوْلُ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ أَحْدَثَهُ ضَرِيرٌ زِنْدِيقٌ بِوَاسِطَ ، كَانَ ثَنَوِيًّا ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْهُ يُوسُفُ السَّهْمِيُّ ، ثُمَّ فَشَا فِي النَّاسِ .
فَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَسَبِيلُهُ تَصَوُّرُ الْعَامَّةِ لِلصَّانِعِ مَعَ دَسِيسٍ مِنْ الْمُلْحِدَةِ وَوَضْعِ أَخْبَارٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ حَدَثَ فِي الْمُشَبِّهَةِ مَنْ زَعَمَ : أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ ، كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ،
وَهِشَامٍ الْجَوَالِقِيِّ وَجُلِّ الرَّوَافِضِ إلَّا مَنْ اخْتَلَطَ مِنْهُمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ كَابْنِ الْأَحْوَصِ .
ثُمَّ حَدَثَ رَأْيُ الْكَرَّامِيَّةِ قَوْمٌ مَنْسُوبُونَ إلَى ابْنِ كَرَّامٍ زَعَمُوا : أَنَّهُ تَعَالَى مَحِلُّ الْحَوَادِثِ ، ثُمَّ حَدَثَ رَأْيُ الْمُرْجِيَةِ لِأَخْبَارٍ وَظَوَاهِرَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَمَيْلِ النَّفْسِ إلَى الطَّمَعِ ، حَتَّى قَلَّ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالْوَعِيدِ ، ثُمَّ حَدَثَ إنْكَارُ خَلْقِ الْقُرْآنِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ السُّورَةُ الْمَكْتُوبَةُ .
ثُمَّ حَدَثَ قَوْلُ الْكَلَامِيَّةِ : أَنَّ السُّوَرَ لَيْسَتْ كَلَامَ اللَّهِ وَأَنَّ كَلَامَهُ صِفَةٌ لَهُ ، ثُمَّ حَدَثَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ : بِأَنَّهُ مَعْنًى قَدِيمٌ ( ع ) ثُمَّ حَدَثَ الْقَوْلُ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ إنْكَارِ التَّشْبِيهِ ، وَكَانَ يُقَالُ بِهِمَا حَتَّى ظَهَرَ فَسَادُ التَّشْبِيهِ ع ) .
وَمِنْ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ : مُخَالَفَةُ الْمُرْجِيَةِ فِي الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ، فَالْخَوَارِجُ كَفَّرَتْ الْفَاسِقَ ، وَقَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ، وَقَوْمٌ زَعَمُوهُ مُنَافِقًا .
لَا يُقَالُ بَلْ أَحْدَثَ الْخِلَافَ وَاصِلٌ بِتَسْمِيَتِهِ فَاسِقًا إذْ لَا مُخَالِفَ فِي فِسْقِهِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَ ( الشِّيعَةُ ) ثَلَاثُ فِرَقٍ : زَيْدِيَّةٌ ، وَإِمَامِيَّةٌ وَبَاطِنِيَّةٌ ، فَ ( الزَّيْدِيَّةُ ) مَنْسُوبَةٌ إلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجْمَعُ مَذْهَبَهُمْ تَفْضِيلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَوْلَوِيَّتُهُ بِالْإِمَامَةِ ، وَقَصْرُهَا فِي الْبَطْنَيْنِ ، وَاسْتِحْقَاقُهَا بِالْفَضْلِ وَالطَّلَبِ لَا بِالْوِرَاثَةِ ، وَوُجُوبُ الْخُرُوجِ عَلَى الْجَائِرِينَ ، وَالْقَوْلُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالْوَعِيدِ ، ثُمَّ افْتَرَقُوا ( جَارُودِيَّةٌ ) وَ ( بَتْرِيَّةٌ ) فَالْجَارُودِيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي الْجَارُودِ زِيَادَةَ بْنِ مُنْقِذٍ الْعَبْدِيِّ أَثْبَتُوا النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْوَصْفِ دُونَ التَّسْمِيَةِ ، وَكَفَّرُوا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ النَّصَّ ، وَأَثْبَتُوا الْإِمَامَةَ لِلْبَطْنَيْنِ بِالدَّعْوَةِ مَعَ الْعِلْمِ ، وَالْفَضْلِ ، وَيُنْسَبُ إلَى بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِالْغَيْبَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَأَمَّا الْبَتْرِيَّةُ وَأَصْحَابُ ( لح ) فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ شُورَى تَصِحُّ بِالْعَقْدِ ، وَفِي الْمَفْضُولِ وَيَقُولُونَ بِإِمَامَةِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ أَوْلَوِيَّةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَهُمْ وَسُمُّوا بَتْرِيَّةً لِتَرْكِهِمْ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ .
