وقال - رضي الله عنه - لمَّا مررنا في قراءة المطوَّل بقول الشاعر:
إن دهراً يلم شملي بسعدا ... لزمانٌ يهم بالإحسانِ
قال شيخنا في هذا إخفاء فقلت في ذلك:
إن خلاً يقول هذا لخلٍ ... وإلهي من الجفا بمكانِ
ليس بعد اجتماع صبٍ بحب ... غير فعل الزمان للإحسانِ
وقال في التورية، وقال ليس المقصد إلا لها:
ومائس أرشفني ريقه ... لله من غصنٍ رطيبٍ وريق
نقي خدٍ فوقه جمرةٌ ... ففزت مابين النقا والعقيق
مثل سحيق المسك أصداغه ... واحسرتي من بعد ذاك السحيق
أغرقت في حبي له فانظروا ... إنسان عيني من هواه غريق
عتيق وجهٍ منهلي(1) ريقه ... لا غرو(2) وهذا زمزم والعتيق
رقيق حسنٍ رقه سيد ... مملَّك فاعجب لهذا الرقيق
قد فتق القلب غرامي به ... مذ باح [لي](3) واطرباً للفتيق
وله في الاكتفاء والاقتباس:
وغيد بأبيات العروض غرامها ... خرقن شغاف القلب فاتسع الخرقُ
وزنت بيوت الشعر يوم رحيلها ... الا فاستروا فالوزن يومئذٍ حقُ
وله فيها والاقتباس ورد العجز على الصدر:
ليت شعري متى أفوز بصحبٍ ... مزجوا كأس وصلهم زنجبيلا
وأرَى معشراً خفافاً لطافاً ... خلفوا للورى يوماً ثقيلا
وألاقي أحوَى أغن غضيضاً ... ردفه قد غدا كثيباً مهيلا
سل سبيلاً منه إلى كأس ثغرٍ ... تلقها إن شربتها سلسبيلا(4)
وله في التورية:
وربَّ غزالٍ فاتر اللحظ(5) فاتنٍ ... زكت منه أخلاق كما قد زكا بحرا
أتى نحو كهفي سارياً فشكرته ... لأنيَ أهوى الكهف والله والإسرا
وله فيها:
حمَى ثغرَه لمَّا أردتُ ارتشافه ... بسيفٍ بجفن منه جُرِّدَ للفتكِ
كذاك سيوف الهند تحمي بها الورى ... ثغور ذوي الإيمان خوف ذوي الشرك
وله فيها:
رُمْتُ أنفالاً من الخلِّ فما ... جادلي والله إلا ببراءة
ليته يؤنس بالوصل فتىً ... يتمنى أبد الدهر لقاءه
__________
(1) في (ب): منهلى.
(2) في (ب): لاعز.
(3) لعلها كلمة ساقطة.
(4) هذا البيت زيادة في (ب).
(5) في (ب): اللخط. ولعل الأصوب ما أثبتناه.

/204/ وهو مكثر من هذا المعنى، وله قصائد نبويات كثيرة، منها معارضة لقصيدة الإمام شرف الدين:
لكم من الحب صافيه ووافيه
ومعارضة لقصيدة الصفي الحلي:
فيروزج(1) الصبح أم ياقوتة الشفق
وغيرها ولم تزل حاله قرينة السداد بالسعادة محفوفاً بالفضل والفصل مخدقاً(2) نافذ الكلمة إلى أن دخل من صنعاء بعد خروجه إليها مغيراً لما نهض الحسنان - عليهم السلام- لأخذ زبيد فاستنهضه الإمام فنهض وأقام بصنعاء كالموئل والعدة لأنها نجمت من قبائل صنعاء نواجم. ومن عجائبه - رحمه الله - أنه لما استنهضه الإمام طالع شيئاً من الجفر فقال لخواصه: أنا لا أتجاوز الجبال إلى تهامة، أو ما هذا معناه. ومن عجائبه أنه استخرج في بعض الأيام غزو الأروام لحيس، وكان فيها عضد الدين الشيخ علي بن شمسان فإنهم حملوا عليه إلى البلد حملة منكرة، وضربت الخيل بسنابكها في البلد وطعنوا الخيم، وكان الذي استخرجه السيد لفظة خيل دقي حيس وأخبر بذلك، وكان له بهذه العلوم إلمام وتلقاها عنه بعض تلامذته، ولقد رآه الصنو العلامة محمد بن الهادي بن أبي الرجال في المنام بعد مماته - رحمه الله - فسأله أن يوصيه، فعجل رجل كان حاضراً بذكر تقوى الله والتوصية بهذا، فقال له السيد: هذا رجل ا مثله يوصى بهذا التمكنة منه، لكن أبلغ عني الصنو إبراهيم بن محمد السلام وقل(3): طفا(4) موقود في فم موقود، فكتبها الصنو بدر الدين، وحفظها حتى اجتمع بالسيد الصارم فطلب دواة ونقش نقوشاً وكتب حروفاً يستخرج منها ما لفظه: قل لإبراهيم يسكن (يسنم) (5)، ويسنم بلد من مساكن السادة، وهجرها لعلنا نذكر أوّل من هجرها منهم في ترجمته - إن شاء الله تعالى -.
