ألا يقدَّم والفضائل شَهَدٌ ... والفخر أقعس(1) مشرف العرنين
وتراق مهجته ويقتل نسله ... وتباح(2) مهجته لشر قطين
أجرى الشقي دم الوصي فشفقت ... حلل الجنان أكف حور عين
وكذا الدعي ابن البغي سطا على ... ولد النبي بحقده المدفون
فبكت ملائكة السماء بكربلا ... والدين بين محرق ورئين(3)
وجرى على زيد ويحيى بعده ... ما ألبس الإسلام ثوب شجون
هاتا أمية راجعت ثأراتها ... فيها بسمل ضلالها الموضون(4)
فيقول: لم تسلم ولم تؤمن ولم ... تعصم بحبل في اليقين متين
فإذا بنو العباس تحذو حذوها ... فأسأل عن المنصور أو هارون
وأسأل ولا يغررك ما قد لبَّسوا ... أو دلَّسوا من قصة المأمون
وهلم جراً فالجرائر بينهم ... فوضى وكم من زفرة وأنين
آل الهدى من بين مقتول ومأ ... سورٍ ومسموم إلى مسجون
والله يجزي الظالمين بناره ... كي يعلموا الأنباء بعد الحين
يا سادتي إن ابن عبَّاد بكم ... يرعى رياض العز والتمكين
وبكم يدافع ما ينوب وعنكم ... يرجو الشفاعة عن أصحِّ يقين
هذى قريعة(5) وقتها وافتكم ... في معرض التحسين والتزيين
إن قِسْتَ أشعار الفحول بحسنها ... فَقِسْ القَتَادَ(6) بروضة النسرين
وإليك يا كوفي أنشد واتّئد ... وأجد على التطريب والتلحين
وله مقاطيع من الشعر في معنى سري، فمن ذلك في أمير المؤمنين كرم الله وجهه:
ما لقوم إذا يقال علي ... صار في ورد خدهم يا سمين
كل هذا لمولد فيه خبث ... وعلى الحق شاهد مستبين
وله:
عليك بالعلم فادخره ... فعنده الفضل والكمال
__________
(1) أي المرتفع.
(2) في (أ): وتباج.
(3) في (أ): ورائن.
(4) السمل: الخلق من الثياب، وقوله: الموضون أي المنسوج من وضن الشيء يضنه فهو موضون، ووضين: ثنى بعضه على بعض وضاعفه ونضَّده، والنسع: نسجه (وانظر القاموس المحيط).
(5) أي خيار الشعر: إشعاره له من القريعة، وهي خيار المال.
(6) القتاد: شجر له شوك، والنِّسرين بالكسر: ورد.

/245/ العلم إما افتقرت مال ... وإن حويت الغنى جمال
وله:
الزم الصدق إنه ... طية العلم والأدب
كذب المرء شينه ... لعن الله من كذب
وله:
احذر الغيبة فهو الفسق لا رخصة فيه ... إنما المغتاب كالآكل من لحم أخيه
وله:
إذا هممت بأمر ... فقدِّم الاستخارةْ
وإن عزمت عليه ... فكرِّر الاستشارةْ
وله:
يا طالباً سمت السداد والرشد ... لا تحسدنَّ كيف ما كنت أحدْ
كي لا تضيف كمداً إلى كمد ... فليس للحاسد إلا ما حسدْ
وله:
حفظ اللسان راحة الإنسان ... فاحفظه حفظ الشكر للإحسان
فآفة الإنسان في اللسان
وله:
إياك والحرص إن الحرص مهلكة ... فاقنع بما هو مرزوق ومقسومُ
ما زاد حرص امرئ في رزقه وكفى ... إن الحريص على العلات محرومُ
وله:
إذا ما دهاك الخطب تخشى ضراره ... فلا تنتظر نصراً سوى نصر خالقك
