قلت: يعني التطريف قال: وكان الحسين بن عبيد الله يرى رأي مخالفيه، وكان إمام المسجد بريدة، فكان علي يصلي خلفه ولا يرون في الذي بينهم من الخلاف ما يمنع بعضهم من ولاية بعض، فكانوا على ذلك حتى إ ذا كان ذات يوم فدعا علي بن عبيد الله أخاه الحسين ليأكل عنده، وكان لا يزال يذبح، ويعمل الطعام، ويطعمه المسلمين، فكره الحسين أكل ذبيحة أخيه، فقدم إليه علي كبشاً، وقال: اذبح أنت فأنا آكل ذبيحتك.
قلت: ولحسين المذكور ولد اسمه علي بن الحسين، كان عالماً فاضلاً حري بترجمة، إلاَّ أني لم أتحقق حاله، ولعله - إن شاء الله - على منهاج أبيه القويم.
الحسين بن عبد الله بن المرتضى [ - ق 6 ه ]
السيد الشريف الأمير الكبير أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن المرتضى بن الهادي إلى الحق علامة كبير، والعهد الذي كتبه أبو طالب الأخير الذي نوه العلماء بذكره، وكثرة فوائده، وجودة صنعته هو لهذا الأمير - رضي الله عنهم -(1).
الحسين بن عز الدين [ - ق 10 ه ]
/84/ السيد العالم الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن.
قال ابن فند: إنه السيد الأفضل، طراز المجد الأطول، ولا كلام في جلالته ونبالته.
الحسين الأصغر بن علي بن الحسين [ - 57 ه ]
__________
(1) الإمام أبو طالب الأخير، هو يحيى بن أبي الحسين أحمد بن أبي القاسم الحسن بن أحمد بن أبي القاسم الحسين بن المؤيد بالله، دعوته بجيلان سنة 502هـ ووفاته سنة 520هـ، ومن محاسن كتبه عهدٌ كتبه للشريف السيد شرف الدين أبي عبدالله الحسين بن الهادي [المترجم] رحمه الله لما أمره بالخروج إلى اليمن سنة 511هـ، انظر نصه في الحدائق الوردية ص 205، وقد وصفه فيه بصفات الكمال، وولاه وفوض إليه الخلافة والقضاء ما بين مكة إلى عدن وسائر نواحي اليمن.
الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي - عليهم السلام- كان عفيفاً محدثاً فاضلاً عالماً، توفي سنة سبع وخمسين سنة، ودفن (بالبقيع)، ويقال: أمه وأم عبد الله بن الحسن - عليهما السلام- واحدة، وليس كذلك، إنما هي أم إخوته الباقر وعبد الله والناصر، وأما الحسين فأمه أم ولد اسمها سعادة(1).
الحسين بن علي الأفطس [ - ق 2 ه ]
الحسين بن علي الأفطس، كان عالماً عاملاً، وكان قد ظهر بمكة أيام أبي السرايا من قبل محمد بن جعفر الديباج، ثم دعا لمحمد بن إبرهيم طباطبا، وأمه بنت خالد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقال البخاري: أمه أم ولد(2).
الحسين بن علي بن إبراهيم جحاف [ - 1053 ه ]
__________
(1) في أعيان الشيعة 6/111 توفى سنة 157هـ، وقيل سنة 158هـ، وله 57 سنة أو 64 أو 76، ودفن بالبقيع، أمه أم ولد اسمها ساعدة أو سعادة، ولقب بالأصغر تمييزاً له عن أخيه الحسين الأكبر الذي مات عقيماً، وفيه أيضاً ما ملخصه: روى عن أبيه السجاد وأخيه الباقر وابن أخيه الصادق، وعنه فاطمة بنت الحسين ووهب بن كيسان، وعنه عبدالله بن المبارك ومحمد بن عمر الواقدي، وكان عفيفاً محدثاً فاضلاً ورعاً، وعقبه عالَم كثير في الحجاز والعراق والشام، وبلاد العجم والمغرب، وانظر ترجمة من روى عن الإمام زيد من التابعين.
(2) ولعله الحسن بن علي الأفطس، تقدمت ترجمته.