وَقِيلَ : لَمَّا أَنْكَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَرِيرٍ النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمَّاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ : أَبْتَرَ قُلْت وَخَالَفَ مُتَأَخِّرٌ وَهُمْ مَا بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ حَيْثُ أَثْبَتُوا إمَامَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ الْخَفِيِّ ، فَخَطَّئُوا الْمَشَايِخَ بِمُخَالَفَتِهِ ، وَتَوَقَّفُوا فِي تَفْسِيقِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّرْضِيَةِ عَنْهُمْ ، وَتَشَيَّعَ مِنْ كِبَارِ السَّلَفِ ( لح ) وَأَخُوهُ عَلِيٌّ وَهُمَا ابْنَا صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَوَكِيعٌ يَحْيَى بْنُ آدَمَ .
وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ .
وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْإِسْكَافِيُّ وَابْنُ الْمُعْتَمِرِ وَغَيْرُهُمَا ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ : سُلَيْمَانُ بْنُ جَرِيرٍ ، وَكَثِيرُ النَّوَا .
وَانْقَسَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَاسِمِيَّةً ، وَنَاصِرِيَّةً ، وَكَانَ
يُخْطِئ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى خَرَجَ الْمَهْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدَّاعِي ، وَأَلْقَى إلَيْهِمْ أَنَّ ( كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ) وَأَئِمَّتُهُمْ الْمَشْهُورُونَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ بِالْفَضْلِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَأَكْثَرُ مَنْ أَيَّدَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْإِمَامِيَّةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَعْلِهَا أُمُورَ الدِّينِ كُلَّهَا إلَى الْإِمَامِ وَأَنَّهُ كَالنَّبِيِّ وَلَا يَخْلُو وَقْتٌ مِنْ إمَامٍ إذْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَسُمُّوا رَافِضَةً لِرَفْضِهِمْ إمَامَةَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ .
وَقِيلَ لِتَرْكِهِمْ نُصْرَةَ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّصَّ فِي عَلِيٍّ جَلِيٌّ مُتَوَاتِرٌ وَأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ ارْتَدُّوا وَعَانَدُوا ، وَأَنَّ الْإِمَامَ مَعْصُومٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ الْمُعْجِزُ وَيَعْلَمُ جَمِيعَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِشَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا عَنْهُ ، وَيُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ وَالِاجْتِهَادَ وَأَخْبَارَ الْآحَادِ وَلَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الظَّلَمَةِ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِهِ وَأَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ .
ثُمَّ افْتَرَقُوا فِرَقًا كَثِيرَةً كَيْسَانِيَّةً ، وَمُغِيرِيَّةً ، وَمَنْصُورِيَّةً ، وَمُبَارَكِيَّةً ، وَجَعْفَرِيَّةً ، وَقَاوُوسِيَّةً ، وَجَعْفَرِيَّةً ، وَسَمْطِيَّةً وَعِمَارِيَّةً ، وَمَفْضَلِيَّةً وَقَطْعِيَّةً ، وَافْتَرَقَتْ الْقَطْعِيَّةُ فِرَقًا كَثِيرَةً قَدْ انْقَرَضَ أَكْثَرُهَا وَخَرَجَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ الْأُمَّةِ كَالْكَامِلِيَّةِ ، وَالسَّبَئِيَّةِ ، وَالْخَطَّابِيَّةِ ، وَالرَّزَاهِيَّةِ ، وَالسُّمَنِيَّةِ .
