في البستان عند جده على حداثة سنه ونكأ العدو؟ ألا ترى أن أباه قتل بين يدي بغلتي، فمتى أجزيه؟ وهذه منقبه لا يعرفها إلا من عرف ذلك المقام، وما كان يقتضيه الحال ولله دره.
وكان شجاعاً في الغاية، ولقد أخبرنا الشيوخ بصعدة أيام قتاله للأروام بساحتها أيام والده - عليه السلام- أنه جاء من ناحية المشرق من بين الجبل والترك بصعدة خيلهم ورجالهم، فمضى إلى ناحية (تلمص) على حصان أدهم لابساً ثياباً يغيظ الأعداء، وبين يديه خادم يحمل الرمح، فمر من عند مسجد (فليتة) بوقار تام، كأنه يمشي إلى الزفاف والأروام نواكس الأذقان حتى مضى إلى بعض المسافة نحو(1) تلمص، وخرجت الخيل تطلبه وهو لا يلتفت، فلما قربوا منه قبض الرمح من خادمه، وعاد فانقلبوا صاغرين، وهذه مناقب لو استوفيناها ضاق الرحب لكنا نكتفي بالإشارة والقليل يشير إلى الكثير.
وكان في علم المعقول في محل لا ينتهى إليه وسائر علوم القرآن، وأما المنطق وأصول الفقه فهو الغاية التي ما وراءها وشاهد ذلك كتابه (الغاية)(2) وشرحها (الهداية) (3)، فقد جمعت غرائب الفن وعجائبه، ونقلها بعض علماء الأقاليم تعجباً من أسلوبها وكثرة التحقيق فيها، وممن علق بها شيخنا الشيخ أحمد بن أحمد الشابي القيرواني المالكي القادم في شعبان من شهور سنة أربع وخمسين وألف سنة، وأقام بصنعاء وكان(4) سابقاً في العلوم مطلعاً على مصنفات العلماء، فلم يزل متعجباً من هذا الكتاب، واعتنى بملكه، وتعجب من شرح القاضي زيد، والبحر الزخار، ولعلنا نذكر شيئاً من أحوال الشيخ المذكور تبعاً لذكر غيره، فإنه أحد شيوخنا والحمد لله.
__________
(1) في (ب): ثخوه.
(2) غاية السؤل في علم الأوصل (أصول الفقه).
(3) هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول شرح الكتاب السابق، طبع مع متنه في مجلدين كبيرين، وهو من كتب المناهج المعتمدة في مدارس الزيدية، ونسخه الخطية كثيرة.
(4) سقط من (أ) وكان.
وكان لسيدي الحسين كرامات منها ما سمعته من مولانا الأعظم المتوكل على الله - حفظه الله - أنه استنجى - رحمه الله - في ثمد من الماء بنواحي أخرف، ففاض ذلك الماء وخرج للناس من بعد ذلك، وهو إلى الآن معروف، ومنها قضية الورم الذي نبت على بعض أعضائه الكريمة أظنه في إحدى اليدين، فأمر الأطباء بقطعه وأذن الإمام القاسم - عليه السلام- بذلك، فاستنظرهم إلى غد ذلك اليوم، فأخبرني الشيخ المجاهد محمد بن صلاح البحش - رحمه الله - أنه لم يزل يبكي في ليلته، ويذكر الله - عز وجل - فأصبحت وليس لها أثر ببركة دعائه، ودعاء والده - عليهما السلام- وله أشعار جيدة، لكن والده أعاد الله من بركته كره له الإيغال في ذلك، فتركه وقدَّ اشتهر من شعره شيء، وهو:
مولاي جُدْ بوصالِ صَبٍّ مدنفٍ ... وتلافه قبل التلاف بموقفِ
وارحم فديت قتيل سيف مرهفٍ ... من مقلتيك طعين قَدٍّ أهيفِ
/89/ وهي مشهورة، توفي - رحمه الله تعالى - بمدينة ذمار، وقبر في قبته المشهورة عند الإمام المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي - عليهم السلام- في آخر ليلة الجمعة ثاني شهر ربيع الآخر عام خمسين وألف سنة، وقبره مشهور مزور، وله أولاد نجباء، ومولده - عليه السلام- وقت الطفل من يوم الأحد لأربع عشرة(1) بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وتسعمائة، فمبلغ عمره إحدى وخمسون سنة إلا ست ليال، ورثاه القاضي العلامة قاضي الإسلام وبركة علماء الأعلام شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - بهذه القصيدة، فقال:
قضاء الله ما عنه امتناعُ ... وأمر الله ليس له دفاعُ
وقد بُرئ الورى للموت طراً ... وحبل العمر غايته انقطاعُ
تساوى كل خلق الله فيه ... فقل عبد وقل ملك مطاعُ
كفى بالموت واعظة لحيٍ ... له بمواعظ الحق انتفاعُ
فنافس في الذي يبقى لتحيا ... حياة عيشها نضر وساعُ
وأيقظ لاكتساب الخير قلباً ... وجارحة لعمرك لا يضاعُ
__________
(1) في (ب): إن بقيت.