__________
(1) لعلها: فيروزة.
(2) في (أ): محدماً.
(3) زيادة في (ب): له.
(4) ظفاً.
(5) يَسْنم: وادٍ من مديرية باقم في شمال صعدة. (معجم المقحفي، ص 1911).

قلت: فما زال السيد على ما وصفته من الحال الحسنة حتى عاد هذه العودة من صنعاء، فوافى السيد العلامة شيخ آل محمد محمد بن عبد الله المعروف بأبي علامة مريضاً، فانتقل إلى جوار الله وهو حاضر له، ثم توجَّه إلى مقام والده، فلم يلبث والده أن نقله الله إلى جواره، فاجتمع الناس إلى السيد الصلاحي فتفوَّه بأقوال حاصله(1) أنه لا يستطيع الولايات ولا يستطيع الخروج عن طاعة الإمام، فهو يسأل من الله تعجيل رحلته، فلم يكن إلا نحو ثلاثة أيام، وقد قضى نحبه، ولقي ربه، وهؤلاء الثلاثة السادة كانوا عيون الزمان وإليَهم يلمح سيدي الصارم في مرثيته التي أوَّلها:
أرى بصري قد زاغ واستعظم الأمرا ... نعم قد أراه الله آيته الكبرى
تتابع ساداتٌ كرامٌ غطارفٌ ... جحاجحةٍ غرٌّ قد استوطنوا القبرا
وكانت وفاته - رحمه الله -(2) سنة ثماني وأربعين وألف بقلعة غمار من جبل رازح، وقبر بالقبَّة التي فيها السادة الأجلاء - رحمهم الله - السيد أحمد بن لقمان والسيد أحمد بن المهدي، ورثاه جماعات كالعلامة المطهر بن علي بقصيدة فاضلة لم يحضرني منها إلا هذا القدر:-
مصاب جل في كل النواحي ... فلم يملك به غير النواحِ
ورزءٌ فتَّ أفئدة البرايا ... ولا سيما قلوب ذوي الصلاحِ
/205/
أردنا أن نكتمه احتساباً ... فلاحَ لأهل حيَّ على الفلاحِ
هي الأيام تخفض كل عالٍ ... وتلطم بالمسا وَجْهَ الصباحِ
شغلنا عن مصاب أبي صلاحٍ ... بموت أبي محمد الصلاحي
فتى فات(3) الورَى علماً وحلماً ... وأشجع من مشَى يوم الكفاحِ
__________
(1) لعلها: حاصلها.
(2) بياض في (أ)، (ب).
(3) لعلها: فاق.

وهي طويلة، ونسج على منوالها العلامة المحقق القاضي محمد بن عيسى بن شجاع الشقيقي - بقافين - التهامي، ورثاه أبو القاسم المصري فأجاد كثيراً، وأمّا السادة فناحوا عليه بما يلين الصخر وما ينسي بما قالته الخنساء في صخر، وللسيد الصارم مرثية، وللسيد الهادي بن إبراهيم بن عبد النبي أخرى، وللسيد صلاح الدين صلاح بن أحمد أكثر من قصيدة.
