وهذه القصيدة حضرت عند الرقم، وهي من وجوه الشعر وعيون المدائح، ولم أرجحها على غيرها من شعره - رحمه الله - النبوي، فإنه كثير طيب، ولقد فصَّل الأدباء صنعته على صنعة الصفي في معارضة قصيدته التي طالعها:
كفى البدر حسناً أن يقال نظيرها ... [فيزهى ولكنا بذاك نضيرها](1)
فضَّلوها باعتبارات أدبية، وهذه القصيدة التي نقلنا بعضها عددها مائة بيت وأربعة /101/ وأربعون بيتاً، ومن علوياته - رحمه الله -:
أشهد علي إذا أتيت المشعرا ... ووردت بيت الله من أم القرى
ونزلت في ضيف الكريم ملبياً ... ومسبحاً ومهللاً ومكبراً
ووردت جمعاً والجموع كأنها ... بحر طما والعيس تنفخ في البرا
وعرفت في عرفات ما قد كان من ... قبل الصعود إلى ذراه منكرا
وسريت في عمار بيت الله كي ... ما يتبع الحج الكبير الأصغرا
بل يشهد الثقلان مهما يمموا ... لقضاء رب العالمين المشعرا(2)
إني أفضّل بعد خير الخلق من ... ختم الإله به الرسالة حيدرا
وهو الإمام بغير فصل بعده ... وبذاك ألقى الله لا متسترا
فدع المرا فيما سواه فإنما ... وقع التهافت في الضلال من المرا
والزم طريقته فتلك طريقة ... يا خسر بائعها ونعم من اشترى
من قاسه بسواه في أوفَى فضـ ... ـائله لعمرك قال قولاً منكراً(3)
بل من رأى أن الإمام وراءه ... بعد النبي المصطفى فقد افترى
هيهات تلك قضية مبتوتة ... يا بعد ما بين الثريا والثرى
من نفسٍ خير الخلق فيما قاله ... رب السما يا من درى ما قد قرا
ومن الذي حصرت عليه بإنما ... آيُ الولاية مفخراً لن يحصرا
من ذاك زكى راكعاً يا من له ... عقل يؤم به الطريق النيرا
أمَّن دعاه لأكل طير جاءه ... بمحبة الرحمن جاء مبشراً
من ذاك يسقى في القيمة كل من ... والاه من هذا الأنام الكوثرا
أمَّن دحا الباب الذي عجزت ليو ... ث الحرب عنه حين أمّوا خيبرا
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): المحشرا.
(3) في (ب): ينكرا.
من قال فيه نبينا يا من وعى ... ما قاله هذا أخي دون الورى
أمَّن فدَاه بليلة أمسى بها ... جبريل يكلؤه إلى أن أسفرا
من نال منزلة بها من قبله ... هارون أورد عن أخيه وأصدرا
من كان نجل محمد في صلبه ... إما جهلت فسل شبير وشبرا
من كان باب مدينة العلم الذي ... من لم يفز بدخوله لن يظفرا
من زُوِّج الزهراء في ملأ السماء ... هل قد علمت بمثل ذلك(1) مفخراً
من ذاك بلغ عن رسول الله يـ ... ـوم الحج ممتثلاً براءة بالبرا
ولمن بيوم غدير خُمٍّ شدَّ من ... عقد الولاية(2) في ولايته العُرَا
مَنْ مُذْ نشا لسوى الذي رفع السما ... ودحا البسيطة خذه ما عفرا
من جرع الأعداء في بدرٍ وقد ... حمي الوطيس هناك موتاً أحمرا
من ذاك للأصنام عند ذوي النهى ... وسواه يعبدها ضلالاً كسرا /102/
من كان محتنثاً مع خير الورى ... للحنث في سن الطفولة في حرا
من قال لو كشف الغطا ما ازددت معـ ... ـرفة على ما في مواجهتي أرى
برح الخفا هذي الفضائل كلها ... تركت دليل القوم يمشي القهقرى
هذي مآثره التي لسواه من ... أهل البسيطة عن يد لن تؤثرا
ولتلك عندي قطرة من مطرة ... من ذا يعد القطر مهما استعبرا
قل لابن من أمسى جدار أبيه ذا ... قصر تريد سباقنا أطرق كرا
ما كان أجمل بالسكيت إذا رأى ... سبق المجلى أن يسير إلى الورى
دعني وتفضيلي وكن متيقناً ... إني حلبت من الأدلة أشطرا
هو ما سمعت فكن مقراً أو فكن ... للشمس في (رأد) الظهيرة منكراً
فتولنا أو ولَّنا منك القفا ... مستنكراً مستكبراً متحيراً(3)
وانظر بفكرك إن أردت خلاف ما ... أمليته في أي قولينا هرا
لولا مكابرة العقول لما جرى ... بعد النبي مع عليٍ ما جرى
دعني ومعتقدي وته بي حيث لا ... (متقدماً) يلقى ولا متأخرا
وارفضَّ وارفضني إذا لم تدر أن ... الصيد كل الصيد في جوف الفرا
__________
(1) في (أ): بذلك.
