قلت: علي المذكور في الشعر علي بن حراج الشاكري، والذويب أظنه هو الماذون كما سبق، وفي عبارة السيد صارم الدين أن الذويب وعلي بن حراج وأحمد بن عبد الله هم المذكورون في هذا البيت، وهذا أصرح شيء مما هو عليه ولا سيما من هذه الطريق، وأمَّا عداوته للإمام ونكثه وبغيه فأمر لا يخرجه عن الانتماء إلى غير الباطنيَّة، فكثير من الزيدية المائلين إلى الرِّئاسة قد فعل، وأضله الله على علم، ومن شعر السلطان في الإمام قوله:
رأيت إماماً لم ير الناس مثله ... أبرّ وأوفى للطَّريد المشَّردِ
عفا ووفى حتى كأني عنده ... أخ أو حميم لستُ عنه بمبعدِ
ومما قاله أخوه أسعد:
ملكت فاسجح منعماً يا بن فاطمٍ ... وشيَّد مباني هاشمٍ ذي المكارمِ
إلى قوله:
فإن كنتَ قد بلغت عني مقالةً ... فقد تبت يا مولاي توبة نادمِ
وكان السلطان المذكور مع ما وصفناه من معارفه له معرفة بالطب والنجوم/293/ وغيرها، وله أشعار وأخبار، ولم أنقل له(1) إلا مستغرباً لزيديته، وفي أولاده من يتظهر بالتزيد والمحبَّة كعلي بن سعد بن علي بن حاتم، كان محباً مخلصاً، وعلي بن حاتم المذكور الذي استعان به الإمام أحمد بن سليمان جليل القدر، وكانت صنعاء بيده بعد أبيه، فلمَّا خرج سيف الإسلام تحصَّن بأهله بذي (مرمر)، وأمَّا محمد بن حاتم العالم الشاعر فهو مصنف كتاب (الصريح)، وعقبه على ما يقال قضاة غولة (سعوان)، وقد يلتبس السلطان حاتم بحاتم بن الغشم، وحاتم بن القبيب بجوامع جمعتهم توجب اللبس، فبنو القبيب نسبهم يلتقي بحاتم بن أحمد في الغوث بن الغز لأنهم بنو القبيب بن سعد بن الغوث، وأما بنو الغشم فهم من آل عبيد بن أوام بن حجور بن أسلم بن عليان بن زيد بن غريب بن جشم بن حاشد، هذا ما وضح لي من نسبهم، وقد نسبهم بعض السَّادة من آل الوزير جميعاً إلى الحجازيين القادمين لقصر الصليحي وهو مشهور، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): ولم أنقل إلا مستغرباً.

حاتم بن الغشم(1)[…ـ 505 ه‍ ]
/294/ حاتم بن الغشم اتفق له قضيَّة مع أبي السعود الأبهري، وفيها دلالة على كمال حاتم، وذلك أنه لما عقل ملوك همدان سباء بن أحمد بن المظفر الصليحي، وزريع بن العباس اليامي، والمفضل بن أبي البركات الحميري، والحرَّة الصليحيَّة عن صنعاء لسبب غزوهم لأبين ولحج تحدَّث بنو شهاب لغزو صنعاء لقلَّة من فيها، فاتفق حضور أبي السعود، فقال: يا مَوالي، هذا غير صواب؛ لأن صنعاء لا تفتح بالهوينا، وفيها حاتم بن الغشم، وأنتم غير مستبقين للمظفر، فإذا غلبتم قصدتم إلى بلادكم، وكانت الذلة، فسمعوا مشورته، ولم يكن لأبي السعود غرض غير النصح المحض لقومه، فبلغ حاتماً ذلك واتفق دخول أبي السعود صنعاء لبعض حوائجه، فلم يشعر إلا برسولٍ حاتم، ففزع فأمَّنه، ثم دخل إليه فتلقاه إلى الحجرة من داره بالترحيب والتكريم، وقال: أهلاً بك يا أبا حسَّان ثم أمره بالجلوس في موضع كرامَة من المجلس، ولم يدر أبو السعود ما السبب؟
وقيل: إنه أحضر طعاماً للإكرام، واعتذر أبو السعود عنه، ثم إن حاتماً أمر خادمه سعيد بن نصرة فأتى بدفترٍ تسميَه كتاب الحسنات والسيئات، فعلم منه على موضع من باب الحسنات، ثم ناوَله أبا السعود، وإذا فيه أبو السعود بن أبي ثور رجل من الشيعة حضر مشورة بني شهاب فقال: كذا وكذا، وإذا هو قد أثبت جميع كلام أبي السعود، ثم أمر له بمائة دينار وجبة وقميص وثوب وعمامة، فلم يقبل لكنه سأله أن يسهل له الحجاب.
الحارث بن سعيد بن حمدان(2) [320ـ 357 ه‍ ]
__________
(1) الأعلام 2/152.
(2) الأعلام 2/155 وانظر بقية مصادر الترجمة فيه.

