وكانت له رؤيا صادقة لا ريب أنها من الوحي وهي كثيرة جداً من ذلك ما كان يعجب به سيدنا - رحمه الله - قال: كنت كثيراً ما يدور في خلدي الإعتراض على أهل المذهب في انفرادهم بحيّ على خير العمل دون الفقهاء جميعهم، فرأيت الشيطان في المنام - نعوذ بالله منه - فذكرت فضيلة الأذان، وأنه عند تغوُّل الغيلان ينبغي الجهر بالأذان والإقامة، فأذنت فمكث الشيطان يتسمع ألفاظ الأذان حتى سمع حيَّ على خير العمل، ثم هرب وله ضراط. وغير هذه الرؤيا من المعجبات له - رحمه الله -.
وكان له شعر في الذروة العالية، وكان مكثراً في الحكمي والحميني، وكان يتجارى هو والفقيه(1) العارف محمد الرداعي، وكان الرداعي هذا من فصحاء الزمان وأدباء الوقت حافظاً للآداب، ومطلعاً على اللغة حتى قيل في حقه: إنه يحفظ صحاح الجوهري، وكان لا ينوب السيد صلاح الدين نائبة، قلَّت: أوجلت إلا وكتب إليه الفقيه منتهزاً للفرصة ويلمح بعبارات عجيبة من أنواع الحميني ومن الحكمي أيضاً، وكان لا يتفق مع الفقيه شيء إلا وانتهز(2) السيد - رحمه الله - الفرصة، وكان(3) لا يحتشمان في المجاراة الأدبية، بل يرخون العنان على طريقة الأدباء، وهكذا كان السيد - رضي الله عنه - على جلالة قدره يجاري بالملح الهزليات، ولا ينقص ذلك من قدره شيئاً، ولما اطلع سيدنا على شيء من أحوال ابن الخشاب النحوي قال في تبذله وعلمه: ما يشبه أحوال السيد وإن كان الأعداء قد نقلوا عن ابن الخشاب ما هو عنه بريء من الأدب الذي يستبعده العلماء.
/210/ وللسيد ديوان شعرٍ كامل جمعه ولده السيد الأديب عبد الخالق بن صلاح - رحمه الله -(4)، فمن ذلك ما كتبه في مدح مصحفه الكريم:
حبّذا مصحفي الذي اجتمعت لي ... فيه كل الشرائط المعجباتِ
عرضي المحاسنِ انضمَّ فيه ... باعتدالٍ إلى الجمالِ الذاتي
__________
(1) في (ب): والأديب.
(2) في (ب): وانتهض. أو انتهز ظن في (ب) أيضاً.
(3) لعلها: وكانا.
(4) في (ب) زيادة: تعالى.
فبه معجز العناية خطاً ... ونقوشاً ومعجز الآياتِ
وبه جُلّة المشائخ والقر ... اءة وأهل الخلاف في الحركاتِ
مثل قالون والإمام أبي عمـ ... ـرو وحفصٍ وحمزة الزيَّاتِ
وبه الوقف والإمالة والإخـ ... ـفا وحكم التسهيل للهمزاتِ
وعشور منبثة كزهورٍ ... في رياضٍ أنيقة غدقاتِ
فبه للقلب والسمع واللحـ ... ـظ ضروب شتى من الشهواتِ
فهو مما اصطنعتُ حقاً لنفسي ... أبتغي منه أقربَ القرباتِ
وهو لا شك روضتي وغديري ... فيه حقاً تكاملت لذاتي
وهو أنسي إذا عدمت أنيسي ... وسميري الشهي في خلواتي
وشفيعي إلى الإله وجيهاً ... في الذي أبتغيه من حاجاتي
وهو فوز أرجوه في اللحد ينجا ... ب به عنه موحش الظلمات
وأمامي يوم المعاد وذخري ... في حياتي الدنيا وبعد مماتي
ومن ملحه ما كتبه عقيب فراغه من كتابه ترجمة الحسين بن حجاج الأديب في كتاب اليتيمة للثعالبي:
الحمد لله تخلَّصت من ... حنث مقالات ابن حجاج
