عرفنا ذلك، وعرفه غيرنا ممن شاهده وعاشره.
ولمَّا تمَّ بنعمة الله نوره، وامتدَّ صوته وصيته، وسار ذكره في الآفاق، واصطحبت بتمجيده زمر الرفاق، وقد شخصت نحوه الأبصار، وامتدَّت إليه الآمال في كشف الغمَّة، وهداية الأمَّة، وعلم هو بعين الفرض، وسعى من يقوم بنصرته إليه بالنّص والنهض، من أكابر آل محمد - عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام - وعيون العلماء الأعلام، ما هم ملؤوا مسامعه بالبعث والحث البليغ على تلافيه الدماء، وقيامه بأمر الدهماء، كالأمير الكبير المتوكل على الله الداعي إليه أبو محمد أحمد بن الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين، فإنه لحظه بمخايل النجابة، فصدقت مخيلته، ودعاه إلى القيام والتصديق للأمر العام، وبذل ما يجب من نصرته. وكذلك الأمير الكبير شيخ العترة ذي الشرفين عماد الدين صنو أمير المؤمنين، وجلَّة العلماء وهاماتهم دعوه إلى ذلك، وسلكوا بتوجيه الآمال فيه أوضح المسالك. وفي أثناء ذلك يظهر من كراماته وفضائله وبركاته والشفاء بثنائه، وأدرك كثير من الناس حاجة وطره على وفق الندر له ما جبلت(1) القلوب معه على محبته، وتواطأت الألسنة على معرفة حقه. وهو بحر لا يساجل(2)، لو ذهب ذاهب يصف ما اتفق له من ذلك لاستوعب الطوامير(3). ثم قوى في خاطره إتيان ثلاء من البلاد الحميرية لحاجةٍ عرضت، (ولُبَانة)(4) سنحت. فخرج من (ذي بين)(5) وكان قد نزله وأقام فيه سنين، فتسامع به الناس في طريقه، فحفوا به، واكتنفوا بركابه حتى دخل ثلاء في خلقٍ كثير، وحفل عظيم، وتحدث الناس عن لسان حال الإمام
__________
(1) أي خلقت.
(2) لا يساجل بالجيم أي لا يكاثر، أصله من النزع بالسجل، وهو الدلو المليء.
(3) الطوامير، جعم الطومار، وهو الصحيفة (القاموس المحيط ص: 554).
(4) اللُّبانة بالضم: الحاجة.
(5) ذي بين: مدينة بالشمال الغربي من صنعاء بمسافة 94 كيلومتر، بها مركز مديرية ذي بين التابعة لمحافظة عمران (انظر معجم المقحفي ص: 254).

لما كانوا يرتقبونه، ويؤملونه؛ وتلقاه إذ ذاك المشائخ الأجلاء آل منصور بن جعفر - ورئيسهم يومئذٍ الشيخ سيف الدين صدر العرب منصور بن محمد - بالإنصاف والإتحاف، وألقوا بنفوسهم منحطين بين يديه باذلين له النصرة بالنفوس والحصون والأموال، فلم ير إلا القيام مستخيراً لله تعالى، واثقاً به، ومتوكلاً عليه، ومتبرئاً من الحول والقوة إلا به، فقام داعياً إلى الله تعالى على سنن آبائه الأكرمين، متحلياً بحلية الإمامة، ناهضاً بأثقال الزعامة، مشتمراً(1) على نصف السَّاق، سائقاً أعداء دين جده - صلى الله عليه وآله وسلم - أعنف مساق، غير واهٍ ولا وَانٍ حتى أسمع الناس من قاصٍ ودانٍ، لم يعقه(2) ريب المبطي ولا أناة الملتكي.، حتى خفقت بنوده، ووفرت جنوده، وأرعدت فرائص الكافرين، وزلزلت أقدام الجاحدين، ولمَّا ولي هذا الأمر العام ازدادت جلالة(3) الفضل، وحصا البندقية على الحك وضوحاً وظهوراً، واستطارت في الآفاق نوراً، فصار له من سعة /184/ الصدر ولين الجناب، ودماثة(4) الأخلاق، واحتمال السداد، والاضطلاع بالأعباء الثقال ما يشينه الشامة، ولا يزري في الخاصة والعامة قال:
متبذل في القوم وهو مبجَّلٌ ... متواضع في الحي وهو معظَّمُ
يعلو فيعلم أن ذلك حقه ... ويذلّ فيهم نفسه فيكرَّمُ
لا يحسب الإقلال عدماً بل يرى ... أن المقلَّ من المروءة معدمُ
تفيض يداه على العفاة، لا ينحو به التعقيب ولا يرهقه.
تعود بسط الكفِّ حتى لو انه ... ثناها لقبضٍ لم تطعه أناملُه
عطاء لو اسطاع الذي يستميحه ... لأصبح من بين الورى وهو عاذله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبحر ساحله
وله من دماثة الرأي، ورصانة الحلم، ورسوخ النظر، ويقظة القلب ما هو ظاهر السبيل، واضح الدليل. [انتهى ما نُقِلَ من إنشاء الشيخ أحمد الرصاص].
__________
(1) في (ب): مشمّراً.
(2) في (أ): لم يعقه المنظي، ولعله تحريف.
(3) في (ب): خلال.
(4) الدماثة: سهولة الخلق.

