وممن اعتقد مذهب آل محمد وعرف فضلهم الشيخ الحجة محمد بن محمد بن محمد الغزالي الإمام الكبير مصنف (البسيط) و(الوسيط) و(الوجيز) في فقه الشافعية وصاحب /65/ الإحياء وغيره من الكتب الإسلاميات والفلسفيات، وكان - رحمه الله - قد تنقل في المذاهب ولم يستقر حاله إلا عند وفاته، فاختلط بالسلطان تارة واعتزل الناس جميعاً أخرى، وتصدر للدرس والتدريس، ثم غلقت مدارسه ولذلك عابه الشيخ أبو علي الطوسي(1) وغيره، واستقر بآخره بالعراق، ولقي عبد السلام القزويني الزيدي، وتتلمذ له، ذكره الذهبي ونقل الذهبي(2)، ومما(3) أخبرني به مولانا العلامة محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وعن سلفه أنه عاد بآخره إلى مذهب العترة، وكذا ذكره صاحب (العواصم)، وذكره السيد الهادي بن إبراهيم والقاضي عبد الله الدواري، وفي كتاب العلامة الفاضل محيي الدين يوسف بن أبي الحسن بن ابي القاسم الجيلاني من بلد (الجيل) من مدينة (لا هجان) الواصل كتابه المذكور إلى اليمن سنة سبع وستمائة إلى الشيخ الحافظ عمران بن الحسن الشتوي في ترجمة الناصر الرضا - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): الطوطوسي.
(2) كذا. لعله: ونفى الذهبي.
(3) في (ب): مما.

قال: هو الرضا الناصر والناصر لقبه ولقب آبائه إلى الناصر للحق - عليهم السلام- وهو الرضا بن مهدي ناصر [كان] رجلاً كبيراً ذا جاه عريض، وهو مهدي بن محمد بن خليفة بن محمد بن الحسن بن أبي القاسم بن الناصر الكبير، ومن أخباره أنه لما صار عالماً بأصول الناصر للحق - عليه السلام- وفروعه وبلغ فيه مبلغ العلماء ارتحل إلى عتبة الشيخ أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي - رحمه الله - وإنما قلت - رحمه الله - لأن شيخنا أبا منصور بن علي بن أصفاهان قال: إنه صح أنه مات زيدياً، والفقيه أبو منصور هذا كان في زمرة الناصرية، كالنبي في أمته، وكان تلميذاً لأبيه أبي علي بن أصفاهان، وكان أفضل من أبيه أبي منصور بدرجات، وكان تلميذاً للرضي الناصر - رضي الله عنه - وهو كان تلميذاً للغزالي - رحمه الله - وكان الناصر الرضي هذا أراد الحج وكان في قلة زاد، فكتب الغزالي معه بكتاب حمله إلى الخليفة ببغداد يستميح للناصر الرضي، وهذه نسخة الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم، الشيم الطاهرة النبوية والعادات المقدسية الإمامية الرضوية حرس الله على الإسلام والمسلمين مناقبها، ونشر في جوانب الدنيا محاسنها في إفاضة الإنعام والإحسان وابتياع الثواب والحمد بالغالي من الأثمان، استمرت استمرار استطار خبرها في الأقطار، ودار في خلال الديار حتى صار أحدوثة في الأمصار، فتحدث بترديدها السمار، وحدا بذكرها السفار، فاستغنت بما خص بها من التطلع والاشتياق، إلى طلب ذوي الاستحقاق، ولو من أقاصي الآفاق، من باعث ينشر جناحها، ويذكي مصباحها، لا سيما إذا صادف الاصطناع أهلاً ومصنعاً، ولبذل المعروف موقعاً ومزرعاً، ورافع المكتوب إلى الجناب الأشرف، المنصور بالذكر في هذه الأحرف، ممن يدلي بمحتد كريم، ومجد صميم، ودين قويم، وسمت في التقى مستقيم، قد جمع إلى التقوى والأصل الطاهر، من العلم الغزير والفضل الزاهر، ما امتدت بسببه إليه النواظر، وعقدت عليه