غسلت أقلامي ومن ليفتي ... عصرت ماء العفص والزاج
كنيف سوق من يرد حوضه ... لم يك مما فيه بالناجي
ما كان للناس إلى غيره ... في شعراء العصر من حاجي
وله قصائد غر يشحذ بها العزائم أيام الجهاد وأثارت وأثرت، من ذلك إلى سلاطين الإسلام أولاد القاسم المنصور، وإلى الأمراء كالأمير الحسين بن محمد بن الناصر شعر يفوق أشعار العصر وما قبله، وكمل قصيدة السيد الهادي بن إبراهيم الوزيري التي بنى عليها كتابه (نهاية التنويه) وذلك بإشارة سيدنا شمس الإسلام والتكملة الطويلة لسيدنا كما ذكرناها في ترجمته - رحمه الله تعالى - ومما حضرني عند الرقم ما كتبه إلى سلطاني المسلمين الحسنين، وهما بحدة حاصران لصنعاء وملوك الأروام بها ولم أنقلها اختياراً فكل شعره مختار إلا أنها حضرت عند الرقم:
بالصبر حيث ترى الأبطال تنهزمُ ... يستوجب الذكر بين الناس والكرمُ
وما يبيِّنُ َمقدار الرجال سوى ... وقائعٌ شبن من أهوالها اللممُ
كم مدَّعٍ رُتبةَ الإقدامِ ما ثبتتْ ... له مع صاربي(1) هام العُدا قدمُ
/211/
لو لم يرض في ميادين الوقائع لم ... يسكت له عن دعاوى المقدمين فَمُ
وقائد الجيش من لم يثنه مَلَلٌ ... عن المصاع ولم يعلق به سَأَمُ
ولم يهيجه ذِكْرٌ للنمارقِ في ... أعلى العلالي ولا الأطفال والخدمُ
ولا يخير أصناف المطاعم والـ ... ـلذات حيث ينال الناس ما احتكموا
سمت به نفسه عن قود شهوته ... ورفعته ولم تقعد به الهممُ
ولم يزل بأقاصي كل ناحيةٍ ... يشبّ ناراً على الأعداءِ تضطرمُ
ما سار في أرضهم جيش إلى بلدٍ ... فطنبت لهمُ في سوحهم خيمُ
إلا أزارهمُ(2) الجيش اللهام فأضحـ ... ـى وهو في لهواتٍ منه ملتهمُ
كالضيغم الحسن الضرغام من حسنت ... منه المآثر والأخلاق والشيمُ
ليث الوقائع محمود الصنائع مر ... هوب الروائح أمَّا تلتقي البهمُ
وكالحسين أخيه من به فخرت ... على ذوي جنسها المران والخدمُ
الطاعني كل قرنٍ في الهياج وشخـ ... ـص الموت يسفر أحياناً ويلتثمُ
والضاربي هامَهم والخيل واقفة ... خوف الطعان وموج الموت يلتطمُ
جيشاهما بهما إن حاربوا اعتصموا ... وكل ملكٍ بدفع الجيش يعصتمُ
هما استلانا الدلاص الزعف سابغة ... وما يناسبهما في مثلهم أدُمُ
هما استخفَّا ثقيلان(3) الترائك إذ ... لم يقدر البيض من أمثالهم قممُ
وأفحما الخيل إذ يثني مقدمها ... يوم الكريهة حر الطعن لا اللجمُ
حتى إذا ما صفا شرق البلاد لهم ... وغربها وأطاع العرب والعجمُ
تيمما شطر صنعاء المدينة قد ... غصت بجيشهمُ الغيظان والأكمُ
حتى استدارت بصنعاء جيوشهم ... تتلوهم أممٌ من خلفها أممُ
وصار في حدَّة الغنَّا معسكرهم ... وهي التي كسواد العين يحترمُ
ما دار في أمَلٍ غشيان تربتها ... ولا يُمثِّله في الرقدة الحلمُ
رعى مصُون حماها كل ذي قدمٍ ... تسعى وغاب بها المخدوم والخدمُ
__________
(1) في (ب): صارمى.
(2) في (ب): أزارهم.
(3) في (ب): ثقيلات.
