الحسين بن هارون الحسني [ - ق 3 ه‍ ]
السيد الشريف الإمام الكبير الحسين بن هارون الحسني والد السيدين الكبيرين حافظي علوم العترة المؤيد بالله وأبي طالب - عليهم(1) السلام - وكان عالماً من أعيان أصحاب الناصر للحق، وروى بعض أحوال الناصر هكذا نقلته في رجال الزيدية والظاهر(2) أنه إمامي المذهب، وبينه وبين ولده المؤيد مراجعات في ذلك، لكن العذر في ذكره (بين)(3) الزيدية اختصاصهم لهم(4) ونقله لأخبارهم كما اعتذر الطوسي(5) في ترجمة الحافظ بن عقدة الزيدي - رحمه الله - وفي حافظي أنه الذي روى عن الناصر للحق - عليه السلام- كان محروراً تستولي عليه الحمى إذا تكلم، فكان يوضع بين يديه كوز فيه ماء مبرد يتجرع منه في الوقت بعد الوقت إذا تكلم كثيراً أو ناظر، وكان شيخ هِمٌ من العراقيين يعرف بأبي عبد الله محمد بن عمرو، وكان يكلمه - عليه السلام- في مسألة، فكان يترشرش من فيه لعاب يصيب الكوز منه كما يتفق مثله من في(6) المشائخ، فأخذ الناصر دفتراً بين يديه ووضعه على رأس الكوز، فاتفق أن هذا الشيخ وهو في هزارة، وحدة مناظرته، ولع بأخذ ذلك الدفتر عن رأس الكوز من غير قصد، ولكن كما يتفق(7) من الإنسان أن يولع بشيء في ضجره واحتداده، ففعل ذلك مرتين والناصر يرد الكوز، فلما رفعه الثالثة(8) أعاده الناصر، ثم التفت إليه، وقال: يا هذا، ومن شر النفاثات في العقد.
__________
(1) في (ب): عليهما.
(2) في (ب): والأظهر.
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): لهم.
(5) في (ب): الجلَّى.ظ
(6) في (ب): من المشائخ.
(7) في (ب): كما يسبق.
(8) في (ب): فلما رفعه ثالثة.

قلت: وكان الناصر - عليه السلام- عذب الناشئة بمحاسن الأخلاق، وله تحف نبوية مما نقل عنه أنه ربما كان يتطارش تطارشاً أكثر مما به من الطرش لأغراض صحيحة، ولضرب من التظرف فروى الشريف الحسين بن هارون هذا - رحمه الله - أنه قام يوماً في مجلس الناصر شاعر يُنشده قصيدة كان مدحه بها، فلما ابتدأ بالإنشاد، أشار - رضي الله عنه - إلى أذنه أني لا أسمع ما ينشده فلا فائدة لك في إنشاده، فتضرع الرجل في أن يأذن في الإنشاد وأعانه من حضر فأومأ إليه أن ينشد، فلما مر الرجل في قصيدته انتهى في بيت أنشده إلى كلمة لحن فيها(1) فأومأ إليه الإمام سريعاً، ونبهه بالإشارة على الخطأ، فضحك الناس، وقالوا: أيها الإمام ألم تظهر أنك لا تسمع؟ فتبسم.
__________
(1) سقط من (أ).

