داود بن محمد الجيلاني [ - بعد سنة 736 ه ]
العلامة الفاضل الكامل داود بن محمد الجيلاني - رحمه الله - الواصل إلى اليمن ومن العراق، كان من علماء زمانه، وأبدال أوانه، صالحاً فاضلاً، عالماً عاملاً، وهو(1) الذي اختصر شرح الإمام يحيى على الأحاديث الأربعين، سمَّى شرحه (المقاصد الأخروية المنتزعة من كتاب الأنوار المضيَّة)(2)، قال في خطبته: إني لمَّا طالعت (الأنوار المضيئة شرح الأربعين السيلقية) تصنيف الإمام المؤيد بالله أمير المؤمنين يحيى بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجدته قد احتَوى على علوم باهرة، وحكم ظاهرة، من نفيس اللغة العربية، والأحاجي النحوية، والمعاني والبيان وبديع البديع، وفصيح النثر المريع، وأنا على ظهر السفر باطناً وظاهراً وصعب علي حمل الخزائن، فاستخرت الله سبحانه بنسخ كل ما قصد الإمام - عليه السلام- من شرح مقاصده - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -(3).
داود بن الهادي بن أحمد [980 - 1035 ه ]
الشيخ(4) العلامة شيخ شيوخ الزيدية داود بن الهادي بن أحمد بن المهدي بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن الإمام الأعظم علي بن المؤيَّد بن جبريل بن المؤيَّد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبد الله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق - عليهم السلام- كان من فضلاء أهل البيت وعلمائهم ومشيختهم وذوي الأقدار فيهم لا يتصدَّر أحد في مجلس هو فيه لكمال علمه وفضله.
__________
(1) في (ب): هو الذي.
(2) المقاصد الأخروية المنتزع من كتاب الأنوار المضيئة، انتزعه في جماد الآخرة سنة 736هـ في حصن المحطوري الشرفي، الجزء الثاني منه بمكتبة الجامع الكبير رقم 84 خط سنة 1082هـ وبآخره قراءة سنة 1132هـ.
(3) انظر الطبقات ترجمة 254 وأعلام المؤلفين ت 419، وبقية المصادر فيهما.
(4) في (ب): السيد الشيخ.
قال السيد العلامة أمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله -: عجبت من السيد داود بن الهادي يتلطف لكل أحد، ويجري مع كل أحد، ويلاطف العامَّة والخاصة، ويخلطهم بنفسه، ويمازحهم الممازحة اللطيفة، وما ينحط شيء من قدره بذلك، فإنه ما حضر محضراً وتقدَّمه غيره، قال: وظني أن ذلك لسعة أذكاره وأدعيته وقيامه بالليل.
قلت: وما ذكره السيد أحمد - رحمه الله - سمعته عن غيره، وكان حليفاً للقرآن لا يزال يتلوه، وكان يمضي في جامع الهادي بين الأساطين، ويتردد في ساحات الجامع بمشي لطيف وهو يتلو القرآن، وكان له زميل في التلاوة فتلا معه /124/ ليلة بمدينة (ساقين) شيئاً من القرآن أثناء الليل، فوقع منهما القرآن بموقع عظيم فاضَت به نفس ذلك الزميل - رحمه الله تعالى - وكان السيد إمام العربيَّة وغيرها، وهو كالأصل للعلماء في وقته، فإنا أدركنا المشائخ كلهم وقفو بين يديه - رحمه الله - كالقاضي العلاَّمة أحمد بن حابس، والقاضي العلامة أحمد بن سعد الدين، والفقيه الفاضل محمد بن يحيى الكليبي، وخلائق، وغيرهم، وله شرح على (الأساس)(1) ولكنه لم يحظ عند الطلبة، ومن وجوه تلامذته القاضي أحمد بن علي بن أبي الرجال، وكتب إليه القاضي - رحمه الله - بعد مفارقته.
