وهو في العلماء الجلة محقق في الفقه، وأشرف على(1) العربية وبآخرةٍ من أيامه أعاد الله من بركته، أشرف على أيام العرب إشرافاً كلياً، وعلى الأمثال حتى كان يأتي على أمثال المستقصي غيباً مع علمه بصاحب المثل وقصته ، وعرف الحديث، ومع ذلك معدود في أعيان الدولة المحمدية /5/ النبوية، فإنه صحب [الإمام](2) المؤيد بالله وجعله سفيراً له إلى ولده سيف الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين أيام بُعده إلى جهة يافع، فأحسن القاضي السفارة وحمد أثره وانتضمت به الأمور، وأما الإمام المتوكل على الله فكان القاضي أحد أساطين الدولة من الكفاة الناهضين في الوزارة والمشورة، وهو السابق في هذا المضمار، هو عذيقها المرجب وجذيلها المحكك، وهو من أبرع الكتاب في الحضرة، وله مع ذلك ولايات وأمور منوطة به نحو أقاليم الحيمة، وكانت أعمال كوكبان تصدر وتورد عن رأيه، ومع هذه الكلف كان صدره أوسع من الدهناء وعظائم الواردات لا تغير له ذهناً، لأصحابه منه الحظ الأوفر من الأدبيات والملاطفات الإخوانيات توالتدريس في العلوم على أكمل وجه، وكان مظهره مظهر أمير، وقلبه قلب مستكين خاشع فقير، أقول هذا ولا ينبئك مثل خبير، فلقد كنت منه بمنزلة الأخ(3) الشقيق، والحميم الرفيق الشفيق، أعرف أحواله - رضي الله عنه - إجمالاً وتفصيلاً، وكانت له في النظم[والنثر](4) يد طولى، وسابقة أولى، وبالجملة فما من فضيلة يحتاج أهلها إلى شيوخها عند مهماتهم [إلا] (5) وهو في ذلك بغية الطالب ووجهه الإمام المتوكل على الله - أدام الله أيامه، وأعلى على جميع الأعلام في الخافقين راياته الخافقة وأعلامه - إلى جهة حضرموت لما اتفقت الفرقة بين السلاطين آل كثير منهم من تخلف عن رسوم رسمت عليه، فقدمه الإمام يفتقد معالم الحق، ومن هو على قدم الصدق من السلاطين ، ومن تنكب عن
__________
(1) في (أ): في العربية.
(2) زيادة في (ب).
(3) في (ب): الصنو.
(4) زيادة في (ب).
(5) زيادة في (ب).
السداد منهم، ويزيل المناكير، ويظهر المعالم، ويقرر من القضاة من رضيه، ففعل - رحمه الله - ذلك، وكان فتحاً مبيناً ومقدمة لنزول الجنود المتوكلية تحت لواء المولى زعيم المسلمين أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين كما ذلك مبسوط فيما أحسبه بالسيرة المتوكلية، وكان الإمام - عليه السلام- قد وجه القاضي شرف الدين داعياً إلى مدينة دنيبا من أعمال الحبشة إلى السلطان سحيم(1) وذلك أن السلطان أرسل مراسلة أطمع في نفسه، وأفهم أنه قابل للحق، فسارع الإمام إلى إرسال رجل من ورثة الأنبياء، فإن ذلك كبعثه نبي مع اتساع الإقليم، فتوجه من بندر المخا نصف شعبان سنة سبع وخمسين وألف، وتقدم في طائفة من المسلمين نحو خمسين رجلاً، ولست بالمحصي لعدهم يقيناً، فاستقر(2) ببندر (بثلول)، وتزوج ابنة السلطان سعد الدين بن كامل الديلكي(3) صنو السلطان سحيم، وكان السلطان يومئذ هو سحيم المذكور، وأقام نحو خمسين يوماً، ثم توجه فلبث في الطريق مدة مجموعها من وقت شخوصه إلى دخوله محل السلطان تسعة أشهر، ولقي في الطريق أهوالاً جساماً، ولكن الله سبحانه تولاه وتولى من معه بحياطته، ولما وصلوا إلى السلطان كان ذلك اليوم(4) يوم عيد للنصارى، فتقدم القاضي وقد أظهر السلطان بشارته(5) وأبهته، وجَمعَ مرازبته /6/ وكبار مملكته، فدخل القاضي - رضي الله عنه - لابساً لشعار الإسلام من الثياب البيض، وكان معه من الفقهاء جماعة، فعظم وصوله، وكان السلطان غير مريد لما فهموه منه إنما مقصده مراسلة الملوك للملوك، وأنه يرسل إلى مقامه رسول يفاوضه(6) في إصلاح طريق الحبشة من أطراف الحبشة مما يسامت المخا إلى دنيبا، ومع ذلك فهو يريد الفخر بالمراسلة، فلما استقر القاضي أراد السلطان أن يخلع عليه فوجه بخلعة من الحرير الخالص وسوارين من ذهب خالص، فقال
__________
(1) في (ب): سجد.