فإن قلَّ مال أو تأخر وقته ... فلا تترقب غير إحسان رازقك
وله:
احفظ السر وارعه ... إن إظهاره خطرْ
لا تذعه وإن وثقـ ... ـت بمن يكتم الخبرْ
فقديماً رووا لنا ... عن ذوي العلم بالأثرْ
احفظ السر مثلما ... تحفظ السمع والبصرْ
وله:
إذا أدناك سلطان فزده ... من التعظيم واحذره وراقبْ
فما السلطان إلا البحر عظماً(1) ... وقرب البحر محذور العواقبْ
وله - رحمه الله - إلى بعض الطالبيين مرض فزاره الصاحب وقال:
يا سيداً أفديه عند شكائه ... بالنفس والولد الأعز وبالأبِ
لم لا أبيت على الفراش مسهداً ... وقد اشتكى عضو من اعضاء النبي
/246/ وله - رحمه الله - في الشمعة:
ورائق القدِّ مستحبِ ... يجمع أوصاف كل صبِّ
صفرة لون وصب(2) دمع ... وذوب جسم وحر قلبِ
وله إلى بعض الأشراف لما تأخر عن زيارته:
إذا لم يكن لركوب الشريـ ... ـف سوى أن يلم بداري غرض
وأفقده الدهر مركوبه ... فإن عليَّ احتمال العوض
وله في السيد الإمام المؤيد بالله - عليه السلام -:
__________
(1) لعلها: غطماً بالغين المعجمة في أوله والغطم: البحر العظيم.
(2) في (ب): وسكب دمع.

سقم الشريف سقامي ... يضيق عنه مقامي
ولو تحملت عنه ... عوارض الأيام
وكان يفديه روحي ... من كل داء عقامي(1)
لما قضيت حقوقاً ... لمشيتي واهتمامي(2)
ففضله ضوء بدر ... يجلو سحاب ظلام
وحلمه الحلم يزري ... بيذبل وشمام
وعلمه سيح بحر ... أو لا ففيض غمام
يأتي بسحر حلال ... في لطف سحر حرام
واليت أبناء طه ... فهم موالي الإنام(3)
أذبُّ عنهم بكفي ... وصارمي وكلامي
وأصطفيهم لودي
ذ ... ومدحتي وسلامي
وشانئاً لرجال ... قالوا بنكث الذمام
وليس غير علي ... بعد النبي إمامي
إن شئت فأكتم حديثي ... أو شئت أظهر كلامي
وله فيه:
كيف كان الشريف أيده اللهْ ... فهو نجم النجوم بدر الأهلهْ
ولو اني استطعت كلَّفت نفسي ... سقمه كله وخففت كلهْ
قصر الله عنه باع الليالي ... وفداه النصاب من كل علةْ
وبعيد أن يقبلوا في فداء ... فعلى الحال حالهم لعنة الله
قلت: وهذا الرجل لم يكن همه إلا المكارم ولا عشقه إلا الأكارم، فكان بابه مطافاً للنبلاء، ومقاماً للفضلاء، إليه يسعون، ثم يقفون ويحجون، ويعتمرون، وما بلغه ذكر فاضل إلا واستدناه وراسله، كأن ذلك الفاضل هو المتفضل، وقد مرَّ ما حكيناه من تمنيه لقاء المؤيد بالله، ولما استدنى القاضي أبا بشر الفضل بن محمد الجرجاني فحين وصل إلى باب الري كتب إليه الصاحب ممتثلاً:
سقى الله دارات مررت بأرضها ... قادتك نحوي يا زياد بن عامرِ
أصائل قرب أرتجي أن أنالها ... بلقياك قد زحزحن حرّ الهواجرِ
__________
(1) العَقام بالفتح: الداء الذي لا يُبرأ منه، وقياسه الضم إلا أن المسموع هو الفتح (مختار الصحاح ص: 448).
(2) في (ب): باهتمامي.
(3) في (أ): الإمام.