الخناصر، حتى حاز قصب السبق في ميدان النظر عن كل مناظر، وشهد له به الغائب الغريب كما يشهده الحاضر القريب، وقد صار إلى المواقف المقدسة الإمامية النبوية بأجنحة الرجاء، متوسلاً بوسيلة الدعاء، متوقعاً أن يلقى نعيماً وحبوراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، قاضياً حق الدعاء، خطيباً من خطباء الحمد /66/ والثناء، واصفاً وناشراً وناظماً وناثراً وللآراء المقدسة الإمامية النبوية في تحقيق رجائه، واغتنام دعائه، مزيد السمو والعلو - إن شاء الله - وله مصنفات قبل حالته الصالحة الخاتمة مضلة، ومذاهب مضمحلة، وهي عندنا موجودة (كالمنقذ من الضلال البعيد الذي هو الموقع في الضلال القريب) وغير ذلك من التصنيفات المضلة، انتهى كلامه وسيأتي إن شاء الله ترجمة الناصر الرضي وإن كانت هذه الترجمة قد ألمت بكثير مما انتهى إلي من أحواله - رضي الله عنه - آمين.
10) علي بن سالم العبيدي ومراسلته مع الأحنف

ومنهم: القاضي الأجل العالم العبيدي اليمني - رحمه الله - لعله - رحمه الله - علي بن سالم بن غياث بن فضل بن مسعود العبيدي نسباً - بالباء الموحدة المكسورة بعد عين مهملة بعدهما ياء باثنتين من أسفل ساكنة ثم دال مهملة - نسبه إلى جده ببلدة كبيرة في اليمن، منهم ناس يسكنون وادي(1) (عبد)(2) ببلاد (صهبان) وكان مسكنه في قرية من الوادي المذكور اسمه الظفير، كان فاضلاً عالماً غلب عليه الصلاح، وأدركه اليمن والفلاح، يقصد من أنحاء اليمن للتبرك وطلب الدعاء، وكان إذا قام لورده في الليل بغرفة من بيته أنارت الغرفة حتى كأنها يوقد بها شمع فيأتي الناس إلى حول ذلك ويدعون الله بما شاءوا فيجدون أمارة الاستجابة فوراً وتوهم بعض الفقهاء من الشافعية أن ذلك شيطان، فوصل إليه زائراً ليختبر الحال، فأكرمه الفقيه وبيته معه، ثم لما جاء من الليل وقت الورد قام الفقيه لورده فأضاء البيت إضاءة عظيمة، فلما رأى الضيف ذلك تلا القرآن(3) فازداد النور بحيث رأى نملة تمشي في الجدار، فاستغفر الله واستطاب باطن الفقيه، وله كرامات ويقال: موته آخر المائة السادسة، والله أعلم. ولما شاع في الأقاليم رجوعه إلى مذهب العترة كاتبه أهل الأمصار، وممن كاتبه قاضي مكة القاضي الأحنف، وهذه صورة كتابه:
سلام على تلك الخلائق إنها ... هي الثمرات الطيبات إذا تجنى
ولا فض صرف الدهر حرف سنانها ... ولا صحبت إلا السعادة واليمنى
__________
(1) في (ب): وادي عميد.
(2) في (ب): عبيد.
(3) زيادة في (ب): فيبطل عمل الشيطاني.