قلت: وذكرت بهذه القصة حكايات منها ما ذكرني به التطارش، ومنها ما ذكرني به الحرَّة(1)، فأما التطارش فكان شيخ آل الرسول في زمانه السيد أمير الدين بن عبد الله بن نهشل - عادت بركته - فيه طرش ليس بالكثير، وكان يظهر من نفسه أكثر، وحكمة دعوى هؤلاء الفضلاء لكثرة التطارش هي(2) السلامة من الخوض في المباحات وغيرها، ويعرض عنهم كما كان السيد الجليل أحمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله - يقول: تأملت لنفسي أي الحواس أرضى بذهابها(3) لو أن الله - سبحانه، وله المنة - خيرني(4)، فما وجدت أحسن من الطرش، وفي هذا الطرش معونة على الحلم والإعراض عن الجاهلين، كما كان بعض آل محمد عليه(5) السلام يقول إنه يسمع السب من الرجل فيستتر بالسارية /107/، نعم فكان السيد أمير الدين يدعي ذلك، فاتفق أنه بقرية حبور كان يقرأ عليه الإمام المؤيد بالله وأعيان الزمان في (العضد شرح المنتهى)، فدار بين أولئك الأعيان وبين الإمام المؤيد بالله - وهو إذ ذاك لما يدع إلى نفسه - خوض في نفقة السيد أمير الدين من أي محل تعين، فقال القاضي الحسن العيزري أو غيره من محل فلان بصوت خفي، وظنونهم قاضية بأن السيد ما يسمع ذلك، فقال السيد - رحمه الله -: أما محل فلان فلا يعينوا منه شيئاً(6)، لم يبق عند العامل بتلك الجهة شيء، فعجبوا لذلك - رحمهم الله - وكان بعض الفضلاء يتمثل فيه - رحمه الله -:
أصم عن الشيء الذي لا يريده ... وأسمع خلق الله حين يريدُ
وقد ذكر الجاحظ في (البيان والتبيين) أن الطرش مما يكمل به سؤدد الرجل العظيم.
قلت: ما ذاك إلا للإغضاء والسلامة من مخازي الحمقاء، فكم للسان من عثرة لا تقال
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرِجْلِ
__________
(1) في (أ): الحدة.
(2) في (أ): هو.
(3) في (ب): بذهابها.
(4) في (ب): خبرني.
(5) في (ب): عليهم.
(6) في (أ): شيئاً.

وأما ما ذكرت به من حديث الحدة(1) في المزاح مما بلغنا أن الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن - رضي الله عنهما - كان يقول: ما شربت شربة باردة قط في شتاء ولا غيره، ولو بولغ في التبريد إلا مرة واحدة برد الماء في وقت العسرة الشديدة من أول الليل إلى آخره في الصحراء، فوجدت له شيئاً من البرد، ومثل هذا يحكى عن الشيخ ابن حجر العسقلاني، ومن عجيب الحدة(2) عند المناظرة ما حكى عن السيد الإمام محمد بن يوسف الداعي إلى الله المسمى بالناصر المتوفى يوم الخميس تاسع وعشرين من شعبان سنة ثماني وتسعين وتسعمائة، وقبر بمدينة (ثلا)، وكان في العلم بمكانة عظيمة.
قال السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير: بلغ في العلم مبلغاً أربى فيه على أقرانه، وجميع أهل زمانه، قالوا: كان إذا ناظر في العلم ذهبت أذنه ولم يبق إلا الصدغ، كأنه لم يخلق له أذنان، فاتفق أنه أراد المناظرة هو والإمام عز الدين، فلما رآه الإمام عز الدين بهذه المثابة خرج فقال الإمام محمد بن يوسف:
وابن اللبون إذا (مالز) في قرن ... لم يستطع صولة البزل (القناعيس(3))
الحسين بن أبي يوسف العراقي [ - ق 6 ه‍ ]
العالم الفاضل الجهبذي الحسين بن أبي يوسف العراقي من كبار الناصرية، وفد إلى اليمن المحروس مع دعاة الإمام أبي طالب الأصغر(4)، وهم الشيخ الكبير القاضي أبو طالب بن أبي نصر الرازي، وهكذا(5) قال بعض العلماء بن أبي نصر، وقال بعضهم: نضر، ومن الدعاة عبد الجليل القزويني الزيدي، والسيد الإمام العلامة الحسين الهدوي، ومن ولد الهادي الصغير يحيى بن محمد بن يحيى الهادي الكبير، وعبد الله بن المبارك الترخي - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): الحرة.
(2) في (ب): الحرة.
(3) القناعيس: القِنْعاسُ: من الإبل العظيم، والرجل الشديد المنيع. جمع قناعيس. (القاموس المحيط ص525).
(4) في (ب): الصغير.
(5) في (ب): هكذا.