(2) في (ب): واستقر.
(3) في (ب): الديلكي.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): سشارته.
(6) في (ب): مفاوضة.
القاضي - رحمه الله -: هذا لا يحل في شريعتنا، فتوجه إليه بأعيان من أصحابه، فقال: هذا لا يحل، وأنا والحمد لله من حملة العلم المحمدي، فما أخالف، وقد كان النصارى غضبوا قبيل هذا على عالم لهم يسمى الأبون بلسانهم، وكل عالم يكون بذلك المنصب يسمونه الأبون، فعابوا عليه أشياء، ففعلوا به أموراً فات عني تحقيقها، فقال لهم القاضي لما لم يرضوا عنه: ألستم عبتم على الأبون مخالفته للشريعة العيسوية؟ قالوا: نعم، قال: وهذه إن فعلتها في الملة المحمدية هفوة أخاف ألاَّ أجد الإقالة فيها، فسأل السلطان رجلاً بخارياً يزعم أنه شريف، له بعض فقه عن هذا، فقال الأمر كما قال القاضي هو محرم في شرع محمد - صلوات الله عليه - فقال له السلطان: فما بالك تلبس الحرير؟ قال: أما أنا فوجدتكم على هذه الحالة، فتركت ديني أو كما قال، فأعفاه السلطان عن لبس ذلك حينئذ، ولكن القاضي تلقى ذلك بالقبول واتخذ به موئلاً لأولاده ومزدرعاً؛ لأنه استطاب ذلك الوجه واستقر عند السلطان وهو مبجل معظم لا يعبأ بالسلطان ولا أخلاقه الكافرة، بل ظهر صيته وعلت كلمته حتى كان أصحابه يبطشون بالنصارى ويضربونهم، وشاع عندهم أن العرب تأكل الناس، فهابوهم، ولقد وصف لي - رحمه الله - أن بعض النساء المسلمات رغبت في دين النصارى للتزويج(1) برجل منهم، وكان لها بنت رغبت(2) في البقاء في الإسلام، فرام النصارى الذين تزوجت أمها منهم إدخالها في دينهم قسراً فهربت إلى بيت القاضي، فجاؤوا إلى ذلك المحل في وقت الأصيل، والقاضي متنزه في صحراء أمام منزله وعنده أخوه الفقيه المجاهد محمد بن أحمد الحيمي.
__________
(1) في (ب): للتزوج.
(2) زيادة في (ب).
قال - رحمه الله -: وعليهم سلاحهم وعدتهم، وهم أهل أبدان بسيطة وروا وفيهم العدد، فتلقاهم محمد بن أحمد صنو القاضي بسيفه، فلم يستقم في وجهه أحد، وهم فيما أحسب أكثر من عشرين رجلاً، وضرب واحداً منهم بالسيف وهابهم الأقرب والأبعد، وخاف السلطان سطوة القاضي ولم يجد مناصاً، فتربص للقاضي - رحمه الله - الدوائر وتنزه السلطان إلى فوق بحر النيل وسعى بعض السفهاء بتحريق محل القاضي وهو من (الخص)، فاحترق مكان القاضي وبعض النفائس التي كانت معه من كتب وغيرها، ثم وقاه الله فتحرز، ثم أن القاضي طالب السلطان في إيابه إلى الديار الإسلامية /7/ فتثاقل عنه، فتوسل بوزير من الوزراء.