خص الله تعالى حضرة القاضي الأجل، وحرس عليه دين الإسلام حراسة كتابه العزيز من النقص والمزيد، تنزيل من حكيم حميد، وختم لنا وله بالخير في عفو وعافية، وقد انتهى إلينا أنه سيد البلاد عندهم وأنه عالمها وأنه متبوع غير تابع، وإذا كان كذلك فالواجب عليه أن يكون على السنة البيضاء والطريقة المثلى إما شافعي وإما حنفي، وإما مالكي، فإنهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ولا يلتفت إلى من يزخرف له القول في العلم، فإن العلم هو الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع [من](1) الأمة والقياس الجلي، والزيدية لا يقولون بأخبار الآحاد من السنة، وقد اجتمع على الأخذ بها الشافعي وأبو حنيفة وعلماء السنة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه في الحنة-: (لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك من حمر النعم تنحرها في سبيل الله تعالى، فإن شككت في شيء سترته عليك كاتبتنا وشافهتنا فوالله /67/ ما تنتفع ونتنفع بل المسلمون والسلام.
وهذا جواب القاضي العبيدي المذكور:
دعوت ملبياً يا خير داعي ... وأسمعت النصيحة أذن واعي
وأودعت الأمانة قلب من لا ... يفارق دينه لهوىً مطاعِ
يرى تفضيل أهل البيت فرضاً ... كتفضيل العيان على السماعِ
فيا لك منة يعلو سناها ... إذا ذكرت سنا الشكر المذاعِ
أتت في رقعة وردت بها عن ... لسان معرب ويد صناعِ
تقهقر عن بلوغ (……)(2) أو في ... بلاغتها عدي بن الرقاعِ
ولا عجب لأنك فذ عصر ... تشير يدي إليه بلا دفاعِ
وإنك عند تختلف المعاني ... تمد إلى البيان أتم باعِ
سعى وسعيت غيرك للمعالي ... ففزت بها وقصر كل ساعي
وقمت بحرمة الإسلام نصحاً ... وتهذيباً لمرعيٍّ وراعي
وما ميمون نصحك حين وافى ... بمطَّرحٍ لدي ولا مضاعِ
وقل فيه: هدية ذي ودادٍ ... أتتك بما يزاد ولا يزاعِ
ولكني رأيت مقال ما قد ... أشرت به شديد الامتناعِ
__________
(1) من. ظ
(2) فراغ في (أ) و (ب).

وكيف يصح تقليدي أناساً ... وبينهم التنازع والتداعي
وهذا يدعي تغليط هذا ... وإبطال المواقف والمساعي
وفي تحليل ذا تحريم هذا ... وكل مدع وإليه داعي
وإرشادي إلى طرق ثلاث ... تخف على التطبع والطباعِ
فإن قلدت بعضهم اعتقادي ... فصاحبه لصرعته مراعي
وإن قلدت كلهم، فهذا ... لعمر أبيك ليس بمستطاعِ
وإن قلنا جميعهم مصيب ... ولم يرضوا فذا فعل الرعاعِ
فإن كان الخلاف لهم مباحاً ... تكايلنا به صاعاً بصاعِ
ولم يثبت طريق الدين نقلاً ... ولا عقلاً ولكن بالصراعِ
وهذا لا يقول به تقي ... يعف عن افتراع وابتداعِ
ابن لي كيف أصنع في اعتقادي ... وفي عملي رعاك عليه راعي
فوجه الحق لا يخفى على من ... لا يحيف ولا يميل إلى الخداعِ(1)
وقد قال النبي وكل قول ... سوى ما قاله آل بقاعِ
ستفترق الجماعة قال نيفاً ... على السبعين في الخبر المشاعِ
فتنجو فرقة وعلى سواها الـ ... ـعذاب كعبد ود أو سواعِ
ابن لي يا فقيه العصر قولاً ... يصح به اعتقادي وانتفاعي
من الهادين آل محمد أم من؟ ... من الناجين في الغرف الرفاعِ
فإني لم أقلد غيرهم في الـ ... ـحديث فأصغ سمعك لاستماعي
هم الأعلون والزاري عليهم ... إذا أنصفت من سقط المتاعِ
وهم سفن النجاة لمبتغيها ... وأهل الفضل والشرف الوساعِ
إذا افتخروا نبوا ودنا سواهم ... فبات الفخر في أعلى البقاعِ
وحسبك منصباً لهم عليٌ ... وأحمد خير مبعوث وداعي
روى عنهم ثقات كان منهم ... شيوخ كالكواكب في سباعِ
ورقة فارغة في (أ).
يراعون المهيمن حين يروى الـ ... ـحديث ورب راو لا يراعي
فلا تسمع فديتك قول قوم ... لهم شيم البهائم والسباع
يقولون المحال بلا دليل ... ويأتون الضلال بلا ارتداع
فما الليل البهيم كضوء صبح ... يبين ولا الكراع إلى الذراعِ
وأما ما ذكرت من التداني ... إلى بعض الجهات أو البقاعِ
فاسألُ خالق الثقلين منّاً ... على عجل بقرب واجتماعِ
__________
(1) العجز زائد عن الوزن.