وهذا الشيخ كان آية من آيات الله فصيح اللسان، لا يتردد أحد في سعة علمه، لولا ما كان منه من قضية إمامه الذي شهد باستحقاقه الإمامة، وقام خطيباً له من غير ما مجلس ومحفل، وتكلم بكلام هو حجَّة عليه، وقد ذكر بعض العلماء وأظنه الفقيه الحسن بن علي حنش - رحمه الله - أنه كان ندم، والله أعلم، ولفظ الفقيه المذكور: الشيخ الإمام العلامة المجتهد شمس الدين، وشحاك الملحدين أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص - رحمهم الله - كان له من غزارة العلم وسعة المعرفة ما يبهر العقول، ومن المصنفات الوسيعة المفيدة ما يريع العقول، ومن الرسائل القاطعة شبهة(1) الملحدين، والنافعة لأهل اليقين ما شهد له بحسن المقصد والاعتقاد، روى أن دَرَسته كانوا خمسمائة، وكان فيهم سبعون أحمد، وله من الخطب والحكم والمواعظ ما شهدت بغزارة علمه وسعة معرفته وجودة فهمه، لولا ما نقم عليه في شأن الإمام الذبيح الشهيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - ولكن قد رويت(2) توبته وهو الأولى بمثل هذا الرجل، ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((يحمل هذا العلم من أمتي عدولها)) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة، فمِمَّن روَى توبته الفقيه محمود الجيلاني - رحمه الله - قال: روى لي الفقيه العلامة عيسى بن يحيى أن الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الرصاص - رحمه الله تعالى - عرف أنه قد ندم وتاب من قيامه على الإمام المهدي - عليه السلام - فلمَّا مرض أخبره بمثل هذا، وأخبره بالتوبة من ذلك، قال له الفقيه عيسى: لعلك أن تعرِّف الناس، فقال الشيخ: تكون تأتي إليّ إما البكرة أو قال العشي، فأتاه وقد صار على حالةٍ لا يتمكن من الكلام، وروى هذا الفقيه محمود الجيلاني أن الفقيه أحمد بن حنش قال له: أشهد أني من التائبين من قيامي على المهدي، فإنه قد كان مصيباً من المحقين.
__________
(1) لعلها: شبهة.
(2) في (ب): روت.

قال الفقيه العلامة عبد الله بن زيد صاحب (الإرشاد)(1)، قلت: وقد ثبت /185/ أنه يقبل خبر الواحد في التوبة ولا يقبل خبره في التكفير والتفسيق، وقد نقل توبة الحفيد العلامة حميد(2) بن أحمد بن حميد - رحمه الله تعالى - ومما قيل في أمره مع المهدي - عليه السلام - قصيدة أوَّلها:
الويل كل الويل للرصاصِ ... ولحزبه الداني معاً والقاصي
ومنها:-
يا ويلهم يوم القيامة من لظَى ... من شد أغلال وسفع نواصي
يدعون يوم الدين هل من منقذٍ ... طلب المناص ولات حين مناصِ
حرصوا على قتل الإمام وهم على ... الكفار والفساق غير حراصِ
ومنها:ـ
رخصت نفوس بني النبيء عليهم ... ونفوسهم في الشرع غير رخاصِ
فأذاقهم ذو العرش غب فعالهم ... وكذاك سوف يذيق كل معاصي
لم تمض خمسة أشهر حتى فني ... من لم يكن في التوب والإخلاصِ
وهي طويلة لا حاجة إلى ذكرها، وعند الله الفصل بالعدل سبحانه وتعالى.
قال السيد العلامة صلاح بن محمد بن صلاح بن علي بن عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة - عليه السلام -: كانت وفاة الشيخ أحمد الرصاص المعروف بالحفيد ضحوة يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان سنة ست وخمسين وستمائة.
ومن مشائخه الشيخ محي الدين محمد بن أحمد الوليد القرشي، والشيخ حسام الدين حميد بن أحمد المحلي. انتهى
أحمد بن محمد بن نشوان(3)[ - ق 7 ه‍ ]
__________
(1) هو كتاب الإرشاد إلى نجاة العباد، للاقضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي - رحمه الله - وموضع الكتاب في الزهد والإرشاد إلى مكارم الأخلاق وغير ذلك، وقد طبع بتحقيقنا بالاشتراك مع الأخ العلامة المحقق محمد قاسم الهاشمي، وصدر عن مكتبة التراث الإسلامي - صعدة.
(2) في (ب) زيادة: بن أحمد رحمهما الله.
(3) الجواهر المضيئة ترجمة (102)، إجازات الأئمة (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (92).