قلت: ومن شعر السيد الصلاحي - رحمه الله، وأعاد من بركته -.
حسبي بسنَّة أحمد متمسكاً ... عن كل قول ٍفي الجدال ملفقِ
أو ردْ أدلتها على أهل الهوى ... إن شئت أن تلهوا بلحيَة أحمقِ
واتركْ مقالاً حادثاً متجدداً ... من مُحْدِثٍ متشدقٍ متفهقِ
ودع اللطيف وما به قد لفقوا ... فهوَ الكثيف لدى الخبير المتقي
ودع الملقب حكمَة فحكيمه ... أبداً إلى طرق الضلالة يرتقي
قد جاء عن خير البريَّة أحمد ... إن البلاءَ موكَّلٌ بالمنطقِ
والله ما كان الجدال بعصره ... لا في رُبا بدرٍ ولا في الخندقِ
ما كان إلا سنةٌ نبويةٌ ... عن صادقٍ في قوله ومصدقِ
ووميض برق سيوفه في جيشه ... يهمي من الأعداء ماء المفرقِ
قامت شريعته بكل مذلقٍ ... ذرت شباه لا يذل (منمقِ)
صلى عليه الله ما برق شرى ... أو ما شدت ورق بغصن مورقِ
قلت: وعلى ذكر هذا الشعر إذكر ما قاله السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزيري يخاطب بعض الراغبين لقراءة المنطق(1):
يا طالب العلم والتحقيق في الدينِ ... والبحث عن كل مخزون ومكنونِ(2)
أهلاً وسهلاً عسى من رام تبصرةً ... مني وهدياً إلى الخيرات يهديني
لكن أطعني وأنصف في الدليل معي ... فمن يقلد فيه لا يوَاتيني
أُمِرْتَ أن تطلبَ الدينَ الحنيفَ ولو ... بالصينِ أو بالأقاصي من فلسطينِ
والعلم عقل ونقل ليس غيرهما ... والعقل فيك وليس العقل في الصينِ
وفي حديث بن عمرانٍ لنا عبرٌ ... فانظر إلى شأن موسى صنو هارونِ
__________
(1) في (ب): فقال.
(2) في (ب): مكنون ومخزون.

من رام سعياً إلى معقوله حقباً ... فعنده العقل بل عند الشياطينِ
بل رام مكنون علم ليس يدركه ... فهم العقول بمعلوم البراهينِ
مواهب من يقينٍ غير ممكنة ... للخلق يهجم في يُسرٍ وتهوينِ
وواردات من الإيمان ليس تطيـ ... ـق النفس حجر هدى منها وتبيين
/206/
يكون عند وقوع الخارقات وعنـ ... ـد الفكر فيها وبالإخباتِ واللينِ
وبالتضرُّعِ عن ذلٍ ومسكنةٍ ... يمكنُ العبدُ منها أيَّ تمكينِ
وانظر كلام عليٍّ في وصيته ... ريحانة المصطفى خير الرَّياحينِ
به اطمأنَّ خليلُ الله حين دعا الـ ... ـموتى فأحيا له الأطيار في الحينِ
ومؤثر الحق أغناهم بغير غنى ... ثعبان موسى المبين(1) في الفراقين
وقوم عيسى أرادوا منه مائدةً ... ليطمئنوا بها لا وضع قانونِ
وقوم أحمد لمَّا جاء ذكرهمُ ... أعيت طوائنه عن ظل المساكينِ(2)
ولم يجبهم أمين الله مكتفياً ... به إذا لم يكن فيهم بمأمونِ
وأم موسى اطمأنت حيثما طرحت ... في اليم موسى بوحيٍ غير تخمينِ
ومريم حين جاء الروح في مثل ... لها بسرٍ من الرحمن مكنونِ
وقومها حين لاموها فبرَّأها ... في المهد أيُّ مزكى الذات ميمونِ
وفتية الكهف قد نص الإله لنا ... حديثهم وأحاديث الميامينِ
هذي الخصائص والمعقول نعمته ... مبذولة بين مهدي ومفتونِ
فواضح العقل معروفٌ وغامضه ... مواقف ومحارات لذي الدينِ
وكيف يهدي لي اليونانُ علمهمُ ... لاهتدي وهمُ في دينهم دوني
لو كان يعصم لم يكفر مصنفه ... ولم يكن أهله روس الملاعينِ
أو كان جاهله في الدين محتقراً ... لكان خير البرايا في المعانين(3)
أو كان أفلاط في أعلى الذرا شرفاً ... والفيلسوف ابن سينا غير مغبونِ
قليت ذا العلم من بعد الرسوخ به ... واعتضت بالذكر منه غير محزونِ
ما فيه إلا عباراتٌ مزخرفةٌ ... أبادهن ابن حزم بالتبايينِ
__________
(1) في (ب): المثنى.