قال القاضي - رحمه الله -: هو أعقل من رأيت منهم. فقال للقاضي: يا قاضي هذا السلطان قد فضحنا إليك، ولكن متى كان في الظهيرة غداً، قلنا للسلطان يترك شرب الخمر لتجتمع به، فركن القاضي على هذا، فلما كان في الظهيرة أو قبيلها توجه في أصحابه لذلك الموقف كما سبق الوعد به من الوزير، فأقبلوا على دار السلطان وهي دار لا نظير لها ولا شبيه، عمرها بعض الأفاقيين للسلطان على أسلوب غريب، فوصل القاضي إلى قرب الدار وقد انتشر الخدم في الأبواب وفتحت الطاقات، وهيأت أحوال السكر، واجتمع أهله، فلم يشعروا إلا بالقاضي - رحمه الله - فعشر الرماة الذين بين يديه فهرب السلطان من إيوانه وهرب الوزراء والخدم وأجفلوا إجفال الظبا، فدخل القاضي والدار يباب لو أراد ما أراد تمكن، فلما عرف الوزير السابق ذكره أولاً النكتة سارع إلى القاضي واعتذر بأنه لما يتقدم إلى السلطان في هذا المطلب فأمهله القاضي، واجتمع بالسلطان وأخذ في أهبة توجيه(1) القاضي فوجهه بعد مدة، وكان مجموع مدة إقامته عند السلطان نحو ثلاث سنين، ووجه معه السلطان وزراء الضيافة فاتفقت في الطريق كائنات لولا وقاية الله والرجوع إلى الحزم والنجدة ما عادوا، فلله الحمد رب الإحسان، ووصل القاضي إلى شهارة، فلقاه الإمام - عليه السلام-(2) الطبول، وعظمه كثيراً، ثم لم يزل في الحضرة أو في منزله بشبام لمهمات لا يقوم بها غيره، وقد صنف رسالة مشتملة على أحوال هذه الرحلة، وفيها عجائب وغرائب(3)، ومن أعجب ما أكتبه هنا ما أخبرني به أن في إقليم الحبشة سحائب تمطر
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): عليه الصلاة والسلام.
(3) تسمى (حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر) من نسخة برقم 70 تاريخ غربية وأخرى ضمن مجموع 216 غربية باسم الروضة الندية في تحقيق الرحلة الحبشية) وقد طبع في ألمانيا ثم أعيد طبعه في مصر سنة 1958م و سنة 1972م ومنه نسخة خطية في مكتبة السيد العلامة محمد بن محمد الكبسي.