القاضي العلامة شمس الدين أحمد بن محمد بن نشوان بن سعيد بن سعد بن أبي حمير بن عبيد بن القاسم بن عبدالرحمن الحميري - رحمه الله تعالى - من أئمَّة العلوم وحفَّاظ اللغة والشرعيات، كان من شيوخ الناطق بالحق الأمير الحسين بن محمد - عليهما السلام - ولأحمد هذا ولد علامة اسمه مراثد من كبار العلماء بمراثد، هذا عالم ابن عالم بن عالم بن عالم، ولنشوان ولد علامة غير محمد، وعلي اسمه مراثد أيضاً.
أحمد بن محمد بن مطهر(1) [ - ]
العلامة المحقق شيخ التفسير أحمد بن محمد بن مطهر النحوي، كان عالماً عاملاً، من شيوخه السيد علي بن محمد بن أبي القاسم، والفقيه جار الله الينبعي، وكان من عيون وقته.
أحمد بن محمد ين يحيى(2) [ - ]
الفقيه العلامة الخطير أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن حنش، فقيه عالم كبير، من تلامذة أحمد بن محمد بن مطهر النحوي السابق قبله.
أحمد بن محمد بن لقمان(3) [ - 1039 ه‍ ]
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة (105)، نزهة الأنظار - خ - طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث ترجمة رقم (94).
(3) بغية المريد - خ - البدر الطالع 1/118، مصادر العمري 158، المستطاب - خ - 2/165، معجم المؤلفين 2/146، خلاصة الأثر 1/302، هدية العارفين 1/157، مصادر الحبشي 129، 161، 384، 499، الجواهر المضيئة - خ - ص 16، ذروة المجد الأثيل - خ - مؤلفات الزيدية 1/408 ، 413، 414، 2/140، 147، 366، 381، 3/113، سيرة الإمام القاسم - خ - طبقات الزيدية - خ - الجامع الوجيز - خ - التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 171.

السيد الإمام المحقق الأستاذ شمس الدين أحمد بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليهم السلام - كان علماً من أعلام الشريعة المصطفوية، وصدراً في صدور العصابة الهاشمية، محققاً في كل العلوم الإسلامية معقولاتها ومنقولاتها، وأمَّا أصول الفقه فروَى عنه القاضي العلامة أبو القاسم البيشي - رحمه الله - أنه قال: هو عندي بمثابة الفاتحة، ووصفه مولانا السيد العلامة الحسين بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد بالاجتهاد، وناهيك به، ومن شهد له /186/ خزيمة فهو حسبه، وكان استقراره بشهارة إماماً بجامعها، مدرساً بالجامع جميع الأوقات، واتفق له في اليوم الواحد ثمانية دروس مع درس وغيب، ومحله - رحمه الله - نازح عن الجامع بمسافة بعيدة، ويصلي الصلاة في الجامع، ومع ذلك فإنه كان مقتر العيش إلى الغاية، وما زاده ذلك إلا كلفاً بالعلم وحرصاً عليه، وألَّف في الفنون منها (شرح الأساس)(1) في علم الكلام (وشرح الكافل) (2)، وهو شرح مفيد موافق للكتاب بتعريه عن ذكر الخلاف ونهى - رحمه الله - أن يكتب في هذا الكتاب صورة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بغير لفظها كما يتعارف الناس من كتابة هذه الصورة (صلعم) ونحوها، وأمر فيه بإثبات الترضية على الصحابة إذا ذكروا مجتمعين؛ لأنهم مع الإجماع جماعة معصومة، وشرح
__________
(1) ويسمى كشف الإلباس عن قواعد الأساس، منه نسخة خطية في (219) وثقه برقم (618) بمكتبة الأوقاف بالجامع الكبير، أخرى مصدرة عن مخطوطة خطت سنة 1046ه بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي.
(2) ويسمى الكاشف لذوي العقول، عن وجوه معاني الكافل نبيل السؤل في علم الأصول، في أصول الفقه، وهو كتاب شهير، طبع مراراً، ويدرس في مدارس العلوم الشرعية، ونسخة الخطية في الكثير من المكتبات، ومنه (27) نسخة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير، و(11) نسخة في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير أيضاً.