قال هارون بن علي المنجم: وكان الصاحب يستحسن هذين البيتين، ويقول: هذا الشعر إن أردت كان أعرابياً في شملته، وإن أردت كان عراقياً في حلته هو في نقاء شعر العرب، وسلامه شعر الحضر، وقد ذكر الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين مراسلته هو والإمام /247/ أبو أحمد العسكري، ولكني أذكرها من رواية الشيخ محمد بن معين التي رواها في كتاب (زاد المسافر)؛ لأنها أبسط، ولفظه: روينا عن السلفي رواية(1) وهو أن الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد كان يتمنى لقاء أبي أحمد العسكري، ويكاتبه على ممر الأوقات، ويستميل قلبه فيعتل بالكبر والشيخوخة، إذ عرف أنه يعرض بالقصد إليه والورود عليه، فلما أيس منه الصاحب احتال في جذب السلطان إلى ذلك الصوب، وكتب إليه حين قرب من عسكر مكرم كتاباً يتضمن علوماً نظماً ونثراً ومما ضمنه من المنظوم قوله:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتمُ ... ضعفنا فما نقوى على الوجدانِ
أتيناكم من بعد أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوانِ
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملئ جفون لا بملئ جفانِ
فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذاً له، فأملى عليه الجواب عن النثر نثراً وعن النظم نظماً، وبعث به إليه في الحال، وكان في آخر جواب(2) أبياته التي ذكرها على الارتجال:
وقد حيل بين العبر(3) والنزوان(4)
__________
(1) في (ب): قصة.
(2) لعلها: جوابه.
(3) في (ب): العير.

وهو تضمين إلا أن الصاحب استحسنه ووقع ذلك موقعاً عظيماً، وقال لو عرفت أن هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها، وكنت قد ذهلت عنه، وذهب عليَّ ثم إن(1) أحمد قصده وقت حلوله عليه ومعه أعيان أصحابه وتلامذته في وقت لا يمكن الوصول إليه إلا لمثله، فتلقاه وأقبل عليه بالكلية بعد أن أقعده في أرفع موضع من مجلسه وتفاوضا في مسائل، فزادت منزلته عنده، وأخذ أبو أحمد منه بالحظ الأوفر وأجرى على المتصلين به إدراراً كانوا يأخذونه إلى أن توفي، وبعد وفاته قال الحاكم في (العيون): وكان بويه بن الحسن ألقى إليه مقاليد أمره، وكذلك عضد الدولة فكان يسير سيرة تليق بأهل الدين من العدل في الرعية والأفضال على أهل الفضل ثم قال: ولقد صدق أبو بكر بن الخوارزمي حيث قال:
وكنت أطالب الدنيا بحر ... فكنت الحر وانقطع الكلام
وكنت أعد أفكاري لوقت ... فكان الوقت وقتك والسلام
وكان - رحمه الله - يهتز للمديح، ويظهر أريحيته، ولما أنشده خازنه أبو محمد الأصفهاني قصيدته التي طالعها:
ما بال قلبك نهباً بين أهوائي ... وما لرأيك شورى بين آرائي
[و] منها:
كنا نهيم بسعدى برهة وإذا ... هويت عزة يبغي وصل عفراء
صبية الحي لم تقنع بها سكناً ... حتى علقت صبايا كل أحياء /244/
ما مثل رامة داراً في الديار ولا ... مثل الرباب حبيباً في الأحباء
ولا يطيب الهوى إلا لمنفرد ... بالحب ناء عن العذال أباء
ومنها:
أما رأت عينه أسماء واحدتي ... وقد ثوت من فؤادي في السويداء
أدعي بأسماء نبزاً في قبائلها ... كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
ومن مديحها:
نعم تجنب لا يوم الغطاء كما ... يجنب ابن عطاء لفظه الرائي
قالوا: فلما سمع الصاحب - رحمه الله - مديح هذه القصيدة زحف من دسته طرباً:
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند
__________
(1) في (ب): ثُمَّ إن أبا أحمد.