ولا تغتر بالدنيا وعيشٍ ... حقير القدر آذنهُ الوداعُ
لأن الدار الاخرة التي لا ... نفاد لها دنا منها اطلاعُ
ألست ترى بني الدنيا مضياً ... إلى الأخرى معاً وهمُ سراعُ
يتابع رزأها رزء وتأتي ... حوادثها بما لا يستطاعُ
ولكن ما قضاه الله حلو ... وإن نكرت مرارته الطباعُ
رضينا حكمه وإن استطارت ... حصاة القلب وانكشف القناعُ
أحقاً أيها الناعي بأن الـ ... ـعلوم أنهد شامخها اليفاعُ
وأن البحر منها غاض حتى ... غدا يبساً وعطلت الرباعُ
نعم، ومضى الحسين إلى(1) سبيل ... بها للخلق كلهم اتباعُ
فنكا جرحه جرحاً حديثاً(2) ... ونكؤ الجرح(3) بالجرح اتساعُ
وأبكى كل عين فهي ثكلى ... كأنَّ دموعها سيل دفاعُ
وفي قلب الهدى منه انتهارٌ ... وفي وجه العلا منه انتقاعُ
أمات أبو محمدٍ المزجى ... بحفظ الله فارسه الشجاعُ
أمات أبو محمدٍ المرجى ... لكل عظيمة منها نراعُ
أمات أبو العزائم من إذا ما أطـ ... ـلخمَّ الخطب كان له اضطلاعُ
أمات ابن الإمام أخو إمام الـ ... ـهدى الليث الهزبر إذا القراعُ
/90/ فمن للدرس والتدريس قل لي ... وليس لشمسه فيهم شعاعُ
ومن للعلم والعلماء إما استـ ... ـطار الخلف واتصل النزاع
ومن للدين يحميه إذا ما ... أضاع حريمه الضرع اليراعُ
بكته مجالس العلم التي ما ... لها مذ غاب عنهن اجتماعُ
وكتب العلم تندبه بشجوٍ ... وإملاء المسائل والسماعُ
وكشف المشكلات بكل فنٍ ... فما في أيها عنه امتناعُ
وتبكيه مواطنه(4) اللواتي ... بها صدق العدا منه وقاعُ
أتته الطير تطلبه قراها ... وقاربها من الأرض السباعُ
فاصدرها بطاناً واثقات ... بخصب لا تصد ولا تراعُ
تعاهده غدواً أو رواحاً ... وتطرقه (القشاعم)(5) والضباعُ
وتبكيه اليتامى حين يسعى ... إليه فراخهم وهمُ جياعُ
__________
(1) في (ب): على.
(2) في (ب): طرياً.
(3) في (أ): الجزع.
(4) في (ب): المواطنة.
(5) القشاعم: القَشْعَم: الأسد. (القاموس المحيط ص1060).