حسين الصيرفي [ - ق 4 ه‍ ] ت
العلامة حسين الصيرفي المدفون في ليلة كوملة، وقيل في هوسم، والأول أصح، له (حاشية الإبانة) المسماة بالتحفة(1).
أبو الحسين الناصري [ - ق 4 ه‍ ]
العلامة الكبير أبو الحسين الزاهد الناصري، ترجم له العارف يوسف حاجي الناصري - رحمه الله - وقال: إنه مصنف (الذخائر في سير الإمام الناصر).
حسان بن قائد البارقي [ - ق 2 ه‍ ]
حسان بن قائد البارقي، عده أبو القاسم البغدادي في تلامذة الإمام وأهل الإسناد للمذهب، قال: وكان فاضلاً ساطعاً(2) للجهاد.
أبو حرب بن تزدقول [ - ق 3 ه‍ ]
العلامة الكبير أبو حرب بن تزدقول عالم الناصرية، كان محققاً مناظراً، أستاذاً مرجوعاً إليه، وكان يناظر الإمام المؤيد بالله /108/ ويقاوله مع جلالة قدر المؤيد بالله في المناظرة، وحكى أبو القاسم بن(……)(3) قال: إن المؤيد بالله - عليه السلام- كان يقول: أشد الناس تعصباً علي أبو حرب بن بردقول وكان ناصري المذهب بسبب(4) تصويبي القولين المختلفين حتى رجعت إلى (الري)، ووردها أبو حرب هذا، ورأى حشمتي بين أهل العلم ومقامي في الفضل، فقصدني، وجاراني في هذه المسألة، وناظرني حتى ظهر عنده الحق فتاب من صنعه(5)، وصار من خواص أصحابي.
حرمي روست(6) [ - ]
__________
(1) في نوابغ الرواة الحسن بن حمد بن علي الصيرفي، روى عن القاضي أبي بكر الجعابي المتوفى سنة 355هـ، وعنه أبو الفتح الكرجكي محمد بن علي المتوفى سنة 449هـ، وفيه أيضاً الحسين بن أحمد بن بكير الصيرفي البغدادي التمار، له كتاب عيون مناقب أهل البيت، انظر نوابغ رواة 105 ، 120، وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 371.
(2) سقط من (أ): ساطعاً.
(3) فراغ في (أ) و (ب)، ولعلها بن نال.
(4) بسبب تصوبي القولين المختلفين.
(5) في (ب): صنيعه.
(6) هذه الترجمة ساقطة من (أ) في (ب) حزمي دودست.

العلامة الكبير صاحب إيجاز الشرح - يعني شرح الإبانة - كان - رحمه الله - من أعمدة العراقيين من أصحابنا وأساطين الناصرية - رضي الله عنهم -. انتهى
حماد الحجبري [ - ق 5 ه‍ ]
حماد الحجبري، هو أحمد(1) بن أحمد بن يوسف، من أهل ميتك، ويعرف بالحجبري - بالحاء المهملة قبل الجيم بعدها باء موحدة من أسفل - كان من رجال الزيدية ذوي العلم والديانة والورع والصيانة، وكان ممن نابذ الصليحي، وحاربه بلسانه، وهو بمسار ثُمَّ نابذه هو وقومه حتى غدر به بعضهم وبقومه، فلما ملك الغرب هرب إلى بلاد خولان، فلم يظفر به، وله فضل، وهو ممن تعارفه الزيدية وتشهره، وكان له شعر صالح، منها قصيدة لامية فيها طول يوصي فيها أولاده، وقد اشتملت على محاسن من الآداب والحكمة، وهي التي أولها:
بني اصبروا للدهر عند الزلازلِ ... ولا تجزعوا عند الخطوب النوازلِ
قال السيد الحافظ محمد بن عبد الله الوزيري والد السيد صارم الدين(2): رأيتها كاملة منسوبة إلى الهادي إلى الحق، وهي نسبة غير صحيحة.
حصينة بنت محمد بن علي [ - ق 8 ه‍ ]
السيدة حصينة بنت محمد بن علي أخت الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد وأم الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، وأخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى - رضوان الله عليهم -.
__________
(1) في (ب): هو حامد.
(2) في (ب): السيد الصارم.

قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله: إنها الشريفة الطاهرة العابدة الزاهدة، ربة الكرامات الخارقة والفضائل الفائقة، فإن من كراماتها ما حكى ابن أخيها السيد العلامة المجاهد إبراهيم بن يحيى بن محمد، قال: اشتدت بأهل الزمان أزمة حتى عجز الوالد عن مؤونة ولده، فبعث بي والدي إليها لأنها كانت موسعاً عليها من أقطار كثيرة، وكذلك سائر أعمامي بعثوا بأولادهم إليها، من جملتهم حي الإمام الناصر - عليه السلام- فكانت تكرمه فوق إكرامنا ، فعتبنا عليها وقلنا لها نحن وهو منك في درجة واحدة، فكيف تفضليه علينا؟ فوضعت كفها على رأسه، وقالت: لو تعلمون ما تحت هذه القلنسوة من سر لعذرتموني في تفضيله، وكان ذلك قبل دعوة أبيه، فانكشف صدق ما أشارت إليه من فضله، ولها كرامات كثيرة، وقد ذكر بعضها في سيرة الإمام شرف الدين - عليه السلام-(1).
من اسمه حمزة
حمزة بن أحمد بن داود(2) [ - ]
الشريف الكامل حمزة بن أحمد بن داود بن يحيى بن أحمد بن محمد بن حاتم بن الحسين بن المبارك المحسن بن الحسن بن علي بن عيسى بن موسى بن جعفر(3) بن محمد الشهيد صاحب الهادي - عليه السلام- العلوي العباسي، كان فاضلاً نبيهاً، وهو الذي أمر بعض السادة العارفين بالأنساب أن يجعل مشجراً يحفظ فيه أولاد أبي الفضل العباس بن علي(4) بن أبي طالب، ففعل، وأجاد.
__________
(1) في (ب): صلوات الله عليه.
(2) هذه الترجمة في (ب): قبل حمزة بن سليمان.
(3) في (ب): أبي.
(4) كذا في الأصل، ولعل الصواب بن علي فيحقق كما في (ب): بن علي.

حمزة بن أبي هاشم الحسني [ - 459 ه‍ ]
الأمير الكبير حمزة بن أبي هاشم الحسني(1)، وكنيته النفس الزكية بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، قال ابن فند وابن مظفر(2): قام محتسباً، وليس بإمام، شهد بفضله الموالف والمخالف، وقد ذكره الإمام المتوكل أحمد بن سليمان في بعض رسائله على المطرفية في جملة من ذكر من أهل البيت الذين أنكروا على المطرفية، وكانت لحمزة هذا مع بني الصليحي وقعات مشهورة، وكان جيشه ألف فارس وخمسمائة فارس، وخمسة عشر ألف راجل، وصادم بهم خلائق من جنود الصليحية.
قال القاضي أحمد بن عبد السلام والد القاضي جعفر - رحمه الله -: كان عامر بن سليمان بن عبد الله /109/ الزواحي بيريم من جبل تيس من جبال (المغرب)، فأتاه الخبر بقيام حمزة ونهوضه إلى صنعاء في جمع كثيف، فنهض عامر فيمن معه من أهل عسكره وأسرع في السير إلى شبام، فلما أتى أصل جبل كوكبان وكان قد خبز لذلك العسكر شيئاً لا يعرف مقداره من الخبز فثبت على ظهر دابته، ولم ينزل حتَّى قسم ذلك الطعام على الناس، فكان لكل رجل رغيفان، وأمر بفتح مخازين الزبيب، فكان لكلٍ نصف مكيال، فأكلوا وهم يسيرون، فجعل طريقه على (ضلع) حتَّى دخل صنعاء، فاجتمع بأحمد بن المظفر، وكان المكرم في بعض(3) غزواته، ثُمَّ تقدم حتَّى لقي حمزة بالمنْوى، قلت: والمنْوى - بفتح الميم بعدها نون ساكنة ثُمَّ واو وألف - موضع غربي بوسان، والقصة مشهورة في التواريخ(4)، حاصلها أنه ثبت الأمير - رضي الله عنه - ووقف عنده تسعون شيخاً من همدان يجالدون عنده حتَّى هلكوا وقتل معه عشرة من رؤساء همدان لكل واحد من البنين عشرة ذكور وعشر بنات، وذلك في سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وكان يقاتل يوم قتل، وهو يقول:
أطعن طعناً ثائراً غباره ... طعن غلام بعدت دياره ... وانتزحت عن قومه أنصاره
__________
(1) في (ب): حمزة بن أبي هاشم الحسن.
(2) في (ب): وابن المظفر.
(3) سقط من (أ).
(4) في (ب): في كتب التواريخ.