السيد الحسين بن علي بن إبراهيم بن جحاف، السيد العلامة الفاضل المشهور بالرجاحة والركانة والرصانة، الحسين بن علي بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى [بن القاسم بن يحيى](1) بن عليان بن الحسن بن محمد بن الحسين بن جحاف - رحمه الله - كان من علماء العترة وحلمائهم، فاضلاً كاملاً لا يؤثر عنه إلا الصالحات، وكان مرجوعاً إليه في علوم العربية والفقه والأصولين مع كمال في ذلك، ولقي مشائخ، وترحل إلى مواضع العلم على متاعب، لكنه حمد مغبة ذلك، وكان منشؤه بيت الإمام الناصر الحسن بن علي لمكان الصهارة؛ لأن الإمام تزوج أخته ابنة السيد الهمام المقدم الشهير علي بن إبراهيم، فلذلك اختلط السيد الحسين بالإمام، وكان في بيته، وكانت له - رحمه الله - بلاغة في القول وانسجام في الخطاب، كأنما ينحط من صبب وكأنما يقرأ كلامه من صحيفة لا يخلط كلامه بشيء من الفضلات، وهذه كانت صفة الإمام الناصر الحسن بن علي لا يقولان في مقالهما ما تجري به العادة من الفضلاء من نحو نعم أو يعني أو نحو ذلك من العبارات الدخيلة، يدعّم بها المتكلم، روي عنه أنه غاب خطيب الإمام بحبور فقيل للفضلاء يخطبون فقالوا: ومن يخطب بحضرة السيد الحسين، فقيل له: فاعتذر، فقيل له: تكلم فوق المنبر بكلامك الذي يجري بينك وبين العامة أو كما قالوا، وكان - رحمه الله - معتنياً بالكسب الحلال، ينزل بنفسه الكريمة إلى مغارب وطنه حبور كوادي عبس، ويعمل في المال ثم يروح حاملاً لعباء من منافع المال للبيت من نحو حطب أو ثمر، فيستقر ببيته ريثما يتناول ما تيسر من الطعام، ثم يخرج للصلاة، ثم يبرز لتدريس (العضد) على أتم وجه، ولم يختلف اثنان في صفاته ورجاحته، وحسبه ما قال الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - لأهل حجة لما افتتحها وطلبوا
__________
(1) سقط من (أ): بن القاسم بن يحيى. وهو هكذا في (ب) والطبقات، ووفاته كما في الطبقات ق3 ج1 ص364 عن الحافظ أحمد بن سعد الدين المسوري سنة 1054هـ.
منه أميراً لها، قال: إن شاء الله سأوليكم رجلاً مثلي، أو قال خيراً مني، أو كما قال، واستمرت يده على ولاية حجة وحمدت آثاره، وكان يستدنيه الإمام للآراء عند المهمات، وكان مشهوراً بجودة الرأي كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، واستمر أولاده (بحجة) وهم من الكمال بمحل شريف، فالمباشر للمهمات أكبر(1) أولاده السيد الرئيس النبيل محمد بن الحسين، وولده العلامة الفاضل جمال الإسلام علي بن الحسين وولده السيد الفصيح النقاب عبد الله بن الحسين، عند أخيهما بحجة مشتغلان بنشر العلوم، وقد قرأ على علي بن الحسين جماعة، وقد رزق الله ولده عبد الله المذكور من الحافظة والذكاء ما بَذَّ به الأقران على حداثة السن. وولده الحسن صاحب الأخلاق النبوية، والطرائق السوية(2)، /85/ صاحب الصدقات، واستقراره بحبور، وكانت وفاة السيد الحسين - رضي الله عنه - بحبور وقبر بالتربة عند داره المسمى بالناصرة، وهو من أحسن البنيان وأشمخها، وقبره مزور مشهور، ورثاه السيد العلامة البليغ زينة الوقت وحسنة الأيام إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن الهدى بن جحاف - أدار الله عليه شآبيب الألطاف - وهو ابن بنت السيد المذكور:
على مثلها دعوى التصبر يقبحُ ... فدع عبرات العين في الخد تسفح
أبعد المصاب القاصم الظهر يُدّعى ... تكلف صبر والتكلف يفصحُ
أناعي الحسين الماجد العلم الذي ... له شرف بين(3) السماكين ينطحُ
إمام الهدى جم الندى كابت العدى ... بعيد المدى بحر الندى ليس ينزحُ
مبلد فرسان البلاغة مظهر الـ ... ـفصاحة إن صد البليغَ التنحنحُ
معلم أرباب البلاغة نيلها ... وفاتح ما قد ظن أن ليس يفتحُ
مميط نقاب المشكلات فقوله ... دليل مبين في الخلاف مرجحُ
حسرت وحق الله لو كنت عالماً ... لموقعه رزءاً لما كنت تفصحُ
أقادح زند العلم حسبك إنه ... خبا زنده فافطن لما أنت تقدحُ
__________
(1) في (ب): أكثر.