(2) في (ب): الوصاية.
(3) في (ب): متجبراً.
أنا منك بل من كل من ذهبت به ... أهواؤه في غير معتقدي برا
نفسي الفداءُ لأحمد ووصيه ... وابنيهما أهل القراءة والقرا
شم الأنوف عن الدنايا والدنا ... يلقى(1) منازلهم به أسد الشرا
من كل ما هجم الظلام عليهم ... طردوا عن (الآماق) طارقة الكرى
وتصاقبوا الذكر الجميل(2) بلهجة ... لو لاقت الصخر الأصم تفجرا
يا رب وفقني بحفظ حقوقهم ... واجعل مودتهم لديني مظهراً
يسر بحقهم مسالكي التي ... ترك الزمان (دميثها) متوعراً
وانظر إلي بعين رحمتك التي ... يمسي بها ذنبي العظيم مكفراً
أنا سائل ولقد قطعت بأن من ... سأل الكريم نواله لن ينهرا
فأقبل شفاعتهم لعبد لم يزل ... متعلقاً بولائهم مستهبرا(3)
فلهم لديك مكانة يطفى بها ... وهج الجحيم إذا الجحيم تسعرا
يا رب هذا موردي في حبهم ... يا رب فاقض ببرد عفوك مصدرا
وأقل عثاري في جرائريَ التي ... أسلفت واحرسني لكيلا أعثرا
واجعل بحقك عيش من والاهم ... يا رب في الدارين عيشاً أخضرا
هذا الذي أبديه من خير(4) ودع ... مني وراء الستر ذاك المخبرا
/103/ ما زال قلبي آهلا بولائهم ... أبداً وقلبك يا عذولي مقفراً
هذا وصل على نبيئك من إلى ... أسرى مكان دون عرشك قد سرى
وعلى جميع الآل من أنزلتهم ... مما خصصت به عبادك في الذرا
توفي - رحمه الله - ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، بمدينة ثلا، وقبره في جربة صلاح العريجي غربي المصلى، ومما أنشدناه حفيده شيخنا شيخ الإسلام أحمد بن سعد الدين - قدس الله سره - قال: سأل الفقيه الأفضل جمال الدين علي بن قاسم السعيدي الشرفي - رحمه الله (تعالى) -(5) سيدنا الحسين المذكور أن ينظم له سهام الميسر، فأجابه ارتجالاً بهذه الأبيات:
سألتني وفقت يا علي ... معتقداً أني بها ملي
__________
(1) في (ب): تلقى.
(2) في (ب): الحكيم.
(3) في (ب): مستهتراً. ولعلها: مستعبراً.
(4) في (ب): من خير.
(5) ساقط من (ب).
سألتني نظم قداح الميسر ... فهاكه برجزٍ ميسر
الند والتوأم والرقيب ... والحلس والنافس يا أريب
ومسبل يتبعه المعلى ... سقيها(1) بها السهام تملى
وبعدها ثلاثة متروكة ... وأهلها عصابة مفروكة
ليس لها من الجزور حصة ... سواء احتمال محنة وغصة
وهي سنيح(2) ومنيح وغد ... تروح في خبيتها(3) وتغدوا
فهاكها وفقت للصواب ... مسامحاً في ركة الجواب
فهكذا يكون حال المرتجل ... وما بناه ربه على عجل
وولده يحيى بن الحسين أديب وقته البليغ المحسن، كان من النجباء الأدباء العلماء الفصحاء، توفي بعد أبيه في هذا العام بمدينة ثلا أيضاً، وهو لأمِّ ولد وأما ولداه علي وسعد الدين فسيأتي ترجمتهما - إن شاء الله -(4).