النار، وليس لها وبل غير النار، فيقع على البلد فيهلكه وسحائبها معروفة، وهي لا تزال على ذلك، ولا يستغرب أهل الحبشة أمرها، ومن شعره أيام إقامته هنالك:
على كل سعي في الصلاح ثواب ... وكل اجتهاد في الرشاد صواب
وليس على الإنسان إدراك غاية ... ودون مداها للعيون(1) حجاب
ولو علم الساعون غاية أمرهم ... لما كان شخص بالشرور يصاب
فقل لأمير المؤمنين لقد دعا ... وحق له بعد الدعاء يجاب
ولكن دعا قوماً يظنون أنهم ... رموا غرضاً في دينهم فأصابوا
تراءى لهم لمع فهم يحسبونه ... شراباً فأضحى ذاك وهو سراب
يقولون إن الله جل جلاله ... هو الروح عيسى إن ذا لعجاب
وحيناً وقالوا بالأقانيم فرية ... فيحصرها ضبط لهم وحساب
وقالوا هي الرب الثلاثة كلها ... بذلك أفتت فرقة وأجابوا
/8/ولكن يقولون الثلاثة واحد ... وهن لتكميل الإله نصاب
وهذا ضلال بَيّنٌ وجهالة ... تفطَّر منه الصم وهي صلاب
عذيري من دين خسيس مآله ... نكال وخزي دائم وعذاب
لقد ضاق ذرعي لاحتباسي بأرضهم ... وكدَّر مني مطعم وشراب
وحبَّب أوطاني إلي بأن لي ... بها جيرة طاب الزمان وطابوا
وللعدل والتوحيد منها مسارح ... وربع مُنيفٌ شامخ وجناب
فهل لي إلى تلك المنازل عودة ... وهل لي إليها مرجع ومآب
وهل أَرِدنّ للشرع مورده الذي ... تدل عليه سنةٌ وكتاب
وهل أسمعن؟ صوت المنادي بجمعة ... ينادي بأعلى صوته فيجاب
وهل أنظر الدار التي ضربت لها ... مدارس علم حولها وقباب
فإن لم يكن يا دهر عتباً فطالما ... عتبت فلم ينفع لديك عتاب
ولكنني أقفو مقالة شاعر ... فللقول حكم بالغ ولباب
إلى الله أشكو أنني في منازل ... تحكم في آسادهن كلاب
تمر الليالي ليس للنفع موضع ... لدي ولا للمعتفين جناب
أرى الكفر مقشوع القناع وأهله ... يظنونه خيراً فخاب وخابوا
فشمر أمير المؤمنين لحربهم ... فهم نقد(2) البيدا وأنت عقاب
__________
(1) في (ب): للعيوب.
(2) في (أ): بعد.
وأنت سليل القاسم القائم الذي ... رمت شهبه أهل الضلال فغابوا
إذا طلعت منهم طلائع مارد ... تلقاه من تلك الرجوم شهاب
وناد بني المنصور من آل قاسم ... تجدهم ليوث الحرب ليس تَهابُ
وقل يا بني الهادي أجيبوا إمامكم ... يجبك شيوخ منهم وشبابُ
يفادون بالأرواح دون إمامهم ... ويصدق طعن منهم وضراب
وناد بأبناء المكرم حمزة ... يجبك سيوف منهم وحراب
إذا صبح الأعداء منهم سرية ... تصب منهم جيشاً وليس تصاب
ولا تنس أشراف القواسم إنهم ... أسود لديها صولة ووثاب
هم السم للأعدا يرون قتالهم ... يسيراً وإن قالوا الحروب صعاب
وناد بني الحور الكرام بأسرهم ... لتجلب خيل منهم وركاب
هم القوم كل القوم يا أم مالك ... على الحرب شب الأصغرون وشابوا
/9/ ومن كان من آل الحسين فإنهم ... هم الغلب يوماً كان فيه غلاب
أولئك أبناء الشهيد الذي به ... أصبنا وكم غم القلوب مصاب
ومن بعد هذا ناد من كان يقتدي ... بزيد إماماً حبذاك صحاب