الأمير الهمام المتفق على جلالته، خاتمة الملوك الشعراء ولي آل محمد أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان - رحمه الله - من بيت أناف شرفه، وأشرقت على النيرات غرفه، جمعوا كل فضلٍ، وحازوا كل خصل، ألسنتهم للفصاحة، ووجوههم للصباحة، وأكفهم للسماحة، وكان أبو فراس في سماء معاليهم بدراً، وفي محافلهم الزاهرة صدراً، عدَّه في الزيدية، وعدّ أهل بيته الإمام المنصور بالله في كتابه الشافي، وغير الإمام أيضاً من علماء العراق.

قال الثعالبي في حقه: كان فرد دهره، شمس(1) عصره أدباً وفضلاً، وكرماً ونبلاً، ومجداً وبلاغة وفراعة،(2) وفروسيَّة وشجاعة ، وشعره سائر مشهور بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزّة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز، وأبي فراس يُعَدُّ أشعر منه عند أهل الصنعة ونقَدة الكلام، وكان الصاحب يقول: بُدِئ الشعر بملك - يعني امرئَ القيس - وختم بملك - يعني أبا فراس - وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه، ولا(3) ينبري لمباراته، ولا يجتري على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان /295/ مهيباً له وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً، وكان سيف الدَّولة معجباً جداً بمحاسن أبي فراس وتميزه بالإكرام على سائر قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده، ويجمع بين آدابي السيف والقلم في خدمته، حكى ابن خالويه قال: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج كتاباً صدره: كتابي أطال الله بقاء مولانا من المنزل، وقد وردته ورود العالم(4) الغانم، مثقل الظهر وقراً وشكراً، فاستحسن سيف الدولة بلاغته، ووصف براعته، وبلغ أبا فراس ذلك فكتب إليه:
هل للفصاحة والسما ... حة والعلا عني محيد
إذ(5) أنت سيدي الذي ... ربيتني فإني(6) سعيد
في كل يومٍ استفيـ ... ـد من العلا(7) واستزيد
وكتب إليه يعاتبه:
قد كنت عدَّتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملَّته ... والمرء يشرق بالزلال الباردِ
__________
(1) في (ب): وشمس.
(2) في (ب): وبراعة.
(3) في (ب): فلا ينبري.
(4) في (ب): السالم الغانم.
(5) في (ب): إن أنت.
(6) لعلها: فأنا ليستقيم الوزن.
(7) لعلها: العلاء، ليستقيم الوزن.

وعزم سيف الدَّولة على الغزو واستخلاف أبي فراس(1)، فكتب إليه قصيدة منها:
قالوا: المسير فهزَّ الرمح عامله ... وارتاح في جفنه الصمصامة الخذمُ
حقاً لقد ساءنا قول أمرٌ ذكرت له ... لولا(2) فراقك لم يوجد له ألَمُ
لا تشغلن بأمر الشام تحرسه ... إن الشام على من حلَّه حرمُ
وإن للثغر سوراً من مهابته ... صخوره من أعادي أهله القممُ
لا يحرمني سيف الدين صحبته ... فهي الحياة التي تحيا بها النسمُ
وما اعترضت عليه في أوامره ... لكن سألت ومن عاداته نعمُ
أقول لله در هذه العبارة، ولقد علم اللبيب كيف يقول في هذا المقام العظيم وكتب إليه يستعطفه:
إن لم تجاف عن الذنو ... ب وجدتها فينا كثيرة
لكن عادتك الجميـ ... ـلة أن تغض على بصيرة
ومن شعره في الإخوانيات:
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاَّني ... ليست مؤاخذة الإخوان من شاني
إذا خليلي لم تكثر إساءتُه ... فأين موقع إحساني وغفراني
يجنى عليَّ وأحنو دائماً أبداً ... لا شيء أحسن من حانٍ على جاني
وقال: /296/:
ما صاحبي إلاَّ الذي من بشرهِ ... عنوانه في وجهه ولسانهِ
كم صاحبٍ لم أعنَ عن إنصافهِ ... في عشرة وعنيت عن إحسانهِ
ومن شعره في التشبيه:
كأنما الماء عليه الجسرُ ... درج بياض خط فيه سطرُ
كأننا لما تهيا الغيرُ ... أسرَة موسى حين شق البحرُ
وجلس يوماً في البستان البديع والماء يندرج في البرك، فقال في وصفه - وكل واصفٍ فإنما يشبه الموصوف بما هو من جنس صناعته - وبما تكثر رؤيته له-:
انظر إلى زهر الربيع ... والماء في برك البريع(3)
وإذا الرياح جرت عليـ ... ـه في الذهاب وفي الرجوع
نثرت على بيض الصفا ... ئح بيننا حلق الدروع
وله في الحكمة:
غَنا النفس لمن يعقل ... خير من غِنا المالِ
وفضل الناس في الأنفس ... ليس الفضل في الحال
وقال:
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يُوارَى جسمه في رمسه
__________
(1) في (ب): على الشام.
(2) في (أ): لولى.
(3) ساقط من (أ).