سُؤلي وجُل مطالبي ومرامي ... تقبيل كفَّ الأروع الصمصامِ
العالم العلم الحميد فعاله ... نور الأنام وسيد الأقوامِ
ذاك الذي بكماله ومكانه ... أخذ المكارم كلها بزمامِ
نسل الأطايب من نشا في دوحةٍ ... ما بين حِبرٍ عالمٍ وإمامِ
داود من أحيا الإله بعلمه ... وبه أقر قواعد الأحكامِ
وأطاب في يمنِ البسيطة ذكره ... وبمشرقٍ وبمغربٍ وبشامِ
__________
(1) نسخة بمكتبة الأستاذ عبدالله محمد الحسيني، وله ذيل البسامة وصل فيه إلى حوادث سنة 1024هـ طبع مع مائدة الأبرار، وله أيضاً مرقاة الوصول شرح معيار العقول خ ص مجموع بمكتبة السيد يحيى بن محمد عباس، وأخرى بمكتبة السيد محمد عبدالعظيم الهادي.
لكن تناءت بي الديار عن اللقا ... وبدت عليَّ شواغل الأيامِ
فجعلت طرسي نائباً عني كما ... ناب التيمم حالة الإعدامِ
ما زالَ مخدوماً بألف كرامَةٍ ... عني وألفا(1) تحيَّةٍ وسلامِ
وللسيد - رضي الله عنه - جواب عنها حسن، لكنه ليس بنظم، ومن تلامذته ابن أبي السعود الضمدي، وله فيه الأبيات المشهورة التي منها:
يا ليلة في الهجرة الغرَّاء ... فاقت ليالي الدَّهر في السرَّاءِ
هي ليلة ما قد ظفرت بمثلها ... عند الغمطمط(2) من بني الزهراءِ
ومنها:
داود ما داود إلا منهلِ ... للعلم والفقراء والضعفاءِ
وهي مشهورة في أيدي الطلبة بنواحي صعدة - حرسها الله تعالى - وللسيد العلامة الفاضل يحيى بن صلاح القطابري - رحمه الله - فيه القصيدة الفاضلة بعد عوده من ساقين التي منها:
رُب غزال غدت تعنفني ... وعن بكاء الطلول تعذلني
وتكثر العَذْلَ وهي ضاحكة ... لم تدر أني بكيت من حزَن
ومن مديحها:
من أدْرَك الفضل يافعاً فغدا ... على يفاع للمكرمات بني
العالم العامل الحلاحل من ... قر وبرج السماك في قرن
حماه رب العلا وسلمه ... من طارقات الزمان ذي المحن
مبلغاً فيه ما يؤمله ... إحياء كتب الإله والسنن
وفاتحاً قفل كل مسألة ... بقول حبر محقق فطن
وهذا القدر من القصيدة ينبِّه على ما تركناه - أعاد الله من بركتهم - وله - رحمه الله - شعر ومنه:
إلى الله أشكو عالم السر والنجوى ... تحمل هم لا يطيق له رضوى
وجور زمان دأبه خفض كامل ... ورفع الذي لا خير فيه ولا جدوى
فيحظى لديه جاهل ومغفل ... ومن كان قرماً لا يقيم له دعوى
/125/
عتبت على دهري وقلت إلى متى ... تعاملني بالضد في كل ما أهوى
فقال مجيباً لي بعنفٍ وغلظةٍ ... وأيَّ كريم قد أجبتُ له شكوَى
فعُدت إلى الإخوان أشكو فعاله ... بقولٍ يُذيب الصمّ أحلى من الحلوى
فقالوا جميعاً لا تلمه فإننا ... لأعوانه فاصبر على هذه البلوى
__________
(1) لعل الصواب: ألف ليستقيم الوزن.
(2) لم أجدها في القاموس.