فيعطف نحوهم قلبٌ رحيمٌ ... ويكفلهم عن الضُّرِّ ادَّارع(1)
وتبكيه عزائم ساميات ... وهمة ماجد يقظ وباعُ
وتبكيه مساجد طاهرات ... ومحرابٌ له فيه اختشاعُ
وتبكيه بنو الزهراء طراً ... ومن بولائهم لهم رضاعُ
وما يغني البكاء عليه شيئاً ... وإن الصبر للتقوى جماعُ
فصبراً يا بني الزهراء صبراً ... فمثلكمُ لربهمُ أطاعوا
وأرضوه وثوقاً إن خير الـ ... ـثواب لديه والدنيا متاعُ
فصبراً أيها المولى الإمام الـ ... ـذي من ربه فيه اصطناعُ
فأنت معلم الخيرات طراً ... وفيك صلاح ما فيه انصداعُ
وأنت لملة الإسلام حصنٌ ... إذا فاجاه خطب وارتياعُ
وأنت لعزه حرم أمين(2) ... وأنت لقبة العليا سطاعُ(3)
وقد مات النبي وحل قبراً ... له فيه هدوءٌ واضطجاعُ
وحيدرة أخوه مضى شهيداً ... وشبر أقفرت عنه البقاعُ
وفاطم والشهيد بكربلاءٍ ... وأهلوه أصابهمُ الضياعُ(4)
وقد نزل الحسين بهم كريماً ... له رضوان خالقه(5) (لقاعُ)(6)
وحور قاصرات الطرف عين ... تصوغ لمن برزن له رداعُ
يقلن له هلم إلى وصالٍ ... يدوم فلا يلم به شعاعُ
وعيش أخضر وكبير ملك ... ولا جوع هناك ولا (دعاعُ)(7)
/91/ ودم واسلم إمام الحق تحمي ... بسيفك من حمى الحق التلاعُ
وتجبر كل كسر كان فينا ... فليس إلى سواك لنا رواعُ(8)
ودمتم يابني المنصور طراً ... يغاظ بكم ذوو الأهواء الرعاعُ
ودام بكم لأهل البيت عز(9) ... فإنكمُ لدينهمُ قلاعُ
__________
(1) في (ب): الضراء دراع.
(2) في (ب): منيع. ظ
(3) حاشية في (ب): السطاع ككتاب أطول عمداً بخباء وعمود البيت.
(4) حاشية في (ب): الصياع: الهلاك.
(5) في (ب): بارئه.
(6) الصواب: لفاع: اللِّفاع: ككتاب: المِلْحفَة، أو الكساء، أو النطْع، أو الرداء. (القاموس المحيط ص703).
(7) دعاع: الدُّعاع: النخل المتفرق، ودَعاع: عيال الرجل الصغار. (القاموس المحيط ص659).
(8) حاشية في (ب): الرواع: الرجوع.
(9) . عز. ظ.
ويا جَدَثاً به فخرت ذمار ... على الدنيا وكان لها ارتفاعُ
وزيدَ بِه مشاهدها سمواً ... بشخص ضمه(1) منها دُفاعُ(2)
سقتك المزن مرحمة وغفراً ... يثج(3) عليك ليس له وقاعُ(4)
ولا برحت بجودك هاطلات ... من الرضوان ليس له انقشاعُ
لقد هيجت من حزن دفيناً ... ولكن هذه الدنيا لَعَاعُ
وقد وعظت فما يوماً إليها ... لذي عقل وإن بهجت نزاعُ(5)
وما يغتر بالدنيا سوى من ... يشابهه [من] الإبل الرقاعُ
تظل وشغلها علف وماء ... وما تدري(6) لما جلبوا وباعوا
فافرغ ذا الجلال لنا اصطباراً ... لتنكشف الكآبة والزماعُ
فإنك خير مأمول مُرجَّى ... وإنك ربنا الملك المطاعُ
وصل على النبي وأهل بيت الـ ... ـنبي فهم لحقك ما أضاعوا
الحسين بن القاسم القاسمي [ - ق 6 ه ]
الشريف الكبير الحسين بن القاسم بن محمد بن جعفر القاسمي، علامة كبير، فصيح إنسان زمانه، ولسان أوانه، وكانت بينه وبين القاضي نشوان محاملات بعد ذلك التنافر، وكتب إلى نشوان أبيات ملاطفة أجابه نشوان بالأبيات التي سيأتي ذكرها، وهي:
والله والله العظيم ألية ... يهتز عرش الله منها الأعظم
إني لودك يا حسين لمضمر ... في الله أُبْدِيهِ وحيناً أكتم
(ستأتي بقية هذه الأبيات في ترجمة نشوان - إنشاء الله- . انتهى)(7).