ويشفي غلة ويريح مِنَّا ... رؤساً قد سئمن مِن الصداعِ
وينقطع التنازع والتداعي ... وتتضح المسالك والمساعي
وصلت النصيحة المفيدة الصحيحة، الدالة لداء القلب السليم على الصراط المستقيم، المنبهة لطالب السلامة، على ما فيه النجاة يوم القيامة، مع ما أصحبها - أدام الله سلامته - من شريف سلامه ولطيف تفقده وإلمامه، على غير معرفة سابقة، ولا يد ببيض الأيادي لاحقة، بل ابتداءً منَّة وتفضلاً، وامتناناً وتطولاً، كالمسك دل بعرفه وذكى نفحته عليه، والروض حين دعا العيون بحسن نضرته إليه، ولهذا استدل بحسن الأخلاق على طيب الأعراق، وبتهذيب المذاهب على شرف المناصب، فالله - سبحانه وتعالى - يخص نفسه النفيسة، وعقوته(1) الأنيسة بسلام تام، وإلمام عام، ويحسن عن مملوكه جزاه، ويتولى كفاه، سالكاً بذلك مسلك الاحتساب، وكاشفاً به - كما ذكر - الشك من الارتياب، إذا مر مملوكه(2) بالتزام السنة البيضاء والطريقة المثلى إما شافعياً وإما مالكياً وإما حنفياً، وحكى عن هؤلاء أنهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وقد علم الله أن مملوك إنعامه قد شكر له شكراً جزيلاً، وأثنى عليه ثناء عريضاً طويلاً،
وكيف لا ويد الإحسان موجبة ... للشكر لا سيما إن لم يكن سببُ
وقد مننت ابتداء بالكتاب ولم ... ترد إليك لنا رسل ولا كتبُ
أنت المهذب في العلم الذي شهدت ... بفضله العجم في ذا القطر والعربُ
__________
(1) عقوته: العَقْوة: شجر، وما حول الدار والمحلَّة. (القاموس المحيط ص1206).
(2) في (ب): إذا مر مملوك إنعامه.

إلا أن مملوك إنعامه تأمل مقالته تأمل مجتهد لا منتقد، واستعرضها استعراض قابل لا مقابل، ونظر فيها نظر ناظر لا مناظر، فنظر أن الطرق الثلاث التي بتصويبها أفتى، تشتمل على طرق شتى، أما الشافعي وهو درة تاجهم، ومصباح منهاجهم، فلم يخف على حضرته اختلاف الأشعري والحنبلي في أصول الدين، وهما من علية أصحابه المجتهدين حتى سمى كل واحد منهم اعتقاد صاحبه ضلالة يدل على ذلك قول بعض الحنبلية في الأشعرية:
يا أشعرية يا زناديق الورى ... يا رأس كل منافق شيطان