وترجم الجلال الأسيوطي للصاحب ترجمة لطيفة، قال: إسماعيل بن(1) عباد الطالقاني، أبو القاسم الوزير، الملقب بالصاحب، كافي الكفاة، ولد في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وأخذ الأدب عن ابن فارس وابن العميد، وسمع من أبيه وجماعة، وكان نادرة عصره، وأعجوبة دهره في الفضائل والمكارم، حدث وقعد للإملاء، وحضر الناس الكثير عنده بحيث كان له ستة مستملون، وكان في الصغر إذا أراد المضي إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته ديناراً في كل يوم، وتقول له: تصدق بهذا على فقير ففير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وصار يقول للفرَّاش كل ليلة: اطرح تحت المطرح ديناراً أو درهما لئلا ننساه، فبقي على هذا مدة، ثم إن الفراش نسي ليلة من الليالي أن يطرح له الدرهم والدينار فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدينار والدرهم(2) ففقدهما فتطير من ذلك وظن أنه لقرب أجله، فقال للفرَّاش: خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه حتى تكون كفارة لتأخير هذا، فلقوا أعمى هاشمياً يبكي على يد امرأة، فقالوا: تقبل هذا؟ فقال: ما هو؟ فقالوا: مطرح ديباج ومخاد ديباج، فأغمي عليه، فأعلموا الصاحب بأمره، فأحضره ورش عليه، فلما أفاق سأله، فقال: اسألوا هذه المرأة إن لم تصدقوني، فقالوا له: اشرح، فقال: أنا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ولي سنتان، أخذ القدر الذي يفضل عن قوتنا، أشتري لها به جهازاً، فلما كان البارحة قالت أمها: اشتهيت لها مطرح ديباج ومخاد ديباج، فقلت: من أين لك ذلك؟ وجرى بيني وبينها خصومة إلى أن سألتها أن تأخذ بيدي وتخرجني حتَّى أمضي على وجهي، فلما قال هؤلاء هذا الكلام حق عليَّ أن يغشى عليَّ. فقال: لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به، ثُمَّ اشترى لها جهازاً يليق بذلك المطرح، وأحضر زوج الصبية ودفع إليه بضاعة سنية، وبقي
__________
(1) قال إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد الطالفاني.
(2) في (ب): الدرهم والدينار.

الصاحب في الوزارة ثماني عشرة سنة /249/ وشهراً لمؤيد الدولة ابن ركن الدولة علي بن بويه وأخيه فخر الدولة، وهو أول من سمي بالصاحب؛ لأنه صحب مؤيد الدولة من الصبا وسماه الصاحب، فغلب عليه هذا اللقب، ولم يعظم وزيراً مخدومه ما عظمه فخر الدولة، ولم يجتمع بحضرة أحد من العلماء والشعراء والأكابر ما اجتمع بحضرته، وعنه أنه قال: مدحت بمائة ألف قصيدة عربية وفارسية ما سرني شاعر كما سرني أبو سعيد الرستمي الأصبهاني بقوله:
ورث الوزارة كابراً عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد
يروي عن العباس عباد وزا ... رته وإسماعيل عن عباد
وللصاحب من المصنفات المحيط في اللغة عشرة مجلدات(1) [ومن] رسائله، (الكشف عن مساوئ المتنبي)(2) (جوهرة الجمهرة) (ديوان شعر)(3) وغير ذلك(4)، مات ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وأغلقت مدينة الري، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون جنازته فلما خرج نعشه صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة، وقبَّلوا الأرض، ثم نقل بعد ذلك إلى أصبهان، وشهرته تغني عن الإطناب ومن شعره:
قال لي: إن رقيتي ... سيء الخلق فداره
قلت: دعني وجهك الـ ... ـجنة حفت بالمكاره
انتهى كلام الجلال السيوطي.
__________
(1) قال في أعيان الشيعة: يوجد منه مجلد في دار الكتب المصرية، ومجلد في بعض مكاتب كربلاء.
(2) طبع في مصر.
(3) طبع بتحقيق الشيخ محمد بن حسن آل ياسين ثلاث مرات آخرها سنة 1412ه عن مؤسسة قائم آل محمد.
(4) ومن مصنفات الصاحب بن عباد - رحمه الله -: كتاب الوزراء، والإبانة عن مذهب أهل العدل، بحجج القرآن والعقل (طبع)، والتذكرة في الأصول الخمسة (طبع)، ورسالة في الطب (طبع)، ورسالة في الهداية والضلال (طبع)، وكتاب الإمامة، ونهج السبيل في الأصول، والإبانة في تفضيل أمير المؤمنين (انظرها كاملة في كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 235 - 236).

