مساوئهم وقبح اعتقادهم، فانصرفوا، وعملوا الملاقي، وكتبوا إلى جميع أصحابهم، وتكلموا على القاضي بما ليس فيه، وهجوه، وقالوا للناس: هو باطني ابن باطني.
فقال: هلموا إلى المناظرة، فأظهر(1) ما فيكم وأظهروا ما فيَّ بين يدي حاكم، فقالوا: ومن الحاكم؟ قال: إمام الزمان، فأبوا ذلك.
فقال: هلموا نتناقش عند العامَّة، [و]ضرب لهم مثلاً فقال: مثلي ومثلكم مثل رجال عشرة، صحبهم رجل أجنبي حتَّى دخلوا منزل رجل، فأضافهم ذلك الرجل، وأكرمهم، وتركهم في منزله آمناً لهم، فوجدوا له صندوقاً فيه ألف دينار، فقام العشرة، وكسروا قفل الصندوق، واستخرجوا الألف، فأخذ كل واحد منهم مائة، وصرَّها في ثيابه، وذلك الأجنبي ينظرهم، فلمَّا جاء صاحب البيت نظر الصندوق قد كسر، وأخذ(2) منه المال، فقال لهم: إنكم قد أخذتم من الصندوق ألف دينار وقد أمنتكم /269/، فقال العشرة: أما ترضانا شهوداً لك أن هذا الرجل الأجنبي أخذها ونحن ننظر، فقال الرجل الأجنبي: أمَّا أنا فلم آخذ شيئاً، ولا(3) أقول إنهم الآخذون، ولكن فتشنا فما قام أحد منا بعده، ففتشه فلم يجد معه شيئاً وفتشهم، فوجد مع كل واحد منهم مائة. ضرب(4) لهم القاضي هذا المثل فلم يستمعوا، ولجَّوا في جهلهم وطغيانهم، ونزل إليهم إلى وقش، وأمر لكتب الأئمة التي هي معهم في وقش، وقال لهم: تدبروا(5) ما في هذه الكتب ليُعرف الذي خالفها منَّا ومنكم(6).
__________
(1) في (ب): وأظهروا.
(2) في (ب): وقد أخذ منه المال.
(3) في (ب): ولا أنا أقول.
(4) في (ب): فضرب.
(5) في (ب): تدبر.
(6) انظر مآثر الأبرار 2/771 - 772.

قال مصنف سيرة الإمام أحمد بن سليمان - عليه السلام -: فلم يسمعوا كلام القاضي جعفر بل آذوه وقام في وجهه رجلان باطنيان: يقال لأحدهما: مسلم اللحجي من أهل شظب، والآخر يقال له: يحيى بن حسين، يلقب الفقيه، فآذياه، وسبَّاه، فعاد إلى سناع ومعه جماعة من الأشراف، منهم الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى، وغيره من أعيان السَّادة الهدويين والحمزيين والقاسميين، ومن أعيان الشيعة عدَّة.
وكان للقاضي في مسجد سناع مدرسة فعارضه المطرفية بمدرسة أخرى في جانب المسجد، فقام بعض الأشراف فأطفأ سراجهم، فقاموا فأطفؤوا مصباح القاضي، ووقع بينهم كلام، وارتفع القاضي إلى منزله فرجموا بيته بالليل. وقد كان القاضي - رحمه الله - ضرب لهم مثلاً آخر، فقال: مثلهم(1) ومثلي كمثل قوم عراة في مسجد في ظلمة وأصواتهم مرتفعة بالقراءة والصلاة وهم يصلون عراة إلى غير قبلة، فدخل عليهم رجل بمصباح فوجدهم على أقبح حال عراة فأجمعوا على الذي دخل بالمصباح يلعنونه ويسبونه، فقال: ليس لي جرم غير أني دخلت بالمصباح، فقالوا: بلى إنك أظهرت شيئاً كنَّا نكتمه. وآل الكلام إلى أن الإمام - عليه السلام - بعد أن بلغه ما لقي القاضي من المطرفية قال: قد وجب علينا نصرته، فلم يزل يطوف البلاد، وهو ينهى الناس عن مذهبهم ويحذرهم منه، حتَّى أثر ذلك مع أكثر الناس، ونفروا منهم إلا القليل كما هو مذكور في سيرة الإمام - عليه السلام -.
وللقاضي جعفر مصنفات في كل فنٍّ عليها اعتماد الزيدية، وكان له قصد صالح ووجاهة، ولهذا استفاد عليه جماهير علماء الزيدية في وقته، وصاروا أئمة يضرب بعلمهم المثل حتى قيل: هم معتزلة اليمن، وقبره مشهور مزور بسناع من أعمال صنعاء(2). انتهى
__________
(1) في مآثر الأبرار مثلكم.
(2) مآثر الأبرار 2/772 - 774.