(تهذيب المنطق) وحشا على (المفصّل) و(الفصول اللؤلؤية)، وأول (المنهاج) لجده، ونظم (الشافية) وشرح (البحر) بجزءٍ كتبه من أوساطه، كأنه جعل ذلك إمَّا تتميماً لأحد الشروح، أو وافق قراءة من ذلك المحل، رأيته بخطه - رحمه الله تعالى - [وله (البحار المغرقة في الرد على صاحب الصواعق المحرقة)] (1) ولم يزل على ما وصفناه بشهارة حتى كانت الفتوحات ا لإمامية في الإقاليم جميعها، فاقتضى نظر الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - أن يرسله إلى الطويلة(2) فتوجَّه السيد - رحمه الله - فكان(3) على يديه فتح، وانضافت إليه عساكر من وجوه أصحاب الدَّولة بكوكبان؛ لأن الرجل جليل القدر نسباً وحسباً، وكان له سعي صالح وعزيمة صادقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتولى الخطبة بنفسه غيباً - رحمه الله - وكان عنده من العلماء أعيان كثيرون، ثم لمَّا اقتضى نظر الإمام - عليه السلام - التوجه إلى مكة المشرفة بعد دخول الإصباحية إليها وجههُ بعسكرٍ كثيف، وبلغ الليث على مراحل يسيرة من مكة، وكان بينه وبين (الإصباحية) هنالك حرب بحضرة الشريف الأجل زيد بن محسن سلطان مكة أخيراً - رحمه الله -.
__________
(1) ما بين المعكوفين ذكر في حاشية (ب)، وكتاب البحار المغرقة للصواعب المحرقة (رد فيه على كتاب ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة) ومن كتاب البحار المغرقة نسخة خطية برقم (27) علم الكلام - بالمكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء، خطت 1332ه في (131) ورقة.
(2) الطويلة: مدينة بالغرب من كوكبان بمسافة 25 كيلومتر في سفح جبل القرانع، بها مركز قضاء الطويلة المطل على بلاد المحويت من الغرب، وإلى الجنوب على بلاد حراز والحيمة (معجم المقحفي ص: 405).
(3) في (أ): فكانت.

ومما روي عن الشريف زيد أنه قال: ما رأيت أشجع من السيد أحمد بن محمد بن لقمان، وحكوا عنه أنه قال للشريف زيد حين تلاحم الحرب: يا زيد، أنا وأنت من ذرية علي بن أبي طالب فما يليق بنا الفرار، فثبتا ثبات الأشراف، ولمَّا كانت الدائرة على أصحابهما، وكذلك عادة الحرب لا تزال دولاً أبى السيد أحمد من الفرار، واستقر في محل يرمي بالبندق.
وأثبت في مستنقع الموت رحلَه ... وقال له من تحت أخمصك الحشرُ(1)
__________
(1) ورد البيت في ديوان الشاعر كما يلي: وأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمسك الحشرُ