تلك البقاع التي كانت ممنعة ... يحيل موثقهن الأعبد القزمُ(1)
مرانة لخيول المسلمين وقد ... كانت ترن بها الأوتَار والنغمُ
أبلغ إلى حيدرٍ مني مُغَلغلة ... وإن تمادى به من طائفٍ لممُ
وقل أطل دم أهراقها سفهاً ... أم مسَّه من تعاطي سفكه ندمُ
أم صبَّحته الجياد الجرد حاملة ... أسداً لها لِدَم في قلبها قدمُ
زارته في عقر صنعاء تبتغي ترة ... وخير من يطلب الأوتار مغتشمُ
طافت بصنعاء فانسدَّت مسالكها ... وضاق منها خناق الخلو والكظمُ
أين المفر إذا ما كنت تطلبه ... والبحر لا أمم والبر لا أممُ
/212/
إن كان ألهتك صنعاء إذ رتعت بها ... كما تُسام بلا عقلٍ لها النعمُ
فأنشدن(2) ما تقول العرب في مثل ... وأين من مثلك التمييز والفهمُ
لا حبَّذا أنت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوَى مني ولا نقمُ
ولا يحاول قتالاً كان حاصله ... عليك لا لك لا يذهب بك الصممُ
لا يفسدن نية التقيا عليك فقد ... حلَّت بسوحك فاستسلم لها نقمُ
لو أنت سالمت أو أبقيت لانقشعت ... عنك الصواعق وانهلت لك الديمُ
لكنه من أراد الله فتنته ... فليس يملك منه البرء والسقمُ
يا سادة زين مدح المادحين بهم ... بمدحهم يُبتدا شعري ويختتمُ
ليهنكم وافد العيد الشهيد بأن المجد(3) ... والفضل ما بين الورى لكمُ
وأنكم قد صدقتم في عهودكمُ ... حقاً وبرّ لكم من خلفكم قسمُ
رددتم عهد صفين فبينكم الـ ... ـمر قال والأشتر القوم الذين همُ
فمنهمُ من قضى نحباً فقد ربحوا ... وفي رياض جنان الخلد قد نعمُوا
ومنهمُ ناظرٍ باقٍ فما وهنوا ... لما أصاب ولا بانوا ولا سئمُوا
فكل كفٍّ تقي يستمد لكم ... نصراً إذا ما توارى شخصُها الظلمُ
وكل خاطب قوم فوق منبره ... فشطر خطبته في نصر جيشكمُ
حماكم الله ما غنَّت مطوقة ... وما مشت في الفلا الوخادة الرسمُ
__________
(1) في (ب): الأعبد القوم.
(2) لعلها: فأنشدت.
(3) في (ب): الأجر. نخ
وهذه أرجوزة أجاب بها سيدنا العلامة الناصر بن عبد الحفيظ المهلاَّ - حفظه الله - وهو أحد العلماء العاملين محقق كامل بليغ، قد صنف في العلوم ووضع للزيدية كثرهم الله طبقات، وأحضر الياقوت المعظم، وصنف في علم القراءة (المحرر) و(المقرر) وغير هذا، وقرأت عليه كثيراً من المصحف بروايتي قالون وورش ووضع لي أرجوزة أولها:
سألتني يابن أبي الرجالِ ... يا سامياً في رتب المعالي(1)
وأنت في هذا السؤال عندي ... كسائل كيف طريق نجدي
أهل طويل ذاك أم قصيرُ ... تَعَلُّلاً وهو بها خبيرُ
حتى قال:
قد كنت ألّفت لها المقررا ... ثم اختصرت بعده المحررا
وأخذ على هذا الأسلوب، وهو من أنبل العلماء وأحسنهم طريقة وسماحة وتواضعاً واطلاعاً على العلوم، وسيأتي ذكر والده عبد الحفيظ - إن شاء الله - وسبب الأرجوزة الواصلة من سيدنا ضياء الدين إلى السيد صلاح الدين أنه اجتمع السيد صلاح الدين بالسيد الرئيس أحمد بن صلاح بن الهادي والي جازان في الشجعة من الشرف عند موت السيد التقي ابن إبراهيم - رحمه الله - في سلخ صفر سنة خمسين وألف فوصف السيد أحمد للسيد صلاح سمكة قذفها البحر إلى موضع قريب من جازان من عجائب الوجود، فطلب السيد صلاح من السيد أحمد زيادة وصف السمكة فأمر سيدنا حسام الدين - عافاه الله - فكتب هذه الأرجوزة عنه:
/213/
الحمد لله على نعمائهِ ... حمداً على السابغ من آلائه
نسأله المزيد من إنعامهِ ... وأفضل الصلاة مع سلامهِ
على النبي المصطفى وآله ... سفن النجاة التابعي مقاله
ما سارت السفن على البحارِ ... وكور الليل على النهارِ
وبعد وافانا كتاب معجز(2) ... من ابن من له الكتاب معجز
وروده لمثلنا صلاحُ ... وكيف لا يفيدنا صلاحُ
وبحره من الأنام تغترف ... وفضله به الجميع يعترف
من ذا يحيط كابن عبد الخالقِ ... بما حواه البحر من دقائقِ
__________
(1) في (ب): الكمال.
