القاضي الرائس حاكم المسلمين المجاهد في سبيل الله إسماعيل بن عبد الله بن أبي النجم رحمه الل،ه من البيت الذي لاح بشر مجده، وفاح نشر نده، وناهيك بقول الإمام إبراهيم بن تاج الدين سلام الله عليه، فيهم:
لآل أبي النجم الكرام مكارم ... تحل محل النيرات الثواقب
لهم عادة بذل النوال إذا سطت ... يد الدهر وانسدت وجوه المطالب
ونشر فنون العلم في كل مشهد ... إليهم له تحدى قلاص الركائب
وإخلاص دين للإله وعفة ... وفعل وقول صادق غير كاذب(1)
وكان هذا القاضي علامة صدراً مقدماً في وقته ذا مكانة في الفضائل على أنواعها وأجناسها، وله شعر كثير، من ذلك ما كتبه إلى الأمير الناصر للدين عز الدين محمد بن المتوكل على الله قصيدة منها:
أو كنت تعلم للنبي من معشر ... سلكوا سبيل الرشد للمتبصرِ
أشياعكم دون الأنام وحبذا ... أشياع والدك النبي الأطهرِ
من دوحةٍ قضوية علماء من ... أبنا ملوكٍ للورى من حميرِ
لما دعا المنصور جدك أقبلتْ ... منا إليه عصابةٌ لم تخصرِ
فحمى جوانبها وعظَّم شأنها ... وأحلَّها فوق السماك النيرِ
وكذاك والدي التقيّ وما جرى ... فيه لوالدك الغمام الممطرِ
مولى البرايا أحمد وغياثهم ... في النائبات وكل أمر يعتري
وأنا الذي عاينته وخبرته ... وبذاك يخبر غائبٌ عن حاضرِ(2)
ما إن كفرت صنيعكم وودادكم ... فاسأل به أهل البسيطة تخبرِ
تزهو المنابر من ثنائي فيكمُ ... بفرائد فاقتْ فريدَ الجوهرِ
وترى المحافل عند ذكري مدحكم ... تعلو على ضوء الهلال الأنورِ
فعلام يهضمني زنيمٌ رتبتي ... أو أن يؤخر في المقام تصدري
أو أن أعد مقصراً لما عدى(3) ... بصداي المعروف فوقَ المنكرِ
أو ان أضام وأنت ذخري والذي ... ألقى به ريب الزمان المعتري
أبذا رضيت فإنني أرضى به ... أم أسخطوك فماله من مصدرِ
يا ناصر الدين الحنيف ودافع الـ ... ـخطب الجليل وعصمة المستبصرِ
__________
(1) مآثر الأبرار 2/908.
(2) في (ب): عن حضر.
(3) لعلها: غدا.
253/ أنت المرجى في الخطوب إذا عرت ... واعتاض أبيضها بلونٍ أقترِ
والحاطم الجبار في وهج الوغا ... ومديره بالذل بعد تجبرِ
والواهب الجرد العتاق سوائماً ... والموقد النيران للمتنورِ
والكاشف الفحشاء لا فعّالها ... والباسط النعماء للمستمطرِ
إن كنت تنكر ما أقول فإنني ... أرضى التناضل في المقام الأشهرِ
ليفوز سابقه بأفضل سبقة ... ويؤخرن مقدماً بمؤخرِ
فلأنت عز الدين مولانا الذي ... ورث الخلافة عن أبيه وحيدرِ
فكفاك عاصمة(1) العلوم إذا عرت ... لا يستطاع لمنجد أو مغورِ
تنموك أبناء النبوة(2) الأوْلى ... شادوا منار الدين للمتبصرِ
كأبيك شمس الدين سيد هاشمٍ ... والناصر الملك الهمام القسوري
أو ذا المتوج من غدت أيامه ... تحدي بها حوض الركاب الضمّرِ
القائل الفعال داود الذي ... أحيا شجاعة حيدر في خيبرِ
سائل به صنعاء ثم برا شها ... وأسأل به القلاب أيَّة مخبرِ
واسأل به جيش الطغاة بصعدة ... ما ذا أنال من العذاب الأكبرِ
وقال - رحمه الله - في مقرعة لقريش: كانت له وهي في الرياض:
مجمعة آداب كل كريمة ... ومن شأنها إعطا الجموع قياده
إذا أسرعت يمنى يدي بشلها ... تناجي ضميري عندها وفؤاده
وله - رحمه الله - أبيات إلى الأمير نجم الدين محمد بن سعيد صاحب الحرم الشريف، وذلك أنه قبض على القاضي جعفر بن عبد الله صنو القاضي إسماعيل فقال:
ما بال عينك عنها(3) النوم ممنوع ... وحبل ودِّك بعد الوصل(4) مقطوعُ
وأنت تشكو أناساً كنت تمنحهم ... خلاصة الود فيما عنك مسموعُ
فقال: إن زماني السوء(5) روعني ... بحادث لم يحدثني به روعُ
سطت علينا أناس نحن شيعتهمْ ... قد طال مِنَّا لهم في الدين تشييعُ
وضيعوا حقنا في عقر دارهمُ ... وحرمة البيت هل في البيت تضييعُ
__________
(1) في (ب): غامضة العلوم.