فهم نعم أشياعٍ لآل محمد ... ونعم رجال النائبات حساب
إذا أقبلت يوماً طوائف جمعهم ... يضيق لهم عن سبطهن رحاب
فحسبك بعد الله من قد ذكرته ... ويمطر بالنصر العزيز سحاب
ولا تسمعن قول العذول فربما ... يشير بقول بالخمول يشاب
يقول بلاد الكافرين بعيدة ... وقد حال من دون البعيد عباب
وكل مشير لا يرى غير ظنه ... وليس على ما يقتضيه يعاب
ورأي الذي قد شاهد الحال راجح ... على رأي من لم يشهدوه وغابوا
ولله علم سابق في أمورنا ... فما كان فيه ليس عنه ذهاب
فيا رب وفقنا وأيد إمامنا ... فأنت لكل في الأمور مثاب
وصل على المختار والآل ما جرى ... على كل حال في الزمان خطاب
وأصحابه الغر الذين مشوا على ... مناهجه فيما يدين وجابوا
وله - رحمه الله - أيام إقامته:
من لقلب ولطرف ما هجعٍ ... ولصب لم يزل حلف الوجعْ
ولمحزون نأى عن داره ... وعن الأحباب كيف المرتجع
كل يوم وله من همه ... ما أطار النوم عنه ووزع
وأشاب الرأس من أهواله ... وتجلّى بالجلا بعد الضلع
أنكرت عينيّ ما تألفه ... وتجافى الجنب طيب المضطجع
ولقد زاد فؤادي وصباً ... ما رأت عيناي من أهل البدع
صرت في أرض قليل خيرها ... وكثير الشر فيها يصطنع
أهلها صنفان أما فرقة ... فنفت خالقها فيما صنع
جعلت رباً نبياً مرسلاً ... جاء بالصدق وبالحق صدع
ثلَّثوه وهو رب واحد ... جل عن ذلك ربي وارتفع
لم يلد كلا ولم يولد ولا ... شاركه(1) [من] أحد فيما ابتدع
إن رباً صلبوه عنوة ... بيد الأعداء ما فيه طمع
/10/ كيف يرجى بعد هذا نفعه ... وهو لما احتاج ما قط نفع
قهروه وهو رب قاهر ... بطل الوصف بهذا واندفع
قد زعمتم ذاك فيما بينكم ... كيف رب ظلموه ما منع
وجهلتم أن ربي صانه ... وإلى السبع السموات طلع
جاءكم عيسى بقولٍ بيّنٍ ... سمع البعض وبعض ما استمع
إنه عبدٌ نبيٌّ مرسلٌ ... دينه التوحيد لكن لم يطع
إن ديناً هذه أحكامه ... ضيق ليس به من متسع
يفضح الإنسان إن دان به ... ويريه الخزي في يوم الفزع
ورأينا فرقةً ظالمة ... تركب الفحش وتأتي بالقذع
تدعي الإسلام لكن ما درت ... شارع الإسلام ما كان شرع
ينظر المنكر في ساحاتهم ... وعليه الناس جمعاً وجمع
لا ترى لله منهم طاعة ... سيما الاثنين وايام الجمع
رب مشغول بأسباب الهوى ... يَتبع اللهو تراه يتبع
عشق الخمرة لا يثنيه عن ... حبها لاح ولا عنه نزع
أبداً لا ترتجى توبته ... وإذا استرجع فيها ما رجع
وإذا بصَّرته سبل الهدى ... فبعينيه عن الرشد لمع(2)
قلبه الأغلف في حيرته ... ختم الله عليه وطبع
آمنوا بالجبت من طاغوتهم ... فهو في فصل الشجار المنتجع
ما لقول الله أو قول النبي ... أبداً عندهم من مستمع
آه من حزن لدين المصطفى ... قد رأيناه على صلع ربع
فلعل الله أن يرفعه ... ويرى الكفر يقيناً قد خضع
__________
(1) العجز غير موزون إلاَّ إذا سُكّنت الهاء.
(2) لمع: لَمَع بالشيء: ذهب. (القاموس المحيط، ص 703).