(2) تمامه في (ب): من ابن من له الكتاب معجز.
تضمن السؤال عن شيء عجب ... أُلقي في الساحل في شهر رجب
في عام تسع بعد أربعينَ ... وبعد ألف قد مضت سنينَ
في دولة المولى الإمام الأعظمِ ... محمد نجل الإمام القاسمِ
وقلت صف فلي على الوصف حجج ... حدث عن البحر فما فيه حرج
نعم فقد أصبح في الغشيمة ... ما رأسه في الشكل مثل الخيمة
وهذه الدابة ذات الشحمِ ... كأنها مثل الكثيب الضخمِ
وطولها خمسون بالذراعِ ... وخمسة والعرض ذو اتساعِ
أما ارتفاعها فقدر تسعة ... وطول عظم كل لحي سبعة
كأنه في جرمه دعامة ... وقس على اللحى اتساع الهامة
وإنه لخمسة قد يثقلُ ... ودونهم للحيها لم ينقلوا
وعينها تدويرها ذراعين ... شاهدت ما أخبرت عنه بالعين
وقلت لي كيف فقار الظهرِ ... فقلت قدر العظم مثل الصخرِ
لسانها يشبه طرف العظبِ ... وذاك عن جرمٍ كبير ينبي
وكل ضلع طوله كاللحي ... وذا من الأوصاف بعض الشيء
قد اكتفيت فيه بالإشارة ... عن كله قد تقصر العبارة
وما رواه الحبر عن ذي البحر(1) ... في السمك المنبوذ عند البحر
وليس بحر الشام قد عرفتم ... بأنه البحر الذي ذكرتم
وما أتى في مثله عن جابرِ ... من أكله وسيفه المسافرِ
فذاك ممن قد عرفت أكبر ... ولحمه من لحم هذا أكثر
لأن وقب عينه كبيرُ ... ودهنه متسع غزيرُ
وضلعه من تحته مَرُّ جَمَلْ ... وفوقه فتى طويلاً قد حمل
وقد روى لنا الفقيه يوسف ... بأنه مثل الكثيب يوصف
ذاك الكثيب الضخم في الرواية ... والشهر للأكل رواه الغاية
لا مثل ما أوردت نصف شهرِ ... ثم أتوا إلى النبي الطهرِ
وقد رواه حجة للشافعي ... فخذ بتوجيه مفيد نافعِ
فأكلهم إن كان للضرورة ... كما روي في القصة المشهورة
ما أكل المختار من باقيهِ ... كلا ولا أدخله في فيهِ
وإن يكن ذلك ليس طافيا ... فبينوا لنا بياناً شافياً
وما الذي عليه في هذا البنا ... ومن بدا وجهه من صحبنا
[فبينوا توجهه تفضلاً ... وأحسنوا وبادروا تطولا](2)
__________
(1) لعلها: الحبر.
(2) سقط من (أ).
