وساروا به نحو اليمن، كل رجل ممسك بيد وفارس من خلفه، قال لي - رحمه الله - رمحه بين جنبيه، فجعلت أقرأ سورة يس وإذا أنا مستقيم والرجلان سائران والفارس وأنا مستقيم حتى ولَّوا عني بحمد الله(1).
الحسن بن سليمان بن أبي الرجال [ق8 ه‍ ]
الفقيه العارف الحسن بن سليمان بن أبي الرجال - رحمه الله -(2)، أخذ عليه السيد صلاح بن الجلال وغيره، وهو صنو العلامة محمد بن سليمان الآتي ذكره، وسيأتي ذكر ولده محمد بن الحسن - إن شاء الله تعالى - وأهل الجب من تهامة يذكرون أنهم من عقبه، وهم عدد كثير بقرية بيش، يعرفون بآل المهتدي والمخابرة وآل الطيب وآل الحسن بن قاسم، وليس الأمر كما ذكروه، فإن الفقيه محمد بن سليمان نسبهم إلى جده الحسن بن سرح بن يحيى ، والله أعلم.
الحسن بن سعيد العيزري [ت1038 ه‍ ]
__________
(1) انظر: صلة الإخوان تحت التحقيق، الطبقات الكبرى 1/302، ترجمة 164.
(2) في (ب): هو فقيه كامل عارف.

القاضي العلامة الحسن بن سعيد العيزري - رحمه الله - هو القاضي النبيه العالم الفقيه أستاذ المشائخ المناصر المعاضد حميد المرادات والمقاصد، كان - رحمه الله - من أهل العقل الرصين والثبات في الأمور والشهامة الكلية، وكان حميد الرأي موثوقاً به في جميع علاَّته، وكان محققاً في علوم العربية والأصولين جميعاً، والفقه والفرائض، رحل إليه كثير، ومن تلامذته شيخنا العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - قرأ عليه فيما أحسب إلى الكنايات في كتاب نجم الدين الرضي شرح الكافية، وتخرج عليه وانتفع بعلمه وحلمه(1)، وكثيراً ما يروي عنه. ومن تلامذته ولده صارم الدين المتقدم ذكره - رحمه الله - ورحل القاضي الحسن إلى عبد الله المهلا النيسائي إلى باب الأهجر، وقرأ على ابن قيس الثلائي في الفرائض، وشهد مواقف الجهاد وباشرها بل النصر الذي يسره الله للإسلام في المساوحة(2)، كان له فيه اليد البيضاء، وأمام الفتوحات كان بحضرة المولى شمس الدين أبي طالب أحمد بن الإمام القاسم متولياً للقضاء، ومن أبيات قالها إجازة لنصف بيت رآه في النوم السيد العلامة أبو طالب أحمد بن القاسم - عليهما السلام- بعد فتح عمران رأى أنه قال في منامه /21/:
أقمنا عار عَاثِرنا فقاما
فقال القاضي - رحمه الله تعالى -:
شددنا خيلنا العرب الكراما ... وحرمنا الإقامة والمناما
وجددنا عرار العزم حتى ... أقمنا عار(3) عاثرنا فقاما
وشردنا الأعادي وانتقمنا ... بمن الله أقواماً طغاما
بنصر الله دمرنا عدانا ... ونرجو أن يكون لنا لزاما
ونملك أرضهم شرقاً وغرباً ... مع السروات نمتلك التهاما
مع الحرمين نملك كل أرض(4) ... وبغداد ومصر والشآما
أسرنا من ثلا صفراً وقوماً ... من الأروام نحسبهم غماما
ومن عمران آية قسورى ... مع الأمرا تركناهم سواما
__________
(1) في (ب): بحلمه وعلمه.
(2) في (أ): المساحة.
(3) . ط: ثأر.
(4) مع الحرص نملك أرض بصرى.