وفيه يقول شاعر المكرم:
وصرعن بالمنوى منكم سيداً ... (قرماً) ولم نسمح به أن يصرعا
ملك لو ان بني سليمان معاً ... وزنوه يوماً لم يوازن(1) أصبعا
وبعد قتله كتب ابن القاسم الشاعر البليغ المشهور على لسان المكرم إلى خليفتهم بمصر يخبره بقتل حمزة - عليه السلام- ويتجرم من الأشراف، وأنهم لا يزالون يتوثبون على أهل الدعوى باليمن، فأجاب عليه خليفته بجواب حسن يأمره بالعفو والصفح وحسن المعاملة للأشراف.
قلت: وهذا الأمير الصدر - رضي الله عنه - هو جامع النسب الحمزي، فأبناؤه الحمزيون أينما كانوا وهو الذي عناه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة - عليه السلام- بقوله:
كم بين قولي عن أبي عن جده ... وأبو أبي فهو الإمام الهادي
وفتى يقول روى(2) لنا أشياخنا ... ما ذلك الإسناد من إسنادي
ما أحسن النظر البليغ لمنصفٍ ... في مقتضى الإصدار والإيراد
أوليس جدي حمزة نعشَ الهدى ... بحسامه وبعزمه الوقادِ
فمشى إلى أن ذاق كأس حمامه ... وسط العجاجة والخيول عوادي
لم يرتدع في حربهِ عن عامر ... عن فرط إبراق ولا إرعاد
وسليله جدي علي ذو العلا ... علم العلوم وزاهد الزهاد
والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرؤٌ هاد نماه هادي
وكانت له كرامات، روي أنه دفن قريب(3) المعركة، فتربص أولاده الفرصة لنقله، فأمكنتهم فحملوه في شمله، وله نور ساطع(4) يرى منه أهداب الشملة، وروى أنه كان في بعض أيامه بمسجد (حلملم) وقد اجتمع إليه أهل الطرق، وأراد الصلح بينهم في أمور كانت فأحدث واحد بالقرب من المسجد صوتاً يريد به تفريق الناس حتى ينصرفوا بغير صلح، فقال حمزة: من هذا الذي غير محضرنا غير الله لونه، فأنزل الله بذلك الرجل البرص في مجلسه عقيب دعائه - عليه السلام-.
__________
(1) في (ب): لم يزينوا. ظ
(2) في (ب): حكى.
(3) في (ب): بقرب.
(4) في (ب): صادع.

قلت: وقد أذكرتني هذه القضية بقضية لبعض العلماء، وهو عمرو القاضي، وهو القاضي ببيت أكلب من بلد بني فهم بن جابر بن عبيد الله بن قادم، وشواهد الحال أنه من المخترعة، ويحتمل أنه مطرفي، وكان شديد المحبة في الله والبغض فيه سبحانه، وكان طرفاً من بلاد الزيدية /110/ ممتحناً بجهاد عدوهم ومخالفتهم بقلبه ولسانه، معملاً في نصرة الحق وخذلان الباطل فكرَه، وكانت تصادفت(1) دياره ديار الإباضية، وهم أهل البغضاء لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ورأيهم صحة الإمامة في سائر الناس، فأراد موسى بن عيسى بن عبد الرحيم بن موسى بن هارون القاضي يعوق(2) من أعمال (شظب) أن يبايعه الناس إماماً، ودعاهم إلى بيعة نفسه، وهو يومئذ أوسط الإباضية علماً ورأياً وتدبيراً، ورئيس الجابرين؛ لأنه وسط(3) النسب في بني هلال بن عوف بن جابر، فأجابه الناس وساعدوه، وكان الكلائح كالقاعدة لتلك البلاد، وبها سوقهم الأعظم، ووقت لاجتماعهم لعقد البيعة الكلائح، فبلغ ذلك عمرواً القاضي، وقد كان شديد الحرص على محو رسم الاباضية، وعلم أن هذا الاجتماع ينهض بصيتهم، فضاق لذلك ذرعاً، وكان قد بايعه على مذهب الزيدية رجل من الإباضية من أهل شظب ينزل بالمركع من القارتين من رأس الجبل وهو من نفر يسمون بني المعصفر من بطن يقال لهم بنو أسد بن عوف بن جابر، فوقع عند هذا الرجل ما حدث في نفس عمرو من الاغتمام، فحضر الأسدي مجتمع القبائل بالكلائح وقد أجمع على العمل في تفريقهم بما أمكن، وهو لا يبالي لموسى بن عيسى صاحب هذه الدعوة لمنعه في قوم الأسدي، فلما دارت حلقة القوم في صحراء الوادي وابتدوا في الكلام أخذ حجراً فرمى به بينهم، وكان بين القبائل عداوات شديدة وذحول(4)
__________
(1) كذا في (أ) وفي (ب): وكانت تصاقب دياره.
(2) كذا في (ب). وانظر عن ترجمة المذكور ومصادرها طبقات الزيدية ق3 ج1 ص408، ترجمة 238.
(3) في (ب): وسيط النسب.
(4) الذحول جمع ذحل وهو الثأر، تاج العروس، باب اللام.

74 / 182
ع
En
A+
A-