وللشافعي أقوال ينقض بعضها بعضاً، ولا يأول بعضها إلى بعض اعتراضاً ونقضاً مع اختلاف سمكها، وتباين مسلكها، وصحة مثل هذا ممتنعة، والطريق إليه منقطعة، وأما أبو حنيفة ومالك فلهما مثل ما له، إذ المنازعة بينهم دائمة، وإلى يوم القيامة قائمة، وقد أمر الله بالتعاون والائتلاف، ونهى عن التفرق والاختلاف، فقال: سبحانه وتعالى ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? [المائدة:2]، واتفاق الأفعال لا يصح مع اختلاف الأقوال، وقال سبحانه وتعالى: ?أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ? [الزمر:3] والخالص ما لا اختلاف فيه، وأخبر - جل وعلا - أن الخلاف صفة ناقصة، فقال سبحانه وتعالى: ?وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا? [النساء:82]، وإذا لم يجز الخلاف في الكتاب لم يجز الخلاف(1) في السنة إذ عنه صُدِّرت وبقوامصه حُبِّرت، وقد صح أن الله سبحانه وتعالى، فرد فما له شريك ولا ممن براه معاند، ذلك دين الله منذ قضى به علينا إلى يوم القيامة واحد، وفصل الخطاب في حصر الاختلاف، والحث على الائتلاف قول الله سبحانه وتعالى: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ? [الأنعام:153]، وقوله سبحانه وتعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ? [الأنعام:159] فوقف مملوك إنعامه وقوف متحير متفكر؛ إذ عن الخلاف نهاني، وإليه دعاني، وبالوفاق أمرني، وعن أصله وأهله أصدرني:
أترك آل النبي عمداً ... وابتغي سائر الرواةِ
كطالب الري من قليب ... وعنده زاخر الفراتِ
أو يبتغي التمر من أراكٍ ... وعنده النخل باسقاتِ
لم يحض آل النبي إلا ... بالقتل والسَبي والشتاتِ
وقد دعوا بعدهم إماماً ... كل ظلوم وكل عاتي
__________
(1) سقط من (ب): الخلاف.

وكل من قد أجاز عمداً ... كشف ستور المحرمَّاتِ
أوطؤوه الردى وقاموا ... للحرب في حالة الدعاةِ
فليت شعري إذ استجابوا ... للحشر في منزل الرفات
ما عذرهم عند جدهم في ... قتل بنيه وفي الديات
[يا ربنا احكم فأنت أدرى ... بكل ماض وكل آت](1)
والعجب من تسمية من نقل عن أهل البيت القول مزخرفاً، ورواه في هذا القول بحقه متصفاً، وحكى أن الزيدية لا منصب لهم في العلم، ولا يد لهم في فصل الحكم، وأي منصب أشرف من منصبهم، وهل يوجد للخير سبب أبلغ من سببهم؟ هذا مع أن الله - سبحانه وتعالى - قد أمر بتشريف أئمتهم وسؤالهم، فقال - عز من قائل كريم -: ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ? [النحل:43]، فلما أمر بسؤالهم دل على الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم، ولعل قائلاً يقول إن أهل الذكر المأمور بسؤالهم هم أهل الكتاب، ويحتج بقوله تعالى: ?فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ? [يونس:94]، وهذا لا يصح؛ لأنه لو صح وجب السؤال عن جميع العبادات، وهذا إبطال لنبوته - عليه الصلاة والسلام - وإبطال للقرآن المجيد وتكذيب للمعجزات، وهذا كفر صراح، وليس - أدام الله علوه - لحقهم تجاهل(2)، ولا عنه بمتجاهل، ولكن لأمرٍ ما جدع قصير أنفه، هذا مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد دل على أن الحق معهم بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا إلى يوم القيامة كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين)، وهو - أدام الله علوه - بهذا القول أدرى، وبالعمل به أولى وأحرى، وكل هذا دليل قاطع على أن الخلاف والاختلاف لا يجوز عقلاً ولا نقلاً، أما النقل فلما تقدم من الأدلة، وأما العقل فمعلوم أن كل ذي عقل لبيب إذا رأى شخصين مختلفين في قول أو فعل لا يقضي لكليهما بالصواب، مثال
__________
(1) سقط من (أ) وثبت في (ب).
(2) لعل الصواب: بجاهل.

66 / 182
ع
En
A+
A-