(2) لعلها: النبوات ليستقيم الوزن.
(3) في (أ): منها.
(4) في (أ): الود.
(5) في (أ): السواء.
والظن فيما أتانا أنه خطأ ... لم يعتمد والخَطَا في الشرع مرفوعُ
وإن نجم الهدى تأسو عوارفه ... كلماً به لذوي الإسلام ترويعُ
وترأب الصدع إذ أعمارنا نفدت ... والأولون وما في العود تصديعُ
254/بل كم رأينا صدوعاً في الورى وترى ... عمودنا اليوم أضحى وهو مصدوعُ
لكنْ مكارمُ نجمِ الدينِ شاهدةٌ ... بأن في كفه الإحسانُ مجموعُ
سارتْ عوارفه في كل ناحيةٍ ... فكل ربعٍ بجودٍ منه مربوعُ
فاضتْ أياديه في الدنيا فكل يرى ... فيها ندى ما بقي سهل ولا ريعُ
وفارس الخيل يحمي المرهفات إذا ... خف الثقيل وفي الأعناق توديعُ
والخيل تبدأ مهاراً مقنعة ... من الشواني بثوب فيه تقطيعُ
حمي(1) الحجاز فلم يظفر به ملك ... وكم له نحوه حشد وتجميعُ
إلى أن قال:
أشكو إليك أبا المنصور قارعةً ... نالت أخي فكأني اليوم ملسوعُ
ولست في نقص مالٍ فهو محتقرٌ ... عندي ولكنْ لأمر فيه تشنيعُ
وإن توقيع ديوان الصغار حوى ... منا الأولى ما حواهم قبل توقيع
وكان القاضي إسماعيل بن عبد الله ممن عضد الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام - واستشهد معه، لعل ذلك يوم قضية أفق(2) الكائنة في نهار الجمعة النصف من شهر جمادى الأولى من يسنة أربع وسبعين وستمائة، وهي قضية مشهورة بين الإمام وجنود السلطان المظفر يوسف بن عمر بن رسول، وكان المتولي للحرب من قبل السلطان الشعبي وتطرقت المحنة إلى جنود الإمام من حيث كانوا يظنون النجاة والله المستعان، واستشهد القاضي إسماعيل، ورثاه الإمام بترثية طنانة:
خطب ألم فأنساني الخطوب معاً ... وصير القلب في أشغافه قطعاً(3)
وهاض مني القوى حتى غديت أخا ... عجزٍ وقد كنت للأعباءِ مضطلعا
__________
(1) لعلها: حمى.
(2) أفق: قرية في ناحية معبر جهران وأعمال آنس بالقرب من ذمار بمسافة 13 كم، وتعرف قديماً باسم أفيق (معجم المقحفي ص: 41).
(3) وانظر القصيدة في مآثر الأبرار 2/909 - 912.
