ذلك أن يمر رجلان بمجلس سلطان فيقول أحدهما: رأيت زيداً كساه السلطان يوم الجمعة عند طلوع الشمس حلة، ويقول الآخر بل صلبه في ذلك اليوم والوقت بعينه، أفيجوز أن يصدقا على زيد أو على السلطان، فإن قال ((كل مجتهد مصيب))، قلنا: هذا حديث نتلقاه بالقبول، إذ كل مجتهد بالصواب مصيب الاجتهاد لا يخرج عن أحد وجهين، إما يعلم الحق فيجتهد في العمل به، وأما أن يجهل الحق فيجتهد في طلبه، وإما الاجتهاد /71/ فيما يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا يسمى فيه مصيباً، بل هو خطأ محض، وأما ما دعا إليه من المشافهة للمحادثة والمباحثة لترتفع الشكوك ويتبين النهج المسلوك فدعواه ظاهرة جوابها على كل ذي عقل وجوابها(1) شعر:
أشهى المنى عند ذي أُوام ... ورود ماء بلا زحامِ
وصحبة الطيبين أطرى ... من لذة الماء والطعامِ
وكيف لي أن أراك يوماً ... في مجلس ثابت النظامِ
بين رجالٍ لهم حلومٌ ... أرجح من ذروتي شمامِ
لا يعرفون المراء إن هم ... قالوا ولا الهجر في الكلامِ
شعارهم حب آل طه ... عليهم أفضل السلامِ
ويحفظون الحقوق فيهم ... وفي سواهم من الأنامِ
وسوحهم للوفود رحبٌ ... وهذه عادة الكرامِ
وما لهم بعد كل هذا ... في هذه الدار من مسامي
__________
(1) في (ب): وجوبها.

فإن تفضلت حضر الفقيه الأجل، سامي القدر والمحل، لافتقاد الدين وإصلاح الإسلام والمسلمين، فالدين واحد، والسبيل قاصد، والحق واضح لمن طلبه، والكبر فاضح لمن صحبه، فمملوك إنعامه اتبع للحق إذ رآه من الظل وأطوع لأهله من النعل، وبعد ذلك إن لم يكن(1) إجماع ولم يتفق عليه اجتماع، فقد وجبت النصيحة له كما وجبت عليه، لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (المسلم مرآة أخيه المسلم)، وهذا - أدام الله علوه - ممن كثر في هذه الدار اسمه، وكثر في الأسماع والأشياع قسمه، فهذه غاية حسنة، وسنة مستحسنة؛ لأنه يعلم أن الأتباع خصماء المتبوع يوم القيامة، فإن نظر إنعام(2) النظر في التماس السلامة، وركوب سفينة النجاة يوم القيامة، أنزل أهل البيت منزلتهم التي أنزلهم الله بها، والاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم، وكونه من أتباعهم وأشياعهم، وممن يحفظ حقوقهم ويجتنب عقوقهم، فلعل في ذلك فوزاً لحظ نفسه، وانتفاعاً بعلمه ودرسه، ولعلي لا أخلص كما قيل من غمرٍ جاهل ودي عمر(3) متجاهل سلك في هذا القول مسلك المقايضة، وسبكه في قالب المفاوضة، ولله در القائل شعرا:
أبحتك نصحي إن قبلت فنفعه ... إليك وإن تكره فأنت المخير
فإن قبلت النصيحة، فالله يعلم أنها صحيحة، وإن كانت الأخرى، فكل بما عنده أدرى، قيل لبقراط الكلام الذي كلمت به أهل المدينة لم يقبلوه، فقال: ليس ذلك يضرني إنما يضرني إذا كان خطأ، انتهى كلام العبيدي في جوابه للقاضي الأحنف، والذين عرفوا الحق جم غفير، ومنهم من سنذكره في ترجمة له كابن مسدي العرباطي والحسكاني - رحمهما الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): فإن لم يكن إجماع.
(2) في (ب): إمعان.
(3) في (ب): من ذي عمرٍ جاهل وذي عمرٍ متجاهل.