ووإن عرفتم طوله والعرضا ... ذكرتم من وصف ذاك بعضا
فإن فيه عبرة للسامعِ ... بها يزيد شكره للصانعِ
فأجابه السيد - رحمه الله -:
أهلاً بما وافى به النظامُ ... يخجل منه البدر التوامُ
من المعاني الغضَّة المبتكرة ... وجل أنواع البديع العطرة
تورية فيه وفيه إبهام ... إلى اقتباس أدركته الأفهام
وفيه نظم النثر وهو متعب ... إن لم (يلكه) مفلق مجرب
واللفظ فيه تابع للمعنى ... لا العكس فهو ساقط وأدنى
بَرَّزَ فيه الناظم المنطيق ... وجاء في النظم بما يليق
فاق على مستعملي اليراعة ... في جودة الخط وفي البراعة
آنق فاستعبد ذوق الذائقِ ... /214/ جاء بمثل الزهر في الحدائقِ
والزهر في جنح الظلام الغاسق ... أحسن من ذكر (اللوى) وبارق
أحكم وصف النون في نظامه ... بما يفوق الورد في أكمامه
بغير تعقيد ولا تكلف ... وغير تقعير ولا تعنف
فراقنا أكثر مما فيهِ ... من عجب البحر الذي يكفيهِ
أشبه زين الدين بن الوردي ... إذا غمصوا(1) كماله بجحدِ
فقال في المكتوب هذا ما اشترا ... محمد بن أحمد بن شنقرا
وكلها معروفة بين الورى ... فلا يرى أعجب منها محضرا
وذا لعمر الناظم الأديبِ ... لقد أتى بالعجب العجيبِ
لله من أنابه منابه ... لقد تحرَّى موضع الإصابة
واستكمل الوصف الذي يريده ... (2)
وكان قصدي بحديث جابر ... تصديقه والردع للمكابر
ثم أردت أنني أستوضح ... ذاك المقال في كلام يفصح
وأن يتم باقيَ الحكاية ... فإن فيها للإله آية
وما طمعت أن يكون نظماً ... ولم أحط بما هناك علماً
وكم خبايا قيل في الزوايا ... ممن حوى الفضل على البرايا
أحيت بما أهديت لي يا أحمدُ ... غار له الياقوت والزبرجدُ
ومثله في دفتر يجلدُ ... إذا قراه القارئون وحدوا
وقد ذكرت أن فيه حجَّة ... للشافعيِّ تشبه المحجة
وإنما قيل من التأويلِ ... ليس بشافٍ قط للغليلِ
وظاهر السنة والتنزيلِ ... يقضي له بواضح الدليلِ
__________
(1) في (ب): غمضوا.
(2) فراغ في (أ) و (ب).
وإنني أوجدك الانصافا ... لتستبين بعده الخلافا
فإنني عن ذا المقام قاصر ... وليس لي سهم اجتهاد قامر
لكنني أنفق مما عندي ... والله للقول الصواب يهدي
أقول ذا فعلٌ وللأفعالِ ... محتملات ليس كالأقوالِ
وعلة في أول الإسلامِ ... وكان قد وسع للأنامِ
وبعد جاء الشرع بالتشديدِ ... بنص كل عالم مفيدِ
والحل تعميم له تخصيصُ ... جاء عن الطهر به تنصيصُ
فمنه قول حيدرٍ في الطافي ... ولم يكن بدٌ من الإيقافِ
له على هذا فلا اجتهادُ ... ما مثل ذا عن نظر يفادُ
وانظر إلى ما خص معنى لا أجد ... مع عموم النفي من حصر وجد
كمثل ذي ناب وذي مخالب ... ومثل ما صف فلا تكاذب
فمثل جري وما رِما هي ... مستخبث من جملة المناهي
والسمك الأبيض ذو الفلوسِ ... يلذ عند الأكل للنفوسِ
والعلماء كلهم مصيبُ ... بعد اجتهاد ولهم ترتيبُ
من الصواب البعض لا الإصابة ... هذا الذي أحسن في الإجابة
والله بالقول الصواب أعلم ... وفوق ذي العلم عليم يعلم
قلت: ومن ملحه - قدس الله سره - أن العلامة الفقيه الأديب محمد الرداعي كان يتعلق بكتابه الكتاب المعروف (بكتاب العصا) ويهديه إلى الرؤساء من الأصحاب، فكتب إليه السيد - رحمه الله تعالى -.