(2) كذا في (أ) و (ب).
(3) المغابين. ظ

كم من فتى منطقي الذكر ما خطري(1) ... بالبال منه اصطلاحات القوانينِ
وكم فتىً منطقي كافر نجس ... كالكلب بل هو شر منه في الهونِ
يدري وساوس أهل الكفر متقنةً ... فهماً ويسخر من طه ويسينِ
لذلك الرسل لم يعنوا بذاك إلى ... محمدٍ من سليل الماء والطينِ
بل اكتفوا بالذي فينا مع نظرٍ ... سهلٍ بغير شيوخٍ كالأساطين(2)ِ
مع اعتراض شياطين الكلام لهم ... وشهرة الطعن في كل الأحايينِ
فاطلب معي علم خير الرسل إنَّ به ... دواء داءين مكشوفٍ ومدفونِ
علومه استغرقتني ليس بي سعة ... لغيرها وبها فرضي ومسنوني
ففي أسانيدها تأسيس معرفتي ... من علم جرحٍ وتوثيق وتليين
/207/
وفي المتون التي صحت بلا عللٍ ... دواء داءٍ وفيها الفقه في الدينِ
وفي الشواهد والأسماء تكملةٌ ... وفي الغريب وفي شرح الدواوينِ
هناك عقلي يهديني إلى طرقٍ ... في الحق لا يهتديها كل مأفونِ
وأطرح الزيف والمنسوخ مجتنباً ... للحيف هذا في ديني قوانيني
وإن أردت سواها لم أزدك وإن ... أردتها كنت دون الناس تعنيني
هذا واختم بأبياتي بقول فتى ... يزين شعري ختاماً آيّ تزيينِ
إن اشتغلت بعلم الناس أحرسه ... عمري فذلك شيء لا يواتيني
وإن رجعت على علمي لأحرسه ... فطالب العلم يمضي ليس يأتيني
ثم الصلاة على أعلى الورَى شرفاً ... في العلم والعقل والأخلاق والدينِ
قلت: وقد أحببت نقل هذا الشعر؛ لأنه مما يليق بالكتاب إذ هو من أخبار الناس، وهو بمثل هذا المحل يليق، وقوله: قليت ذا العلم من بعد الرسوخ به، هو كما قال قد زاحم فيه أربابه وأرسخ في أرضه أطنابه، وبعد ذلك صنف كتباً فيها كما قال: قل سفه الفلاسفة ونحوه، وقوله:
لذلك الرسل لم يعنوا بذاك إلى ... محمد من سليل الماء والطين
__________
(1) لعلها: خطرت.
(2) الأساطين: الأسطونة بالضم: السارية، مُعَرَّب، وقوائم الدابة، وأساطينُ مُسَطَّنَةٌ: موطدة. (القاموس المحيط، ص1111).

هو كما قال: واذكرني ذلك بما أملاه شيخنا الوجيه عبد الرحمن الحيمي، قال: ذاكرت السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي فرأيته نادرة في الفهم وسرعة الانتقال، فلما ذاكرته في فضائل المنطق، قال: إذاً علم الأنبياء وأصحابهم قاصر لعدم العاصم، ونحن أثبت منهم، قال: ثم رأيت هذا البحث للفخر الرازي، وقد أجاب عنه لكنني أحسب ابن الخطيب لم يحل ذلك إلا بعد نحو شهر، هذا كلامه، وقد أوسع الناس في الكلام على حسن هذا العلم، وقبحه، وناهيك بذلك وصمةً حيث التردد حاصل بين الحسن والقبح، مع العلم بأنه ناشئ في الإسلام في زمان المأمون بعد رسوخ الحق، وهو مع ذلك من صناعة اليونان، قالوا إنه لمَّا أراد والي المأمون إخراجه من خزائن اليونان إلى الديار الإسلامية صعب عليهم، فقال منهم قائل: دعوهم يخرجوه فإنه ما دخل ملة إلا فرق أهلها، وقد استوفى(1) في الكلام على هذا بن الصلاح والنووي والقزويني والجلال الأسيوطي، وعد بتصنيف كتاب في أسماء من حرَّمه وأئمتنا الجلّ منهم يحرمون قراءته، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): وقد استوفى.