ومنهم العلامة الحسن بن عمر القرشي المالكي، حكى أبو فراس بن دعثم أنه وصل منه كتاب إلى اليمن قال فيه: لما بايعت الشريف الأجل أبا علي يوسف بن علي الحسني (بينبع) للإمام عبد الله بن حمزة - عليه السلام- وكان إذ ذاك /72/ المذهب والعقيدة مالكياً، فعرضت لي فكرة في الطاعة بالقول واللسان، والمخالفة بالقلب والجنان، وكثر ترددي في ذلك فجرى على خاطري قوله تعالى: ?وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ? [آل عمران:72] فعلمت أني إن استقمت على ذلك انتظمت في سلكهم وتحملت من إفكهم، فأداني اجتهادي إلى أني لم أجد مسلكاً إلى الخلاص إلا بالتوسل إلى الله تعالى بالغدو والآصال بالعترة النبوية - صلوات الله عليهم - أن يوضح لي طريق الرشاد، ويوفقني لمسلك السداد، ففتح الله تعالى علي في ليلة الجمعة من شهر جمادى الأولى من سنة تسع وتسعين وأنا بين النائم واليقظان فرأيت ناساً في فضاء من الأرض محدقين على شخص فتطلعت نحوهم ودنوت فإذا بشخص جالس على دكة عالية مبنية وحده وإ ذا برجل نحيف الجسم عليه آثار المجاهدة والعبادة قائم على الأرض على(1) يمين ذلك الشخص وهو أقرب الناس منه فسألت من هذا الصبي؟ فقيل: هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فتقدمت إليه وأخذت بيده أقبلها وأقول: أشهد أنك إمامي حقاً، فقال لي: بل أنا نبيك، وهذا إمامك، فاتبعه، فأعدت القول ثلاثاً فأعاده علي ثلاثاً، فقلت: قبلت ورضيت، فتحولت من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفمت عن يمين ذلك الشخص ثُمَّ قلت يا رسول الله ما اسمه؟ فقال: عبد الله المنصور بالله أبو محمد، ثم قال: معاشر الناس، هذا إمامكم فاتبعوه ثلاث مرات، فانتبهت وإن يدي لفي يده أقبلها وأقول ?جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا?
__________
(1) في (ب): عن يمين.

[الإسراء:81]، إلى آخر كتابه. وله قصة أخرى ضاق عنها القرطاس.
الحسن بن مدافع الديلمي [ق 7 ه‍ ]
السيد الأمير الحسن بن مدافع الديلمي - رحمه الله تعالى - كان كما قيل أشهر من نار على علم، حائزاً لفضيلتي السيف والقلم، ترجم له السيد الإمام يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله - وهو بعد ستمائة من الهجرة في أيام الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام-(1).
الحسن بن مسلم التهامي [ - ق 6 ه‍ ]
العلامة الفاضل الحسن بن مسلم التهامي - رحمه الله - عالم كبير، له مصنفات ومراجعات، وإفادات، ومن مؤلفاته كتاب (الإكليل شرح معاني التحصيل) (2).
الحسن بن موسى الأوطاني [ - ق 8 ه‍ ]
__________
(1) سبقت ترجمته باسم الحسن بن أبي الفتح.
(2) وفي الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص347، ترجمة 201: قرأ على الحسن بن محمد الرصاص، وأخذ عنه أحمد بن الحسن بن محمد الرصاص، حققه ابن حنش وقال: هو أبو القاسم الثبت وفي غيره أبو عبدالله، وستأتي ترجمته باسم الحسين، وذكر من مؤلفاته الكاشفة بالبيان الصريح والبرهان الصريح في مسألة التحسين والتقبيح، وكلا الكتابين لم أجد لهما نسخة خطية.