الحسين بن القاسم بن الحسين [ - 394 ه ]
__________
(1) في (ب): ضمنه.
(2) حاشية في (ب): الدفاع بضم الدال: التراب.
(3) في (ب): يسح.
(4) حاشية في (ب): الوقاع صمام القارورة.
(5) حاشية في (ب): النزاع: الشوق.
(6) في (ب): ندري.
(7) زيادة في (ب).
السيد الكبير الحسين بن القاسم بن [الحسين](1) محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين [بن زيد بن علي بن الحسين](2) بن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- كان سيداً رئيساً(3)، عظيم المكان، ملك ذمار وبلاد (مدحج) و(جهران) و(الهان)، وكان يملك صنعاء أياماً، توفي في سنة أربع وتسعين(4) وثلاثمائة، قيل: إنه قتل في الهان، قتله الحسين بن القاسم بن علي العياني، وحمل إلى ذمار، وقد استشكل بعض المؤرخين هذا وقال: إن الذي قتله الحسين بن القاسم بن علي هو القاسم الزيدي وأنه الذي ملك ما ذكرناه من البلاد ووالاه بنو الضحاك وبنو مروان أهل الهان، وأن القاسم الزيدي حبس أولاد الإمام القاسم بن علي جعفراً والحسن وغيرهما، فكانت بينه وبين القاسم حروب آخرها حرب أجلبَ فيه الحسين بجموع كثيرة، كالسيول المتلاطمة، فوصل صنعاء في صفر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، فالتقى هو والزيدي في حقل صنعاء واشتد القتال، فدخل الحسين صنعاء من ناحية (القطيع) وملكها وانهزم الزيدي إلى ناحية (الفج)، وتشتت /92/ جنده بعد أن قتل منهم خلق كثير، وأدرك الزيدي بالفج فقتل، ووصل ذلك اليوم خبر موت الإمام يوسف الداعي، (فاستوسق) الأمر للحسين بن القاسم، قال المستشكل لكون الزيدي الذي قتله الحسين بن القاسم ما لفظه: فصح أن المقبور في جامع ذمار ليس بالذي قتله العياني؛ لأن تاريخ وفاته سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
قلت: وما ذكره المؤرخ يعظم إشكاله، إذا تحققت عمر الحسين بن القاسم العياني، فإنه نيف وعشرون سنة، وبين قتل المذكور المقبور بذمار وبين قتل الزيدي القاسم الذي(5) بالفج ثماني عشر سنة، ومقتل الحسين بن القاسم العياني في سنة أربع عشرة وأربعمائة (بريدة)، فلا كلام أن الحسين بن القاسم المقبور بذمار لم يقتله الحسين بن القاسم العياني.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): رائساً.
(4) في (أ): وسبعين.
(5) في (ب): قتل.
قال بعض مشائخنا: الذي قتله الحسين بن القاسم هو محمد بن القاسم، قتله بقاع صنعاء عند الظهر يوم الخميس لسبع بقين من صفر سنة ثلاث وأربعمائة، وذلك أن محمد بن القاسم الزيدي المذكور دعا إلى نفسه والقاسم الزيدي والد محمد الذي خرج من الطائف مناصراً للقاسم العياني، توفي يوم الأربعاء لست وعشرين ليلة من محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، قال: وهو المقبور في عدني جامع ذمار، وأشراف بيت نعامه من بلاد بني شهاب من نسبه، وفي صنعاء وجهران بهجرة (أورر) في وادي الحار من جهة (مفري) (1).
الحسين بن محمد زعيب [ - 1037 ه ]
السيد العلامة الحسين بن محمد بن يحيى بن أحمد بن عجلان بن سليمان بن الحسن بن القاسم بن أحمد بن الحسن الملقب زعيب الأصغر بن علي بن عبد الله الملقب زعيب الأكبر بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي، كان سيداً فاضلاً عارفاً، من شيوخ سيدنا إمام العلوم الإسلامية ترجمان القرآن، شيخ الأئمة، ملحق الأصاغر بالأكابر، أحمد بن سعد الدين - أدام الله محياه الوسيم، وبوأه في الدارين منازل التكريم - وهو من تلامذة السيد الحسن بن شرف الدين - رحمه الله - وتوفي بحدة بني شهاب أيام حصار صنعاء في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة عام سبع وثلاثين(2) وألف.