الحسين بن محمد بن شاه [ - ]
العلامة الفاضل شيخ العراق أبو عبد الله الحسين بن محمد بن شاه شريحان(5) - رحمه الله (تعالى)(6) - كان من كبار العلماء الأخيار الصالحين محققاً من عيون أصحاب المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): سبقتها.
(2) في (ب): سفيح.
(3) في (ب): خيبتها.
(4) في (ب): إن شاء الله تعالى.
(5) في (ب): شيريحان.
(6) ساقط من (ب).
الحسين بن محمد بن أحمد [582 - 662 ه ]
الأمير الحسين بن محمد،(1) هو الأمير الناطق بالحق أبو طالب حامل لواء العلوم، فارس ظنونها(2) والمعلوم، شرف الدين الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام- قال ابن فند: هو من أعلام العترة الميامين ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أكثر من أن يوصف، ومعرفته أشهر من أن تعرف، فله من التصانيف ما يدل على علمه الغزير حتى قيل إنه أبو طالب وقته. صنف في الفقه كتاب (المدخل) وكتاب (الذريعة)(3) و(التقرير)(4) ستة أجزاء، و(شفاء الأوام)(5) أربعة أجزاء، وما قد كمل وكمّله الأمير صلاح الدين صلاح بن الأمير إبراهيم بن تاج الدين، وللأمير الحسين في أصول الدين كتاب(6)، وأما الرسائل والأجوبة فكثير(7) منطوية على علم غزير، وله (ثمرة الأفكار في حرب البغاة والكفار) (8)، كانت وفاته بعد قيام أخيه، وذلك إما في سنة اثنتين أو ثلاث وستين وست مائة، وعمر نيف وستون سنة، انتهى(9).
__________
(1) في (ب): الأمير الحسين بن محمد.
(2) في (ب): مظنونها.
(3) كتابي المدخل والذريعة لم أجد لهما نسخة خطية، وقد ذكرهما في الطبقات.
(4) التقرير شرح التحرير في الفقه أربعة مجلدات مخطوط، انظر عن نسخه الخطية أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (3088).
(5) شفاء الأوام في أحاديث الأحكام، طبع على نفقة وزارة العدل وصدر في ثلاثة مجلدات.
(6) لعله كتاب الإرشاد إلى سوي الاعتقاد، لم أجد له نسخة خطية، وله ينابيع النصيحة مطبوع.
(7) في (ب): فكثيرة، انظرها في أعلام المؤلفين الزيدية.
(8) لم أجد له نسخة خطية.
(9) في حاشية (ب): ودفن رحمه الله في مشهده بتاج الدين من هجرة العاليين من رغافة.
قلت: كتابه الذي ذكره ابن فند في أصول الدين وهو كتاب (ينابيع النصيحة) كتاب حافل(1) بالفوائد، وله كتاب (مشجر في الأنساب) (2)، وله شعر من ذلك ما وجهه إلى الإمام أحمد بن الحسين - عليهم السلام-:
ألا يا دهر قد أكثرت صرمي ... فحسبك أيها الزمن الحرونُ(3)
تحاول قطع همي عن مرادي ... وحبلي في العلا حبلٌ متينُ
ولي رب الخلافة أي عون ... ومعتصم إذا عدم المعينُ
أمير المؤمنين حمامُ قالٍ ... وكنٍّ للولي معاً كنينُ
هو المهدي لدين الله حقاً ... إمام هدىً له رأي رصينُ /104/
ونحن الناصرون على الأعادي ... لمولانا الإمام فلا نخونُ
ونبذل دونه مالاً ونفساً ... وجاهاً في الأنام وذاك دونُ
وهذا القدر منبه على ما أردناه من معرفة شعره، وكان حجة في أهل وقته، يتعاورون كلماته ويستظهرون بإشاراته، ووقف بظفار مدة على إجلال وتكريم من أولاد الإمام المنصور بالله، ولهم مقصد ببقائه، فإنهم يتخوفون منه لعلو مقامه، وصنف (الشفاء) هنالك، وفي كلمات نادرة(4) نبؤ قالوا لأنه كتبه في ظفار أيام هذه الإقامة، والأمهات ليست كتب درسه - عليه السلام-.