الفقيه الفاضل الحسن بن موسى الأوطاني، قال في الصلة: إنه من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين، ترك زينة الدنيا على منهاج شيخه شيخ الطريقة والشريعة في ملبسه ومطعمه وقوله وفعله، يحيي الليل قياماً والنهار صياماً، ورعه شاف، وزهده واف، قدوة لأهل العبادة وسراج لأهل الخير والزهادة، قال إبراهيم حسن كاسمه، حصل له(1) من الألطاف والكرامات ما لم يحصل لنا، وكان زميلاً لشيخه في الحضر، ورفيقاً في السفر، وكان والده موسى بن حسن من(2) الفضلاء الكملة، وكان ممن واخاه إبراهيم وزاره ووقف معه وخالطه، انتهى. ولموسى أخ عالم عاقل اسمه إبراهيم بن الحسن، ولعلها سبقت ترجمته - رضي الله عنهم -(3).
الحسن بن مهدي البيهقي [ - ق 5 ه‍ ]
الشيخ المكين فريد الدين الحسن بن مهدي البيهقي القريومدي الزيدي، ذكره الشريف المرتضى بن شراهنك المرعشي وأثنى عليه. قال: وهو من تلامذة الشيخ ملك السادة والنقباء علي بن ناصر الحسني السرخسي - رحمهما الله - /73/ مؤلف الأعلام شرح نهج البلاغة(4).
الحسن بن ناصر بن يعقوب [ - ق 6 ه‍ ]
__________
(1) سقط من (ب): له.
(2) زيادة في (ب): العلماء.
(3) انظر صلة الإخوان في حلية بركة علامة الزمان إبراهيم الكينعي (تحت الطبع).
(4) في الطبقات الكبرى ترجمة 202: الحسن بن مهدي البيهقي الريوندي، سمع أعلام الرواية على نهج البلاغة على مؤلفه، قلت: والمعروف أن مؤلف أعلام الرواية إمامي اثنا عشري، كما يظهر من كتابه من ردود الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - فلعل تلميذه هذا إمامي لا زيدي.

العلامة(1) الحسن بن ناصر بن يعقوب بن عامر بن نجيم(2) بن محمد بن المعمر العذري الشبوي الزيدي، والد الشيخ الإمام الحافظ عمران بن الحسن، كان عالماً فاضلاً، قتل غيلة بالسد بباب صنعاء اليمن، وتولى الكتابة للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة(3) - عليه السلام-.
الحسن المصعبي [ - ق5 ه‍ ]
الحسن المصعبي، الوزير الكبير وزير فلك المعالي، كان من كبار الزيدية والكتاب المصعبي نسبه إليه؛ لأنه سأل الإمام أبا طالب أن يصنف له كتاباً في الفرق الضالة فصنف له المصعبي وهو كتاب مشهور في علوم آل محمد، وقد كان يعاون المؤيد(4) بالله - عليه السلام- في بعض أموره، وحكى في الذخر المؤبد في سيرة المؤيد: أنه كتب إليه المؤيد إلى جرجان كتاباً في أمور عامة، فلما تمت قال الإمام لكاتبه: وأكتب إليه أن شغلاً لنا هنالك في رقعة مفردة، فقال الكاتب: إنما هذه كلمة واحدة يمكن إيرادها في آخر ذلك الكتاب المكتوب إليه، فقال: لا أكتب في قرطاس بيت المال شيئاً أكتبه في رقعة مفردة، فلما انتهى الكتاب إلى المصعبي فقال: ما هذه العلاوة، فأخبر بالقصة فقال: إذا كانت المضايقة في الآخرة هكذا هلكنا، أو كما قال.
الحسن بن نزار بن القاسمي [ ق 7 ه‍ ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) وفي (ب): نحسم.
(3) في (ب): سلام الله عليه و- رضي الله عنه - وأرضاه.
(4) سقط من (أ): الذخر.

الشريف الحسن بن نزار القاسمي، كان سيداً سرياً، وأسداً جرياً (نطاسياً) في الكتب والكتائب، هاشمياً قاسمي الذوائب، ولما كانت الوقعة بين الغز والأمراء المنصوريين (بعصر) في سنة ثلاث وعشرين وستمائة أظنه حضر الواقعة(1)، وكان من طيورها الباقعة(2) وهي آخر قضية للناصر بن المنصور بالله - عليه السلام- مع الغز وغيرهم، وهي من كبار الواقعات وحديثها يطول، وشرحها يهول، تجلت عن قتلى من الجانبين إلا أنها كانت الدائرة على الأمراء لتشتت أصحابهم وذلك فيما رواه الأثبات في صفتها باسطين للقول، وأنا أختصره أنه في سنة ثلاث وعشرين وستمائة(3)، وكان الأمير الناصر سيف الإسلام مقدم الأمراء بصعدة وعنده أخواه الأمير المتوكل على الله وعلى جمال الدين واجتمعت قبائل نزار وقحطان عند الناصر، ففرق لهم الأعطية والأرزاق والأكسية السنية، ثم نهض من صعدة في أربع عشرة من رجب من السنة المذكورة، وقد كان في بعض أيامه أحضر أخاه المتوكل علىا لله أحمد وجمال الدين سليمان بن إبراهيم والقاضي محمد بن عمر، وكان من كبار أهل دولته، فتكلم معهم وقال: قد اجتمع هذا العسكر ولا أدري ما ترون، فابتدأ أخوه أحمد الكلام، وقال: الصواب أن تنهض بعسكرك إلى (حوث)، وتجتمع بأصحابك، وتنهض على اسم الله فتقتل غز حرض ومن بها، وتؤم المخالب فتقبل من تهايم المهجم وتحوز غنائم تهامة بأسرها، ويجتمع معك بنو سليمان فلم يكن متخلف منهم أحد، فإن اجتمع الغز إلى زبيد كنت مخيراً في قصدهم أو بعضهم إلى صنعاء فتقبضها على أحسن الأشياء، وتكلم الأمير جمال الدين، وقال: الصواب يا مولانا أن تسير إلى مغارب (مأرب) و(بيحان)، وتقبض منها الأموال وتنظر الغز ما يكون أمرهم، فإن رجعت أمورهم، وصلحت أحوالهم كنت قد أصلحت تلك الجهات بأسرها، وإن تضعضعت أحوالهم قصدتها
__________
(1) في (أ): الوقعة.
(2) الباقعة: الطائر لا يرد المشارب خوف أن يُصطاد. (القاموس المحيط ص649).
(3) سقط من (ب): وستمائة.