صلاح بن داهم المرهبي [ - ق 10 ه‍ ]
الفقيه الماجد فخر الكتاب أوحد المؤرخين صلاح بن داهم المرهبي(1)، كان عالماً كبيراً متبحراً في أنواعٍ من العلم واشتهر منها بالنجوم حتى يظن بعض الناس أنه محصوله من العلم، وليس كذلك إلا أنه شرع في هذا العلم وحقق، وما يلحق به من العلوم الزيارج وغيرها، وكان له خط مشهور بالجودة، ووضع تاريخاً لأيَّامه، ولعله لم يتم لأنا لم نعرف منه إلا كراريس، وهي لأيام(2) المتوكل على الله يحيى شرف الدين - عليه السلام- خاصّة جعله على الأيام، وكان من أعيان الوقت، وقد أثنى عليه السيد عيسى بن لطف الله وغيره من المطلعين /208/ على التاريخ، وله شعر من ذلك ما كتبه عقيب ما كمل به السيد فخر الإسلام عبد الله بن الإمام شرف الدين - عليهما السلام- لقصيدة والده وهي الوسيلة التي منها:
فإنك ملجانا وفيك رجاؤنا ... وفيك لنا ما نرتجي ونرومُ
فقال الفقيه صلاح الدين:
لكم(3) شمس نصر أشرقت بعدما دجى ... من اليأس ليل قبل ذاك يهيمُ
وكم أضرم الباغون ناراً لحربنا ... فحاق بهم منا لظىً وجحيمُ
وكم فتحوا باباً لشرٍ وفتنة ... فرُدُّوا بغيظ(4) خائبين ضيموا
وكان بذاك الفتح من فضل ربنا ... لنا جُلَّ فتحٍ من لديه جسيمُ
وأعقَب بعد العسر يسراً(5) وراحةً ... ونصر وتمكين تلاه عظيمُ
كفانا تعالى قبل ما قد أهمنا ... ونرجوه في الحالين فهو كريمُ
فراجُوه صدقاً لا يخيب رجاؤهم ... لدَيه ومن لم يرج فهو رجيم
فيا رب يا ربَّاه يا رب إننا ... رجوناك فارحمنا فأنت رحيمُ
توفي - رحمه الله - في …(6)
__________
(1) في (ب): صلاح بن داود بن علي بن داعر المرهبي.
(2) زيادة في (ب): الإمام.
(3) في (ب): بكم.
(4) في (ب): بغيضٍ.
(5) في (ب): يسرٌ وراحة.
(6) في (ب): بياض في الأم.