وقال في تأريخ السادة - رحمهم الله -: كان القاضي العلامة شمس الدين جعفر بن أحمد - رحمه الله تعالى - في بدء أمره يرى رأي المطرفيَّة، حتى وصل زيد بن الحسن البيهقي من خراسان، وقرأ عليه القاضي جعفر فرجع عن مذهب التطريف إلى الاختراع، وأراد المسير مع البيهقي لما عزم لتمام أخذه عنه، فمات البيهقي بتهامة قبل وصوله العراق، وتقدم القاضي جعفر إلى العراق إلى تلميذ البيهقي الكني فأخذ عنه ورجع، وكان يقال: سار وهو أعلم أهل اليمن، ورجع وهو أعلم أهل العراق، وجعل الله البركة /270/ فيه.
وأبوه أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى قاضي الإسماعيليَّة وخطيبهم وصاحب رأيهم وأخواه علي ويحيى كذلك، وقتل يحيى المذكور أصحاب بن مهدي بحصن الجمعة، وكان شاعر الإسماعيلية وفصيحهم.

قلت: ونزل القاضي جعفر إلى إب لمناظرة العمراني صاحب البيان، الحنبلي الأصول، الشافعي الفروع، ولم يجتمع به، وإنما دارت بينهما مراسلة، وجَّه القاضي كتاباً ينصحهم فيه، وقال بعض المؤرخين لليمن الأسفل: إنه اجتمع بعلي بن الفقيه عبد الله بن (يحيى)(1) بن عيسى بن أيمن بن الحسن بن خالد اليرمي - بالياء بعدها راء مهملة نسبة إلى اليرمة قرية في وادي زبيد - وهو رجل كما قال ابن سمرة: نسبه في نزار، وكان الفقيه المذكور حنبلياً رأيه ورأي صاحب البيان المعروف بالعمراني، من شافعية الفروع، وهما حنبليان يكفِّران الأشاعرة، وكانت طائفة اليمن الأسفل تكفِّر الأشاعرة، واختلف العمراني وهو يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عمران بن ربيعة بن عيسى، نسبته في عك بن عدنان، وولده طاهر المعروف بأبي الطيب، فكان يحيى يكفّر طاهراً ولده؛ لأنه أشعري، وطاهر يكفر يحيى؛ لأنه حنبلي، وكان طاهر من مذهب الأشاعرة، وقام خطيباً بذلك، ثُمَّ رجع بعد موت أبيه، فكان نزول القاضي جعفر لمناظرة يحيى بن أبي الخير، فحاص(2) ابن أبي الخير عن المجادلة، فوقف القاضي جعفر بإب على قلة من الصديق وعدم رفق، ثُمَّ أوى بعد أن بلغه تحزب الفقهاء وإرادتهم البطش كما يفعل العاجز عن الحجة، فأوى إلى الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المسكني صاحب حصن شواحط(3) بقرب الملحمة(4)، فآواه الشيخ المذكور، وعوَّل عليه في طلب القوم للمناظرة، فوصل إليه اليرمي، فأفحش على القاضي، وتسفه، وأضحك نفسه والحاضرين بحماقات لا تليق بالعلماء.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) أي فضاق.
(3) شواحط بفتح الشين المعجمة والواو وخفض الحاء ثم طاء مهملتين حصن مشهور في السحول فوق وادي الجنات (معجم المقحفي ص: 366 - 367).
(4) الملحمة: قرية بأسفل حصن شواحط، تقع في سفحه الشمالي الشرقي.. وهي في عزلة السحول بناحية المخادر وأعمال إب (المصدر السابق ص: 328).