ويديل الحق من أعدائه ... وضليع الكفر يضحي قد ضلع
بيد القائم نجل المصطفى ... خير من صام وصلى وركع
كم جموعِ للخنا شتتها ... وشتات في رضا الله جمع
يا بني المنصور أنتم عصبة ... أسد حرب ليس يثنيها الجزع
فانصروا الداعي منكم واذكروا ... حرب بدر ثم ردوه جذع
/11/ فالذي قام بها والدكم ... وجبال الكفر فيها قد صدع
والفتى إن يتَّبع والده ... فهو شيء لم يكن بالمبتدع
جاهدوا الكفار في الله فقد ... شمت برق النصر عن ذاك لمع
طهروا بيعتهم عن رجسهم ... فعسى تطهر هاتيك البيع
أنتم السادات من كل الورى ... ورؤوس الناس والناس تبع
أنتم كالشهب مثلاً قاله ... جدكم والشيعة أمثال القزع؟
قل لمن فاخر آل المصطفى ... هل محل النجم يرقى يا لكع؟
فهم حراس دين المصطفى ... وبهم من عاند الشرع انقمع
وصلاة الله مني ما سرى(1) ... في الدجى برق وما الطير سجع
تبلغ المختار عني دائماً ... وعلى عترته أهل الورع
وعلى أصحابه أهل الهدى ... ما ارتدى الجو بسحب والتفع
وكانت له - رحمه الله - القصائد الغر الإخوانيات والحكميات، وطالما راسلنا(2) بالشعر، وله في الرؤيا ما يشهد أنه من نوع النبوءة (والحكم)(3)، ولما انتقل إلى جوار الله في ذي الحجة عام واحدٍ وسبعين وألف سنة، كان يقول عند النزع: بل الرفيق الأعلى. ورأيت له من الرؤيا الصالحة أشياء كثيرة حضرني ما أخبرني به السيد العالم محمد بن عبد الله القطابري اليحيوي - أبقاه الله -.
__________
(1) في (ب): شرى.
(2) في (أ): أرسلنا.
(3) ساقط من (ب).
قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأمرني أن أكتب كتاباً إلى القاضي الحسن (بن أحمد)(1) الحيمي، كأنه أيام موته، فقال: اكتب إلى ولدي الحسن بن أحمد الحيمي، هكذا رواه. وعمر عليه ولده العلامة بدر الدين محمد بن الحسن بن أحمد الحيمي مشهداً رغبة في الطاعة حول أبيه، والولد المذكور العلامة(2) من عيون الوقت في علمه وأدبه(3) وفصاحته، وله أخوان نجيبان إن شاء الله، ورثى القاضي المذكور فُضلاَء، وقلت قصيدة لترثيته - رحمه الله - بل قصائد، ولكني أستحسن هنا ما كتبته عقيب موته واعظاً لنفسي لمكان خصوصته - رحمه الله - فهو مثير القريحة لهذه الكلمة المكلومة:
رويدكما فالعتب ضر فؤادي ... كفى ما ألاقي من عنا وسهادِ
إذا السحب شنت ماءها شن مدمعي ... أروّي كما رَوَّتْ فلا وبوادي
أنوح كما ناح الحمام لشجوه ... كلانا معنَّى بالغرام وصادي
ولكنها تبكي على الدوح إلفها ... من الورق(4) إذ كن الجميع شواد
يغنين فوق الأثل والأثل مائل(5) ... له من مغاني الساجعات تهاد
ليبكي لها من كان في الشجو مثلها ... وكل شجي للشجي ينادي
ومن طبع أرباب القلوب بكاؤهم ... إذا سمعوا بين الخمائل شادِ /12/
وإن عبرت ريح النسيم ترنحوا ... وباحوا بأسرار فهن بوادِ
وما أنا إلا واحد في عدادهم ... علقت بهم من بعد بُعد مهادي
ولكن لهم شجوٌ ولي غير شجوهم ... ويجمعنا أنا الجميع صواد
فإن(6) دموع العين مني ومنهم ... جواد جرى في الخد إثر جواد
ولكنني لم أبك من فقد لَعْلَعٍ ... ولا هاج قلبي ذكر عهد سعاد
ولكن تذكرت القلوب(7) فأفلقت ... فؤادي وعوَّضت الكرى بسهادي
مضى العمر مني والشبيبة أعرضت ... وغير صبغ الشيب صبغ فؤادي(8)
__________
(1) ساقط من (ب).
(2) في (ب): والوالد العلامة المذكور.
(3) في (ب): وآدابه.
(4) الورْق: جمع ورقاء، وهي اليمامة.
(5) في (أ): والأثل دونه.
(6) في (ب): وأن.
(7) في (ب): الذنوب.
(8) في (ب): سوادي.