صلاح بن عبد الخالق بن يحيى بن جحاف [ - 1053 ه‍ ]
السيد اللسان، العالم المحقق العابد المتأله، البليغ الحاوي لغرائب الخصال، صلاح بن عبد الخالق بن يحيى بن الهدى(1) بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن عليان بن الحسن بن محمد بن الحسين بن جحَّاف - رضي الله عنه - هو السيِّد الجليل حسنة الأيام، وزينة الدنيا، الحاوي لكل غريب، والآتي بكل عجيب، وعلى تفنن واصفيه بوصفه يفنى الزمان، وفيه مالم يوصف. كان نادرة الوقت في جميع أنواع الخصال واتساعه للناس على أنواعهم واختلاف طباعهم، فأمَّا العلماء فهو صاحب البيت ولا غرو أنْ يألفهم ويألفوه، فكان مدرساً في العلوم، وكان وحيداً في علوم الأدب وأيام الناس، يذكر به الأوائل من الحفاظ ومفردات اللغة، قلَّما يوجد له نظير كما أخبرني بذلك شيوخ يعوَّل على نقلهم، وكان فقيهاً عارفاً بالفروع مرحولاً إليه، ومعولاً عليه، سيما في (البحر الزخار)، فهو أستاذه، وكان كثير الولوع به، وكان في علم الطريقة إماماً كاملاً، وشرح التكملة بشرح عظيم(2) مفيد يدُلّ على علو منزلته، وارتفاع فطنته، ولمَّا اطلع على هذا الشرح مولانا وحيد العلماء الحسين بن القاسم أثنى عليه ومدحه، ورأيت بخط السيد صلاح الدين - رضي الله عنه - كتاباً إلى شيخنا العلامة شمس الإسلام أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنه - فيه ما حاصله أنه صدر هذا الشرح لتطلعوا عليه، وتصفحوا ما فيه، وكأني بفلان يقول: كذا يلمح إلى عبارات من سيدنا العلامة علي بن سعيد الهبل - رحمه الله - يلاطفه بها، ثم قال: قد فرقت عليكم هذا الشرح وكلفتكم به ثم انثنى إلى ما يعتاد من ملاطفته، فقال: وعند التحقيق هو شرح مفيد قد أثنى عليه فلان، وذكر سيدي الحسين - رحمه الله تعالى - وكان سيدنا شمس الإسلام إذا ذكر هذا السيد الجليل ذكر(3)
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) هو نهاية الأفهام لمعاني تكملة الأحكام للإمام المهدي نصر بن يحيى المرتضى، قال الحبشي في مصادره: خ - جامع 206 تصوف.
(3) في (ب): روى.

عنه عجائب ونوادر وعلميَّات وأدبيات، هزليات وجديَّات، ويقول: أنا أعجب من ذلك الإنسان، يتسامح في مجلسه ويتواضع مع العامة، ويمر السوق لحاجته، ويقضي /209/ مهم أهله بنفسه، واضعاً للكبر متواضعاً متبذلاً في الثياب، ومع ذلك لا يزال قدره في علوٍ وسموٍ إذا دخل حضرة الإمام كان صدرها، قال: وكان يلاطف كل أحد بما يليق به، ويمزح المزح اللطيف، وكان سيدنا - قدس الله سره - من تلامذته، وأخذ عنه، وروى وما علمته توسَّع في الثناء على أحدٍ(1) ما توسع في الثناء عليه، ويحكى من لطائفه ما يشرح القلوب، ومضى - رحمه الله - على حال الزهد والتقشف والتكفف يكتب بقلمه بالأجرة على أنه لو أراد أن يأخذ من الدنيا بغير وزن فضلاً عن العدد لنال من الإمام المؤيَّد بالله والحسنين، ولم يكن له إلا خمسة أحرف من الإمام، ولا يطالب بغيرها، فإذا انقطعت راسل سيدنا - عادت بركاته - وعرف الإمام بعباراتٍ تهز الأعطاف متحفة، وكان الإمام لا يود فراقه، ولا يسمح إلا أن السيد - رضي الله عنه - كان لا يرضى بغير الخمُول والسكون في بلده بين أولاده على طريق قد راض نفسه عليها وعند التحقيق هي من أحسن الطرق وأسناها، فكان الإمام يطلبه عند المهمات لمشاورة وخوض فإذا اقضى الأمر الذي وصل له عزم ولا يبلغ الإمام التحيَّة إلا من أثناء الطريق فتكون تلك أحد(2) الطرق المقبولة، وكان الإمام - عليه السلام- إذا وصل أرسل بفراشه وما يحتاج إليه فإذا عزم السيد على ما وصفناه توصَّا(3) إلى الإمام: فراشكم، اقبضوه، وهذه من عباراته - رضي الله عنه - ولولا خوف الإطالة لكتبت من الحكايات ما يتزيَّن به التاريخ عند الأدباء، وكان له تلاوة ومواظبة على القرآن العظيم كليَّة، وتصميم على الحق وثبات عليه.
__________
(1) في (ب): إحدى.
(2) لعلها: إحدى.
(3) في (ب): نؤصى.

94 / 182
ع
En
A+
A-