وأنت أكثر مالاً ورجالاً، فلم يكن /74/ ليتخلف عنك أحد من أهل المشرق، وتكلم القاضي محمد بن عمر وقال: يا مولانا الصيد كل الصيد في جوف الفرا إذا ملكت صنعاء دانت لك البلاد تهامة ومأرب وغيرها، فجنح الأمير إلى رأيه فمضى على ذلك وتخلف الأمير سليمان لوجع أصابه، فلم يحضر تلك الحركة فسار الأمير حتى بلغ حوثاً وقد اجتمع فيها إخوته المقدمون أولاد الإمام المنصور بالله - عليه السلام- والأمير صارم الدين وهاس بن أبي هاشم ومخلص الدين جابر بن مقبل، وكبار بكيل وحاشد، فبات بها ليلتين وقد كان صنوه المتوكل جاء من طريق النقع(1) عند خروجه من صعدة، فحط (ببهمان) منتظراً لصنوه، فأقام الناصر بحوث ليلتين، ثم نهض بمن معه مبادرين حتى وصل (الجنات) وبها ستقر، فهرب إلى صنعاء، وطرح أمواله وجعل لبني صاع جعالات طلباً للسلامة، فأمر الأمير بهدم الجنات وخرابها، ثم قدم إلى محطة الجنات عمه الأمير ذو الشرفين يحيى بن حمزة في عساكر جمة، والشيخ سيف الدين منصور بن محمد ثم سار الأمير بمن معه، وعلى مقدمته الأمير المتوكل حتى حطَّ بحاز، ثم نهض فحط بحصن الرئيس(2) من مخلاف صدا، ثم ضرب خيامه في اليوم الثالث برأس نقيل عصر، وحينئذ أقبل الغز وكانوا في حصن (ذروان) بحقل، فانحدر الأمير في أربعمائة فارس وأربعة آلاف راجل، وقد صف الغز للحرب دون مدينة صنعاء جيشاً واسعاً ميمنة وميسرة وقلباً، وتركوا الرجال بين الخيل، فعبأ الأمير الناصر الجنود فجعل الأمير ذا الشرفين على المقدمة والأمير المتوكل على الميمنة، وصنوه الأمير علي بن عبد الله على الميسرة، وهو في القلب، وجعل جند ظفار المحروس ومن ينضاف إليهم ساقه وسار على التعبية حتى قرب من مدينة صنعاء وصفوف الغز مما يلي مسجد الحرة إلى سور المدينة وتوافق الناس وكل ينتظر من قرينه الدنو إليه ليقع التمكن مما يريد، وظلوا على ذلك إلى أن قرب الليل
__________
(1) في (ب): القفع، ولعله البقع.
(2) في (ب): الدائس.