ومالوا إلى غمرٍ يرون فعاله ... وأقواله أحلَى من المنِّ والسلوى
وأمَّا كلامي فهو صاب وعلقم ... يقولون أوجز قد أطلت فلا نقوى
فلمَّا رأيت الأمر وعراً سبيله ... فزعتُ إلى مولاه أطلبُه التقْوَى
وقلت إلهي لم يكن لي مفزع ... سواك لدفع الهم والضُّر والأسوَى
فلا تلجني ربي إلى الناس كلهم ... فلم يبق لي في غيرجودك من رجوى
فلما أطلع عليه العباد وإمام الزهاد وصيرفي الانتقاد، القاضي العلامة علي بن الحسين بن محمد المسوري - رضي الله عنه - قال:
تعزّ فهذا دأبُ من ولدت حوَّا(1) ... وهل غير ما قد قلته عنهمُ يُرْوَى
فعالمهم يأوي الحضيض كما ترى ... وجاهله من دون أخمصه العوَّا
وهل سمعت أذناك يوماً بذي حجا ... ولو مرَّة من دهره ترك الشكوى
أبوك رسول الله لم يخل من أذى ... وما زال يحسو الضيم من دهره حسواً
ومن قومه لاقَى أمُوراً لو انَّها ... أصيبَ بهارضوَى لهَاضت قُوَى رضوى
كذاك أمير المؤمنين وصيُّه ... أصيب بما يُوهي قوَى الأسد الألوى
وأخَّره عن رتبة هوَ أهلها ... وكان ظلوماً لو سواه بها سوَّى
وفاطمة الزهراء أغرى خطوبه ... بها وكذاك الدَّهر عادته العدوى
وكان عليه أن يراعي حُقوقها ... ولكنه عبد الضلالة والاهوا
وبالحسنين السيدين تحكمت ... كلابٌ له شيطانه لهم أغوى
تقدَّمه(2) من ليس إن قسته بهم ... ولو نال دنيا ترب أنعلهم يسوَى
كذلك أهل البيت لم يحظ منهمُ ... إمامٌ و إن حاز الفخار بما يَهوَى
فكيف يرجي المرء أن يبلغ المنى ... وسيف خطوب الدهر كم فاضل أقوى
وما أهله إلا ذوو الجهل إنَّه ... لهم والدٌ بَرٌّ يغذيهم الحلوى
فصبراً جميلاً إنما الصبر جُنَّةٌ ... لأهل النهى يستدفعون به البلوى
وما الخير إلا الفوز بالجنَّة التي ... لدى كل ذي عقل هي الغاية القصوى
وأمَّا التي منها جناح بعوضة ... أعز فإن الله قد عدَّها لَهْوَا
__________
(1) في (ب): حواء.
(2) لعل الصواب: تقدمهم.
وما خير عيش لا يدوم فخلِّ ذا ... لذاك فما كالحمية المن والسلوى
وما العمر إلا مدَّة ثم تنقضي ... فيخسر ذو الأهوَا ويربح ذو التقوى
ولمَّا اطلع تلميذهما شيخنا حواري آل محمد شمس الشريعة أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنه - كتب:
من الله رب العرش فالتمس الرجوى ... لتبلغ أقصى السؤل من فاتق الأجوا
ولا تكترث من ريب دهرك إنَّه الـ ... ـزمان لأرباب الحجا لبس العدوى
/126/
وللجاهل الغمر اللئيم مبلغ ... (1)
ترى كل ذي فضل به وهو معدم ... وكل جهول نال غاية ما يهوى
وليس ببدع ذاك منه فيرتجى ... ارعوَاه إذا عاتبت يوماً ولا سهوَى
ولكنه طبع له في الألى مضوا ... كماجاء في النقل الصحيح الذي يروى
وليس له عن طبعه متحوَّل ... فلوم الفتَى في الدهر(2) ليس له جدوى
وفي جدك المختار أعظم قدوة ... يجلَى بها كرب ويُؤسَى بها الأسوا
أقام له الدهر الخؤون عداوةً ... وصب عليه دهره الضر والبلوى
أعان عليه فاستعان بصبره ... فكان له من دهره الغارة الشعْوَ
وفي صنوه المخصوص من فضل ربه ... من المصطفى المختار بالسر والنجوى
أما خانه في عهده بعد موته ... صريحاً وما استغنى بلحنٍ ولا فحْوَى
ونال من الزهراء بنت محمد ... منالاً به أنهت إلى ربنا الشكوَى
ونال من السبطين ما طفقت له ... مراجل تغلي في صدور ذوي التقوى
إذا ما ذكرت الطفّ هيّج عبرتي ... وحمَّلني مالا أطيق ولا أقوى
فصبراً على جور الزمان وبغيه ... وإن كان قد أصمى الفؤاد وما أشوى
فعاقبة الصبر الجميل مثابة ... يُنالُ به من ربنا جنَّة المأوى
فذلك فاطلب فهو أعظم مطلب ... ودع هذه الدنيا التي مُلِئت أدوَا
ودم سالماً يا بن الكرام مبلغاً ... من الله رب العرش سُؤلك والرَّجوى
__________
(1) فراغ في (ب)، وقال فيها بياض في الأم.