أفشيت في الأرض كتاب العصا ... ففات في الكثرة عد الحصا
ما زلت تستجدي به دائماً ... ممن دنا منك وممن قصا
حتى غدا فخاً لقبض الذي ... أمثاله بالفخ لم يقنصا
إن الذي حن إلى مرقص ... كطالب في رأسه (مروصا)(1)
/215/
لا يكتم(2) الأمر على عارفٍ ... فالحال أن الحق قد حصحصا
ولا تهن عرضك بل أخلص الـ ... ـود فخير الناس من أخلصا
وصون عرض المرء قد قيل من ... أفضل ما ظن به فانتصا
ورحمة الله على آدم ... رحمة من عم ومن خصصا
لو كان يدري أنه خارج ... مثلك من أولاده لاختصى
فأجاب عليه:
أعني عليك النظم لا بل عصا ... فقلت لما عَنَّ واستوعصا(3)
__________
(1) مروصاً: لم أجدها في القاموس.
(2) في (ب): لا تكتم.
(3) في (ب): واستعوصا.
إنك روح الله عيسى الذي ... أحيا به الأكمه والأبرصا
نبوة منك على فترةٍ ... مات بها الفضل وحي العصا
إرهاصها شيء بلا موجب ... يا من غدا بالسب مستنقصا
خرجت بالزنبيل حمّلته ... لا تجداً(1) عن حمله مخلصا
وكل دهرٍ أنت من رفده ... فذاك دهر قالصاً (مهجصا)
ورحمة الله على آدم ... رحمة من عم ومن خصصا
توفي في الثلث الأخير من ليلة الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين وألف ببلدة حبور(2).
__________
(1) لعل الصواب: تجدنْ.
(2) في (ب): اتفق موته وموت السيد الحسين بن علي في ليلة واحدة، ووقت واحد وعام واحد، فسبحان من لا يزول ملكه. انتهى
صلاح بن عبد الله بن علي الشجري الحضاري [ - ]
السيد العلامة الأديب المنطيق صلاح بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن يحيى بن القاسم بن محمد بن إدريس بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبدالله سراج الدين الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن محمد بن حفيد بن عبدالرحمن الشجري بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - نسبه إلى الإمام سراج الدين الحاضري، نسبه إلى بيت حاضر من بادية صنعاء، كان ممن ألِيْنَ له من الكلام شديده، وقرب له من جميع أنواعه بعيده، وكان عالماً بالآداب لَسِناً فصيحاً، يروي عن الخاصة والعامة لطائف الكلام وملح النوادر مع وقار ووقوف على مقتضيات الأحوال، إنما يورد اللطائف عند أهلها ويخفي على العامة، كقوله في يوم عيدٍ اشتدَّ برده: هذا يوم برد وسلام، وقد اتفقت اللطيفة لغيره وهي موضوعة على طرف التمام، غير محجوب عنها أحد يمكن من باشقها وصقرها كالسيد - رحمه الله - وكقوله وقد دعاه رجل يسمى(1) بالقعود فلما آذن مجلس الضيافة بالتمام، وكان الجماعة من أهل الأدب قال: الفاتحة بنية القعود أن الله يجمّله ويرعاه، ففهمها الأديب وارتاح لها، وذلك دعاء للقعود أن يجمله الله أي يصيره جملاً ويرعاه من الرعي، والمعنى الآخر ظاهر، وكقوله لمولانا ضياء الإسلام إسماعيل بن إبراهيم بن جحاف وكان يتردد إلى الجامع بصنعاء لقراءة رسالة السمرقندي في الاستعارة على الشيخ العلامة عبد الرحمن الحيمي، فاتفق به السيد صلاح(2) وقال: كثر ترددكم إلى الجامع، فقال: معنا قراءة في علم المعاني على شيخنا فلان في الجامع، فقال بديهة: لا بأس فإن لصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى معرفة الجامع. وكقوله لما قال بعض النواصب: علم أهل البيت - عليهم السلام- لا يوقر حمار، فقال: (وكّف /216/ ظهرك).
__________
(1) في (ب): يُعرف.
(2) في (ب): الدين.