فصرت أظهر صبراً إذ شعرت به ... تجمّلاً وفؤادي مضمر جزعاً
وذاك قتل شجاع الدين أحمد من ... أمسى بكل خصال الفضل قد جمعا(1)
حاز السماحة والعلياء من قدمٍ ... والحلم والعلم والإقدام والورعا
ذو همة لم تزل قعساءَ ساميةً ... لو ضمها صدر هذا الدهر ما اتسعا
وعزمة مثل حد السيف ماضية ... لو لاقت الصخر يوماً لان وانصدعا
إن عد أهل السخا فهو السخي بما ... تحوي يداه إذا ما باخلٌ منعا
أو عد أهل الهياج المشعلين لها ... فهو الذي بلبان الحرب قد رضعا
وقتل قاضي أمير المؤمنين صلا ... ح الحق من لم يزل للدين متبعاً
سمح اليدين كريم الوالدين له ... كف يفرق في العافين ما جمعا/255
من لم يزل لجميع الخلق معتصماً ... عند الخطوب وللعافين منتجعاً
الصاحب الثقة المأمون جانبه ... والحافظ الود إن دانى وإن شسعا
وقتل نجل سعيد صارمي(2) بيدي ... إذا نبى(3) السيف واستعملته قطعا
كان الهزبر إذا ما الحرب مسعرة ... ولم يكن عندها نكساً ولا ورعاً
لهفي عليهم جميعاً لو شهدتهم ... لكنت أول من نحو الحمام سعى
وإنما الكل في بحر يعوم به ... من البلاد وطير الموت قد وقعا
ولم يولوا ولا وليت منهزماً ... وكلهم ذاق من كأس الردى جرعاً
ولم أظن(4) بنفسي عن مصادمة الـ ... ـموت الزؤام ولكن القضا دفعا
بل قد رميت بها(5) في جحفلٍ لجبٍ ... وبالجواد ولم أضمر بها فزعاً
فذدتهم عن دخول الباب إذ عزموا ... على الدخول وكلٌّ منهمُ رجعا
حتى إذا جاء من خلفي ومن قبلي ... عساكر يحمل الإنصاف والقطعا
فأمسكوا الرمحح من خلفي مغادرة ... والسيف قد أمسكوه والجواد معا
وكنت في موضع مستصعبٍ حرجٍ ... لم ألق فيه لسعي الطرف متسعاً
لم يبق لي حيلة في الدفع عن أحدٍ ... منهم وأُلقيتُ فوق الأرض منصرعاً
__________
(1) وانظر القصيدة في مآثر الأبرار 2/918 - 920.
(2) لعلها: صارم، ليستقيم الوزن.
(3) لعلها: نبا.
(4) لعلها: أضن، بمعنى أبخل.
(5) في (ب): لها.
ثم انتهيت إلى سوحٍ به ملكٌ ... يحل بيتاً من العلياء مرتفعاً
فجاد بالعفو والإحسان شيمته ... وكان للخير والمعروف مصطنعا
إني أقول ونار الحزن في كبدي ... سقياً ورعياً لعهد منهم ولعا
ورحمة الله لا تفنى مكررة ... عليهم ما خفى برق وما لمعا
هذا عزائي لكل المسلمين فمن ... يبلغه عني فربي حاطه ورعاً
ثم الصلاة على المختار من مضر ... وآله السادة المحيين ما شرعا
فأجابه بعض(1) الزيدية فقال:
أهلاً بطرسٍ(2) علينا نجمه طلعا ... نظماً ونثراً بطرس واحد جمعا
من أفضل الناس من عربٍ ومن عجمٍ ... وخير داع إلى الدين الحنيف دعا
خليفة الله من أحيا لنا سنناً ... ومن أمات لدينا سعيه بدعا
مهذباً نجل تاج الدين أشرف من ... أفنى وأقنى ومن أعطى ومن منعا
الباسط الكف للعافين باذله ... إذا السحائب ضنت جاد واندفعا
كهف الطريد إمام العصر سيدنا ... أعز من بالهدى والدين قد صدعا
رثى رجالاً أصيبوا فالقلوب(3) على ... ما نالهم ذهبت من أجله قطعاً
باعوا من الله أرواحاً فأسكنهم ... في الخلد أشرفها مرأى ومستمعا
سلوا السيوف ولم يخشوا ولا وهنوا ... في حومة الموت لا هدلاً(4) ولا فزعاً
فكل عين عليهم أمطرت ديماً(5) ... وكل نفس عليهم أشربت جزعاً
مالي وللدهر لا تنفك نائبة ... منه تنوب فهلا ارتدَّ وارتدعا(6)
وفي سلامة مولانا لنا عوض ... عما مضى أن تناسى الدهر أو فزعا
وهكذا الحرب ما زال الكمي بها ... يغشو(7) المهالك صراعاً ومنصرعاً
جاءت إليك من الرحمن عارفة ... كستك أمناً وثوب الأمن قد رفعا
لله ملك أفاد المسلمين معاً ... بعفوه عنك مجداً طال وارتفعا
أبو الهزبر الذي في ظل دولته ... أضحى نطاق العلا والفخر متسعا
__________
(1) في (ب): بعض علماء الزيدية.