(2) في (ب): للدهر.
توفي - رحمه الله - بدرب الأمير بحضرة الإمام المؤيَّد بالله، وصلى عليه الإمام، وعمرت عليه قبَّة بجوار الجامع المقدَّس، وذلك ضحوة يوم الأربعاء لست بقين من شهر ربيع الأول من عام خمسةٍ وثلاثين وألف، ومولده - رضي الله عنه - في أوَّل عام ثمانين وتسعمائة.
داود بن يحيى بن الحسين [720 - 796 ه ]
السيد العلامة الإمام الصدر داود بن يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين، هو العالم الكبير الفاضل الشهير، والده مؤلف (الياقوتة) و(الجوهرة)، وجده علي بن الحسين حافظ المذهب صاحب (اللمع) و(القمر) و(المذاكرة)، وقد ترجم للسيد داود جماعة، وذكروا فضله وعلمه، وكان مشهور الفضل كثير البركة، وهو الذي صلى على العالم الرباني صارم الدين إبراهيم الكينعي.
قال السيد الحافظ الهادي بن إبراهيم: وأوصى الإمام علي بن محمد أن هذا السيد يُصلي عليه، قال ابن المظفر: أنه ولد عام عشرين وسبعمائة، وتوفي في رجب سنة ست وتسعين وسبعمائة، وقبره مع أخيه العلامة الهادي بن يحيى بمشهد الإمام الهادي إلى الحق بصعدة(1).
داود بن يحيى [ - ]
السيد العلامة داود بن (يحيى)(2) المدفون بعرقه(3) عفار، له فضل كبير وعلم، وله نظم (……)(4)
داود بن يحيى بن داود [ - ق 9 ه ]
السيد الكبير العلامة داود بن يحيى بن داود بن يحيى حفيد السيد الذي ذكرناه آنفاً، كان أحد الدعاة السبعة الذين دعوا في سنة أربعين وثمانمائة، ولكنه مات ولم يثبت، فلهذا ذكرناه مع من عنينا بذكره من المقتصدين.
داود المحلي(5) [ - ]
__________
(1) وانظر عنه الطبقات ق3 ج1 ت256 وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمه 418.
(2) فراغ في (ب): بياض في الأم.
(3) في (أ): بعرفة.
(4) في (ب): بياض في الأم.
(5) قال في حاشية في (ب): هذه الترجمة محلها قبل داود بن يحيى.
العلامة داود المحلي هو من بني نعيم، ولعله يقرب الراغب، كان من العلماء، وله في علم الطريقة قدم ألَّف فيها، وقبره بالذنوب من أعمال (حجة)، وله هنالك /127/ قبَّة شهيرة، يزار قبره - رضي الله عنه -.
دهماء بنت يحيى بن المرتضى [ - 837 ه ]
السيدة العالمة العاملة الناسكة الحافظة لعلوم أهلها دهماء بنت يحيى بن المرتضى أخت الإمام المهدي أحمد بن يحيى مؤلف الأزهار - سلام الله عليهم-(1)، ترجم لها العلامة السيد أحمد بن عبد الله الوزير - رحمه الله تعالى - لها العلوم الواسعة، والتصانيف النافعة، لها (شرح الأزهار) أربعة أجزاء(2) و(شرح منظومة الكوفي) في الفقه والفرائض) و(مختصر المنتهى في أصول الفقه)، وكتاب (الجواهر) في علم الكلام، وكانت قراءتها على أخيها.
قلت: لعله - يعني السيد الهادي بن يحيى - قال: وعلى أخيها المهدي - عليه السلام- قرأت عليه هي والإمام المطهر.
ومما يحكى من عظيم ملازمتها للعبادة أنها إذا أكثرت المراجعة، وطالت بين(3) الإمام المهدي(4) وبين الإمام المطهر (- عليهما السلام-)(5) قامت تصلي حتَّى يفرغ تحريرهم تلك(6) المسألة فتأخذها صفواً، ولم تكن ترضى أحداً يعينها في عبادة الله سبحانه بشيء كتقريب الوضوء، وقد أراد ذلك الإمام المطهر - عليه السلام- في بعض الليالي، وفعله، ومنعته، وكرهت فعله، والقصد الإشارة وإلا فشرح أحوالها الصالحة طويل - أعاد الله من بركاتها - أقامت في ثلا للتدريس حتى ماتت - رضوان الله عليها - وقبرها مشهور مزور وعليها قبة حسنة، وقد ضمَّ إليها الإمام المتوكل على الله شرف الدين - عليه السلام- مسجداً عظيماً، ووسع القبَّة.