قال العلامة سيبويه زمانه الحسن بن علي حنش - رحمه الله - وللأمير أبي(5) عبد الله شرف الدين الحسين بن محمد كتاب (ثمرة الأفكار في أحكام الكفار) جعله أربعة فصول، الأول في أن المجبرة كفار، الثاني في حقيقة دار الحرب، الثالث أن دار الجبرية دار حرب، والرابع في جملة من أحكام دار الحرب، وهو كتاب مفيد جداً في بابه رحم الله مؤلفه، وذكر في آخر هذا الكتاب أن له كتاباً يسمى (النظام)(6)، ذكر فيه ما يعتقده في المطرفية وغيرهم، انتهى.
__________
(1) في (ب): بالفرايد كافل بالفوائد.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) في (ب): الحزون.
(4) في (ب): نادرة من الشفهاء.
(5) سقط من (أ): أبي.
(6) لم أجد له نسخة خطية، وانظر تفاصيل لكتبه وأسانيده وشيوخه في الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص383-388، ترجمة 222.
حسين بن محمد صالح الجيلاني [ - ق 5 ه ] ت
الْمُلاَّ حسين بن محمد صالح الجيلاني، عالم كبير، ترجم له الملا يوسف حاجي، وهو أخ لحسن بن محمد صالح صاحب (حاشية الإبانة)، وهم بيت كبير، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ترجمة محمد صالح، فإنه عين زمانه، وفرد أوانه(1).
الحسين بن محمد النحوي [ - ق 7 ه ]
العلامة الحسين بن محمد النحوي المعروف مجد الدين، هو العالم بن العالم، الحسين بن محمد سابق الدين بن(2) علي بن أحمد بن يعيش، ذكره صاحب الكنز، وترجم له بعض أولاده، كان إماماً عالماً مرجوعاً إليه، تخرج عليه الفضلاء، وارتفع شأنه، وله تلامذة ومشيخة، فمن شيوخه إمام اليمنين في العربية، ومن تلامذته الشيخ علي بن إبراهيم بن عطية، وولده العلامة محمد بن الحسين وخلائق، وله شعر من ذلك ما كتبه إلى العلماء آل أبي النجم في وقته - رحمه الله تعالى -:
إلى الأنجم الزهر البهاليل في الورى ... وسادات أهل الدين أكبر أكبرا
إلى العلم والمجد الأثيل الذي رسا ... وأنجد إنجاد النسيم وأغورا
إلى معشر غر كرام نجارهم(3) ... يشيدون للعليا مقاماً ومفخرا
إلى الغر من أبنا أبي النجم قاصداً ... لأرفعها بيتاً وأوسعها ذرا
كرام وأبناء الكرام وإنما ... يطيب الفتى فرعاً إذا طاب عنصرا
فَلُذْ بالجفان المترعات التي إذا ... مُلِئْنَ (سديفاً(4)) ظنها الوفد أبحرا
/105/ وطارحهم مني التحية شاكياً ... تفرق أحباب أمض(5) له الكرا
__________
(1) في الطبقات رقم (227) قرأ الإبانة وزوائدها على مذهب الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش - عليه السلام - على أبيه محمد بن صالح الجيلاني، وسرد سند أبيه إلى المؤلف، قال: وسمع عليه أحمد بن منصور اللاحجي وولده يحيى بن الحسين، قال السيد أحمد بن الأمير: كان الحسين بن صالح فقيهاً عالماً راسخاً في علوم الدين.
(2) زيادة في (ب).
(3) نجارهم: أصلهم.
(4) سَدِيفاً: السَّديف: شحم السنام. (القاموس المحيط ص755).
(5) في (ب): أقض.