(2) طرس: صحيفة.
(3) في (ب): بالقلوب.
(4) هدلاً: هَدِلَ المشفر كعرج: استرخى (المرجع السابق ص988).
(5) ديماً: سحباً.
(6) في (ب): ارتدَّ واندفعا.
(7) لعلها: يغشى.
خير الملوك وأعلاهم وأحسنهم ... تصرفاً في الورى إن ضر أو نفعا
يا ليت شعري والأوهام طامحة ... تساور الناس والآمال والطمعا
هل تشتفي من أمير المؤمنين ولو ... بنظرة تذهب الأوصاب والوجعا
للدين عبرة وجد قط ما رقأت ... وللمكارم طرف قط ما هجعا
وبارق للندى ما انفك مؤتلقاً ... فمذ أسرت خفى نوراً وما طلعا
عليك مني سلام الله ما ودقت ... وطف(1) وما انهل شؤبوبٌ وما لمعا(2)
إسماعيل بن علاء(3) [ - ]
الفقيه العلامة بهجة الإسلام إسماعيل بن علاء - رحمه الله تعالى - من كبار الزيدية ومشاهيرهم، كان عالماً عاملاً لغوياً أصولياً، ذكره العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - وله رسائل وردود على المطرفية الغوية، ومن أرجوزة له:
يا أخويَّ من بني عقيل ... كم مشرك بالواحد الجليلِ
يزعم أن خلق كل جيل ... بحكمة الأربعة الأصولِ
بالماء والنار وبالفيول(4) ... وبالهوى المعلق المحمولِ
تحفظ في التقوى بلا دليل ... .. إلى قوله:
كنا وإياكم معاً إخواناً ... حتى نطقتم ذلك البهتانا
مقالة تخالف القرآنا ... ما قالها من عبد الأوثانا
وهي طويلة، وله قصيدة في الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني - سلام الله عليه - في قضية بني ربيعة: /257/
ألا اقصرا عني لامكما(5) الهبل ... وكفا عناني في الملامة والعَذَلْ
ملامكما لي عنوة فتجنبا ... ملام فتىً عن ثوبه العار قد غَسَل
دعاني فقد أقصرت عن طرق الصبا ... وتبت عن اللذات واللهو والغزل
أراني مشغوفاً بحب فضيلةٍ ... وقد جاز عنها الناس وانقطع الأمل
أعاتب حاديها وأندب دارها ... وهل يرعوي الحادي لئن حل أو رحل
ويوم افتراق الحاد يوم فراقنا ... لأحبابنا لا عاش حاد ولا حمل
__________
(1) سحابة وطفاء: أي مسترخية الجوانب من كثرة مائها.
(2) في (ب): همعا.
(3) تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 2/23 - 24، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (234).
(4) لعلها: بالهيولي.
(5) لعلها: ملامكما.