فجاء بعض الشيعة من أهل تهامة فحملوه، ثم رجع إلى بلاد تهامة المخلاف السليماني، وتولى أعماله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأزال كثيراً من بدع الجهال، ومن أنفع ذلك قضيَة مرجانة، وصفة ذلك أنه كان بجهة (بيش) أو قريب منه رجل يدَّعي أنه امرأة وتسمَّى بمرجانة، فكان الناس يأتون إليه بالحريم للمداواة /187/ من الحبل يظنونه امرأة، ومن عجيب الامتحان أنه قد يتفق ذلك، فلبث الأمر على اللبس حتَّى جاء بعض الأشراف من أهل تهامة - رحمه الله - بامرأته إلى محل المذكور يريد المداواة، وكانت الشريفة رحمها الله من الطاهرات، فعرفت حقيقة الحال، فدافعت حتى اتصلت بزوجها، وأخبرته بالحقيقة، فعرَّف السيد، فاستجلى السيد - رحمه الله - حقيقة الحال فاتضحت، فقتله، وكان من العجائب أن الله كشف ستره، ورمَى به السيل إلى موضع عال، وانتفخ ذَكَرُهُ وكبر. ومن عنايات السيد - رحمه الله - مسألة الختان فإنهم بتهامة وأطراف الحجاز يسلخون الجلد عن الذكر والعَانة إلى قريب من السرة كما يسلخ أديم الكبش، فيفنى بهذا من يفنى، وإنما السلامة مظنونة، ويمقتون من لم يفعل ذلك، وينسبونه إلى الْخَوَرِ(1) في طبعه، فأزال ذلك، واستقر أياماً، فعرضت له عوارض من المرض، اقتضت طلوعه إلى قلعة غمار(2)، فمرض أياماً، ثم نقله الله إلى دار كرامته في وقت الفجر من يوم الخميس تاسع شهر رجب من عام تسع وثلاثين وألف، ودفن عند مسجد غمار بالقبَّة التي فيها السيد العلامة أحمد بن المهدي، وولده صلاح الدين - رحمهم الله جميعاً - ووفاة السيد صلاح الدين ووالده في ذي الحجة عام أربعة وأربعين وألف، وموت السيد أحمد بن المهدي قبل ولده.
__________
(1) الخور بفتحتين: الضعف.
(2) غَمَار: قلعة في جبل رازح من بلاد صعدة، وهي غير (غَمَر) القبيلة المعروفة هناك. (معجم المقحفي ص 1183).

أحمد بن محمد بن يحيى(1) [ - ]
الفقيه العالم العابد الفاضل أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أحمد حنش، كان عالماً فاضلاً موصوفاً بالخير والصلاح، وهو صنو إبراهيم السابق ذكره رحمهما الله، وهما من عقب أحمد بن يحيى المذكور صنو العلامة المجتهد و(2) محمد بن يحيى حنش وإليهما عدد من أهل بيتهما والكثير من أهل هذا البيت من عقب محمد بن يحيى المذاكر، وكان أحمد بن يحيى صنو محمد بن يحيى عالماً أيضاً، ولمَّا حج الفقيه أحمد بن محمد بن يحيى المذكور صاحب الترجمة هذه، وعاد من الحج، كتب إليه الإمام العلامة الحافظ(3) الإسناد محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن الوزير والد السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد مؤلف (الفصول) هذه القصيدة.
ساق السرور إليَّ في الأحداجِ ... ما جاء من خبر مع الحجاج
قالوا لنا عن أحمد بن محمدٍ ... بمقالة كالشهد بعد أجاجِ
في مكة وافوه فاز بحجة ... لصعود يرقَى الفضل كالمعراجِ
كم طاف بالبيت العتيق وكم سعى ... ودموعه كالعارض الثجاجِ
يبكي سروراً بالوصال وربما ... أبكى السرور الطرف غير مداجِ
يا فوز من أمسى وبحر غرامه ... يوم اللقا متلاطم الأمواجِ
نعمت يدٌ من نعم نالت أنعماً ... بعناقها في حلة الديباجِ
بالله عن سلمَى سلوا لي أحمداً ... هل لم يفز منها بما هو راجِ
قالوا لنا ما زال يسكب دمعه ... خوف الفراق وصولة الإزعاجِ
/188/
وأقام(4) في عرفات يدعو ربه ... بلسان صدق واضح المنهاجِ
ويقول للحجاج سلمى قد سبت ... لبى بنا ظرها الغضيض الساجي
فهم لفرط هواه قد رقوا له ... لكنهم حسدوه لبس التاجِ
حسدوه فوزاً قد حواه وغبطةً ... طالا به شرفاً على الأبراجِ
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة (106)، هجر الأكوع (3/1309)، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث، ج1 ترجمة رقم 95.
(2) الواو زيادة في (أ).
(3) في (ب): حافظ.
(4) في (ب): ورأوه.

34 / 182
ع
En
A+
A-