توفي - رحمه الله - بكرة يوم الخميس التاسع عشر من المحرم سنة ثماني وثلاثين وألف، ودفن بالعيازرة عند المسجد المبارك(1).
الحسن بن شرف الدين الكحلاني [948 - 1028 ه‍ ]
السيد العلامة الحسن بن شرف الدين، هو السيد الميمون العلامة المجاهد صاحب المكارم والكرامات عضد أمير المؤمنين الحسن بن شرف الدين بن صلاح بن يحيى ويلقب بالهادي بن الحسين بن المهدي بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد الملقب بتاج الدين أحمد بن يحيى بن حمزة [بن سليمان بن حمزة](2) بن علي بن حمزة بن أبي هاشم(3) النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين العالم بن الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي سلام الله عليهم، كان عالماً عاملاً زاهداً واسع الأخلاق دمثها متبلج المحيا للضيوف، حنقاً على أعداء الله، وهو الذي افتتح حصن ثلا وعفار على وجه تمنعه العادات، فإنه دخل حصن ثلا عنوة ودخل عفار على ضيق مسلكه على (……)(4) ومما روي عنه أنه حين تقدم على أحد الحصنين صلى ما شاء الله، ثم قال: استوهبت من الله هذا الحصن وسماه، فانفتح بيد القهر والعلو - بفضل الله سبحانه - مع سهوله على أهل الحق، ومن شعره - رحمه الله - يحرض المسلمين على الجهاد:
أمثلكم يطيب له المنام ... ويهناه الشراب أو الطعامُ
ويضحك ضاحكاً عجباً ولهواً ... حراماً ذلكم منكم حرامُ
/22/ وكيف يلذ للأحرار عيش ... وسوح ثلا تعاوره الطغامُ
وشرد ساكنيه بكل نجد ... وأعقبه لهم بُومٌ وهامُ
__________
(1) العيازرة قرية صغيرة في جبال الأهنوم جنوب غرب مدينة شهارة، كانت هجرة علم مشهورة وهي على رأس جبل عال يقابل مدينة شهارة. وترجمة المذكور في طبقات الزيدية 1/300 رقم (168) وانظر أيضاً المستطاب خ، والجوهرة المنيرة خ، وبغية المريد خ، والجامع الوجيز خ، وكلها تحت التحقيق.
(2) في (ب): أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي.
(3) في (ب): الإمام.
(4) في (ب): بياض في الأم.

فحيناً من يغاش الترك يعدو ... وأحياناً يعاديه شبامُ
أحصن ثلا حماه الله يرضى ... بأن يعلوه قهر واهتضامُ
ومولانا الإمام له جنود ... يضيق السهل منها والأكامُ
وسادات الأنام بكل قطر ... لكل منهم جيش (لهامُ)
فصِح فيهم واسمع إن أجابوا ... ونبههم إذا ما هم نيامُ
وقل أحبابنا كم توعدونا ... أما يرجى لموعدكم تمامُ
فيا أنصار مولانا قعدتم ... فليس يرى لقعدتكم قيامُ
غفلتم بل رقدتم ثم نمتم ... فكم ذا تغفلون وكم تناموُ
أجدوا في الجهاد فقد دعاكم ... إمام ما يقاس به إمامُ
إمام من بني المختار طابت ... أرومته وأسلمه كرامُ
وبدر من بني الزهرا تجلى ... يزول بنور غرته الظلامُ
فنحمد ربنا إذ قام فينا ... الأخ البر وهو منا غلامُ
فجازاه الإله جنان خلد ... تحيى حين يدخلها سلامُ(1)
توفي - رحمه الله - يوم الجمعة سابع ذي القعدة من عام ثماني وعشرين وألف، وصلى عليه الإمام القاسم - عليه السلام- عقيب خروجه من صلاة الجمعة، ودفن في مؤخر مشهد ذي الشرفين - عليه السلام- أيمن الباب الغربي من غير فصل، وعمره نحو ثمانين سنة(2)، وفي قبره يقول السيد البليغ محمد بن عبد الله الحوثي في آخر تعزيته للإمام القاسم - عليه السلام- عند موت السيد الحسن - رحمه الله تعالى -:
شرف على شرف بحصن شهارة ... فاعجب لقبة قبر ذي الشرفين
حوت المفاخر والمحامد والتقى ... والمجد أجمع من كلى الطرفين
__________
(1) في (ب): السلام.
(2) في طبقات الزيدية: قرأ على خاله أحمد بن محمد بن المنتصر الظفيري مما سمع عليه أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان وغيره. وأخذ عنه حسين بن صلاح الشرفي، والقاضي سعد الدين بن الحسين المسوري، وولده القاضي أحمد بن سعد الدين. انظر الطبقات ترجمة 163ج1 ص301، والجوهرة المنيرة سيرة الإمام محمد بن القاسم، وكذلك النبذة المشيرة سير الإمام القاسم بن محمد، وملحق البدر الطالع 69.