وقائلة لي كيف حالك بعدنا ... هلم فخابرنا(1) فقد طالت الطول
أقد هدم المنصور آطام صعدة ... وأنكر في بعض الملامة أو قتل
فقلت لها سرباً عريضاً عرمرماً ... كعارض عاد ينسف السهل والجبل
عريضاً من البونين حوثاً مجلجلاً ... يعز(2) على من زار أوطانه الحيل
بوارقه لمع الصوارم والقنا ... وراعده زجر الصواهل والرحل
ومد له من أرض أفنان سيله ... ومن أرض بشَّان تنصف واستقل
ومن ولد الملطوم جر سحائباً ... وأسبل في بلدان سفيان واستهل
فلما لبسنا السرد والْتَفَّ جيشنا ... وصرنا بجنح الليل بالحنط والعقل
وشنت سواريه بكيل وحاشد ... وكل صريح الجد ضرغامة بطل
يقود بنا حامي الحقيقة ماجد ... حليف الندى المنصور والسيد الأجل
أبوه رسول الله لولاه لم يكن ... لنعلم ما دفع الزكاة ولم يصل
فصلى عليه الله ما ذر شارق ... وصلى على أرواح آبائه الأُوَل
وفينا رباط الخيل والزعف والفنا ... وفينا ذوو الرأي المراجيح والجهل
ولا تعد للهيجاء إلا بجاهل ... ورب حليم دبر الأمر فاعتزل
لنا عارض بالغيل أول خيله ... وآخر شعث الخيل يطلع من (أسل)
دلفنا إلى أوطان صعدة جهرةً ... ورايتنا فوق العجاجات(3) كالظلل
وقد هربوا أرض الربيعة أهلها ... وقد أسلموا البيض الكواعب والنفل
فلم نتكشف خيفة العار محرماً ... ولم يلهنا عن حرب أعدائنا الحول
شننا إلى أرض الربيعة غارة ... (شماريس) شوساً(4) ليس يقرعنا الوهل
وقد هبطوا مثل الزنابير باللقا ... وهم بين ذي الترس المفلس والمحل
258/ بصعب المراقي يحسر الطرف دونه ... مع النجم لو دب الذباب به لزل
فما كان إلا أن دلفنا إليهمُ ... وقد حصب السربال واختلف الأمل
__________
(1) في (ب): فجابرنا.
(2) في (ب): تعز.
(3) العجاجات: العَجاجة: الإبل الكثيرة العظيمة. (المرجع السابق ص 194).
(4) شماريس: لم أجدها في القاموس. شوساً: الشَوَس: محركة: النظر بمؤخر العين تكبراً أو تغيظاً. (المرجع السابق ص 511).
وقد قطرتْ منهم صفائحنا دماً ... وريان شريان الربيعة قد هطل
فلما رأيت الأمر قد جد جده ... ودارت كؤوس الموت واقترب الأجل
هتفت بهمدان بن زيد بن مالكٍ ... بقوم يرون الموت أحلى من العسل
فكان اعتناقاً بالصوارم والقنا ... منازلة الأبطال والموت قد نزل
فلما توجهنا تولوا حبالهم ... فلم ينجهم منا قرار ولا جبل
تقسمت الأسياف والسمر لحمهم ... فصار لكل في صناعته عمل
فصار لأطراف الرماح نحورها ... وللبيض أطراف الربيعة والقلل
وحال سواد الليل من دون مرتقى ... ولولاه لم نسأم طراداً ولم نمل
وَبِتْنَا نياماً بين لحم مترب ... بوادي(1) علاف في الأراجيز والرمل
وعدنا صباحاً فاستبحنا حصونهم ... ورحنا بحل طال ما(2) كان لم يحل
__________
(1) وادي علاف: بفتحتين، وادٍ في غربي مدينة صعدة بمسافة نحو 20 كيلو متراً (معجم المقحفي ص 1103).
(2) لعلها: طالما.
مما يدل على علو طبقة إسماعيل بن علاء في الفصاحة أنه رأى(1) أن علي بن محمد الصليحي دخل البون مرة فحط على بركة (جَوْب)(2)، فقام على رجليه، وكشف عن ساعديه، وأقبل على ملوك اليمن، وكان معه آل الكِرْندي وملوك المعافر(3) ومخلاف (الْتعْكَر)(4) ونواحيها وبنو مروان ملوك أَشْيَح(5) وأعمال ألهان(6) وبنو السخطي ملوك يحصب. وكانوا يسكنون منكث وذروان وبنوابي الفتوح ملوك خولان العالية وابن شاذل ملك عدن، ونحوهم كالحواليين والهياثم والأبنوع(7) وآل معن وغيرهم من أعاظم اليمن، فقال: يا سلاطين ويا مشائخ، من كان أشجع (من) (8) الجاهلية؟ قالوا: عنترة وفلان وفلان، قال: والله إن عند(9) الأكبر بن وهيب وبني رعفان - يعني الحمارين - أشجع من عشرة من أولئك، ثم قال: من أكرم من(10) الجاهلية؟ قالوا: حاتم، قال: والله إن أبا عفير اللغوي أكرم منه، رجل يقري(11) الحاج من عدن إلى ريدة من صميم ماله، ثم قال: من أشعر الجاهلية؟ قالوا: امرؤ القيس بن حجر. قال: والله إن إسماعيل(12)
__________
(1) في (ب): روى.