__________
(1) في (ب): عليهما.
(2) يوجد نسخة منه مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي، ولكن لا تأكيد أنها للمؤلف، بل رواية عن السيد محسن أبو طالب.
(3) في (ب): بين يدي الإمام.
(4) في (ب): صلوات الله.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): لتلك.
قلت: وقد تقدَّمت الإشارة إلى أنه تزوجها السيد المقام محمد بن أبي الفضائل وأولدها ولداً سمى(1) أدريس بن محمد.
قلت: ولها شعر ومن شعرها قولها في كتاب أخيها الأزهار:
يا كتاباً فيه شفاء النفوس ... أنتجته أفكار من في الحبوس
أنت للعلم في الحقيقة نور ... وضياء وبهجة كالشموس
قلت: وعلى ذكر الأزهار وإيمائها - رضي الله عنها - إلى أن أخاها صنفه في الحبس، أذكر ما ذكر في الكنز تأليف ابن الإمام، وهو الحسن بن أمير المؤمنين الماضي ذكره، فإنه قال ما حاصله: إن أصحاب الإمام علي بن صلاح الدين منعوا من دخول الكتب وآلة الكتاب إلى الإمام المهدي وخشي الإمام أن يغفل عن محفوظاته في الفقه، فألهمه الله إلى اختصار الكتاب الذي كان قد جمعه في الفقه واستقصى فيه الخلاف بين المذاكرين، فحذف الخلاف وجمع ما صحَّحوه لمذهب الهادي - عليه السلام- في لفظ وجيز واضح المعنى، وكان كيفيَّة جمعه أن يلقي على السيد علي بن الهادي عبارته وهو يكتبها في أبواب المجلس المسمورة عليهم، ومداده جص يأخذه من الجدار إلى شقف من مدر ويكتب بعود فإذا امتلأ الباب نقل الذي فيه جميعاً حتى صار غيباً، ثم يمحوه، ويكتب غيره، ويفعل ذلك حتى تم الكتاب، وكمل محفوظاً غيباً غير مكتوب في كتاب قدر حولين كاملين ما وضع في كاغد حتى خرج السيد علي بن الهادي وهو متغيب له، فكتبه وسمي كتاب (الأزهار في فقه الأئمة الأطهار) فاستحب به كل من رآه، فانتشر انتشاراً جلياً، ثم سخر الله الخدم فساعدوا على إدخال آلة الكتابة من كاغد ومداد، فشرع في كتاب (الأنوار في الآثار الواردة لمسائل الأزهار) حتى أتمه، ثم أخذ في جمع شرح الأزهار المسمى (بالغيث المدرار الفاتح(2) لكمائم الأزهار)، قالوا: وكانت البداية في تأليف (الغيث) في السجن في سنة ست وتسعين وسبعمائة، قالوا: وصنف البحر في ثلا، وكانت إقامته فيه من سنة اثنتين وثمانمائة إلى سنة ست عشرة
__________
(1) في (ب): يسمَّى.
(2) في (ب): المفتح.
وثمانمائة، وارتحل منه إلى مسور وصنف(1) (الغايات) وأفرغ فيه (درر العقائد في شرح القلائد)، ثم (دامغ /128/ الأوهام) حتى بلغ فيه باب الاعتقاد، وفي القلعة - يعني قلعة أبي يزيد - صنف (التكملة)، وارتحل إلى حراز وألف فيه (شرح المعيار) و(التاج) و(القانون) و(القسطاس) و(قاموس الفرائض) (وإكليل التاج) في النحو، وصنف في الحيمة (القمر النوار) وفي الدقائق (حياة القلوب) ذكر هذا عن الكنز لولده.