فقال له القاضي بنصائح، ورام منه خُلِقَ العلماء، فما كفَّ. فقال الشيخ صاحب الحصن :كيف يقول هذا في مجلسك؟ فما أفاده، وأورد عليه الحنبلي قوله تعالى: ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ? (الصافات:96)، وزعم المؤرخون من أصحابه أنه لم يجر(1) جواباً، والذي روى أن هذا المجلس جملة ما اشتمل عليه التفحش من الحنبلي، وأن القاضي أرسل برسائل(2) العمراني، وهي عندنا موجودة مطوّلة، ويدلّ لهذا أن العمراني بعد هذا صنَّف كتاباً كالجواب عمَّا صدَّره القاضي إليه، واشتمل كتاب العمراني على الرد على الأشعرية والمعتزلة جميعهم.
ومن مصنفات القاضي - رحمه الله - (النكت وشرحها)(3) كتاب عجيب، وكتاب الحنابلة هذا وغيره وجملة ما وجَّهه إلى المطرفيَّة خاصة ما ذكر في كتابه (الدلائل الباهرة، في المسائل الظاهرة)(4)، وأن جملة ما وجهه إلى هذه الطائفة المطرفية الكتب ما سأذكره تشرفاً بذكره وهي: كتاب (تقويم المائل، وتعليم الجاهل)، وكتاب /271/ (قواعد التقويم)، وكتاب (أركان القواعد)، وكتاب (شهادة الإجماع)(5)، وكتاب (تعديل الشهادة)، وكتاب [الإحياء على الشهادة] (6) وكتاب (العمدة)، وكتاب في (إنجاز العدة)، وكتاب (منهاج السلامة)، وكتاب (الرافعة بالتنبيه، بشبهات التمويه)، وكتاب (تحكيم الإنصاف)، وكتاب (المسائل الكوفية)، وكتاب (الضامنة الوافية).
__________
(1) لعلها: يجد.
(2) زيادة في (ب): إلى.
(3) طبع مراراً.
(4) كتاب الدلائل الباهرة في المسائل الظاهرة (مخطوط) منه نسخة خطية في (76) ورقة ضمن مجلد رقم (647) بمكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء.
(5) ذكره الحبشي بعنوان: شهادة الإجماع على عقائد الزيدية، وذكر أن منه نسخة خطية: بمكتبة المدرسية الشمسية بذمار.
(6) ما بين المعقوفين زيادة في (ب)، قلت: وكتاب الإحياء على شهادة الإجماع منه نسخة خطية بالمدرسة الشَّمسية بذمار، ومصور بمعهد الجامعة العربية وذلك حسب مصادر الحبشي.

قال - رحمه الله - في هذا الكتاب: واتبعت هذه المصنفات البسيطة بمختصرات قريبة التناول منها: المسائل العقليَّة، ثم المسائل الإلهية، ثم المسائل النبويَّة القاسميَّة [ثم المسائل العلوية] (1)، ثم المسائل الهادويَّة، ثم المسائل المرتضاوية، ثم المسائل المهدية، ثم مسائل الهدية، ثم المسائل المسكتَة، ثم المسألة الشافية، ثم المسألة الوافية، ثم الرسالة الناصحة، ثم الرسالة الفاتحة، ثم الرسالة القاهرة، ثم الدلائل الباهرة، ثم الرسالة الجامعة، ثم المطيعة السامعة، ثم المسائل القاطعة(2)، ثم المسائل الرافعة، ثم رسالة المؤاخاة، ثم رسالة المصافاة، ثم المسألة النافعة، ثم المسائل المطرفيَّة. انتهى(3)
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
(2) المسائل القاطعة في أصول الدين (30) مسألة في الاعتقاد - خ - ضمن مجموع بمكتبة السيد المرتضى بن علي بن عبدالله الوزير بهجرة السر ببني حشيش محافظة صنعاء.
(3) ومن مؤلفات القاضي جعفر - رحمه الله -: كتاب شرح قصيدة الصاحب بن عباد في أصول الدين، وكتاب خلاصة الفوائد في علم أصول الدين أيضاً، وكتاب الأربعون الحديث وشرحها، وكتاب التقريب في أصول الفقه، وكتاب مسائل الإجماع، وكتاب النقض على صاحب المجموع المحيط فيما خالق فيه الزيدية في باب الإمامة، وكتاب نظام الفوائد، وتقريب المراد للرائد (أمالي)، وكتاب حدائق الأزهار في مستتحسنات الأجوبة والأخبار وغيرها (انظر عنها كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 279 - 282).