(2) جَوب بفتح الجيم وسكون الواو قرية في البون من محافظة عمران (معجم المقحفي ص: 134).
(3) الْمَعَافِر بفتح أوله وكسر الفاء، هو الاسم القديم لبلاد الحجرية (المصدر السابق ص: 607).
(4) التعكَر: جبل عال منيف يقع في أرض ذي القلاع من مخلاف جعفر، ويطل على مدينة ذي جبلة ومدينة إب من الجنوب، وعلى مدينة ذي سُفال والجند من الشمال، وكان من معاقل الصليحيين الهامة، (المصدر السابق ص: 91).
(5) أشْيَح بفتح أوله: حصن شهير بالمناعة والعزة، وموقعه في بني سويد من بلاد آنس، ويعرف الآن بحصن ظفار، وهو في الشمال الغربي من ضوران بمسافة 30كم (المصدر السابق: 34).
(6) ألهان: جبل في آنس (المصدر السابق ص: 46).
(7) يتحقق فلعلها: الأيفوع.
(8) سقط من (ب).
(9) لعلها: عبد.
(10) في (ب): من أكرم أهل الجاهلية.
(11) أي يحسن إليه.
(12) في (ب): لإسماعيل.
بن علاء أشعر منه، ثم قال: من أعلم(1) الجاهلية؟ قالوا: قس بن ساعدة الإيادي، قال: والله إن تبَّعاً لأعلم منه، ثم ركض برجله الأرض، ثم قال: اليوم ملكت اليمن، اليوم ملكت اليمن، يريد أنه لم يعتد بما كان قبل ملكه لأحياء همدان.
قلت: والقاضي تبع عالم كبير من الزيدية ستأتي(2) - إن شاء الله تعالى - ترجمته /259/ وإسماعيل بن علاء هو هذا - رحمه الله - وأبو العفر اللغوي - بالعين المهملة - كان سكن ريدة شهيراً في عصره وعبد الأكبر من آل وهيب رؤساء همدان الذين ذللهم الصليحي، ويدل على شجاعته أن قيس بن الضحاك سلطان همدان في عصره خرج بعد قتل أبيه وقومه للمختار بن الناصر بن الهادي للحق - عليه السلام - وكان قيس يتولاه، ويتعصب له، وقد علَّمه المختار القرآن أيام حبسه عنده بتَلْغُم(3) وهو حصن ريدة، فخرج قيس على أبيه وقومه حتى قتل قتلة المختار، وذكر أن أباه فيمن قتل، ودخل البون في جيوش كادت تملأ ما بين جبليه، فهرب منه الناس إلى جبال حضور المصانع فقصد آل ربيح بن حمار بصليت(4) من البون، فأتى آل وهيب إلى عبد الأكبر المذكور، فقالوا: ما وقوفك هاهنا وقد هرب الناس؟ فقال: إن لي صاحباً لا أعمل إلا برأيه، فاذهب فأشاوره. قالوا: فدخل على فرسه في معلفه، وكان مخاطباً للفرس أهرب أم لا؟ فصهل الفرس، فخرج إليهم، وقال: إن صاحبي أبى الفرار، وأنا له مطيع، ولم يبال بكثرة الجيوش، انتهى.
__________
(1) في (ب): من أعلم أهل الجاهلية.
(2) في (ب): سيأتي.
(3) تلغم بفتح المثناة من فوق وإسكان اللام وضم الفاء وقصر خرب كان قائماً في ريدة مقابل لقصر ناعط (معجم المقحفي ص: 93).
(4) في المصدر السابق ص: 383: الصلت بالكسر: بلدة خربة في حقل البون، ذكرها الهمداني، وبها آثار قديمة. انتهى