فمؤجل يلقَى الردى في أهله ... ومعجَّل يلقَى الردى في نفسه
وقال:
أنفقْ من الصبرِ الجميلِ فإنه ... لم يخشَ فقراً منفقٌ من صبرهِ
والمرءُ ليس ببالغٍ في أرضهِ ... كالصقر ليس بصائدٍ في وكرهِ
وقال:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
ومن دقائقه - لله دره -:
قمر دون حسنه الأقمارُ ... وكثيب من النقا يستعارُ
وغزال فيه نفار وما ينـ ... ـكر من شيمة الصباء النفارُ
ومن رومياته وهي قصائد ومقاطع من غرره - رحمه الله تعالى - لمَّا أسرته الروم في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم في فخذه، فمن ذلك قوله:
فلا تصفنَّ الحرب عندي فإنها ... طعاميَ مذ بعت الصبا وشرابي
وقد عرفَتْ وقع المسامير مهجتي ... وشقق عن زرق فضول إهابي
ولججت في حلو الزمان ومُرِّه ... وأنفقت من عمري بغير حسابِ
/297/ وله القصيدة الميميَّة الدالَّة على وده الصادق لآل محمد - عليهم السلام - وذلك جواب على ابن سكرة العبَّاسي لمَّا فخر بقصيدته السينية المهملة التي أجاب عنها السيد الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - قالوا: إن أبا فراس خالفه في الروي استحقاراً له:
الدين محترمٌ(1) والحق مهتضمُ ... وفيء آل رسول الله مُقْتَسَمُ
والناس عندك لاناس فتحفظهم ... سوى الرعاء (ولا شاء) ولا نعمُ
إني أبيت قليل النوم أرَّقني ... قلب تخالج فيه الهم والهممُ
وعزمة لا ينام الليل صاحبها ... إلا على ظفر في طيِّه كرمُ
يُصان مهري لأمرٍ لا أبوح به ... والدرع والرمح والصمصامة الخذمُ
وكل مائرة(2) الصبغين مسرجها ... ريب(3) الجريرة (والخذارف) (4) والقدم(5)
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا ... يوماً ورأيهم رأي إذا اعتزموا
يا للرجال أما لله منتصرٌ ... من الطغام ولا للدين منتقمُ
__________
(1) لعله: مخترم.
(2) مائرة الصبغين: لم أجدها في القاموس.
(3) في (ب): ريث.
(4) الخذراف: نبات رِبْعي إذا أحسن بالصيف يبس.
(5) في (ب): والقمم.