طرائح منا في كليب ومالك ... وقد كان جمع الشمل دهراً وأعصرا
فكانت لنا عند المشاهد برهة ... تركنا بها دين الفواطم أزهرا
فرعياً لها من ماضيات تقاصرت ... وعوذاً لذاك الدهر أن يتكدرا
ولولا(1) الذي أرجوه في اليوم أو غد ... لساعدت نفسي أن تفيض تحسرا
أناس أباحوا حرمة الدين والهدى ... وخانوا النبي اليثربي المطهرا
يرومون نقل الشم من مستقرها ... وأين الثريا من ملامسة الثرا
فلا يبعد الله الحماة لدينه ... وأنصار دين الحق أن يتهصرا
ورطب لسان بالثناء يزوركم ... يلوذ بأنواء الحيا حيث أمطرا
أتاكم طلاباً للهدى يستفيده ... ففاز لديكم بالقراءة والقِرَى
ومنها:
زكي الهدى والزائد الدين بسطة ... وحامي محار(2) الحق أن يتغيرا
ومنها:
ويحيى عماد الدين أحيا مآثراً ... لأباء صدق طيبين ومفخرا
ومن راح صدراً للعلا علم الهدى ... ظهير معالي آل طه وحيدرا
تحف بهم آلٌ تضيء وجوههم ... فخاراً ومجداً أسه الجد كوثرا
فما زال مرواكم لمن زار سلسلاً ... وما زال مغناكم لمن حل أخضرا
__________
(1) في (ب): فلولى.
(2) في (أ) و(ب): محاز.
الحسين بن محمد بن يحيى الضمدي [ - ق 11 ه ]
الفقيه الحسين بن محمد بن يحيى الضمدي، هو الفقيه العارف شرف الدين الحسين بن محمد بن يحيى بن محمد بن علي بن عمر الضمدي النعمان - رحمه الله - كان من أدباء الوقت، حفَظةً، نبيهاً في غاية النباهة، واسع الإملاء للأدبيات على أنواعها وأجناسها، يملي أدبيات المصريين ومقاطيعهم والقصائد الطنانة عن ظهر غيب واعية لذلك، ولما شابهه من كلام(1) المخالف والموالف في الأدب والقصص والكائنات، وتلقينا عنه عجائب من أخبار علماء أهل ضمد الأحياء منهم والأموات، وقد أضعنا من ذلك لطول الزمان كثيراً مما أملاه - رحمه الله - وكان من أهل الوقار والتأني والرجاح، وكانت له في العبارات فصاحة وبلاغة كأنما يملي من صحيفة، ولقي أعيان بلده كالفقيه العلامة المطهر بن علي النعمان، وكان يراسله بالفوائد إلى صعدة وما حدث وما علمه(2) المطهر كتبه إليه، ولقي العلامة الوجيه سيدنا عبد العزيز الضمدي قاضي بندر المخا، وهو من كملة الرجال من المصنفين، وقد مر له ذكر، وهؤلاء كلهم من بيت واحد، قرابتهم وشيجة. وقرأ الحسين العربية والفقه، وكان ألمعياً ذكياً، وله أشعار كثيرة منها إلهيات، ومنها نبويات وإخوانيات، ومنها مدائح، وله مواعظ، فمن إلهياته:
يا من يقيل عثار المذنبين أقل ... عثار عبدٍ به قد زلت القدمُ
قد قلت يا ربنا ادعوني استجب(3) لكم ... فقد دعونا سميعاً ما به صممُ
ومنها:
ماذا أقول لربي حين يسألني ... عند الحساب ونار الله تضطرمُ
وقد أتيت بذنب ما يطيق على ... حمل له يذبل كلا ولا نقمُ
__________
(1) في (أ): من الكلام.
(2) في (ب): وعلمه.
(3) في (ب): أستجيب.
الحسين بن المسلم التهامي [ - ق 6 ه ]
العلامة الكبير الإمام المحقق أبو عبد الله الحسين بن المسلم التهامي، إمام المعقول والمنقول، /106/ رئيس العصابة بعد أستاذه المحقق شيخ المحققين أبي القاسم بن شبيب(1)، وله - رحمه الله - كتاب الكاشفة بالبيان الصريح والبرهان الصحيح لتهافت الموسومة بغاية الكشف والتفتيح في مسألة التحسين والتقبيح، وجهه العلامة نجم الدين عبد الوهاب الأشعري إلى الشيخ [الإمام](2) أبي القاسم، فناب عنه تلميذه المذكور بالكتاب المذكور - رضي الله عنهم -(3).
__________
(1) في (أ): نسيب وهو خطأ.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): عنه. قلت: وقد ترجم في الطبقات للحسن بن مسلم وسبق ترجمته باسم الحسن في المطلع، وقد تكرر في الكتابين بالاسمين.