قلت: وكان نقش خاتمه - رحمه الله -: شفيع إسماعيل في الآخرة محمد والعترة الطاهرة.
قال شيخ الزيدية محمد بن أحمد بن الوليد القرشي - رحمه الله -: ولما مات الصاحب رثاه أحمد بن إبراهيم الظبي(1)، فقال:
أيها الباب لِمَ علاك اكتئاب ... أين ذاك الحجاب والحجابُ
قل بلا ريبة وغير احتشام ... مات مولاي فاعتراني انتحابُ
مات من كان يفزع الدهر منه ... فهو الآن في التراب ترابُ
قال: ولأبي النجم المنجم في ترثيته:
لا تحد عنك ترهات أماني ... عز البقاء على الزمان الفاني
أنظر إلى كافي الكفاة وذله ... من بعد ذاك العز والسلطان
بطشت به الأيام بطش محكم ... فيه فاخلت منه كل مكان
أمسى مسمى في الحديث ولم يكن ... في الشعر يكنى قبل أخذ أمان
إن لم يكن في الناس أول نازح ... عن داره قسراً فليس بثاني
انتهى كلام ابن الوليد.
قلت: ومن أعجب ما روي أن أبا القاسم بن أبي العلا الشاعر الأصبهاني، قال: رأيت في المنام قائلاً يقول لي: لِمَ لا ترثي الصاحب مع فضلك وشعرك، فقلت /246/: ألجمتني كثرة محاسنه فلم أدر بما أبدأ، فقال: أجز:
ثوى الجود والكافي معاً في حفيرة
فقلت:
ليأنس كل منهما بأخيه
فقال:
هما اصطحبا حييَّن ثم تعانقا
فقلت:
ضجيعين في لحد بباب دريه
فقال:
إذا ارتحل الناؤون عن مستقرهم
فقلت:
أقام إلى يوم القيامة فيه(2).
قلت: وباب دريه محله عند باب أصفهان، ورثاه الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الموسوي - رحمه الله تعالى -(3):
أكذا المنون يفطر الأبطالا ... أكذا الزمان يضعضع الأجبالا
أكذا تصاب الأسد وهي مذلة ... تحمي الشبول وتمنع الأغيالا
أكذا تقام عن الفرائس بعدما ... ملأت هما همها الورى أو جالا
أكذا تحط الزاهرات عن العلا ... من بعد ما شات العيون منالاً
__________
(1) في (ب): الضبي.
(2) قوله: القيامة فيه سقط من (أ).
(3) في (ب): فقال.

أكذا تكبُّ البزل(1) وهي مصاعب ... تطوي البعيد وتحمل الأثقالا
أكذا تغاض الزاخرات وقد طفت ... لججاً ووارده الظمي زلالا
يا طالب المعروف حلِّق بحمة ... حط الحمول وعطَّل الأجمالا
وأقم على يأس فقد ذهب الذي ... كان الأنام على نداه عيالاً
من كان يقرى الجهل علماً باقياً ... والنقص فضلاً والرجاء نوالا
ويجبن(2) الشجعان دون لقائه ... يوم الوغى ويشجع السؤالا
خلع الردا ذاك الردا أنفاسه ... عنا وقلَّص ذلك السر بالا
خبر تمخض بالأحبة ذكره ... قبل اليقين وأسلف البلبالا
حتى إذا جلَّى الظنون يقينه ... صدع القلوب وأسقط الأحمالا
الشك أبرد للحشا في مثله ... يا ليت شكي فيه دام وطالا
ذ
جبل تسنمت البلاد هضابه ... حتى إذا ملأ الأقالم زالا
إن قطع الآمال منك فإنه ... من بعد يومك قطع الآمالا
ما كنت أول كوكب نزل الدنا ... وسما إلى نظرائه فتعالا
أنفاً من الدنيا بتت حباً لها ... ونزعت عنك قميصها الأسمالا