وَمِنْ أَوْضَحِ دَلِيلٍ عَلَى إبْطَالِ مَا يَدْعُونَ مِنْ النَّصِّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ اخْتِلَافُهُمْ عِنْدَ مَوْتِ كُلِّ إمَامٍ فِي الْقَائِمِ بَعْدَهُ ، وَمِنْ أَكَابِرِهِمْ ، هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَغَيْرُهُ ، وَفِيمَا انْفَرَدُوا بِهِ الْقَوْلُ بِالْبَدْءِ وَالرَّجْعَةِ وَأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ حَادِثٌ ، وَأَطْبَقُوا إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَلَى الْجَبْرِ وَالتَّشْبِيهِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْبَاطِنِيَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ خَارِجُونَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَكِنْ انْتَحَلُوهُ ظَاهِرًا فَعُدُّوا فِي فِرَقِهِ ، وَلَا يَكَادُ يُعْرَفُ مَذْهَبُهُمْ وَلِتَسَتُّرِهِمْ وَإِحْدَاثِهِمْ كُلَّ وَقْتٍ مَذْهَبًا ، وَفَشَا مَذْهَبُهُمْ بَعْدَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، أَحْدَثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ ، وَكَانَ مَجُوسِيًّا فَتَسَتَّرَ بِالتَّشَيُّعِ لِيُبْطِلَ الْإِسْلَامَ ، وَسُمُّوا ( بَاطِنِيَّةً ) لِدَعْوَاهُمْ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِنًا .
وَ ( قَرَامِطَةً ) نِسْبَةً إلَى رَجُلٍ يُسَمَّى قُرْمُطًا .
وَجُمْلَةُ مَا حُصِّلَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الدِّينِ : الْقَوْلُ بِأَصْلَيْنِ رُوحَانِيَّيْنِ ، السَّابِقُ وَالتَّالِي ، هُوَ الْمُدَبِّرُ وَقِيلَ : بَلْ هُمَا ، وَالْعِلَّةُ وَهِيَ الْبَارِي لَا تُوصَفُ بِوُجُودٍ وَلَا عَدَمٍ وَلَا غَيْرِهِمَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ ، وَيُثْبِتُونَ النُّبُوَّةَ ظَاهِرًا وَيُنْكِرُونَ الْوَحْيَ ، وَهُبُوطَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْمُعْجِزَ بَلْ يَجْعَلُونَهُ رُمُوزًا فَثُعْبَانُ مُوسَى حُجَّتُهُ ، وَالْغَمَامُ أَمْرُهُ ، وَأَنْكَرُوا كَوْنَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ ، بَلْ رَمْزًا إلَى أَخْذِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ بَلْ تِلْمِيذٌ حُجَّةٌ مِنْ نُقُبَا زَمَانِهِ ، وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى إشَارَةٌ إلَى الْعِلْمِ ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ الْأَصَابِعِ إشَارَةٌ إلَى كَثْرَةِ الْعِلْمِ ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ خُرُوجُ الْإِمَامِ .
قَالُوا : وَالنُّبُوَّةُ قُوَّةٌ تَرِدُ مِنْ التَّالِي عَلَى قَلْبِهِ فَيَعْرِفُ بَوَاطِنَ الْأَشْيَاءِ وَطَبَائِعَ الْأَجْسَامِ .
وَالْقِيَامَةُ : قِيَامُ الْإِمَامِ ، وَالْمَعَادُ : عَوْدُ كُلِّ شَيْءٍ إلَى أَصْلِهِ مِنْ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ ، وَأَوْجَبُوا قَبُولَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَمَعْرِفَةَ بَاطِنِهِ وَرُمُوزَاتِهِ ، وَجَعَلُوا الصَّلَاةَ إشَارَاتٍ إلَى أَشْيَاءَ وَالْجَنَابَةُ إظْهَارُ الْعِلْمِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَ ( الْخَوَارِجُ ) يُسَمَّوْنَ الشُّرَاةَ ، وَالْحَرُورِيَّةَ ، وَالْمُحَكِّمَةَ ، وَيَرْضَوْنَ بِذَلِكَ ، وَالْمَارِقَةَ ؛ لِلْخَبَرِ ، وَلَا يَرْضَوْنَهُ وَيَجْمَعُهُمْ إكْفَارُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( ) وَكُلِّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً ، وَأُصُولُ فِرَقِهِمْ خَمْسٌ : الْأَزَارِقَةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي رَاشِدٍ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ ، وَالْإِبَاضِيَّةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ إبَاضٍ .