الحسين بن محمد بن الحسن النعمي [ - 1037 ه ]
__________
(1) في ب): مقري.
(2) . في (أ) و (ب): وثمانين، وفي (ب) مكتوب فوقها وثلثين، والصحيح كما في الطبقات الكبرى.
السيد العلامة الحسين بن محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن محمد بن عيسى النعمي - رضي الله عنه -(1)، كان عالماً عاملاً، حاوياً لعديد المفاخر، جامعاً لحميد المآثر، قد توسم فيه أهل زمانه الدعوة، وكان من أهل الورع الشحيح الذي لا يلحق على طريقة والده في الورع، وإن كان فيما أحسب قدم الحسين في العلم أثبت، ومما أظنه أثر عنه في الورع أنه لم يشرب من ألبان أهل المخلاف السليماني؛ لأنه وقع من بعض أمرائها قديماً نهب لإبل توالدت في المخلاف، وكان مولعاً بالفقيه العلامة محمد بن علي بن عمر، وحق له ذلك، ووقعت بينه - رحمه الله - وبين السيد العلامة علي الناصر(2) القادم إلى اليمن مراجعات، وكان السيد الحسين - رضي الله عنه - يذكر عائشة - رضي الله عنها - فيرضي عنها، فيتعب لذلك السيد علي ويقول له: حق لك أن ترعى غنماً(3) العلم في صدر هذا الشيخ، يريد ابن عمر غضباً على السيد - رحمه الله - وإلا فمحله في العلم مكين، وترضية السيد الحسين ليست لجهله بخروج عائشة على أمير المؤمنين وفعلها ما لا يليق بالدين، لا سيما بعد قول الله - عز وجل - لأمهات المؤمنين: ?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ? [الأحزاب:33]، وتحذيره صلى الله عليه وآله (وسلم)(4) لها أن تكون الخارجة على وصيه - كرم الله وجهه- /93/ وإنما السيد - رضي الله عنه - مستند إلى ما رواه الإمام المهدي (- عليه السلام-)(5) عن الأكثر من صحة توبتهم، ورواه السيد صارم الدين في فصوله(6) فقال: قد تاب الناكثون على الأصح، ثم قال في الهامش: هذا مذهب المؤيد بالله، وحكاه القاضي زيد عن الهادي، وذكر مثل هذا في الهداية(7)
__________
(1) في (ب): - رضي الله عنهم -.
(2) في (ب): علي الناصري.
(3) في (ب): غنماً.
(4) ساقطة من (ب).
(5) ساقطة من (ب).
(6) الفصول اللؤلؤية في أصول الفقه، تأليف السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير [834 - 914] ه (طبع).
(7) هداية الأفكار إلى معاني الأزهار في فقه الأئمة الأطهار نفس المؤلف (تحت التحقيق).