ومن تلامذته السيد حمزة بن سليمان والد المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وإبراهيم بن محمد بن الحسين، وعبد الله بن الحسين، والأميران الكبيران بدر الدين وشمس الدين، والسيد يحيى بن عمار السليماني، والأمير القاسم بن غانم السليماني، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ محيي الدين حميد بن أحمد القرشي، وسليمان بن ناصر، وأحمد بن مسعود والقاضي إبراهيم بن أحمد الفهمي، وسليمان بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي الرجال، والحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وأحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وعلي بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وعبد الله ومحمد ابنا حمزة بن أبي النجم، وجماعة كثيرة من أهل صنعاء. وفاة القاضي جعفر - رحمه الله - سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
جعفر بن الحسن بن الحسن(1) [ - ]
السيد الإمام الكبير جعفر بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - كان يكنَّى أبا الحسن، وكان سيِّداً فصيحاً، يُعدُّ في الخطباء من بني هاشم، وله كلام مأثور، حبسه المنصور مع إخوته، ثم تخلَّص، وتوفي بالمدينة وله سبعون سنة، ذكره الشريف ابن عنبة.
جعفر بن الحسن الشمري(2) [ - بعد سنة 470 ه‍ ]
__________
(2) جاء في (ب): أبو جعفر الشيخ العلامة أبو جعفر الزيدي الآملي - رحمه الله تعالى - هو غير صاحب الإبانة، ذكره الملا يوسف وسيأتي ذكر صاحب الإبانة فيمن اسمه محمد، وذكر في الحاشية أن هذه الترجمة محلها آخر الكتاب كما هي القاعدة إلى الكنية بعد الاسم.

الفقيه شجاع الدين جعفر بن الحسن الشمري من علماء صعدة، كان عالماً، واتفقت منه هفوة أنه خطب للصليحيين الباطنية على منبر الهادي - عليه السلام -(1)، فأنف لذلك الأمير الفاضل، فنهض بنفسه، ولم يرض بنائب غيره حتى دخل صعدة فقبض على الشمري المذكور، ورجع به إلى شهارة، فلبث في سجنها إلى سنة سبعين وأربعمائة، وبقي محبوساً قدر ست سنين إلا شهرين، فتفادَى نفسه بقدر ثلاثة آلاف دينار، فأخرج هو ومن معه من المحابيس، فمدح الفاضل الشعراء من الزيدية بذلك فقال شاعرهم:
قُدنا من الجبل المنيع جيادنا ... لدن الأعنة كالصخور صلادما
فمضين شعثاً كالشعار(2) قواطناً ... وسلكن شرقاً كالضباء سواهما
/272/
يتبعن أشمط هاشم وإمامها ... نجل الأئمَّة ذا المهابة قاسما
الماجدَ الورعَ التقيَّ الزاهدَ البرّ الكميّ الأريحيَّ العالما
يقصدن هجرة جده الهادي بها ... أكرم بها وبه إليها قادما
متعصباً لمَّا طغت واستعملت ... سكان صعدة رأيها المتقدما(3)
ودعا المخلع فوق منبر جدنا ... قدماً إليه المارق المتلاحما(4)
فرجعن بالأسرى وكنَّ مرادنا ... دون الغنائم والآياب غنائما(5)
جعفر بن أحمد بن جعفر [ - ]
الأمير الكبير عضد الدين جعفر بن أحمد بن جعفر بن الحسين بن القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم - عليهم السلام - أمير خطير وعلاَّمة شهير، فصيح متكلم، ومن شعره بعد قضيَّة الحشيشيين مع الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وسيأتي ذكرها - إن شاء الله تعالى-.
هنيئاً كلَّما كر الجديد ... بما أولاك ذو العرش المجيدُ
ولا زالت تصاحب كل يومٍ ... معاليك السعادةُ والسعودُ
أمير المؤمنين فداك قومٍٍ ... رضى فعالهم غدر عتيدُ
__________
(1) وذلك في 463ه (انظر مآثر الأبرار 2/722).
(2) في (ب): كالعشار.
(3) في (ب): المتقادما.
(4) الشطر هذا لفظه في مآثر الأبرار (قدنا إليه الماقط المتلاحما) والماقط: الحبل.
(5) وانظر الأبيات في مآثر الأبرار 2/722.