قلت: ومن شعر الإمام أيام حبسه - عليه السلام-:
يا من لعينٍ لم تزل عبرا ... وحشاشة قد أودعت جمرا
وفؤاد ذي قلقٍ يحاول أن ... يُقضى عليه فلم يطق صبرا
حيران قد ضلت مسالكه ... سكران كربٍ لم يذق خمرا
يمسي يرجي الليل ترجية ... ويظن ساعة ليله شهرا
فإذا اعترت ذكرى أحبّته ... جاشت عليه كآبة تترى
يا راكباً يرجي مطيّته ... هلاَّ ارتحلت مطيَّة أُخرَى
هَوجاء مرْقالاً عذافرة ... شملال ضمراً إن ترد مَسْرَى(2)
فاقصد مدينة يثرب فإذا اسـ ... ـتقبلت فيها ذلك القبرا
فاسفح دموعاً في جوانبه ... والثمه عشراً بعدها عشرا
وأطل بكاءك حوله فإذا ... زجروك عنه فلا تطع زجرا
فإذا أفقت فقل لهم قلقاً ... إني رسول عصابةٍ أسرى
علمين من أعلام أمَّته ... وسلالتيه من بني الزهرا
خلفتهم يتضوّعون ولم ... يسطع سواك لضعفهم نصرا
وانهض(3) ونهض صاحبيك على ... فور فقد مسّتهم الضرّا
أبو دلهم الوالبي [ - ق 2 ه ]
أبو دلهم الوالبي من خيار الكوفة، من أصحاب إمام الأئمَّة زيد بن علي - عليه السلام- ذكره البغدادي.
__________
(1) في (ب): فيه.
(2) مرقالا: ناقة مرقال: مسرعة (القاموس المحيط ص 926). عُذَافِرة: العذافر: العظيم الشديد من الإبل. (المرجع السابق، ص408). شملان: ناقة شملان: سريعة. ( المرجع السابق ص939).
(3) في (ب): فانهض.
حرف الراء
راشد بن الحسن بن أبي يحيى [ - ق 7 ه ]
القاضي العلامة قاضي أمير المؤمنين حاكم المسلمين راشد بن الحسن بن أبي يحيى الصنعاني - رحمه الله - كان من العلماء الكبار الجُلَّة الفضلاء، ولاه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة القضاء، ذكره ابن دعثم وغيره، وله شعر حسن من ذلك:-
كيف اصطبار محب ماله جلد ... ولا له بدنوِّ الظاعنين يدُ
بان الأحبَّة عنه فهوَ بعدهم ... صب بهم مستهام مغرم كمدُ
يا أيُّها البرق سائل بالحمَى طللاً ... أقوى وأقفر حتى ما به أحدُ
ومنها:
وهل أقاموا على العهد القديم لنا ... منهم فإنا على العهد الذي عهدوا
إن يقربوا فمراد القلب قربهمُ ... أو يبعدوا فهو منهم حيثما بعدوا
ومنها في مدح الإمام المنصور بالله - عليه السلام-:
القائم الأوحد المنصور والعلم الـ ... ـمشهور قول صحيح ما به فندُ
قد أجمع الناس طرًّا في خلافته ... وفي خلافته الإجماع منعقدُ
راشد بن علي بن الحسين [ - ق 7 ه ]
الشيخ العلامة راشد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن صاحب ريمة الأشاطب، من أهل الرصانة والدين والثبات واليقين، شديد العناية بتشييد الإسلام وهدم قواعد ما خالفه، من حماة المذهب الشريف وأهل الأنفة لله عز وجل، وكان عظيم الشأن رئيساً/129/ كبيراً، وله أشعار كثيرة منها:
سرى طيف أسما وهو طيف مسلم ... وزار سحيراً والحواسد نُوّمُ
ألمَّ بنا والحي منهم مهوِّم ... بنجدٍ ومنهم راحل ومخيمُ
أحنُّ اشتياقاً والركائب في الفلا ... تحن من الجهد الضليع وتزرم(1)
تبارى بمرتُ البيد سعياً كأنها ... سفائن بحر وهو برد مسهم
تمرُّ كأخداج النخيل رقابها ... ويشكل إشكال الظريف فيرسم
تيممت فيها ربع صنعا إلى الذي ... صنائعه للمعتفين تُيمم(2)
أناخت بأثواب الخلافة حيثما ... أناخ الهدى مستكملاً والتكرم
__________
(1) في (ب): وترزم.
(2) كذا وفي (ب): يُيَمَّم.