، وقال الديلمي في عقائده(1): إنها صحت توبة الزبير وطلحة وعائشة، وفي شرح ابن أبي الحديد: أما أصحاب الجمل فإنهم عندنا هالكون إلا طلحة والزبير وعائشة؛ لأنهم تابوا، ولولا التوبة كانوا في النار(2)، وأما الشام وصفين فإنهم هالكون، عند أصحابنا من أصحاب النار، وذكر الإمام عز الدين في معراجه(3) ذلك، ومن جملة ما قال: ولا شك عند أحد من المسلمين المنصفين في أن قتالهم لأمير المؤمنين هفوة وعثرة من أسوأ العثرات، فنعوذ بالله من الخذلان، وكيد الشيطان، وقد ذهب الأكثر من القاطعين بخطئهم إلى أنها قد صحت توبتهم، وأن الله سبحانه قد تدراكهم بألطافه، وتلافاهم بحسن سابقتهم، فروي من توبة عائشة أنها قالت: إذا ذكرت يوم الجمل أخذت مني هاهنا - وأشارت إلى حلقها - وأنها قالت: يا ليتني مت قبل ما كان من شأن عثمان، وقالت: وددت أني ثكلت عشرة من ولد الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري الذي سرت فيه، وروي أنها كانت إذا ذكرت خروجها بكت، وقالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
وللسيد - أعاد الله من بركته - أشعار منها قصائد نبوية قريت بالحجرة الشريفة نحو قصيدته التي أولها:
دعها تحنّ إلى العقيق وترزمُ ... فبها من الأشواق شيء يؤلِمُ
وقد سمعت من قصائده كثيراً، لكني لم أعتن بالنقل، وهذه القصيدة نبوية أنشدنيها الفقيه المحب (……)(4) السبعي - بالسين المهملة بعدها باء موحدة من أسفل بعدها عين مهملة - الشافعي من صبيا، وكتبها لي بخطه:
هذه الدار فاتّئد يا حادي ... فانخ ظافراً بنيل المرادِ
__________
(1) قواعد عقائد آل محمد، تأليف محمد بن الحسن الديلمي المتوفي سنة 711هـ طبع جزء منه المتعلق بالباطنية ونسخه الكتاب الخطية كثيرة.
(2) في (أ): في الناس.
(3) المعراج في شرح المنهاج شرح فيه منهاج التحقيق في أصول الدين، للعلامة يحيى بن الحسن القرشي (تحت التحقيق).
(4) فراغ في (أ) و (ب).
عفر الخد من ثراها عسى تذهب الـ ... أيام منه وساوس الأحقادِ
جاء فيها ما بين هذا وهذا ... روضة من رياض خير المعادِ
حرم آمن وهجرة نصر ... ومقر للعاكف المرتادِ
ومنها بعد أربعين بيتاً:
يا نبي الهدى أتيتك صفراً ... لم أقدم لموقفي من زاد
قد تولى الشباب والعمر فما أقـ ... بح بي أن أرى بلا استعداد
وعلت كاهلي ذنوب ثقال ... لم تطقها ثوابت الأطواد
حسَّنتها نفيسة ذات شر ... لم تزل في مهالك وازدياد
علقت أمرها بعلَّ وسوفَ ... بئسما جمعت من الأضداد
آه مما جنيت في سالف العمـ ... ـر ومن طاعتي لها وانقيادي
ليت شعري ماذا يكون جوابي ... يوم أدعى في مضجعي ورقادي
ويقوم العباد في موقف الحشـ ... ـر لرب مهيمن نقاد
سوءة للمفرطين إذا ما ... دخلوا والقلوب منه صوادي /94/
فأشعب الصدع يا محمد واجبر ... لنزيل الفنا كسير الفؤاد
واقر ضيفاً ثوى ببابك براً ... من يد عودت صلاح الفساد
درت الشاه ردت العين من مـ ... ـسٍّ لها سال ماؤها للصوادي
قلت: وفي هذا البيت استخدام:
وبها بورك القليل من الطعـ ... ـم فأغنى جمعاً من التعدادِ
وبها اخضر يابس إن هذا ... لحديث مخالف المعتادِ
ومنها:
رب إنا في سوح أحمد من أر ... قيته كاهلاً لسبع شداد
قد حللنا راجين عفواً وبراً ... منك يأتي بعصمة وسداد
رَحِمٌ(1) بعضها معاذ لبعض ... للهوى والهدى بسوق الكساد
فبك(2) المستعاذ مما دهانا ... من أمور والحادثات البوادي
قد دهتنا من الزمان خطوب ... أشرفت بالإبراق والإرعاد
اطف منها حرارة خالق الخلـ ... ـق بأمنٍ في مصرها والبوادي
وعلى عبدك البشير صلاة ... وسلام جمعاً بلا إفراد
وعلى آله وأصحابه الغر ... الألى أظهروا منار الرشاد(3)
__________
(1) في (أ): رَحِيم.
(2) في (ب): تقدم هذا البيت على سابقه.
(3) توفي المترجم في العشر الأواخر من ربيع الآخر سنة 1072هـ كما في طبق الحلوى.