(2) في (ب): السوية السنية.
(3) . في (ب): ليت.
أناعي صواب الرأي قد مات من له ... تعن خفيات الصواب وتسنحُ
فيا لك من جود هنيٍ تقلَّصتْ ... سحائبه فالنبت بعد مضوّحُ(1)
ومنها:
أبا الحسن اسمع قول من خانه الأسى ... فأودى به حزن الفؤاد المبرحُ
عزيز علينا أن نراك موسداً ... رغاماً ولكن ما عن الموت منزح
ووا أسفاً لو كان مثلك يُفتدى ... من الموت كنا بالنفائس نسمح
ومنها:
فيا شامتاً قد خف حلمك إنها ... شفار المنايا للأنام تُذَبِّحُ
إذا أمهلت يوماً فما أمهلت وقد ... تزور مساء دار قوم وتصبحُ
أتشمت أن أيدي المنون تخرمت ... كراماً لعمري ما أخالك تفلحُ
طويت على شرٍ فأبديت سره ... وكل إناء بالذي فيه يرشح
وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب وأشياخ إلى المجد تجنح
نجومٌ محاريبٌ بدورٌ منابرٌ ... شموسُ علومٍ هل بذلك يقدح
معادنُ آدابٍ رياضُ فكاهةٍ ... غيوث مبرات إذا الدهر يكلح
أرى المجد قد ألقى إلينا(2) جرانه ... وليس له حتى القيامة مسرح
وذلك صنع الله فينا وإنه ... يخص بخير ما يشاء ويمنح
أوراد حوض الموت والمنهل الذي ... أرى نحوه هذي البرية(3) تكدح
عليكم سلام الله ما ذر شارق ... وما دام رعد في الغمام يسبح
ورثاه أيضاً السيد المحقق المجتهد العبادة العلامة يحيى بن إبراهيم، وهو واسطة العقد /86/ في هذه العصابة، ومثابة الإسلام والمسلمين وناهيك به مثابة:
الدهر أنقص رتبة ... عن أن يقرع بالعتاب
والناس أحقر أن يعا ... لهم(4) كهذاك النقاب
يا عين هذا وقت جو ... دك بالدموع والانصباب
فابكي الحسين أبي فإنَّ مصابه حق المصاب
عجباً لما يأتي الزما ... ن به من الأمر العجاب
أيغيب رضوى في الثرى ... ويظل يذبل في التراب
يا كعبة الجود التي ... كانت محطاً للركاب
يا عصمة الفقراء إن ... خلفت شآبيب السحاب
يا زاخر العلم الخضـ ... ـم إذا تراما بالعباب
__________
(1) مضوّح: مسقّي. (القاموس المحيط ص224).
(2) في (ب): لدينا.
(3) سقط من (أ): البرية.
(4) في (ب): يعابهم.
يا شامخ العلم الرفيـ ... ـع ومن سواه كالهضاب
ما كنت أحسب قبل وضـ ... ـعك في ملفقة الثياب
أن الجبال الشم يحـ ... ـملها(1) الرجال على الرقاب
وهي طويلة طائلة، كانت وفاته - رحمه الله - الثلث الأخير من ليلة الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين وألف(2).
الحسين بن علي بن الحسن المصري [أوائل القرن الثالث الهجري]
__________
(1) في (ب): ترفعها.
(2) في (ب): ووفاة العلامة صلاح بن عبد الخالق في ليلة واحدة ووقت واحد فسبحان المتفرد بالبقاء.
الحسين المحدث المصري، هو الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- هو إمام الحديث، وشيخ القديم والحديث، يعرف بالمحدث، وهو صنو الناصر الكبير، ويروي عنه كثيراً، ويروى عنه جماهير المحدثين من أهل البيت، وفي (الحاصر لفقه الإمام الناصر) في كتاب المناسك حدثني الحسين بن علي أخي وأحمد بن محمد بن عمي قالا: حدثنا علي بن الحسن - يعنيان أبي رحمه الله - قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسين عن موسى بن جعفر في قوله تعالى: ?وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? [آل عمران:97]، فهذا لمن له مال فسوقه من أجل تجارة فلا يسعه فإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا ترك الحج، وهو واجد ما يحج به، وإن دعاه قوم إلى أن يحج فاستحيا من ذلك فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج، ولو كان على حمار أبتر أجدع، ومن قوله(1) تعالى: ?وَمَنْ كَفَرَ? [آل عمران:97]، فإنه(2) يعني من ترك الحج، وهو يقدر عليه(3).