وَالصُّفْرِيَّةُ ، إلَى رَمَادٍ الْأَصْفَرِ .
وَالْبَيْهَسِيَّةُ ، إلَى أَبِي بَيْهَسٍ ، وَالنَّجَدَاتُ ، إلَى نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ .
ثُمَّ تَشَعَّبُوا وَأَنْشَأَ مَذْهَبَهُمْ عِنْدَ التَّحْكِيمِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، وَفَارَقَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَهُمْ وَقَائِعُ فِي التَّوَارِيخِ وَأَكْثَرُ مَذْهَبِهِمْ فِي الْجَزِيرَةِ ، وَالْمَوْصِلِ ، وَسِجِسْتَانَ وَمِنْ مُصَنِّفِيهِمْ : أَبُو عُبَيْدَةَ .
وَأَبُو الْعَيْنَا وَغَيْرُهُمَا .
( مَسْأَلَةٌ ) وَ ( الْمُجْبَرَةُ ) يُسَمَّوْنَ مُجَوَّرَةً ، وَقَدَرِيَّةً ، وَمُجْبَرِيَّةً ، وَلَا يَرْضَوْنَ أَيَّهَا .
بَلْ يَتَسَمَّوْنَ ب ( السُّنِّيَّةِ ) وَيَجْمَعُ مَذْهَبَهُمْ : الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ ، وَإِرَادَةِ الْمَعَاصِي ، وَتَعْذِيبِ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ ، وَأَنَّ فِعْلَهُ تَعَالَى لَا لِغَرَضٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبُحُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَأَنَّ الْقَبَائِحَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
ثُمَّ افْتَرَقُوا : فَالضِّرَارِيَّةُ أَصْحَابُ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو : اخْتَصُّوا بِأَنَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِحَاسَّةٍ سَادِسَةٍ ، وَأَنَّ الْجِسْمَ أَعْرَاضٌ مُجْتَمِعَةٌ ، وَأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ بَعْضُ الْمُسْتَطِيعِ ، وَ ( الْجَهْمِيَّةُ ) أَصْحَابُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ : تَفَرَّدُوا بِأَنْ لَا فِعْلَ لِلْعَبْدِ .
بَلْ كَالشَّجَرَةِ ، وَفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ الْمَعْرِفَةُ .
وَ ( النَّجَّارِيَّةُ ) مَنْسُوبَةٌ إلَى الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّجَّارِ تَفَرَّدُوا بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَإِثْبَاتِ خَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَالْقَوْلِ بِالْبَدَلِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَ ( الْكُلَابِيَّةُ ) أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَابٍ لَمْ يُصَرِّحُوا بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ ، وَإِنْ لَزِمَهُمْ مِنْ الْقَوْلِ بِمُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ لِمَقْدُورِهَا .
وَ ( الْأَشْعَرِيَّةُ ) أَصْحَابُ أَبِي الْحَسَنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي بِشْرٍ الْأَشْعَرِيِّ : كَالْكُلَّابِيَّةِ ، لَكِنْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسْمُوعٌ ، وَقِدَمِ قُدْرَتِهِ ، وَعِلْمِهِ ، وَحَيَوِيَّتِهِ ، وَتَجْوِيزِ إثَابَةِ الْكُفَّارِ ، وَتَعْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ ( الْبَكْرِيَّةُ ) أَصْحَابُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ : اخْتَصَمُوا بِأَنَّ الطِّفْلَ لَا يَتَأَلَّمُ وَأَنَّ إمَامَةَ ( ) مَنْصُوصَةٌ نَصًّا جَلِيًّا وَ ( الْكَرَّامِيَّةُ ) أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ : وَهُمْ فِرَقٌ جَمَعُوا بَيْنَ الْجَبْرِ وَالتَّشْبِيهِ وَمَنَعُوا تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ وَمُقَارَنَةَ الْقُدْرَةِ لِلْمَقْدُورِ ، وَظَهَرَ مَذْهَبُ الْمُجْبِرَةِ فِي أَيَّامِ