بنو عليٍّ رعايا في ديارهمُ ... والأمرُ يملكه النسوان والخدمُ
محلؤون(1) فأصفا وردهم كدر ... عند الورود وأوفى وردهم لممُ
في الأرض إلا على أملاكها سعة ... والمال إلا على أربابه ديمُ
وما البعيد بها إلا الذي ظلموا ... وما الغني بها إلا الذي حرموا
للمتقين من الدنيا عواقبها ... وإن تعجَّل منها الظالم الأثمُ
لا يُطغين بني العباس ملكهمُ ... بنو عليٍّ مواليهم وإن رغموا
وتفخرون عليهم لا أباً لكم ... حتى كأن رسول الله جدكمُ
وما توازن يوماً بينكم شرفٌ ... ولا تساوَتْ بكم في موطنٍ قدمُ
ولا لوالدكم مسعاة والدهم ... ولا ينيلكم(2) من أمهم أمم
قام النبيء بها يوم الغدير لهم ... والله يشهد والأملاك (والأجمُ(3))
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها ... قامت تنازعها الرويان(4) والرخمُ
وصُيرت بعده شورى كأنهم ... لا يعقلون وُلاة الدين أين همُ
تالله ما جهل الأقوام موضعها ... لكنَّهم كتموا وجه الذي علموا
ثم ادَّعاها بنو العبَّاس إرثهم ... وليس فيها لهم قدمٌ ولا قدمُ(5)
لا يذكرون إذا ما عُصْبَة ذكرت ... ولا يُحَكَّم في مالٍ لهم حكم
/298/
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه ... أهلاً لما طلبوا منها وما زعموا
فهل همُ يدَّعوها غير واجبةٍ ... أم هل أئمَّتهم في أخذها ظلموا
أمَّا عليّ فقد أدنى قرابتكم ... عند الولاية لولا تكفر النعمُ
أيُنكر الحبر عبدُ الله نعمته ... أبوكم أم عبيد الله أم قثمُ
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن ... آباهم(6) العلم الهادي وأمَّهمُ
لا بيعة ردعتكم عن دمائهمُ ... ولا يمين ولا قرب ولا ذممُ
هلاَّ صفحتم عن الأسرى بلا سببٍ ... للصافحين ببدر عن أسيركمُ
__________
(1) في (ب): مخلأون.
(2) في (ب): ولا نتيلتكم.
(3) الأَجْم: بالفتح: كل بيت مربع مسطح. (المرجع السابق ص 992).
(4) في (ب): الزويان.
(5) في حاشية (ب): ومالهم قدم فيها ولا قدم.
(6) لعل الصواب أبوهم.

هلاَّ كففتم عن الديباج ألسنكم ... وعن بنات رسول الله شتمكمُ
ما نزهت في رسول الله مهجته ... من السياط فهلاَّ نُزّه الْحَرمُ
كم غدرة لكمُ في الدين فاضحة ... وكم دم لرسول الله عندكمُ
أأنتم آلَه فيما ترون وفي ... أيديكم من بنيه الطاهرين دمُ
هيهات لا قُرّبتْ قربى ولا رحم ... يوماً إذا أقضت الأخلاق والشيمُ
كانت مودَّة سلمانٍ له رحماً ... ولم يكن بين نوح وابنه رحمُ
ما نال منهم بنو حربٍ وإن عظمتْ ... تلك الجرائم إلا دون نيلكمُ(1)
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت ... عن ابن فاطمة الأقوال والتهمُ
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته ... وأبصروا بعض يوم رشدهم وعمُوا
عصابة شقيت من بعدما سعدت ... ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا
يا بئس ما لقيت منهم وإن بليت ... بجانب الطف تلك الأعظم الرممُ
لا عن أبي مسلمٍ في نصحه صفحوا ... ولا الهبيري يحيى الحلف والقسمُ
ولا الأمان لأزد الموصل اعتمدوا ... فيه الوفاء ولا عن عمهم حلموا
أبلغ لديك بني العباس مالكة ... لا يدَّعي(2) ملكها أملاكها العجمُ
إن المنابر(3) أضحت في منابركم ... وغيركم آمنٌ فيهن محتكمُ
وهل يزيدكم من مفخرٍ علم ... وفي الخلاف عليكم يخفق العلمُ
خلوا الفخار لعلاَّمين إن سئلوا ... يوم الفخار وعمَّالين إن علموا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ... ولا يضيعون حق الله إن حكموا
ولا ببيت لهم خنثى ينادمهم ... ولا يرى لهم قرد له حشمُ
ما في بيوتهم للخمر معتصرٌ ... ولا ديارهم للسوء معتصمُ
/299/
فالركن والبيت والأستار تعرفهم ... وزمزمٌ والصفا والحجرُ والحرمُ
تنشأ التلاوة من أبياتهم حقباً ... ومن بيوتكم الأوتارُ والنغمُ
منكم عليَّة أم منهم وكان لكم ... شيخ المغنِّين إبراهيم أم لهمُ
__________
(1) سقط بيت من (أ)، وهو في (ب):
يا جاهداً في مساوئهم تكتمها غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
(2) في (ب): لا تدعي.
(3) في (ب): أي المفاخر.