وتوفي ولده السيد العابد الكريم المفضال، قرين العبادة وخدين الزهادة، محمد بن الحسن آخر يوم الجمعة آخر شعبان من عام ثلاثة وستين وألف، ودفن إلى جنب والده، وكان من وجوه /23/ أهل البيت المطهرين لا يغلق بابه دون طارق، ولا يفارق حضرة الإمام في سعة ولا ضيق، وكان إذا جاءه طلاب الإمام وما قد حضر طعامه أخذ من شيء يسمى الرهي - بالراء المهملة - وهو من مقدمات اللحيح فيتناول ما يسد الرمق، وكان ميموناً في مقاصده وعلمه، من قرأ عليه فتح(1) الله عليه، أعاد الله من بركته.
الحسن بن شمس الدين بن جحاف [ - ت1055 ه‍ ] (2)
__________
(1) في (ب): فُتِحَ عليه.
(2) انظر أيضاً عن مؤلفاته ومصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 302، طبقات الزيدية الكبرى 1/303 ترجمة 165.

السيد العلامة الحسن بن شمس الدين بن جحاف، كان سيداً عالماً، سهل الطريقة دمث الأخلاق متواضعاً، يألف الفقراء ويألفونه، أقام بصنعاء المحروسة بجوار مسجد الأخضر في الجانب القبلي من صنعاء، كان له بيت ملتصق بالمسجد من جهة اليمن ينسب إلى الإمام الفقيه العابد إبراهيم الكينعي، ولم يجدد السيد - رحمه الله - فيه عمارة إلا في آخر أيامه، عمر له السيد الرئيس(1) محمد بن الحسين بن علي بن جحاف غرفة، وكانت مأوى الفضلاء لا يزال مقامه محجوجاً مزوراً بعيون العلماء في غالب الأوقات كالقاضي صارم الدين إبراهيم بن يحيى، والقاضيين العالمين محمد وعبد الله ابني أحمد الجربي، والعلامة الوجيه عبد الرحمن الحيمي وأضرابهم، وكان مقامه مجمعاً لكل فضيلة، وأكثر هؤلاء تلامذة له، وكان يعول عليه في علم الكلام والعربية والمنطق، قرأ (الرسالة الشمسية) قراءة تحقيق على الشيخ الكبير الرحال أحمد بن علان الشافعي، قدم من مصر واستقر بمسجد الزبير - بالزاي بعده باء موحدة ثم(2) تحتية باثنتين ثم راء مهملة بصيغة التصغير - وكان إماماً في العلوم فاضلاً، وهو أخو الشيخ محمد بن علي بن علان الشهير بمكة، إلا أن الرتبة في الفضل متفاوتة، فإن هذا أحمد كان وحيداً مع عبادة تامة كاملة وانفراد عن الناس، فقرأ السيد الحسن والسيد العلامة علي بن بنت الناصر، والسيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي - رحمهم الله - وتمموا (الرسالة الشمسية) في ثمانية عشر شهراً، قراءة تحقيق، وأجازهم الشيخ وقدمهم في الإجازة على ما عرفه في ترتيبهم(3) في التحقيق، فبدأ بالسيد علي بن بنت الناصر، ثم السيد العلامة محمد بن عز الدين، ثم السيد الحسن المذكور، وكنت من المواضبين لحضرته لكمال أنسه وحميد صفاته، فإنه كان روضة أريضة، وقرأت عليه (المطول) شرح سعد الدين التفتازاني للتلخيص وهو الشرح الذي يسمى بالهروي كا
__________
(1) في (ب): الرايس.
(2) في (ب): ثُمَّ ياء تحتية.
(3) من مرتبتهم.