الحسين بن علي بن عيسى العنسي [ - ق 8 ه ]
العلامة الفقيه الصدر الحسين بن علي بن عيسى العنسي - رحمه الله - فقيه عالم، قرأ عليه قاضي القضاة بن ساعد (الانتصار)، وهو قرأه على عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة.
الحسين بن علي الأخفش الهدوي [ - 1077 ه ]
__________
(1) في (ب): ومن قول الله تعالى.
(2) في (ب): فإنما.
(3) في أعيان الشيعة 6/130 عن النجاشي: الحسين بن علي أبو عبدالله المصري، متكلم ثقة، سكن مصر وسمع من علي بن قادم، وأتى داود الطيالسي وأبي سلمة ونظرائهم، له كتب منها كتاب الإمامة والرد على الحسن بن علي الكرابيبي، وفيه أيضاً أنه من أواخر المائة الثانية أو أوائل الثالثة.
السيد العالم العابد الحسين بن علي الأخفش الهدوي - رحمه الله - كان عالماً عابداً سالكاً مسلك سلفه الأخيار، وله بالعلم ولوع، كان كثير الولوع بنقل الفوائد، وجمع من ذلك كثيراً طيباً، وقرأ في علوم العربية والأصول، ثم قرأ الفقه على السيد العلامة أحمد بن علي الشامي، وهو من فصيلته الأدنين، وكان من الوقار بمحل عظيم، ترك الدنيا بعد أن كان من أهل الظهور والولاية (بجهة لاعة)، ولم يزل راغباً في الخمول على طريقة الأفاضل حتى أوى بصنعاء المحروسة، ووصل إلى عند الفضلاء، فكان شهيراً، وكان يدرس بمسجد جمال الدين، وله أشعار وفوائد جمة، وسمى جده الأخفش لعلمه بالعربية، ومسكنهم الأصل (مدران)(1) من بني جماعة، ثم سكنوا (مسور) في المشرق، ثم سكنوا (كوكبان)، وتوفي السيد الحسين /87/ في [شهر صفر سنة سبع وسبعين وألف، ودفن في خزيمة بصنعاء] - رحمه الله تعالى -(2).
الحسين بن القاسم بن إبراهيم [ - ق 3 ه ]
الإمام الكبير أبو الإمام وابن الإمام الحسين بن ترجمان آل الرسول القاسم بن إبراهيم - عليه(3) السلام - هو والد إمام اليمن المحيي للفرائض والسنن، وكان الحسين يعرف بالعالم والحافظ وحيد في أهل بيته وإخوته الكرام، بدور الإسلام، سيأتي ذكرهم إن شاء الله، وهذا الإمام غني عن الإطناب(4).
الحسين بن القاسم
__________
(1) مَدَران: قرية في بلاد (ألت الرُّبيع) من مديرية مجز وأعمال محافظة صعدة. (معجم المقحفي ص1462).
(2) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(3) في (ب): عليهم.
(4) ولد ابنه الإمام الهادي إلى الحق سنة 245هـ بالمدينة المنورة، جبل الرس قبل وفاة جده القاسم بن إبراهيم بسنة واحدة وبلغ من العمر 35 سنة، وقد حصل على مرتبة الاجتهاد، مما دفع أباه وعمومته إلى الاجتماع على الاعتراف بإمامته وبيعته، ومعنى هذا أن والد الهادي (المترجم) كان حياً سنة 280هـ. انظر الإمام الهادي مجاهداً ووالياً وفقيهاً، تأليف عبدالفتاح شائف نعمان.