إذا تلوا آيةً غنَّى أمامكم ... قف بالطلول التي لم يعفها القدمُ(1)
/300/ حاشد بن……(2) [ - ]
الفقيه العلامة حاشد بن ……، كان فقيهاً نحوياً مطلعاً فصيحاً من أدباء وقته، وله رسائل وآداب، وكان يسكن وقش المحروس، ومن غريب ما روي عنه المقامة المشهورة إلى الإمام محمد بن المطهر.
حكي أنه كان الإمام المطهر بن يحيى وولده محمد بن المطهر وصلا إلى وقش فدخل الإمام محمد بن المطهر مسجد الشمس - وكان يدعى يومئذ بالأمير عز الدين يريد الطهور - وترك في المسجد شملة صعدية، وفوطة حجية، كانتا عليه، فدخل القاضي حاشد المسجد المذكور، فأعجباه(3) فأنشأ في الوقت مقامة على لسان حالهما يريد الاستحصاء لهما. قال القاضي حاشد: كتبته في قرطاس وتركته عليهما، فلما فرغ الإمام - عليه السلام - من صلاته أعطانيهما ومائة دينار، واعتذر لقلة العطية، فقال: حدث بعض أهل الحضرة، قال: دعاني ولعي بالأسفار، إلى مداومة الأسفار وشجعني طمعي في نيل الأخطار إلى اعتساف ركوب الأخطار، فنهضت من مسقط رأسي، ومقرَّة ربوتي وكناسي، إلى أن أقصد بلداً أسلِّي بها نفسي، وأفرق بين غدي وأمسي، فبينا أنا أسير، وأنا في كهف الهمِّ أسير، إذ هجم السير إلى بلدة قديمة التأسيس، كثيرة الأنيس، قليلة الحسيس، رياضها مخضرَّة، وأزهارها مفترَّة، نسيمها عليل، وأنهارها تسيل:
بلد به ما تشتهي وتريدهُ ... مهج النفوس وما تلذ الأعينُ
الليل فيها مشرق والمزن فيها مغدق والطير فيها معلنُ
__________
(1) قال في (ب): إلى هنا انتهت القصيدة بعد المقابلة إلا أن في بعض أبياتها تقديم وتأخير.
(2) بياض في (أ) و (ب).
(3) لعلها: فأعجبتاه.

فلما علقت بها ركابي، وتعلقتْ بمحبتها أسبابي، تقت إلى أن أحضر بها صلاة الجماعة، وأبدأ بتأدية الفرض في تلك الساعة، فدخلت المسجد محالفاً للخشوع، وراوحتُ منها ما بين السجود والركوع، وحين قضيت المفروض والمسنون، وجنحت من الحركة إلى السكون، نظرت إلى شملةٍ صعديَّة، وفوطة حجيَّة قد برزا للنضال، ومراجعة القيل والقال.
فقالت الشملة: ما أدق غزلي، وألذ وصلي، وأزكى أصلي، وهيهات أن تكون الفوطة مثلي؛ نسجت في علاف، وغسلت بالصَّابون الصاف، وتداولتني أيدي الأشراف، وجُعلت للتجمل فوق اللحاف.
فإذا التحفت فإنني ... لجلالتي فوق الفوطْ
أنا (والسقلاط(1)) المفـ ... ـصل للإمارة في نمطْ
من قال يفضلني الحريـ ... ـر فقد تكلم بالغلطْ
ثم سكتت. فلما سمعت الفوطة فخرها، وأنها تعدَّت طورها جرى دمعها /301/ من التبرم رذاذاً، وقالت: يا ليتني متُّ قبل هذا، أزعمت يا دليلة الحُرافُ ورديَّة الأوصاف، أن تردي بحري،(2) وأن تشركيني في أمري، وأنا من القطن النفيس، والمحمول في الأعنَّة على ظهور العيس(3)، غزلتني البنات الأبكار، ونسجتني أكف الأعمار، فريحي أرج، ومنظري بهج، وقدي غنج وصدر(4) من عدمني حرج، ولهت بمحبتي القلوب، ونسجت في قرية الذنوب، وتنزهت عن درن العيوب، ومن ألقاني عين الدرة، أجهلت هذا أيتها الغرَّة.
فتجهَّزي في خدمتي ... واستغفري عمَّا فَرَطْ
فلقد كذبْتِ وما صدقـ ... ـت وفهْتِ عمداً بالشططْ
وخلطت قولك بالمحا ... ل ولسْتِ أوَّلَ من خَلَطْ
واستخبري عني وعنـ ... ـك وسائلي أهل الشرطْ
__________
(1) السِّقِلاَّط: بكسر السين والجيم: الياسمين، وشيء من صوف تلقيه المرأة على هودجها أو ثياب كتان مُوَشِيَّة، وكأن وَشْيه خاتم. (المرجع السابق 2ص616).
(2) لعلها: بجري.
(3) العيس بالكسر: الإبل البيض يخالط بياضها شُقرة. (المرجع السابق ص518).
(4) في (ب): وبصدر.

54 / 182
ع
En
A+
A-