قاله الدماميني، ولبثنا بقراءته تسعة أشهر، وكان يمتعنا بأخبار الفضلاء، فإنه تعمر كثيراً، وكان يروي عن السيد علي بن بنت الناصر /24/ ما تقر به العين، من الكمال والعقل الرصين، والعلم الراسخ والتحقيق والشرح المتين، ودارت بينهما أبيات تدل على فضل علي بن بنت الناصر، وذلك أن علي بن إدريس البعداني الذي كان بصنعاء كان لبقاً في المقال مسلطاً على الأعراض جسوراً على الفضلاء، فدار في مجلس السيد علي بن بنت الناصر بين جماعة من الفضلاء بمحضر السيد الحسن ومنزله، مفاكهة ومراجعات أدبيات وعلميات، فكان من الفقيه علي بن إدريس ما علق به من السخريات وما لا يليق بالفضلاء، فكان ذلك سبباً لتجنب السيد علي بن بنت الناصر لمجلس السيد الحسن فدارت بينهما معاتبات أنشدنيها السيد الحسن وفاتت عني لعدم التقييد، وأرجو من الله الظفر بها، فهي فيما جمعته (بحبور) عند أولاد حفيده السيد يحيى بن علي بن الحسن، ولم أحفظ إلا بيتاً من نظم السيد علي بن بنت الناصر، وهو:
بسوحك حيات وأنت ابن آدم ... وذاك اللعين المبتلى نجل إبليس
(1)وكان للسيد الحسن نظم حسن واتفق أن الباشا حبسه لما ظنه فيه من خلطته للإمام القاسم، فكتب من الحبس إلى تلميذه القاضي العلامة إبراهيم بن يحيى الشجري السحولي - رحمه الله -:
أيا صاحبي إما حبست فلا تكن ... قنوطاً فإن اللطف يا صاحبي ساري
لعل وراء الغيب أمر يسرنا ... بقدرة من في علمه الخالق الباري
فذيل البيتين القاضي صارم الدين - رحمه الله - فقال:
وإني لأرجو غارة نبوية ... تفك بعون الله عسري بإيساري
وعوناً على دفع النوائب عاجلاً ... فيا خالقي حقق رجائي وإضماري
ومما كتبه السيد إلى القاضي - رحمهما الله - ملاطفاً.
يا فقيه الأنام يا من عليه ... عمدة المسلمين فقهاً ونحوا
وله في الأصول حظ جزيل ... في قياس وفي صفات وفحوا
ما الذي يفعل المحب إذا ما ... شاقه شادن من الترك أحوا
__________
(1) قال في (ب): بياض في الأم.

وقوام كغصن بان ووجه ... من بدور الكمال أسنى وأضوا
هل له أن يقبل الثغر منه ... افعلوا للمحب في ذاك فتوى
فأجابه القاضي - رحمه الله تعالى -:
قد حكمنا بمنع ذاك وإن الـ ... ـحكم لا شك قاطع كل دعوى
فاسلُ عما ذكرت وادرع الصبـ ... ـر وخذ في نهج الشريعة مثوى
إنه عندنا حرام وأما ... عند أهل الهوى فخذ فيه فتوى
قلت: وهذه آداب العلماء(1) وملاطفاتهم، وقد ذكرني هذا ما كتبه بعض العلماء إلى الشيخ العلامة أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي نسباً الطحاوي المنسوب إلى طحا من قرى الصعيد، المولود سنة ثمان وثلاثين أو تسع وثلاثين ومائتين المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وهو:
أبا جعفر ماذا تقول فأفتنا ... إذا نابنا خطب عليك نعوّلُ
ولا تنكرن قولي وأبشر برحمة ... من الله في الأمر الذي عنه نسألُ
أفي الحب عارٌ أَمْ من العار تركه ... وهل من لحا أهل الصبابة يجهل
وهل ذا مباح فيه قتل متيم ... يهاجره أحبابه ويواصل
[فرأيك في رد الجواب فإنني ... بما فيه تقضي أيها الشيخ أفعلُ](2)
فأجابه الطحاوي:
سأقضي قضاءً في الذي عنه تسألُ ... وأحكم بين العاشقين فأعدلُ
فديتك ما بالحب عار علمته ... ولا العار ترك الحب إن كنت تعقلُ
ومهما (لحا) في الحب لاحٍ فإنه ... لعمرك عندي من ذوي الجهل أجهلُ
ولكنه إن مات في الحب لم يكن ... له قَوَدٌ عندي ولا منه يُقتلُ
ووصلك من تهوى وإن صدّ واجبٌ ... عليك كذا حكم المتيم يفعل
فهذا جواب فيه عندي قناعة ... لما جئت عنه أيها الشيخ تسأل
ونظير هذا ما حكاه المؤرخون ونقلته عن (تحفة الزمن) عن (طبقات الأشناني) في ترجمة أبي محمد البافي - بالموحدة والفاء - أنه جاءه غلام حدث بيده رقعة فدفعها إليه فنظر فيها متبسماً ثم أجاب عليها وردها وكان فيها بيتان وهما:
عاشق خاطر حتى اسـ ... ـتلب المحبوب(3) قُبله
__________
(1) في (ب): رحمهم الله.
(2) ساقط من (أ).
(3) في (ب): المعشوق.