الحسين بن أمير المؤمنين القاسم المنصور، هو (ثهلان) الحلوم (وثبيرها) وخضم العلوم غزيرها، مفخر الزيدية، إمام المعقول والمنقول، وشيخ شيوخ اليمن الجهابذة الفحول، لقي الشيوخ وأخذ عنهم، وأقروا (أنه من باب رب حامل(1) فقه إلى من هو أفقه منه)، وانتفع بلقائهم، وأخذ زبد علومهم، واعترفوا بفضله في أسرع وقت، لكنه مع ذلك الإدراك لم يقنع من نفسه بالإدراك، بل واظب على العلوم، وخاض غمارها، روي عن شيخه الشيخ لطف الله بن الغياث أنه كان يقول: لا أخاف على أهل اليمن وفيهم الحسين بن الإمام، وروي عنه استشكال بعض المسائل المنطقية نحو ثماني عشرة سنة، وأدركها الحسين في أسرع وقت ، وذلك نتيجة الإصطفاء النبوي والتقوى ووقارة العقل، فإنه كان جبلاً من جبال الحلم، لا يطيش لحادث، ولا يظهر على وجهه(2) عبوس، ولو انبعثت عليه الحوادث دفعة، فإنه كان أيام قراءته في الظفير على شيخه المذكور يصادم العساكر بالعساكر ويقاوم الأصاغر والأكابر، على خلل في الزمان ووهن في الأعوان، وهو مع ذلك يزاحم سعد الدين التفتازاني والشريف، وأضرابهما ويتعقبهم، وكان يكتب بخطه مع ذلك بعض كتب الدرس بخط كأنما طبع بالطابع، كان شيخنا الوجيه(3) عبد الرحمن الحيمي يطيل الثناء عليه ويقول: خط شيرازي عال، ذكر ذلك مراراً، وكان يقرأ في (العضد) ويحشي فيأتي إليه عيون العسكر وأهل العناية بالحرب يذكرون قرب الزحف والمصافة، وهو ينظر في تلك الدقائق، فإذا كثر تعويلهم نهض.
__________
(1) سقط من (أ): رب.
(2) في (أ): وجه.
(3) في (أ): الوجيد.
ومما سمعته من تلميذه شيخ العترة أحمد بن علي الشامي - رحمه الله - قال: كان السيدان الحسنان يتحدثان عند مقاربة جنودهما لجنود الباشا قانصوه، فدخل الرسول يجري يخبرهما بقرب تلك الطامة التي عادت للمسلمين مغنماً ببركة هذين السيدين، وكان قدوم الرسول على حال يضطرب لها جنان غير الجبان، فضلاً عن الجبان، فالتفت الحسين بوجه بسام لم يظهر عليه أثر قط.
ومن وقاره وحلمه ما أخبرني به السيد الكامل عز الدين محمد بن صلاح بن علي بن جحاف - أمتع الله بمساعيه الحميدة - أنه لما اجتمع الجند بمدينة تعز بعد موت مولانا الحسن - رضي الله عنه - كان من العسكر كلام في التقديم والتأخير للأسماء، كما جرت عادة أرباب الديوان، وكانت قلوب العساكر الحسنية مائلة عن مولانا الحسين - عليه السلام- فهم يتطلبون المعاذير لشق العصا، وكان الجميع عسكراً جراراً واسع العدة، لو نجم بينهم أي شيء فنيت خلائق، وكان عدد رزقهم في الشهر نحو ستة وثلاثين ألفاً أو قريب من ذلك، فلم يجد مولانا الحسين بداً من العدد، ولكن مع عزيمة وشدة شكيمة فأمر أهل النجدة من العسكر الخاصة بحضور الديوان، ومن تكلم بكلمة تفرق القلوب أمضوا فيه ما يراه، فبينا هم في ذلك وإذا بشاب من الأهنوم /88/ من آل حجاب(1) حميد المسعى والأثر قتل أبوه بين يدي مولانا الحسين فتجاوز ذلك الشاب الحد ولم يقف عند الكلام، بل أخذ قلماً وطمس اسمه في الدفتر والكاتب وابن الإمام والناس ينظرون، فقام مولانا الحسين على صفة الراكع في الصلاة واستمر ملياً ثم عاد لمجلسه وقال للكاتب: هات اسماً غير اسمه، ولم يقل لذلك الشاب شيئاً، فلما خلا السيد عز الدين محمد بن صلاح بابن الإمام، وكان خالصته وبطانته، فقال: ظننا أنكم يا مولانا تبطشون بفلان لتجاوز(2) الحد، فقال: قمت ذلك القيام الذي رأيت، ووزنت حسناته وسيئاته في قلبي، فرجحت حسناته، ألا ترى أنه جالد وقاتل
__________
(1) في (أ): من آل جحاف.
(2) في (ب): لتجاوزه.