وخاف الناس فوت الفريضة ولم يقع قتال إلا ما لا يذكر لقلته، فاجمع الأمراء على الرجوع إلى محطتهم وأن يعاودوا القوم للقتال، فلما آذنوا الناس بالانصراف رجعوا على غير تعبية فارفضوا في القاع، فلما عاينهم الغز غنموا الفرصة فساروا على تعبيتهم سيراً سريعاً حتى دنوا من الناس، فصاح الأمير في الناس بالرجوع فلم بجبه أحد وخف الناس فثبت مكانه في إخوته وكبراء دولته وأنفار من جنده، فدارت عليهم رحا الحرب واختلطوا، وأطعنوا بالرماح، ثم اضطربوا بالسيوف والغمد وقتل من جيل الغز أربعة وعشرين فرساً بالرماح، ولم ينحُ إليهم أحد من العسكر، فتولى الأمير وإخوته القتال والشيخ مخلص الدين جابر بن مقبل فرمي حصان الشيخ بنشابة قتلته في موضعه فحال العدو عليه وقتل شهيداً - رحمه الله تعالى - وقتل ساعتئذ الشريف سالم بن علي بن محسن المحسني العباسي والقاضي محمد بن عمرو بن علي العمراني ومسعود بن مقبل الزنجي مولى الإمام المنصور وبلبان(1) التركي مولى قتادة بن إدريس الحسني ويحيى بن مرثد المالكي الخولاني، وأصيب حصان الناصر بنشابتين، وأصيب عينه اليسرى بلمخة نشابة لم يذهب بصرها، وأصيب حصان الأمير المتوكل المعروف بالضرب وهو حصان /75/ لا يعلم في وقته مثله، فثقل عن الحركة فتولى القتال عليه أخوه علي فوقع فيهما طعن كثير بالرماح وصوائب بالسهام، ووقع في فرس الأمير على سهم قتلها وأصيب هو بنشابة، فنفذت إلى صدره (فراغ)(2) بحمد الله، فلم يزل(3) يقاتل على أخيه حتى وقف الضرب حصان أحمد، فترجل وركب أحدهما رديفاً مع رجل من الجند حتى تعلق بالجمل وأبلى أولاد الإمام ذلك اليوم المشهود وجرحوا بجراحات، والحاضر منهم ومن أهل بيتهم إبراهيم وسليمان والحسن وموسى وعبد الله ويحيى ابنا الحسن بن حمزة وعلي بن يحيى بن حمزة والأمير صارم الدين وهاس بن أبي هاشم والشيخ سيف الدين منصور بن
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) في (ب): فأمسوته.
(3) سقط من (أ): يزل.

محمد وجماعة من الشرفاء الموسويين والحمزيين والعلويين وأيبك فطيس وأبو حسن التركيان موليا الشريف قتادة مع كبار الجند الهمدانيين والحشيشيين، فلم يكن موقفهم يومئذ بذميم - أحسن الله جزاهم - فقال الشريف حسن بن نزار صاحب الترجمة هذه الكلمة
عاداتك الصبر والخطي مشتجرُ ... يا خير من قلدته أمرها مضرُ
لولا عزائمك اللاتي عرفت بها ... ما كان للدين عن أعدائه وزرُ
لكن حميت ببيض الهند حوزته ... والشاهدان بذاك السمع والبصرُ
أما المديح فلا نأتي بأيسره ... لأن كل مديح فيك مختصرُ
ماذا نقول من الإسهاب في رجل ... آباؤه برسول الله تفتخرُ
وما الزيادة في وصف امرئ نزلت ... في جده وعلى آبائه السورُ
تالله ما غاصت الأفكار في طرف ... من عز مجدك إلا غاصت الفكرُ
لكن أردنا نؤدي بعض مفترض ... من التهاني فلا ألوت بك الغيرُ
كل الأنام سليم ما سلمت لهم ... وما بقيت فذنب الدهر مغتفرُ
عليك للمجد أن تبني قواعده ... وما عليك إذا لم يسعد القدرُ
إن النبوءة أعلى كل منزلة ... قدراً فرنقها التنغيص والكدرُ
هل كان مثل رسول الله من أحد ... أو كان يحكيه في أوصافه بشرُ
فكان يوم حنين ما علمت به ... من البرية لولا معشر صبروا
هون عليك وإن نابتك نائبة ... فالجرح مندمل والكسر منجبرُ
والدهر يومان يوم مشرب أسن ... مر المذاق ويوم مشرب خضرُ
إلى آخر قصيدة قالها أجاد فيها وقد أطلنا بذكر القصة هذه لما نعرب به من اصطبار الأمير الناصر واخوته.
الحسن بن نسر [ - بعد سنة 75 ه‍ ]

67 / 182
ع
En
A+
A-