أفتني ما زلت تفتي ... هل يبيح الشرع قتله
فأجاب:
أيها السائل عما ... لا يبيح الشرع قتله
قُبلة العاشق للمعـ ... ـشوق لا توجب قتله
ويشبه هذا ما نسب إلى أبي محمد عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى -
سألت الفتى المكي هل في تزاور ... وضمة مشتاق الفؤاد جُناحُ
فقال معاذ الله أن يُذهبَ التقى ... تلاصقُ أكباد بهن جراح
/26/ فقال عطاء: والله ما قلت هذا، ومما تقوَّله الشاعر على عطاء قوله:
سألت الفتى المكي ذا العلم ما الذي ... يحل من التقبيل في رمضان
فقال لي المكي أما لزوجة ... فسبع وأما خلة فثماني
قلت: وقد أحببت نقل هذا للأدباء وإلا فقد رأيت إنكاره من عطاء - رحمه الله تعالى -.
وأخبرني السيد الحسن - رحمه الله - أن مولانا السيد العلامة ضياء الدين إسماعيل بن إبراهيم بن جحاف - أبقاه الله - كان يتردد إلى منزله لسماع (الشرح الصغير على التلخيص) فجاء يوماً والسيد الحسن - رضي الله عنه - غائب، فكتب بخطه في الجدار:
وصلت إلى ربعكم سادتي ... فلم ألقكم في الجناب الرحيب
فعدت إلى منزلي آيباً ... وأيقنت أن اللقا عن قريب
قال: فكتبت تحته:
وصلت إلينا ولم تلقنا ... وكنا نحب لقاء الحبيب
فحظ حرمناه لكننا ... نفوز الغداة بأوفى نصيب

وأخبرني السيد الحسن - رحمه الله - قال: كنت يوماً بمنزلي هذا والسيد البليغ محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين يصلي أحد العصرين إما الظهر أو العصر، غاب عني في ذلك المحل - يشير إلى الجانب الغربي إلى نحو القبلة من الحجرة بمسجد الأخضر قرب الباب الداخل إلى المسجد - قال: فأتم الصلاة ثم دخل إليّ وقال: يا مولانا اكتب ما حضرني الآن، فإنه حضرني حديث عبد الله بن عمر الذي رواه أئمتنا ورواه مسلم، قال: قال لي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وأعدد نفسك في الموتى فإذا(1) أصبحت نفسك فلا تحدثها بالمساء، وإن أمسيت فلا تحدثها بالصباح..)) (2) إلى آخر الحديث، فعقدت ذلك فقلت:
صاح إياك والركون إلى الدنـ ... ـيا فإن الرحيل عنها قريبُ
كن بها مثل عابرٍ لسبيل ... أو غريب فأنت فيها غريبُ
فالحياة الدنيا طريق إلى الأخـ ... ـرى وما استوطن الطريق أريبُ
وكانت بينه وبين السيد لقمان - رحمه الله - مشاعرات حسنة، ومن شعره - رحمه الله - من قصيدة نبوية:
مالي أرى الغادة الحسنا فأهجرها ... وأهجر الكأس واللذات والطربا
وأهجر الخود معسولاً مقبلها ... وكنت من قبل أهوى أن يقال صبا
27/ ما ذاك إلا لأن الدهر يكسبني(3) ... حلماً وأفضله ما كان مكتسباً
وقال لي زاجر من نية صلحت ... والوجد يشرقني بالدمع منسكباً
لا درَّ دّرَّك يا هذا أما نظرت ... عيناك ما قد أتى في الدهر أو ذهبا
ومن شعره - رحمه الله تعالى -:
هذا الجفاء الذي ما دار في خلدي ... أذاب نفسي وأذكى النار في كبدي
وخانني كل من قد كنت آمله ... يا للرجال وحتى خانني جلدي
وصاحب كنت مغبوطاً بصحبته ... دهراً وكان عليه كل معتمدي
فخانني وده عمداً وصيرني ... مع الأسى ودواعي الشوق في صعدي
لكنه كان مطوياً على إحنٍ ... ولم يقل منشداً بيتاً ولم يزد
__________
(1) في (ب): وإذا.
(3) في (ب): أكسبني.

58 / 182
ع
En
A+
A-