ذا المنزل المطعان قد فارقته ... وغداً تبوأ منزلاً محلالا
لا رزء أعظم من مصابك إنه ... وصل الدموع وقطَّع الأوصالا
يا آمر الأقدار كيف أطعتها ... أو ما وقاك جلالك الآجالا
كم حجة في الدين خضت غمارها ... هدراً لفينق(3) يحمطا(4) وصالا /251/
فسنان رمحك أو لسانك موسعاً ... طعناً يشق على العدى(5) وحلالا
إن نكس الإسلام بعدك رأسه ... فلقد رزي بك موئلاً ومآلا
واهاً على الأقلام بعدك إنها ... لم ترض غير بنان كفك آلا
منها:
سلطان مجد كنت أنت تعزه ... ولرب سلطان أعز رجالا
إن المشمر ذيله لك خيفة ... أرخى وجلد(6) بعدك الأذيالا
ما كنت أخشى أن يزل لحادث ... قدم جعلت لها الركاب قبالاً
__________
(1) البُزْل: جمع بازل، وهو البعير، أو الناقة وذلك إذا كان تاسع سنيه، وليس بعده سن تسمى.
(2) في (أ): ويجبر.
(3) الفينق: الفحل المكرم لا يؤدذى لكرامته على أهله ولا يكرب.
(4) في (ب): تحطما.
(5) في (ب): وجدالا.
(6) في (ب): وجرّد.

دفع الزمان لك النوائب دفعة ... وتصوب الوادي إليك فسالاً
ومنها:
طلبوا التراث فلم يروا من بعده ... إلا علاً وفضائلاً وجلالا
هيهات فاتهم تراث مخاطر ... حفظ الثناء وضيع الأموالا
قد كان أعرف بالزمان وصرفه ... من أن يثمر أو يجمع مالا
مفتاح كل ندىً وكل معاشر ... كانوا على أموالهم أقفالا
ومنها:
يا طالباً من ذا الزمان شبيههُ ... هيهات كلفت الزمان محالا
إن الزمان أظن بعد وفاته ... من أن يعيد لمثله أشكالا
ومنها:
صلى الإله عليك من متوسد ... بعد المهاد جنادلاً ورمالا
كسف البلا ذاك الهلال المجتلا ... وأجر ذاك المقول الجوالا
ورأيت كل مطية قد بدلت ... من بعد يومك بالزمام عقالا
طرح الرجال لك العمائم حسرة ... لما رأوك تستروا إجلالا
قالوا: وقد فجئوا بنعشك سائراً ... من ميل الجبل العظيم فمالا
وتبادروا شق(1) الجيوب وعاجلوا ... عظ الأنامل يمنة وشمالا
ما شققوا إلاَّ كساك وألموا ... إلا أنامل نلن منك (سحالا)(2)
من ذا يكون معوضاً ما مزقوا ... ومعولاً لمؤمل وثمالا(3)
وهذا القدر من القصيدة، منبه على ما وراءه، وشعر الشريف شريف الشعر، ولله دره، والصاحب حري بأكثر من ذلك، وجملة عدد القصيدة هذه مائة بيت واثنا عشر بيتاً، رحمة الله عليهم أجمعين.
إسماعيل بن عباد بن محمد(4) [ - ]
وفي أهل الوزارة وعلوم الأدب من اسمه إسماعيل بن /252/ عباد بن محمد أبو القاسم الكاتب الأصبهاني، قال السلفي: من بيت الرياسة والكتابة، فاضل في الأدب والنحو، بارع في الترسل، وهذا مظنة الالتباس، ولهذا أنبهنا(5) عليه.
إسماعيل بن عبد الله بن أبي النجم(6) [ - ]
__________
(1) في (ب): وتبادروا عظ الجيوب.
(2) أي بيض، استعارة له من السحل، وهو الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن.
(3) الثمال: الملجأ.
(5) في (ب): نبهنا.
(6) مآثر الأبرار 2/909.

46 / 182
ع
En
A+
A-