أراد الناكثون لك انتقاصا ... ويأبى الله إلا ما يريدُ
وصدق قول أهل الحجر فيهم ... فعال كلهم فيه مزيدُ
ملأت صدورهم خوفاً ورعباً ... فحلَّ لهم من الفرق العتيدُ
وكم للناكثين بعثت جيشاً ... تضيق به السهولة والنجودُ
فلا تغضِ على غدْرٍ لقوم ... قيامهم لذلك والقعودُ
فجيشك لا يزال له معار ... وخيلك ما يفارقها اللبودُ
وكم رامت بك الأعداء غدراً ... وفتكاً لا يحد له حدودُ
فحاق بهم وأفناهم جميعاً ... كما فنيت بأشقاها ثمودُ
وسلمك الإله ولا ظهير ... ولا حولٌ لديك ولا ودودُ
سوى ا لفذ النظام وأي كاف ... يقرُّ بفضله بيض وسودُ
وجاد بمهجةٍ كرمت وأنَّى ... بمهجته هنالك من يجودُ
وقام بكلما ترضى وتَهوى(1) ... مقاماً ماله أبداً جحودُ
فدمت مسلماً من كل سوء ... سنينا ما لأيسرها عديدُ
وأراد بالنظام العلامة نظام الدين القاسم الشاكري - رضي الله عنه - وقضية الحشيشيين مع الإمام أحمد بن الحسين، رأيت نقلها برُّمتها لغرابتها.
قال السيد الأمير يحيى بن القاسم الحمزي ما لفظه: نحن(2) نبرأ إلى الله من اختراع الكذب، ونسأله التوفيق للصدق، والسبب(3) /273/ أن أمير المؤمنين المهدي لدين الله لمَّا عظم أمره عند ملوك الأرض خاف كل منهم على ملكه، فاستغاث صاحب اليمن بخليفة بغداد، وأمعنوا في كيده بالسمومات وغيرها من أنواع المكر، فدسوا عليه الحشيشيَّة وهم فرقة من الملاحدة القرامطة المعطلة، قوم يأتون من تخوم(4) خراسان، يعرفهم أهل تلك الناحية إلى بلدٍ تعرف بالموت في نواحي الديلم، لا يسكنها إلا الباطنية المعطلة أعداء أهل الإسلام، ولهم ملك معروف يستعبدهم حتى يعتقدون وجوب طاعته في كل أمرٍ فيدسّهم على الملوك، ويأخذ بهيبتهم قطائع جليلة من الملوك.
__________
(1) في (ب): تهوى وترضى.
(2) في (ب): ونحن.
(3) في (ب) زيادة: في ذلك.
(4) في (ب): من تخوم بلاد خراسان.

قال السيد شرف الدين - أيده الله -: أخبرني من لا أتَّهم أن هؤلاء إذا أتى بهم(1) صاحب الموت أدخلهم إلى دار أعدَّها لهم، فيها أنواع الفواكه والملاذ والمآكل النفيسة الطيبة والأنهار المطردة، فيرون شيئاً لم يروه قبل، ولا يدخلون تلك إلا بعد أن يسقوا شيئاً من المسكرات تزول معه عقولهم، فلا ترجع عليهم عقولهم إلا في تلك الدار، ثم لا يخرجون عنها مدة، فإذا أراد أن يدس واحداً منهم أو جماعة أمرهم فسقوا شيئاً يزيل عقولهم، ثم يخرجون، فإذا خرجوا تركوا في أخس مكان، حتى يروا من الهوان ما تقطَّع قلوبهم معه حسرة لما كانوا عليه، ثم يدس إليهم من يسألهم عن حالهم؟ فيقولون: لا ندري كنَا في دار كذا وكذا من النعيم، ثم صرنا إلى هذه الحالة من الهوان فيقول لهم: فإني أدلكم على أمرٍ ترجعون به إلى دارٍ أعظم ممَّا رأيتم فيقولون: وكيف لنا بذلك؟ فيؤتى بهم إلى تلك الدار التي كانوا فيها، فيمتلون(2) فرحاً، ويفتح لهم باباً(3) إلى شيء ينظرونه من بعيدٍ، بينهم وبينه حجاب من زجاج، من ورائه صور ناس عليهم أنواع الملابس وحولهم من الملاذ وحلي الذهب والفضة والجواهر وتصاوير الأطيار وأشياء عظيمة يفتنون(4) بها، ويصبون إليها، ويستصغرون تلك الدار التي كانوا عجبوا بها فيقول لهم القائل: أرأيتم تلك الصورة؟ فيقولون: نعم، فيقول: ذلك فلان، كان أمره مولاه أن يقتل فلاناً الملك، فقتله وقُتل، وانتقل روحه إلى هذه الصورة ثم هو في هذه النعمة أبداً، فإن أردت تنال هذه الدرجة فامتثل أمر مولاك، فيقول: حبّاً وكرامة. فيقول: إن حدثت نفسك بالسلامة بطل أجرُك، وغضب عليك مولاك أبداً. وتنتقل إلى دار الهوان وتنتقل روحك إلى كلب أو خنزير وغير ذلك أبداً، فيقول: كلا، وربما يختبرهم سلطانهم فيشير إلى الواحد فيرمي بنفسه من شاهق أو يقتل نفسه، وهذا ما نقل إلينا من
__________
(1) في (ب): إلى صاحب الموت.
(2) في (ب): ليمتلؤون.
(3) في (ب): باب.
(4) لعلها: يفتتنون.

50 / 182
ع
En
A+
A-